تخريج (3948) رجل أمن من مدن التدريب بمنطقتي الرياض ومكة    التحالف الإسلامي يختتم في عمّان ورشة عمل إعلامية لمحاربة الإرهاب    الجيش السوداني يعلن سيطرته على مدينة بارا الإستراتيجية غربي البلاد    150 مستفيدا من مبادرة إشراقة عين بالشقيق    أبحاث أسترالية تؤكد دور تعديل نمط الحياة في خفض معدلات الإصابة بالخرف والزهايمر    النهج الأصيل    فن التسوق    الراية الخضراء    ثوابت راسخة ورؤية متجددة    الهجوم على الدوحة.. عدوان على مساعي السلام    الفاشر: مدينةُ تحوّلت إلى محكٍّ للمعركة والإنسانية    العالم يترقب «دوري أبطال أوروبا» البطولة الأغلى والأقوى في العالم    د. بدر رجب: أنا اتحادي.. وأدعو جميل وبهجا لمنزلي    قفز الحواجز    المملكة توزّع (797) سلة غذائية في أفغانستان    إحباط تهريب (53.7) كجم "حشيش" في جازان    التكامل بين الهُوية والاستثمار الثقافي    مها العتيبي.. شاعرة تُحاكي الروح وتكتب بوهج اللحظة    القيادة والاستثمار الثقافي    هبات تورث خصاماً صامتاً    سِيميَائِيَّةُ الأَضْوَاءِ وَتَدَاوُلِيَّتُهَا    حراسة المعنى    مجلس الشورى.. منبر الحكمة وتاريخ مضيء    فتح مسارات جديدة للنمو    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُعيد قدرة المشي لستينية بإجراء جراحة دقيقة لاستبدال مفصلي الركبة    كشف مبكر لمؤشرات ألزهايمر    خريطة لنهاية الحرب: خيارات أوكرانيا الصعبة بين الأرض والسلام    تطابق لمنع ادعاء الانتساب للسعودية    غداً .. انطلاق الدوريات الممتازة للفئات السنية    أمين القصيم يوقع عقد صيانة شوارع في نطاق بلدية البصر بأكثر من 5,5 ملايين ريال    محافظ وادي الدواسر يستقبل الرئيس التنفيذي للمجلس التخصصي لجمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة    امانة القصيم تطلق مهرجان الدليمية بعدد من الفعاليات والأنشطة في الحديقة العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الخطاب الملكي يؤكِّد على المبادئ الراسخة لهذه الدولة المباركة    الوفد الكشفي السعودي يبرز أصالة الموروث الشعبي في فعالية تبادل الثقافات بالجامبوري العالمي    بلباو يوضح مستجدات التعاقد مع لابورت من النصر    خلال تدشينه جمعية كافلين للأيتام بالمحافظة محافظ تيماء: خدمة الأيتام تتطلب فكرًا وعملًا تطوعياً    «كشف النقاب» في لندن    ⁨جودة التعليم واستدامته    250 مشروعًا رياديًا تتأهل إلى التصفيات النهائية لكأس العالم لريادة الأعمال بالرياض    المملكة تقدم للعالم جدول فعاليات استثنائي بمشاركة كريستيانو رونالدو    أمير منطقة جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة    الفتح يغادر إلى جدة لمواجهة الاتحاد .. وباتشيكو ينضم للتدريبات    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تطلق منصة التوازن العقاري لاستقبال طلبات المواطنين لشراء الأراضي السكنية    منتدى المشاريع المستقبلية 2025 يثمن دور عين الرياض الرائد في دعم قطاعات الأعمال والمؤتمرات والسياحة والاستثمار    " كريري" يزور المدخلي للاطمئنان على صحته بعد نجاح عمليته الجراحية    غدا..إقامة الحفل الختامي لمهرجان ولي العهد للهجن في نسخته السابعة بميدان الطائف    محافظ الطائف يلتقي القنصل الامريكي رفيق منصور    نائب أمير منطقة تبوك يدشّن مشروع السكتة الدماغية الشامل بالمنطقة    الأخضر الشاب يتوج بطلاً لكأس الخليج تحت 20 عامًا بعد فوزه على اليمن    السعودية ترحب وتدعم انتهاج الحلول الدبلوماسية.. اتفاق بين إيران والوكالة الذرية على استئناف التعاون    أكد أن النجاحات تحققت بفضل التعاون والتكامل.. نائب أمير مكة يطلع على خطط طوارئ الحج    200 شخص اعتقلوا في أول يوم لحكومة لوكورنو.. احتجاجات واسعة في فرنسا    منافسة نسائية في دراما رمضان 2026    مخالف الرعي في قبضة الأمن البيئي    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    وزير الدفاع لرئيس وزراء قطر: نقف معكم وندين الهجوم الإجرامي السافر    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة أعظم سبل إصلاح الأمة.. ومصادر التلقي لدى عامة المسلمين
شددوا على الخطيب في هذه المرحلة.. خطباء وأئمة مساجد:
نشر في الجزيرة يوم 15 - 08 - 2003

تعد خطبة الجمعة من المنابر المهمة في توعية الناس وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم لاسيما في ظل الأحداث الراهنة التي تتطلب من الجميع التكاتف والتعاون لمواجهتها، ماذا يتوجب على خطيب الجمعة في توعية المجتمع لتحقيق الوسطية والاعتدال في السلوك والمنهج؟ سؤال طرحناه على عدد من الخطباء وأئمة المساجد.
