الذهب ينخفض 1% ويتجه لخسارة أسبوعية مع تراجع آمال خفض أسعار الفائدة    سيتي سكيب العالمي يختتم أعماله بصفقات عقارية تتجاوز 237 مليار ريال    القادسية ينهي تحضيراته ويغادر لمواجهة الأهلي    أشرف حكيمي الأفضل في إفريقيا 2025.. وبونو أفضل حارس    أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    القاضي يجري عملية الرباط الصليبي في سبيتار    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    انطلاق مبادرة "هاكاثون عطاء التطوعي 2025" في العُلا    تعليم الأحساء يطلق مبادرة "مزدوجي الاستثنائية"    افتتاح مؤتمر طب الأطفال الثاني بتجمع تبوك الصحي    هوس الجوالات الجديدة.. مراجعات المؤثرين ترهق الجيوب    كيف يقلل مونجارو الشهية    الاتحاد الأرجنتيني يعلن فوز روزاريو سنترال بلقب "بطل الدوري"    حريق في مقر "كوب 30" يتسبب في إخلاء الوفود وتعليق المفاوضات    مواجهات قوية وتأهل لنجوم العالم في بطولة "موسم الرياض للسنوكر 2025"    أوكرانيا تعلن تلقيها مسودة خطة سلام أمريكية لإنهاء الحرب مع روسيا    السعودية والإمارات من النفط إلى تصدير الكربون المخفض    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل    من واشنطن.. الشركة السعودية للاستثمار الجريء تعلن عن مليار ريال استثمارات مشتركة    العراق يواجه الفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق مونديال 2026    في صحة كلما ازددنا علما ازددنا جهلا    من أي بوابة دخل نزار قباني    جنازة الكلمة    المنتخبات السعودية تقفز رابع ترتيب التضامن الإسلامي "الرياض 2025"    تجهيز 150 حديقة لاستقبال الزوار خلال الإجازة بالطائف    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    «سلمان للإغاثة» يجعل من الطفل محورًا أساسيًا في مشاريعه وبرامجه    نائب وزير الخارجية يؤكد دعم المملكة الكامل للخطة الشاملة لإعمار غزة    7 اتفاقيات بين سدايا وشركات أمريكية في الذكاء الاصطناعي    "8" فعاليات مصاحبة تخاطب زوار كأس نادي الصقور السعودي 2025 بالظهران    الأنصاري: 87% من خريجي جامعة محمد بن فهد يلتحقون بسوق العمل        ولي العهد يبعث برقية شكر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    العوالي توقع اتفاقية مع سدكو لإنشاء صندوق عقاري بمليار ريال    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    تعليم مكة يكرّم المتفوقين والمتفوقات    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    تعمل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.. درون وروبوت لمكافحة الحرائق بالمباني الشاهقة    إبراهيم إلى القفص الذهبي    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    دراسة: دواء السكري يقلل فوائد التمارين    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الإصلاحات ؟
نشر في الجزيرة يوم 04 - 04 - 2011

كنت قد كتبت في صفحة الفيس بوك قبل جمعة أهل المطالب، وذلك (يوم الخميس 5 ربيع الثاني 1432 ه - 10 مارس، 2011) مقالا بعنوان « هل المظاهرات محرمة؟ « بينت فيه أن بلادنا ليست بحاجة إلى تظاهرات، وأن مشروعات الإصلاح تحصل دون اللجوء إلى تلك التظاهرات، وألمحت إلى أن البلاد ربما تفقد بمثل هذه التظاهرات ركائز شرعية ؛ لأنه لا بد أن يكون بين المطالبين ذو منحى طائفي، أو انحلالي، ينادي بإحالة أمور دينية بحتة إلى التصويت، وهذا هو معنى العلمانية بالعرف الأوروبي، وأريد الآن أن يرجع معي القارئ قليلا بعد تلك القرارات الملكية الصادرة (يوم الجمعة 13 ربيع الثاني 1432 الموافق 18 مارس 2011)، لنرى جميعا ما مستوى طموح المنادين بالمظاهرات، وما الذي تحقق في أرض الواقع.
فالمطالبون - على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم - يجتمع قولهم في الرغبة في إصلاحات اقتصادية، وإدارية، ودينية، وسياسية، أما الاقتصادية فدافعها غلاء المعيشة، وتدني مستوى دخل الفرد، وأما الإدارية فالحامل عليها القضاء على الفساد في الدوائر الحكومية، وأما الدينية فتطمح إلى تطهير المجتمع من المنكرات، وأما الإصلاحات السياسية فلم تكن مطلبا لكل المتظاهرين، ولا لأكثرهم، وسأذكر إن شاء الله أبعاد مطالبيها.
