الأمن مطلب ضروري لأي مجتمع، وأساسي لنموه واستقراره وازدهاره، ومن ثم فإن توفر الأمن في أي بلد يعكس حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لذلك البلد، وينشر الطمأنينة في طول البلاد وعرضها، وزعزعته في أي بلد، يؤثر في استقراره وأمنه، ويعرقل مسيرته التنموية والحضارية والفكرية. ومن هنا فدور رجل الأمن مهم جداً وعنصر أساسي في حماية الوطن والمواطن على حد سواء، والوقوف بقوة ضد مَنْ تسول له نفسه النيل من أمن الوطن وتهديد استقراره وتشويه صورته. وللأسف فإن الأحداث التي حدثت في مدن المملكة العربية السعودية خلال السنتين الماضيتين وآخرها ما جرى في مدينة الرس، بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومبعث الرسالة التي انطلقت من هنا لتنير البشرية وتهديها إلى الخير والفلاح، قام بها فئة مارقة من أبناء هذا الوطن تنكرت لوطنها وأبناء جلدتها، خرجت عن إجماع الأمة بحمل السلاح لقتل وترويع الآمنين وإلحاق الضرر بالمجتمع، وإتلاف الأنفس والأموال وهتك الأعراض وشق عصا الجماعة، والخروج على ولاة الأمر، ومن ثم تحويل النعم إلى نقم، والأمن إلى خوف، ونشر الفساد في الأرض. هذه الفئة الضالة المنحرفة بأفكارها وأعمالها تقتل كل شيء جميل في حياتنا، ناهيك عن قتلها الإخلاص للدين والوطن وولاة الأمر، ولذا فقد عز على رجل الأمن أن يشاهد جرائمها وقد استهدفت كل شيء، يحركها في ذلك فتاوى رؤسائها الجهلة، فانتفض وهو لا يدافع فحسب عن عمارة أو مصنع أو تجارة أو مدرسة، بل إنه كان يدافع عن وطن وعن جميع ما يسكن داخله، عن كل طفل وشاب، عن كل أب وأم، عن كل فرد من أفراد الوطن، يوجه لتلك الفئة الضالة سهامه الاستباقية القوية لإفساد مخططاتها الإجرامية، وتفكيك خلاياها، وتجفيف منابع مواردها المادية والبشرية، وكان هدف هذه الشرذمة في بداية الأمر إخراج القوات الأمريكية من الجزيرة العربية، فركزت عملياتها الإرهابية في بداية الأمر ضد التجمعات السكانية، التي كانت تضم أجناساً مختلفة الديانات والمشارب، وتضم في الغالب الجاليات الأمريكية والأوروبية كما حدث في الخبر والعليا وإشبيلية وغرناطة، ثم وجهت نشاطها لمهاجمة المجمعات السكانية الأخرى كما حدث في مجمع المحيا، الذي كانت تسكنه أغلبية عربية، ثم ما حدث بعدئذ في كل من مكةوجدة والقصيم وينبع والرياض وغير ذلك. ثم أخذت أعمالها الإرهابية تنصب على كل شيء، وفي مقدمة ذلك إدارات رجال الأمن، كما حدث في مبنى الأمن في الرياض، الذي ذهب ضحيته قتل عدد من الأنفس البريئة من رجال أمن ومواطنين ومقيمين وجرح الكثير. وبالرغم من الخسائر التي مني بها رجال الأمن إلا أن هذا لم يفت في استبسالهم أو يضعف من مقاومتهم وملاحقة تلك الفئة الضالة وتضييق الخناق عليها، وشل قدراتها على الحركة، وأصبحت تنقلاتها مرصودة، مما دفع هذه الفئة الفاسدة للتخبط، والقيام بعمليات فاشلة، كمحاولة استهداف مبنى وزارة الداخلية ومعسكر قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، فالعمليتان أقل ما يقال عنهما إنهما عمليتان دعائيتان لا أقل ولا أكثر، ليقولوا إننا هنا ما زلنا أوفياء، ولكن خاب ظنهم فإن رجال الأمن تمكنوا مباشرة من تلك الحادثة بتطويق وكر مجموعة من تلك الفئة في حي التعاون مما ألحق خسائر كبيرة بالأرواح وبالتنظيم وشل حركتها، وبالتالي أدت مقاومة رجال الأمن البواسل لهذه الفئة الضالة إلى انخفاض أعداد هجماتها بشكل جذري، وإلى القضاء على العديد من عناصرها القيادية وكوادرها. وأسهم نجاح رجال الأمن في التصدي لهذه الفئة الفاسدة في تعزيز اللحمة الوطنية حيث قُتل وقبض على أخطر قادة التنظيم، وتعميق الشعور بالولاء والتضحية لحماية ورعاية مكتسبات الوطن، خاصة أن أعمال هذه الجماعة الإجرامية تعد مخالفة صريحة لقيم وتعاليم ديننا الحنيف، الذي يحرم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. إن نظرة واحدة على قائمة الشهداء والمصابين من رجال الأمن، الذين تعرضوا لها من خفافيش الظلام، تؤكد مدى تضحيتهم واستبسالهم في التصدي لهذه الفئة الفاسدة، والدفاع عن الوطن والمواطن، وتؤكد أيضاً على صلابة أولئك الأشاوس وحرصهم على القضاء عليها واجتثاث