الإجابات جاءت متباينة وحملت في طياتها العديد من المعاني.
وأبان الخطباء والأئمة أهمية خطبة الجمعة في حياة المسلمين ومدى مسؤوليتها في تغيير السلوك وتصحيح المفاهيم، وهداية الخلق. حيث طالبوا الخطيب أن يكون عالماً بما يدعو إليه، مستحضراً أدلته من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، كذلك حسن اختيار الموضوع وارتباطه بالقضايا الاجتماعية والتربوية التي تهم الإنسان.
مصدر المعرفة
بداية تحدث د. فالح بن محمد الصغير إمام وخطيب جامع الهريش بحي الملز بالرياض قائلاً: لا شك أن خطبة الجمعة من أهم مصادر التلقي لدى عامة المسلمين، فالخطيب مبلغ عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو معلم وواعظ ومرب، فمن أهم الواجبات الأساس على الخطيب وعيه بمهمته، ومعرفته بوظيفته، وتقديره لمكانته، واستشعاره لأهمية هذا المنبر الذي يبلغ من خلاله الناس ويبصرهم بأمور عقيدتهم، وما يضادها، وتبيين ما يجب عليهم من أحكام الحلال والحرام، والسلوك والأخلاق، وما يجب عليهم تجاه دينهم، وما ينبغي عليهم تجاه الأزمات والمواقف والنوازل التي تمر بالمجتمع.
وأوضح د. الصغير أن الناس ينتظرون توجيه خطيبهم فهو محل القدوة والعلم والمعرفة، وهو الموثق من قبل ولاة أمرهم بتعيينه في هذا المكان المهم، مركز التوجيه الأسبوعي.. موضحاً أن من أهم القضايا التي يحتاجها الناس بياناً وتوضيحاً، وعملاً وسلوكاً قضية الوسطية والاعتدال التي قام عليها هذا الدين بكلية فهو وسط بين الأديان، وقامت عليها تشريعاته كلها ابتداء بالعقيدة وسائر التشريع.وطالب د. الصغير الخطيب أن يبين للناس مفهوم هذه الوسطية حتى لا تنحرف تلك المفاهيم كل حسب فهمه غلواً أو تقصيراً، وأن يربط هذا المفهوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وبالأدلة الواقعية من عمل سلف هذه الأمة الذين تمثلوا هذه الوسطية حقاً، وكذا ضرب الأمثلة من تلك التشريعات الإسلامية لتحقيق هذه الوسطية.ومن هنا يتجلى مفهوم الوسطية نظرياً وتطبيقاً.
دلالة خير
ومن جانبه يوضح د. عبدالسلام بن برجس العبدالكريم إمام وخطيب جامع الشهيد بالرياض أن خطيب الجمعة ائتمنه الشارع على هذه الوسيلة للإعلام بدين الله عز وجل، فهو يؤدي عبادة جليلة، ويقوم بالتبليغ عن الله عز وجل فحق عليه أن يلتمس ما شرعه الله في هذه الخطبة، وما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس له أن يتصرف فيها بما يهواه أو يشتهيه حتى يوافق الكتاب والسنة، مبيناً أن علماء الإسلام اجتهدوا بتبصير الخطيب بأحكام الخطبة، وأول من جمع ذلك في كتاب هو علاء الدين بن العطار، المتوفى سنة 724ه في كتابه «أدب الخطيب» كما كتب ابن القيم الجوزية في كتاب «زاد المعاد» نبذاً من ذلك، ومما جاء في كلامه: أن مدار خطب النبي صلى الله عليه وسلم على حمد الله والثناء عليه بآلائه، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله. وكان صلى الله عليه وسلم يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم.
