الإحصاء: 2.3% التضخم السنوي في السعودية خلال أغسطس 2025م    جدة تستضيف مؤتمر ومعرض المكتبات المتخصصة 2025 غدًا    السعودية تختتم مشاركتها في الجامبوري العالمي بإندونيسيا    وفد من ديوان المظالم يشارك في المؤتمر الدولي الثاني للتدريب القضائي    السجل العقاري "RER"شريك مستقبل العقار في القمة العالمية للبروبتك 2025    خرق مسيّرة أجواء رومانيا هو "استفزاز" أوكراني    سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تزور الملحقية العسكرية السعودية في واشنطن    مؤتمر حائل لأمراض القلب : منصة علمية لتعزيز التقدم الطبي في أمراض القلب .    "غراء عظمي".. ابتكار صيني لعلاج الكسور في 3 دقائق    أمانة القصيم تنجز مشروع مضمار بطول 800 متر في الظاهرية    من جاكرتا.. أضواء الخير وتكامل الصحية يختتمان رحلة عطاء ملهمة    الوفد الكشفي السعودي يزور الحديقة النباتية في بوجور ضمن فعاليات الجامبوري العالمي    النفط يحافظ على مكاسبه    كوريا الشمالية ترفض مطالبة الولايات المتحدة بنزع أسلحتها النووية    جلوي بن عبدالعزيز: المهرجانات الصيفية تصنع روح المنافسة    جامعة الملك فهد تختتم "معرض التوظيف 2025"    أمير الشمالية يستقبل قائد لواء الملك عبدالله الآلي بالحرس الوطني    إحصائيات "المخدرات" على طاولة سعود بن مشعل    الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    الأهلي يبدأ رحلة الحفاظ على اللقب الآسيوي بملاقاة ناساف    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الثقافة يُتوّج الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية    مجمع الملك سلمان العالمي يفوز بجائزة الشارقة    الطائف تمثل المملكة في «شبكة المدن المبدعة» ب«ليوبليانا»    المفتي يستقبل مدير عام الدفاع المدني    هالاند يقود سيتي لسحق اليونايتد    الملاكم الأميركي تيرينس كروفورد بطلًا للعالم    منصة «أعمالي» تحصد جائزة التميز التقني    2.7 مليار تداولات السوق    هروب عريس قبل ساعات من زواجه    تعطل «حضوري» يؤثر على التوثيق الإلكتروني    «الموارد» تطلق جائزة العمل ب 38 مساراً    مشعل الأحمد: علاقات تاريخية متينة تجمع البلدين الشقيقين.. أمير الكويت وولي عهده يستعرضان مع وزير الداخلية مجالات التعاون    تغلب على ضمك بثنائية.. نيوم يحقق فوزاً تاريخياً في دوري المحترفين    النصر يتخطى الخلود ويتصدر «روشن»    «حين يكتب الحب».. فيلم في الطريق    تحضيري «الدوحة» يناقش مشروع قرار موحد.. تضامن عربي وإسلامي لمواجهة العدوان الإسرائيلي    المفتي يستعرض جهود وأعمال الدفاع المدني    مفتي عام المملكة يستقبل مدير عام الدفاع المدني    إسرائيل تصعد عملياتها في القطاع.. قصف مكثف ونزوح جماعي من غزة    مسيرات الدعم السريع تستهدف مواقع حيوية    جهود متواصلة لتعزيز الرعاية العاجلة.. تدريب 434 ألفاً على الإسعافات الأولية    «الغذاء»: 24 ألف بلاغ عن أعراض«الأدوية»    بدء تقديم لقاح الإنفلونزا الموسمية    الجيش اللبناني يتسلّم دفعة من أسلحة المخيمات الفلسطينية    غيابات في الاتحاد أمام الوحدة الإماراتي في نخبة آسيا    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل    من جازان إلى العالم: إنجاز إسعافي يدخل غينيس    تصاعد الهجمات يفاقم التوتر بين روسيا وأوكرانيا    بعد ضرب قطر: ترمب مخدوع أو متواطئ    من المسارح البريئة يدق ناقوس الخطر    كلمات ولي العهد تسطر بمداد من مسك    أفراح الطويرقي والجميعة بزفاف عبدالله    شغف الموروث    مثقفون وإعلاميون يحتفون بالسريحي وبروايته الجداوية    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    في رثاء عبدالعزيز أبو ملحه    الإرث بين الحق والتحدي    خطاب يستحضر التاريخ: السعودية ونهضة عالمية برؤية 2030    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طاهر زمخشري يعارض حمزة شحاته 2-3
د. محمد العيد الخطراوي
نشر في الجزيرة يوم 06 - 04 - 2002

قال لي أحدهم وهو يهاتفني: لقد قرأنا مقالتك السبتية التي وعدنا فيهاالعنوان بمعارضة طاهر زمخشري لصديقه حمزة شحاته في قصيدته القافيَّة الشهيرة التي أورد بعضها مقالك، لكننا وجدناك تتكلم عن الشاعر حمزة لا عن طاهر، كما أحسسنا أن الأمر يحتاج الى شرح معنى المعارضة لعامة القراء، إذ ليسوا جميعهم من المتخصصين.