فأما الإصلاحات الاقتصادية ؛ فيجتمع أهل التظاهرات وغيرهم على أنه متى كانت الأحوال المعيشية للناس مرضية ؛ لم يكن ثمة داع إلى حشد تلك التجمعات لأجل الأمر الاقتصادي، لأنها ليست أمرا مطلوبا لذاته، وإنما يراها أولئك المنادون بها وسيلة للتعبير عن الرغبة الملحة في الإصلاح، وهم مختلفون في مستوى الإدراك والتفكير، ومعرفة مناط أفعالهم، فطائفة منهم ترى أن تحقيق عدالة كعدالة الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز ؛ أمر عزيز الوجود، ولسان حالهم يقول: « حنانيك بعض الشر أهون من بعض «، و « ما لا يدرك جله لا يترك كله «، وطائفة لا تنظر إلى المتاح من الإمكان، وإنما تطلب المثالية على كل حال، وطائفة لا تعي من الاحتشاد إلا تكثير السواد، بناء على رأي فلان أو فلان، ولولا أن لفعل هذه الأصناف الثلاثة أثرا على مجتمعنا وفكره ؛ لما اقتحمت هذا المجال الذي يبدو في قالب سياسي.
فأما الصنف الثالث فواضح أنه ليس له رأي، فلا كلام معه، وأما الصنف الثاني فإنه لا يبالي بمآلات فعله ولو كان على حساب أيدلوجيته، لأن غرض التغيير لديه مطلب أساس، فهو كالمقامر الذي يخسر كل ماله في سبيل نيل القليل، وأما الصنف الأول فلا أشك أنه سيعجبه توجه الدولة إلى إنشاء 500 ألف وحدة سكنية في البلاد، بما قيمته 250 مليار ريال، ورفع قيمة الحد الأعلى لصندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال، إلى 500 ألف ريال، والدعم السخي له وللضمان الاجتماعي، واعتماد حد أدنى لرواتب المواطنين، وهو ثلاثة آلاف ريال، وإحداث الوظائف في وزارة التجارة والصناعة لمراقبة أسعار السلع في الأسواق، للتصدي للمتلاعبين بالأسعار، والتغيير الفوري للحد الأعلى - في برنامج تمويل المستشفيات الخاصة - من 50 مليون ريال إلى 200 مليون ريال، بالإضافة إلى إحداث وظائف جمة، وصرف ألفي ريال شهريا لمدة عام لخريجي الجامعات الباحثين عن وظائف، وتنجيز أمر مستحقي الترقيات في المجال العسكري، وإن كان الطموح أن يشمل هذا أيضا المجال المدني، فإن تلك الأوامر تساهم إلى حد كبير في رفع المستوى المعيشي والسكني لدى الفرد، وتعزيز المستوى الصحي في البلاد.
نعم، لست أرى أن المستوى سيتغير ما بين عشية وضحاها، ولست أرى أن الفقر سيزول برمته، ولا أرى وجها لأن يصفق للخبر المنقول عن الاستخبارات البريطانية الموحي بأن السعودية - بسبب تلك الأوامر الملكية التي ستنفق ما يقارب ميزانية تسع دول أوروبية - ستكون الدولة الآسيوية الأولى المرشحة كأفضل مستوى معيشة خلال الأعوام الثلاثة (2012، 2013، 2014 م)، لأن هذا - وإن كان له حقيقة بقدر ما - لا يعني دخول جميع الأفراد، فإن الدراسات التي تحدد دخل الفرد في بقاع العالم دراسات وسطية، تبنى على أن حجم المال المتداول موزع على عدد السكان، مع أن البلاد لا تخلو من فقير معدم، ولكن مرادي أن هذا التوجه الحكومي لا بد من شكره، وتشجيعه، والثناء عليه، وإن كان بعض من تمسح بشيء من الثقافة يقول: « لا شكر على واجب « ؛ فإن هذه المقولة لا رصيد لها من الحكم الشرعي، ولا الموروث التقليدي، فإن الله تعالى يشكر لعبده الطاعة، مع أنها واجبة عليه، بل لو كانت تلك المقولة صحيحة فإنك في بعض الأحوال تحتاج أن تشكر على الواجبات، لقلة القائمين بها، فكم رأينا من يشكر الرجل على بره بوالديه، أو على قيامه بما وجب عليه نحو أولاده وأهله، أو جيرانه، أو غير ذلك.