وهذا الذي ذكره واضح في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويُذكِّر الناس» ومن هنا أخذ فقهاؤنا الشافعية: أن الوعظ ركن من أركان الخطبة.
وأضاف د. العبدالكريم أن المتتبع للسنة من الخطباء لا يسعه سوى الاهتداء بهدي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يؤدي ما عليه من تعليم الناس وتذكيرهم، فيخرجون من صلاة الجمعة، وقد امتلأت قلوبهم من محبة الله والشوق إليه، والعمل بما يرضيه والابتعاد عما يسخطه، ما يكون الخطيب شريكاً في أجره لدلالته عليه.
ومن أبرز ما يتعين على الخطيب إبرازه في وقتنا هذا: تذكير الناس بوسطية هذا الدين الحنيف، وسهولته ويسره، حتى تتضح محاسن دين الإسلام، ويزداد المسلمون ثباتاً عليه مشيراً إلى أن زمننا هذا قد طفح بانتقادات الغربيين ونحوهم لدين الحق الإسلام، وقد وجدوا في أفعال بعض أهل الإسلام المخالفة له، ما يبررون به انتقاداتهم، فصدوا الناس عن سبيل الله تعالى. فهذه المشكلة المؤلمة لا يدفعها ويخفف إفسادها إلا وسائل الإعلام عند المسلمين، ومنها خطبة الجمعة، فإنها بحق أعظم وسائل الإعلام، لأن المصلين قد تهيئوا لسماع الموعظة وأقبلوا عليها، فتأثير الخطبة فيهم أبلغ من غيرها.
وطالب د. الصغير الخطيب ان يراقب الله في هذا المنصب الذي تقلده، فيستشعر عظمة المسؤولية، فلا يتكلم بهوى، وإنما يتكلم بما يرضي الله على نهج أئمة السلف، في اختيار الموضوع المناسب لتذكير الناس وتعليمهم، وفي البعد عن الموضوعات التي تضر العامة، أو تهيج الفتن، فذلك مناقضة لمقاصد الخطبة في شريعة الإسلام. وعليه إن أراد السلامة من محدثات البدع في الخطابة المعاصرة ان يقتفي أثر العلماء الكبار، وأن يتابعهم في خطبهم. مشيراً إلى أن المسلمين كانوا في زمن يتلو عليهم الخطباء ما حرره العلماء من الخطب، وما زادهم هذا إلا هدى وتقوى، ونحن بحاجة ماسة في ظل الأوضاع السائدة، من قيام وزارة الشؤون الإسلامية بتكوين لجنة من العلماء وطلبة العلم المعروفين لإعداد خطب يلتزم بها من عدا العلماء من خطباء الجوامع، فذلك خير عظيم، وحفظ للشريعة من تسلط الجهلة عليها، وتشويهها بجهالاتهم.
بيان منهج السلف
ومن ناحيته طالب د. صالح بن محمد الونيان إمام وخطيب جامع حي الخليج ببريدة خطيب الجمعة توعية المجتمع لتحقيق الوسطية والاعتدال في السلوك والمنهج وربط الناس بحياة السلف وبيان منهج السلف رحمهم الله والسعي من أجل تكوين البصيرة لدى الناس حتى لا يخدعوا بما يسمعون ممن يريد التلبيس عليهم والعمل على تدعيم مقومات الشخصية الإسلامية الحقة في الناشئة منذ الصغر وبيان فقه المقاصد وبيان ضوابط القدوة الصالحة وأبراج القيادات الشرعية الموثوقة للناس ليتم تواصلهم معهم وتحذيرهم من الأفكار التي تهدم ولا تبني سواء الإفراط أو التفريط.
الوسطية والاعتدال
ويوضح الشيخ عبدالله بن محمد الغميجان إمام وخطيب مسجد عائشة بالرياض أن خطبة الجمعة من أهم مظاهر الحياة الإسلامية، ومما يتميز به المسلمون، وهي مسؤولية ذات خطر عظيم وأثر بالغ في تغيير السلوك، وتصحيح المفاهيم، وتثقيف الفهوم، وإقامة الحجة، وبيان الحق، وهداية الخلق.
موضحاً أن الوسطية والاعتدال خلقان محمودان، وهما من سمات أمة الإسلام والسلف من الصحابة والتابعين والأئمة المهديين هم أهل المنهج الوسط، لأنهم أعرف الناس بالحق، وأرحمهم بالخلق.