وإزاء هذا أجدني ملزما بتعريف سريع للمعارضة في الشعر، فهي لغة: مأخوذة من المباراة والسباق، فعارضه في جريه، أي باراه فيه، وقد يسبقه ويتفوق عليه، وقد يساويه أو ينقص عنه، أما فنيا: فهي أن يعجب أحدهم بنص شعري ما، فيكتب قصيدة على منواله، مشتركا معه في الموضوع والوزن والروي، وقد اشتهرت مجموعة من القصائد بفاعليتها وقوة تأثيرها، فحاكاها وعارضها الشعراء في كل عصر، مثل «بانت سعاد»، «بردة البوصيري».. الخ، وقد بلغت معارضات «يا ليلُ الصبٌّ متى غده» للحصري 700 قصيدة، جمعها أحدهم في كتاب مستقل، وقد اشتهر مجموعة من الشعراء بالمعارضات، كالشاعر أحمد شوقي، فقد عارض سينية البحتري، وهمزية البوصيري وميميته، ورائية أبي فراس، ودالية الحصري.. وعينية ابن سينا.. إلخ، وهانحن نجد الزمخشري يعارض صديقه حمزة شحاته، والدافع في جميع الأحوال هو الاعجاب، وقد يخالطه شيء من التحدي والرغبة في التجاوز.
أما أن الحديث في المقالة السابقة لم يتعرض للزمخشري إلا غراراً، فذلك أمر طبيعي كان علينا التنبيه اليه، لأنه لا يبين فضل المعارضة إلا بالموازنة بين القصيدة المعارَضة فتح الراء والمعارِضة بكسرها لذا كان علينا قبل الكتابة عن قصيدة الزمخشري أن نكتب عن قصيدة حمزة شحاته، وتظل قصيدة الزمخشري وعدا مأمولا، وحديثا لنا في المقالة الثالثة إن شاء الله.
تساءلنا في آخر المقالة السابقة: أين كان هذا اللقاء بين الشاعر ومحبوبه؟ تشير الأبيات الى أنه ربما كان في الطريق:
مسرعا في المسير تنتهب الخط
و، فهل كنتَ مشفقا من لحاقي
إذن لم تكن هناك بينهما خلوة، ولا مجال لبث الشكوى، ومطارحة أشجان الهوى ومعاناته، بل إن الحوائل بينهما شتى، من أَعْنَتِها هؤلاء الرفاق العذال الذين كانوا يراقبونهما كما يراقب كل العذال، لكن هذا الأمر لم يمنعه من ان ينقل قضيته مع محبوبه الى واقع شعري يصدح فيه بآلامه، ويحاور محبوبه، عله يرق، ويرجع عن سطوته وجبروته وطغيانه:
هبك أهملت واجبي صَلَفَاً من
ك، فما ذنبُ واجب الأخلاق؟
وهبك مرة أخرى أنك مللت مني، أفليس من الذوق أن تؤخر ذلك الإعراض ليوم الفراق الذي هو لاشك آت:
واعترى قلبك الملالُ، فأعرض
تَ، فهلا انتظرتَ يوم الفراق؟
يبدو الشاعر وكأنه يدخل مع محبوبه في نقاش عقلي، وهو طقس كتابي لا يقبله الشعر، وذلك لما في الأول من برودة زائدة، وما في الثاني من حرارة فائقة، فهما متضادان، وكثيرا ما يعطل التضاد الطاقات، ويشل الحركة، ويجعل محصلتها صفرا، بحيث تساوي الحركة اللاحركة، وتلك لعمري احدى المآسي التي نرتكبها حين تختلط في أعيننا مرائي الأشياء، ولكننا من جهة أخرى، نجد شيئا من الحرارة يتدفق في خلايا البيتين وشرايينهما، باتفاقهما مع البيت السابق لهما، في تموضع الاستفهام في أعجاز الأبيات «هل فما فهلا تحضيض يحمل رائحة الاستفهام»، كما يصادفنا سلوك ماثل صدر بالفعل من المحبوب، وسلوك بديل من الشاعر مقترح، يرى الشاعر أنه كان الأحرى والأجدر بأن يسلكه المحبوب، لذا فنحن نلحظ أطياف الألم والحسرة تسود جانب اللوحة، وتظلل عرائش اللقاء، فلا تثريب أن نرى الشاعر يثور مدافعا عن كرامته التي أحس أنها امتهنت دون ذنب، وما كان ليصبر أو يتحمل لولا عبودية الحب، ووثاق الهوى:
