رحل الفتى الأسمر عن الدنيا بعد معاناة دامت لأكثر من عام وصراع مع المرض الذي انتشر في جسده، بعد مسيرة أكثر من ربع قرن من الفن والثقافة، وتجسيد هموم المواطن المصري. لم يكن زكي يحب أن يلعب دور (البطل السلبي) حسب تعبير لوكاش الذي يتصرف بمبدأ رد الفعل الواقع تجاهه، وإنما كان (البطل الإيجابي) الذي يصنع الحدث ويتابع نموه. مسيرته حافلة بالأدوار المركبة التي تمثل واقعاً أيديولوجياً للإنسان المعاصر، ففي مسلسل (الأيام) -الذي يعد انطلاقته الأولى تليفزيونياً- جسد فيه دور عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بكل معاناته وآلامه وآماله وتطلعاته، ومروراً بالسينما التي لعب فيها أدواراً لا يمكن حصره في زاوية من زوايا العمل السينمائي فهو حجر الزاوية, ومركز الدائرة الذي يدور العمل من حوله. هو (الرجل المهم) في (زوجة رجل مهم) وهو (زينهم) في (الإمبراطور) رجل الشرطة والمجرم، ضدان التقاهما زكي وجسدهما بكل ما يحمل من ثقافة وفن وخبرة طويلة علمته أن يكون جمال عبد الناصر في (ناصر 56) وأنور السادات في (أيام السادات)، لم يفصح زكي عن توجهه الأيدولوجي، حينما لعب دور ناصر حَسِبَ المشاهد والناقد معاً أنه ناصري, لكنه سرعان ما فاجأ الجميع بفيلمه (أيام السادات) ليقول إنه مصري (خالص) غير ناصري ولا ساداتي وإنما هو فنان عاشق لفنه وعمله، أراد أن يترك القدوة العملية والتاريخ المشاهد إلى جانب التاريخ المقروء، الواقع الأيدولوجي السينمائي العام مأزوم إذ انزوت الفكرة وراء (الإفيه)، لكن زكي خلال السنوات الأخيرة من حياته جعل الفكرة هي بطل عمله المحوري الذي تدور حوله القصة، ويلتف المشاهد حوله، ليجعل المتلقي عنصرا فاعلا في العمل الإبداعي. أحمد زكي ابن محافظة الشرقية، وهي نفسها التي أنجبت (العندليب الأسمر) عبد الحليم حافظ، وكلاهما ظاهرة تستحق الوقوف والتأمل والمشاهدة، إذ جمعتهما مشاعر اليتم واتقان العمل والموت في الشهر نفسه (مارس) وكذلك حب الناس. كانت الرؤية لدى زكي مشبوبة بالأمل، والنظر إلى الواقع المأزوم الذي يعانيه أبناء جيله منذ فيلم (أبناء الصمت) و(العمر لحظة)، ومعاناة الشباب خلف خط النار قبل حرب أكتوبر. لم يكن زكي من الفنانين الذين وصلوا للنجومية بسرعة الصاروخ، حتى حينما سئل عن سبب نجوميته السريعة ضحك قائلاً (عشرين سنة شغل) ونقول نجومية سريعة.. عمر لم يكن طويلاً عاشه زكي من أجل التعبير عن معاناته الشخصية ومعاناة أبناء جيله ومعاناة الواقع الثقافي المعاش، فخرج من إطار المحلية إلى إطار العربية، فكان نجماً عربياً بكل ما تحمله الكلمة من مضامين إيجابية. رحل النجم (الكاريزما) بعدما عاش يحبه الناس، ورحل أيضاً وهو يحبه الناس. وقفة: رحم الله أحمد زكي.