وقال الشيخ الغميجان إن الخطيب هو طالب العلم وداعية وناصح، معني قبل غيره بلزوم جادة الوسط، ورعاية منهج السلف في الدعوة، والنصيحة، والإرشاد، والأمر والنهي، والحكم، والصلة، والهجر، ولعل ما يعين على تحقيق ذلك: الإخلاص لله سبحانه في خطبته، وشأنه كله، فإنه ما كان لله يبقى ويؤثر ويبارك فيه، وهذا يستلزم دوام الصلة بالله جل وعلا، وسؤاله التوفيق في خطبته، والسداد في رأيه، وحسن القبول لقوله، فليستعن بالعبادة قولاً وعملاً وفكراً وتأملاً، ولنضع هذا في دائرة اهتمامنا وكذلك صدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله وتعامله وأخلاقه، وهذا يقتضي أن يكون الخطيب عالماً بما يدعو إليه، مستحضراً أدلته من الكتاب والسنة وأقوال العلماء من السلف والخلف، لأن الخطبة إذا جاءت خالية من الأدلة فقدت قيمتها، وأعظم شروطها، وأهم مقومات قوتها، وتأثيرها في السامعين، وحشد الأدلة الشرعية، وأقوال أهل العلم، وحسن الاستفادة منها، وتوظيفها يخرج الخطيب من دائرة الرأي الشخصي، والتعبير الإنشائي وأيضاً حسن اختيار الموضوع، بحيث تكون موضوعات خطبه مما تعني المستمعين في الاعتقاد، والعبادات والمعاملات والآداب، والسلوك، والقضايا الاجتماعية والتربوية، وتجنب الموضوعات التي لا تعني من حوله كالموضوعات التي لها وقت أو سبب محدد، فهذه إذا جاء وقتها أو وجد سببها، أو موضوعات تتعلق بمن ليس موجوداً أمام الخطيب، أو تعني شخصاً أو فئة محدودة على حساب الغالبية، أو موضوعات تكون المصلحة في تجاهلها درءاً لمفسدة أعظم فمن الأهمية أن تكون الموضوعات لها صفة العموم لا الخصوص، وأن تكون الخطب مبنية على خطة مدروسة، وأهداف محددة، واضحة يسهل تحقيقها، وقياس نتائجها وآثارها، مشيراً إلى أن بعض الخطباء لا يدري ماذا يريد، وتمضي عليه سنوات دون أن يكون له أثر فاعل، ودون أن يحقق الإقناع المطلوب، والتغيير المحمود، والسبب العائد إما إلى ضعف علميته، أو ضعف آلية معالجته وأسلوبه، أو قلة اهتمامه، أو عدم وضوح أهدافه، وكذلك يجب على الخطيب تحديد عناصر الموضوع، وجمع مادته، والاهتمام بحسن صياغته، وحبك عبارته، وقوة معالجته من جوانبه كافة، وهذا يقتضي إعطاء الخطبة الوقت والجهد الكافيين من جهة التحضير والمراجعة والتأمل، عكس ما يفعله بعضهم بكتابتها في صبيحة يوم الجمعة، فتأتي ضعيفة المحتوى، مبعثرة الأفكار، فقيرة من الأدلة الشرعية، عديمة التأثير، وهذا ربما دفعهم إلى الاستعاضة عن ضعف التحضير بالحدة في الصوت أو الخطاب الانفعالي، والعبارات الحماسية المنفلتة، أو الجرأة المذمومة والغيرة المفتعلة، وأيضاً يجب مراعاة التوازن في الطرح، فكرة وأداءً، فلا تكون باردة تصيب بالملل والنعاس، ولا تكون ملتهبة عاصفة متشنجة متوترة تهيج العواطف، وتفقد التركيز، والتعقل والاتزان، فالحماس المنفلت والهيجان لا يحلان مشكلة، ولا يعالجان قضية، بقدر ما يزيدان من درجة الغليان وشدة الاحتقان، ويدفعان إلى تصرفات قد لا تحمد عقباها، وهو غضبان. ومدح أهل الحلم والأناة، وحث على الرفق واللين والمجادلة بالحسنى، والعبارات الهادرة لا تزيد النار إلا اشتعالاً، ولا الفتنة إلا انفجاراً واتساعاً، ونحن في وقت عصيب أحوج ما نكون فيه إلى كبح جماح العواطف الغالية، وتهدئة الناس وتثبيتهم، فلا يجعل الخطيب من نفسه هدفاً لاستفزازات المندفعين المتعجلين من الأخيار، ولا غرضاً لاستخفاف المبطلين والمنافقين بكتاباتهم السخيفة وآرائهم الشاذة وطروحاتهم المنحرفة، قال تعالى: { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) } وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإعراض عن اللغو، والجاهلين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدل والمماراة والملاحاة، ومراعاة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وتقوية روح الترابط والاخوة الإيمانية، ووحدة الصف، وتآلف القلوب، واجتماع الكلمة، وفتح نوافذ التأمل والتدبر في الحال والمآل، والتربية على قبول الحق، والاشتغال بما ينفع، وتطوير القدرات، وتنمية المهارات، والعمل على تنقية المعلومات الإنسانية من أسباب القطيعة والشحناء، فالسفينة واحدة، والمصير واحد، والظرف دقيق، والخطر محدق، والأعداء كثر يتربصون بنا الدوائر.
