وجد النجم السينمائي المصري أحمد زكي نفسه، بسبب الملابسات والمشكلات التي تطارد فيلمه الأخير المثير للجدل "أيام السادات"، مضطراً لأن يصارع طواحين الهواء. واذا كان بطل سرفانتس في رائعته "دون كيشوت" ادعى البطولة من دون ان يحظى بمؤهلاتها، وسعى الى تحقيق العدل والإنصاف للناس على رغم عجزه وفقره، فتقمص شخصية البطل وذهب ليحارب طواحين الهواء لأن قدراته لا تتيح له قتال عدو حقيقي أو مقاتل آخر، فإن زكي على رغم اصراره على انه لم يسع الى ان يكون بطلاً قومياً أو رمزاً سياسياً، وجد ان طواحين الهواء نصِبت أمامه. وعلى رغم الإقبال الواسع على الصالات التي تعرض الفيلم داخل مصر، والتكريم الذي حصل عليه زكي وزملاؤه من صناع الفيلم، بمنح الرئيس حسني مبارك اياهم وسام الفنون، وعلى رغم ان الكتابات النقدية لم تصب فقط في اتجاه الهجوم على الفيلم وانما توزعت بين مؤيد ومعارض له، لم يحقق زكي كمنتج أي مكاسب مادية، بل ربما كانت الخسارة فادحة. وهذا دعاه الى التساؤل: "هل كل ذلك لأنني تفرغت سنتين كاملتين لأقدم عملاً سينمائياً محترماً؟". النجم الأسمر تعرض لضربة شديدة بعدما تسربت احدى نسخ الفيلم وطبعت على أشرطة فيديو، اكتشف انها تتداول سراً في بعض المناطق وعلناً في مناطق اخرى، لتضرب حقوقه في ريع توزيع الفيلم على اشرطة فيديو. ربما أجاد زكي تجسيد شخصية ضابط الشرطة في أفلام منها "زوجة رجل مهم"، لكنه عجز على أرض الواقع في تحديد المسؤولين عن تسريب نسخة الفيلم، وبالتالي الخسارة. وهو علّق قائلاً: "أنا ممثل ومهمتي ان أقف أمام الكاميرا بعد ان أفهم الشخصية جيداً ثم أجسدها". وأكد انه لن يحارب طاحونة هواء، فالخسارة وقعت بالفعل. اذا كانت تلك المشكلة الوحيدة التي واجهت الفيلم فربما تكون مصادفة، لكن الفيلم وقع ضحية سياسة التخصيص، احدى ثمار الانفتاح الذي فرضه الرئيس السابق أنور السادات، والتي جعلت شركة استثمار مصرية تحتكر سوق توزيع الأفلام داخل البلاد وفي الخارج. وحين ذهب زكي الى الإمارات ملبياً دعوة تلقاها من "مركز زايد للتنسيق والتنمية" لعرض الفيلم هناك، سعد بالحفاوة التي قوبل بها وفيلمه، فسعى الى استثمار النجاح بعرضه في عدد من الصالات هناك، ولكن جاءت الصدمة الثانية عندما اكتشف ان تلك الشركة احتكرت توزيع الافلام في اكثر من 30 صالة، ولم تقبل إلا بعرض ما تنتجه فقط. فآثر زكي السلامة وبحث عن باقي الصالات، فاكتشف ان الشركة أبرمت اتفاقات مع أصحابها ليعرضوا افلاماً من انتاجها فقط. سار في الشوارع وتردد على الصالات، فاكتشف انها لا تعرض سوى أفلام اجنبية. وتكرر الأمر بصورة مشابهة في الكويت، ففضل زكي ألا يحارب طواحين الهواء هنا وهناك. ووفقاً لاتفاق أبرمه زكي مع اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري، يحصل الاتحاد على ريع عرض الفيلم في الصالات المصرية، في مقابل تسهيلات انتاجية والانفاق على الحملات الاعلانية، على ان يحصل زكي على ريع توزيع الفيديو والعروض الخارجية. رصد نتائج زيارته الى الاماراتوالكويت: "الناس يرغبون في مشاهدة الفيلم لكنهم لا يستطيعون". ولاحظ ان "هناك تعبئة ضد الفيلم"، مشيراً الى كتابات نقدية بدّلت عبارات وردت على لسان السادات في الفيلم، لمحاولة الإساءة اليه. فكلمة "الطوب" بدلها احدهم الى "الحجارة" للايحاء بأن السادات كان ضد الانتفاضة الفلسطينية و"أطفال الحجارة". قال زكي: "هناك من أرادوا استعداء الناس ضد الفيلم، فالسادات مات قبل الانتفاضة الأولى بسنوات ولم يكن تعبير أطفال الحجارة ظهر. أنا لست ضد نقد الفيلم أو حتى الهجوم عليه، لكنني أعترض على الافتراء والتلفيق". وا ضاف: "على رغم ان السادات في الفيلم أشاد بالسوريين والرئيس الراحل حافظ الأسد ووصفه بأنه قائد عظيم، وشدد على ان الجبهة السورية كانت سنداً للجبهة المصرية في حرب 1973، كتب أحدهم ان الفيلم اساء الى العرب عموماً والسوريين خصوصاً". وامتزج الأسى بالسخرية في حديث زكي الى "الحياة": "اللي مش عاجبه حاجة في الفيلم يقولها، لكن التلفيق غلط وضرب الفيديو غلط، وتصدي الشركات الاحتكارية الكبيرة للفيلم غلط. أنا مواطن مصري أحاول تحريك المياه الراكدة، قدمت للناس وثيقتين تاريخيتين عبر فيلمي "ناصر 56" و"أيام السادات"، نجحت مع زملائي في الاقتراب من أصحاب القرار بعدما ظللت لسنوات أتناول قضايا رجل الشارع. في النهاية صرت أصارع طواحين الهواء وأبحث عن الحقيقة، واذا تحدثت هاجموني بدعوى انني أضيق بالنقد. أنا سعيد بالجدل حول الفيلم، قابلت الجماهير العربية في الكويتوالإمارات، ومنهم سوريون وأردنيون ومن جنسيات اخرى، اعربوا عن رغبتهم في مشاهدة الفيلم". ويتحدث زكي عمن كتبوا قاصدين استعداء بعض الحكومات ضد الفيلم: "واحد قال ان ليبيا منعت عرض الفيلم لأن علاقات السادات بالزعيم الليبي معمر القذافي كانت سيئة. طيب السادات مات من 20 سنة. وناس تانيه قالت ان الفيلم لن يعرض في الأردن أو سورية. انها حملة لتخويف أصحاب الصالات والموزعين، عبر الإيحاء بأن هناك قرارات سياسية صدرت من زعماء عرب بمنع الفيلم!! وهذا لم يحدث. انه مجرد شريط سينمائي لا علاقة له بالعلاقات بين الدول، أنا اسمي أحمد زكي ولست أنور السادات، حقي ان يرى الناس الفيلم ثم يحكمون عليه". وعلى رغم أحزان زكي وخسارته، ما زال فخوراً بفيلمي "ناصر 56" و"أيام السادات"، وحين سألته "الحياة" لماذا لم يتعر ض الأول حين عرض قبل سنوات للحملة ذاتها والملابسات ذاتها، رفض التفسيرات السياسية، لكنه خلص الى تأكيد انه لا يفهم في "البيزنس" ولا يسعى الى ان يكون زعيماً سياسياً، وانه غير معني بردود الفعل على سياسات جمال عبدالناصر أو السادات. ووعد بألا يبحث عن طواحين هواء ليحاربها.