وأما الإصلاحات الإدارية فهي مطلب كل فرد من أفراد المجتمع، ولا يخفي أن في السلك الإداري ما هو بحاجة إلى إصلاح كبير، وهذا مما صرح به الملك - حفظه الله - في أكثر من مناسبة، ولا أدل على هذا من أمره بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ومن المفرح في هذا أن الأمر الملكي نص على أن القرار يشمل جميع القطاعات الحكومية، ولا يستثنى منه أحد كائنا من كان، ولا بد من التكاتف بين أطياف المجتمع للوقوف مع هذا التوجه الملكي، لأن أمام مجتمعنا - لأجل الحد من تورم الفساد - طريقا شاقا، وإذا كان هَمُّ محاربة الفساد هَمًّا حكوميا ؛ فما معنى التظاهر لمحاربته؟ قد يكون الغرض من التظاهرات الحث على دفع عجلة التغيير، ولكن هل الأنجح في الحل التكاتف أو التنافر؟
وأما المجال الديني فعمدته تهيئة الواقع لإقامة أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعناية بالكتاب والسنة، وتطهير المجتمع من المنكرات الظاهرة، وإقامة الحدود، والمطلب الديني ليس كالمطلب الدنيوي، فإذا كانت مطالبة أكثر العقلاء أن يُكتفي ببعض الدنيا عن كلها ؛ فإن الدين لا يكفي منه شيء عن شيء، فإن الدين جملة واحدة، فإذا جاء الأمر الملكي ليعلن الهمة في تغطية جوانب الدين، كان ذلك محمدة يجب شكرها، ولا يلزم أن تتطابق الهمة مع الواقع في ساعة من نهار، فإن الإصلاح يتطلب وقتا غير آني، ولن ترى أحدا من أهل الخير إلا وقد سرته تلك الأوامر الملكية بحفظ جناب العلماء، وتعزيز مكانة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشجيع مكاتب الدعوة والإرشاد، والعناية بالمساجد، وإنشاء مجمع فقهي، فهذه الأوامر معلنة على الملأ، وهي مستند لكل مريد للإصلاح أمام أي مسؤول في الدولة.
وأما الإصلاحات السياسية؛ فقد ذكرت سابقا أنها لم تكن مطلبا لكل المتظاهرين، ولا لأكثرهم، والمتأمل يرى أنها ليست إلا موضة جارى فيها بعض أهل بلادنا فضاءات أخرى، وقد كانت طموحا نادرا ؛ أما على المستوى الخارجي فإن علاقة بلادنا بجميع بلدان العالم علاقة قائمة على مصالح مشتركة، فلم يكن ثمة داع للمماحكة فيها، وأما على المستوى الداخلي فإن الفلك الذي يدور فيه أهل ذلك الطموح إنما هو حرية التعبير، والمشاركة في القرارات، وهذا - على ما في النفوس من تشوف إليه - لا يلزم قبوله مطلقا، ولا رده مطلقا ؛ فإن حرية التعبير لا ضابط لها، فأنا وأنت نختلف فيما هو موضع للحرية، ولهذا تفصيل وتأصيل أذكرهما في مقال قادم إن شاء الله، كما أن طلب المشاركة في القرار - وإن كان مطلبا وطنيا - قد يكون فجا ؛ فإن لازمه أن التنمية الوطنية، والمشروعات الإصلاحية، والخطط التعليمية، والعمرانية، وغير ذلك - مما قامت عليه البلاد - لم يكن يشارك فيها أحد من الشعب، وأن هذا المنادي أو ذاك هو الذي يقرر صلاحية نفسه لهذه المشاركة، وكلاهما لا يسلم من تجنيح، نعم، هناك قصور في نواح شتى في البلاد، والحس الوطني لدى أبناء هذا الوطن يدفع إلى سد الخلل، ولكن لكل مراد مسلك صحيح، ومسالك غير صحيحة.
فهذه المطالب السياسية - إذا اختصرنا صحتها في بعض جوانبها - تبقى مطلبا يدور حول الأولوية، وتقدير مستوى صلاحية هذا الفرد أو ذاك، وأما المطالب الاقتصادية، والإدارية، والدينية، فهي تخص كل فرد من أفراد المجتمع، ولهذا انصبت عليها القرارات الملكية.
إنك لن تجد شعبا من الشعوب يلجأ إلى تحشيد الحشود إذا كان لدى حكومته توجه جاد إلى الإصلاح، فإن كان غرضنا الإصلاح فلا بد من اللحمة الوطنية التي يشد أطرافها كل فئات المجتمع مع حكومتهم، وإن كان الغرض مجرد المجاراة لمتظاهري البلدان الأخرى، فلن يردع عن هذا الغرض إصلاح مهما بلغ من العلو، وسيكون تحقيق هذا الغرض على حساب كثير من مسائل الدين، ومسائل الأعراف الطيبة، وعَلَى حساب تلك الإصلاحات الكبيرة، فستذكرون ما أقول لكم.
د . عبد العزيز بن أحمد البجادي -
جامعة القصيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.