وكذلك مراجعة الذات، وتلمس جوانب القصور والضعف في الذات والخطبة، والعمل على تلافيها.
وطالب الشيخ الغميجان الأئمة والخطباء بلين الجانب، وحسن الخلق، والمبادرة بالتحية والبشاشة، والبشر، وطيب الكلام، والدفع بالتي هي أحسن، وبذل المعروف، ونجدة الملهوف، والسعي مع ذي الحاجة بقدر الوسع والطاعة، والصبر على ذلك واتخاذه قربة إلى الله عز وجل.
فما أجمل أن تظهر للناس محبتك لهم، وحرصك على نفعهم، وحدبك عليهم، وخوفك عليهم من عواقب المخالفات في الدنيا والآخرة، وكذلك الاجتهاد في ايصال الرسالة إلى المتلقي بأفضل أسلوب، وهذا لا يعني أن جميع المتلقين سيوافقون على ما سمعوه، فضلاً عن أن يقتنعوا فيه، وهذه سنة الله في خلقه، فالأنبياء عليهم السلام وهم صفوة البشر، وبلغوا البلاغ المبين، ومع ذلك آمن بهم من آمن وكفر من كفر، لكن الخطيب مطالب بتضييق دائرة المخالفة، والاجتهاد في تلافي دواعيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والله موفقه إلى ذلك متى ما أحسن النية، واهتم بالأمر.
مواكبة الأحداث
ومن جانبه يؤكد فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح القصير إمام وخطيب جامع الأمير فيصل بن محمد بن تركي بالمغرزات أن موضوع خطبة الجمعة هو ذكر الله تعالى، والتذكير بنعمه وحقه ولقائه وثوابه والخطيب الناجح هو الذي يراعي المناسبة، وحال الجمهور، وأسلوب الخطاب فيضمن عموم خطبه: الوصية بالتقوى، وترسيخ الإيمان، والتذكير بشكر النعم، والتحذير من أسباب العقوبات والنقم، ويبصر بالأحكام، ويذكر محاسن الإسلام، ويحث على صالح العمل قبل مفاجأة الأجل، ويحض على التمسك بالسنة، ويحذر من البدعة والفتنة، ويوصي بالاجتماع، والاتفاق، وينبه على شؤوم الاختلاف والشقاق، ويأمر بإعطاء كل ذي حق حقه، وينهى عن الظلم والبغي.
ويضيف إذا ما جدت حادثة أو نزلت نازلة فإن الخطيب الناجح يعني في خطبته ببيان حكم الحادثة، وما ينبغي عند النازلة، ويهتم بكشف الشبهة ورد الضلالة، ويؤكد على أهمية وحدة الأمة، واجتماع الكلمة، والرد إلى أولي الأمر بالشأن، حذراً من اتباع الشيطان، وتبيان تلك الحقائق بأسلوب أخاذ، وطرح جذاب، واقتصاد في الخطاب، واعتدال في تقدير الحدث، ودقة في تحديد الهدف، وسلوك أفضل منها لتقويم الاعوجاج.
ومتى ما أخطأ الخطيب هذه المعايير أساء التقدير، فصار تيسيره تفريطاً، وتحذيره تقنيطاً، ونصحه غلطاً، ورأيه شططاً، وكان ما يفسد أكثر مما يصلح، وما يخسر أكثر مما يربح، وهذا شأن الفتَّانين المفتونين.
