قلتها وأقولها اليوم وغدا.. سأذيبك بين أناملي.. إن رفضت العودة لي أو اعتدت على غيابي.. نعم فارقتك منذ زمن لكنك ما زلت تسكن داخلي وتسقي شراييني العطشى. حركت مقبض الباب الصدئ فتشربت رئتي رائحة عرفتها جيداً لا تختلف كثيراً عن رائحة حائط الطين بعد المطر هاهي.. كما عهدتها تخفي شقوق الحائط بخاصرتها المستديرة ورغم تراكم السنين والغبار تتحرك بدقة تشعرني بالتقصير والذنب وتعاتبني بصمتها ونظراتها الباردة. وتشير لوقت متأخر من الليل.. بخطوات متثاقلة وهي تجتر وتجر بوهن عقاربها المتهالكة بين الأرقام والخطوط.. صعوداً وهبوطاً.. يمنة ويسرة. وهي تعزف ألحان السأم والملل لوحدها.. ها قد حان الوقت لأستلك من غمدك ومن أحضان النوم الطويل والسكون.. سأنزع عنك اللحاف الثقيل والأغطية السميكة. وأنفض رأسك الكسول بقوة بصفعة قاسية كفى نوماً وسباتاً يا هذا فقد حل الشتاء والصقيع.. بعد صيف حارق وخمول.. بل بعد شتاءات متعددة فارقها المطر والدفء يااااه كم عددها لا أتذكر ذلك من كثرتها ولن يذيب ويجلو جليدها وبرودتها سوى انفجار بركان ألوانك الفاتنة وهي تلون السماء وترسم الشفق قبل بزوغ الفجر واستيقاظ الشمس مستلة بخفية بعض ألسنتها الدافئة لترسم يوماً جديداً تهديه لسكان البسيطة.. لن أشفق عليك ولن أرأف بحالك... وأنا أسحبك ورأسك منكس على الأرض بخضوع.. كم أتلذذ برؤية ذلك ورؤيتك مستسلماً ودمك ينزف بشدة..!! ينزف لآخر قطرة منه.. بل وهو يسيل على الأرض فيرويها ويسقيها... انهض يا هذا.. ولا تركن للدعة وللسكون، فنسمات الليل قد تسللت عبر الستارة الشفافة لتداعب وجنتيك الشاحبة.. والقمر قد استدار بالسماء لينثر الإلهام على راحتيك.. فلم التبرم والتشكي.. وقد اعتدت على إيقاظك كل يوم بنفس الوقت والساعة.. منذ زمن.. فارقتك فعدت إليك بشوق يعدل تلك السنوات العجاف شوقاً ولوعة. تعلم مدى سعادتي بحرمانك النوم كل ساعة.. وقصقصة أجنحة أحلامك إذا قررت التحليق دون مرافقتي.. وكنت بغاية السعادة والمتعة فلم التبرم والتشكي وأنت تعلم أنك لي وحدي.. وأنا من يمتلك زمام أمرك لآخر يوم بعمرك.. لا تلمني على أنانيتي فيك.. وطمعي بما تحتويه ويحتويك.. بل وخوفي عليك وأنت ترقد حول نبضي.. وبين منعطفات ومسالك نفسي. فاسحب رأسك عندما تغوص بأغوارها.. خوفاً عليك من الغرق بديارها ومتاهاتها المخيفة اخترتك من بينهم لي رفيقاً.. وقريناً.. وإذا قررت الرحيل سأذيبك بين أصابعي.. وأهدر دمك.. وأمزق كل الأوراق حولي كي لا تجد لك متنفساً.. أو ملجأ يمتص نزف مشاعرك المحتبسة وعندها ستعود لي منكس الرأس أسير الحنين.. فأفتح لك صفحات أوراقي العطشى من جديد.. قلمي الصغير لا تلمني على حبي لك.. فقد جعلتني أهواك.. لدرجة التملك والجنون.. نم هانئاً بأحضان روحي أبد الدهر.. وعندما أقرر إيقاظك.. سأفعل ولو بعد حين.. ** ** - بدرية البليطيح