جذورها. وعلى الرغم من تعرض البعض للإصابات، إلا أنهم بعد معالجتهم واصلوا تصميمهم في ملاحقة العابثين، بل إن البعض منهم، وبالرغم من تعرضه لإصابات أثناء المداهمة يرفض نقله للمستشفى ويواصل مهاجمة الأعداء. وأمام هذه الضربات بدأت العناصر الضالة تتخبط في تحركاتها، لأنها صدمت بأسلوب المواجهات الاستباقية التي أجهضت بها أجهزة الأمن العديد من العمليات الإجرامية التي كانت تنوي تنفيذها العناصر الضالة، وكذلك تمكن رجال الأمن من القبض وقتل الكثير من أفراد هذه الفئة والاستيلاء على كميات كبيرة من المتفجرات والأسلحة والذخائر المعدة للأعمال الإرهابية، ولم يكتفِ رجال الأمن من ملاحقة تلك الفئة في الداخل والخارج وتشديد الإجراءات الأمنية على الحدود، وذلك لمنع تسلل أفراد هذه الفئة من ناحية وتهريب الأسلحة والمتفجرات من ناحية أخرى. وهكذا فإن جهود رجال الأمن الأوفياء الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل أن يبقى الوطن حراً أبياً شامخاً ترفرف رايته عالياً، ناشرةً العدل والأمن والسلام في ربوع الوطن. ومن أجل هذا كله فإنهم يستحقون منا التقدير والاحترام والدولة - رعاها الله - أحاطت رجال الأمن بكل عناية ورعاية، من ذلك أمر خادم الحرمين الشريفين بتكريم الشهداء والمصابين من العسكريين أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، وذلك بترقية الذين استشهدوا في ميدان المعركة إلى الرتبة التي تلي رتبتهم مباشرة، و إعطائهم راتباً يعادل أقصى راتب درجة المرقين، بالإضافة إلى البدلات والعلاوات التي كانوا يتقاضونها، ومنحهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة ونوط الشرف، كما أمر - حفظه الله - بتعيين أحد أبناء الشهيد بوظيفة والده، ومساعدة أسرة الشهيد بصفة عاجلة بمبلغ مائة ألف ريال مع تأمين السكن المناسب لهم في حدود خمسمائة ألف ريال، وتسديد الديون المستحقة للغير، وكذلك تقديم الأوسمة والمكافآت المادية للمصابين. وقد ثمن كذلك صاحب السمو الملكي ولي العهد - حفظه الله - وصاحب السمو الملكي النائب الثاني وكذلك صاحب السمو الملكي وزير الداخلية جهودهم وتضحياتهم. كما دعا صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إلى تكريم الأبطال من رجال الأمن، وذلك بإنشاء صندوق لدعم المتضررين من أحداث الإرهاب، عرفاناً بدورهم في حماية الوطن والمواطن، والدعوة موجهة إلى رجال الأعمال السعوديين والقادرين من المواطنين المساهمة في هذا الصندوق وتعميمه على جميع بلادنا الواسعة للتعاون مع الدولة في تخفيف معاناة أولئك الجنود البواسل وتشجيعهم لكي يستمروا على عطائهم، بمعنى أن رد الجميل بمثله والحسنة بأحسن منها، ولعل أبسط ما نقدمه بالإضافة إلى ما تقدم تجاه تضحياتهم الكبيرة والجسيمة لحماية الوطن والمواطن من كل مكروه، أن تقدم لهم أوسمة تحدد لها مكافآت تصرف سنوياً لهم أو ذويهم من بعدهم، كما تخصص لأبنائهم مقاعد في الجامعات ممن لم يحصل على مجموع يؤهله لدخول الجامعات، وأن يعطى لهم ولعوائلهم تأمين صحي، وأن يقبل أولادهم في المدارس القريبة من سكنهم، وأن تجرى لهم ولعوائلهم تخفيضات في أجور السفر، كما أدعو إلى إنشاء مشروع وطني هدفه تقديم المساعدة المادية والعينية لأبناء رجال الأمن ممن ينوون الزواج، فديننا الحنيف يحث على التعاون والتكاتف والرحمة والعطف، لقوله عليه السلام (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى السهر). وبالإضافة إلى ذلك تكريم رجال الأمن بتخصيص يوم مفتوح في العام تقدم فيه الهدايا لأولئك الأبطال أو لذويهم، عرفاناً بالجميل وتقديراً لتضحياتهم الكثيرة في الحفاظ على أمن الوطن واستقراره والسهر على راحة المواطنين، وتعرض فيه الخدمات التي يقوم بها رجال الأمن في جميع قطاعاته، ويصاحب ذلك إقامة مسابقات ثقافية ورياضية، تقدم في النهاية جوائز وكؤوس باسم الشهداء، يقوم بتوفيرها القطاع الخاص إسهاماً منه في الإشادة برجال الأمن واعترافاً بجهوده في التصدي لكل مَنْ تسول له نفسه المساس بأمن الوطن ومكتسباته. غفر الله لشهدائنا الأبرار وأسكنهم جنات النعيم، ووفق إخوانهم في مواصلة الكفاح، ليبقى هذا الكيان واحة أمن واستقرار وسلام.