مراعاة حال المصلين
ومن ناحيته قال د. عبدالرحمن بن معلا اللويحق إمام وخطيب جامع الراجحي بحي الملك فهد بالرياض: خطبة الجمعة من أعظم سبل الإصلاح في الأمة، فمن طريقها يمكن أن يصلح حال فئات من الناس، إذ الشارع الحكيم لا يشرع أمراً إلا لحكم وغايات، ومقاصد وأهداف، بيد أن العباد ببعدهم عن الالتزام يفوتون على أنفسهم تحقيق تلك المصالح.
ولئن كان نفع الخطبة عظيماً في كل حال، فإن أيام الفتن والشرور تستدعي أن يُستنفر أهل العلم والخير لإصلاح الأمة وإبانة الخير لها والتحذير من الشر وأهله، وأما السياق الزمني الذي نعيشه حيث وقع هذا الجرم العظيم: التفجيرات في مدينة الرياض، إلا من السياقات التي تستدعي اهتمام طلبة العلم والعلماء، بإبانة الحق للخلق، والخطبة سبيل من سبل ذلك، وأحب هنا أن ألفت إلى أن من فقه الخطيب أن يكون مستحضراً الهدف الذي يريد أن يتوصل إليه بخطبته، والهدف هنا يجب أن يكون الصدع ببيان عظيم الجرم وخطره، وتعريف الناس بحكم الله عز وجل في هذا العمل، والعناية بالأساس الكلي وهو تعظيم الشريعة والوقوف عند حدود الله، أو الوسطية وأنها أساس الدين وأن ذلك يحقق السلامة من كل انحراف، وأن تلك العناية تربط الكلام وتنظم عقده، كما تربط على ذهن السامع فلا تستخفنه أقوال هؤلاء أو أولئك. وكذلك الوضوح لأن الحال يقتضي الوضوح التام، وعدم الانصراف إلى التعميمات الموهمة، أو التعبيرات التي تحمل وجوهاً في الفهم تخرج الناس إلى الاختلاف لا الوفاق، ونصوص السنة في مثل هذه الأمور قاطعة واضحة الدلالة فمن أكثر من ايرادها في مواضعها سلم من هذه الآفة.
وكذلك ضبط الألفاظ ولأن للقول أثره العظيم في نفوس الناس، ومراعاة حال المصلين في المسجد نسبة لاختلاف روادها من جميع الفئات ولذلك من الحكمة أن يحسن الخطيب عرض الموضوع بحسب حال السامعين، ومناقشة الأحداث وإبانة موقف الشريعة منها، وفي ذلك احترام لعقول الناس، وتحقيق لمقصد البلاغ والبيان.
وأن يعمل الخطيب على الحرص على التثبت بحسبان أن خطبة الجمعة يحضرها أناس تختلف أفكارهم وقدراتهم العلمية والعقلية وكلهم في الغالب يقف موقف المتلقي من الخطيب فكان واجباً على الخطيب أن يثبت مما يقول، خصوصاً في زمن الشدة والفتن التي تكثر فيها الشائعات، والسعي لفتح أبواب العمل للناس بما يستطيعون القيام به فلا يخاطب العوام بما يخرج عن قدرتهم، أو ينكر عليهم أمراً ليسوا هم القائمين عليه، أو يخاطبهم بلهجة شديدة ولا يذكر ما يمكن للناس عمله تجاه ذلك المنكر فيؤجج مشاعرهم فيقفون موقف المحتار الذي لا يدري ما يعمل.
وكذلك يجب على الخطيب ألا يتأثر بالناس بل يكون مؤثراً فيهم: فلا يكون كلامه متأثراً بموقف العامة فيرغب في ارضاء جمهور الناس وأيضاً الحذر من الإغراق في التخويف وبث القلق في نفوس الناس، والعمل على دوام الإصلاح واستمرار المعالجة، لأن هذه الأزمة كشفت ثغوراً، وأظهرت عواراً وإن من فقه الخطيب أن يتأمل الواقع ويضع خطة عمل لما يمكن أن يقوله، ويكون مؤثراً في توعية المجتمع.
ويضيف اللويحق أن المجتمع بحاجة إلى مزيد من التأكيد على معاني تعظيم الشريعة وخطر الخروج عنها إن بالغلو وإن بالتفريط فقد أظهر الحدث أن في الناس من نزع إلى أحد المنزعين، واستدامة طرح الأمر بأساليب شتى يحقق نوعاً من الحضانة للمجتمع وفي نصوص الشريعة المتعلقة بالوسطية والاعتدال والحكمة، وإعطاء كل ذي حق حقه ما يعين الخطيب على تحقيق ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.