لا أداجيك، والكرامةُ معنى
تتجلى في صحة الميثاق
قد يطاق الصدود، يوجبه الذن
بُ، وصَدُّ المَلال غير مُطاق
هو إذن يصارحه ولا يداجيه أو ينافقه أو يجامله ليستر عنه بعض ما يشكو، فيؤكد له أن حبه لا بد أن يضمن به عزه وكرامته ورجولته، لأن الحب الذي يدوس على كرامة المحبوب أمر لا يطاق، والصدود بغير ذنب اقترفه العاشق هو أيضا أمر لا يطاق، فلماذا إذن تلجأ الى اهانتي والنيل من كرامتي، والى الإعراض عني دون ذنب، إنه المحبوب الظالم، إنك تفعل ذلك تعسفا وصلفا، واعتمادا على مالك من سطوة علىّ في الحب، فافعل ما تشاء، وتفنن في تعذيبي وارهاقي، ونفس عن سوداويتك في ميدان الحب المتوحش، وأنت حر في كل ما تفعله، إلا التخلي والاعراض والصدود، ولك كل أمري، وأنا طوع إرادتك، فصادر حريتي، فأنا ملك يمينك.
سطوةُ الحسن حلَلت ما كا
ن حراماً، فافتنّ في إرهاقي
أنت حرٌّ، والحسن لا يعرف القي
د، فصادر حريتي وانطلاقي
إن شاعرنا رغم محاولته كسر سلطة المحبوب عليه، واعتزازه بكرامته، يجد الطريق أمامه مسدودة، فيعود الى الاستسلام وطاعة المحبوب، ويختم القصيدة بكلام يحاول أن يحتفظ به أمام نفسه على الأقل بشيء من كرامة، وقليل من مروءة، وأمام المحبوب بحفظ بعض ماء الوجه، فهو يقول: إنه لو كان حراً طليقاً من سلطان الحب لما خضع لأحد، ولا قبل تحمل العسف والجور، فليعلم محبوبه مدى ما قدمه من تنازلات من أجل الإبقاء عليه:
لم يكن باليسير صبري على عس
فك، لو أنني طليق الوثاق
إن كلام «عزيز ضياء» الذي استأنسنا به في الاشارة الى تقدير معاصري الشاعر لهذه القصيدة، واتخذنا أيضا من حفظ الكثير من أدباء جيله لها شاهدا آخر على جمالها، يؤيده أيضا ما فعله جامعو ديوانه وهم أيضا من أصحاب الكلمة في الأدب «عبدالمجيد شبكشي محمد علي مغربي»+ بكري شيخ أمين/ حيث افتتحوا بها الديوان.
وأنا في الحقيقة لا أستطيع ان أكتم اعجابي بالقصيدة، وهي إن خلت من الصور البيانية الرائعة التي ربما عدها البعض من محكات الجودة، فإننا نجدها وهو المهم ترسم صورة كلية لعلاقة عاطفية سامية، كان بطلها الشاعر الذي أهدرت كرامته، وصودرت حريته، وآب منها ذليلا مخزوما كانخزام النوق والشاء، والبطل الآخر لم يكن ماثلا أمامنا بالمعنى المحسوس، ولكنه كان يبدو في كل نبضات القصيدة، محبوبا متعسفا ظالما ساطيا، متغطرسا، يتشهى تعذيب من يحبه، وقد عبر الشاعر عن لوعته. وعنائه النفسي، بلغة فيهاالكثير من ظلال الرومانسية، التي كان حمزة شحاته يقارفها، ولا تستوعبه أو تستغرقه، بل يظل يخوض فيها ويلعب على ضفافها ويجول على حواشيها، ولا يذوب فيها، إن هذه القصيدة جديرة بما نالته من اعجاب لقيته من معاصري الشاعر، وقمينة بأن تلقى من يحتذيها ويعارضها، فكان طاهر زمخشري الذي سنلتقي به في الأسبوع القادم إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.