يتابع خافيير مارياس رحلة بطله القاتمة في أجواء الاستخبارات العنيفة في الجزء الأخير من ثلاثية «وجهك غداً» الذي صدر مترجماً الى الإنكليزية عن دار شاتو أند وندوس في بريطانيا. استقى الكاتب الإسباني الذي علّم في جامعة أكسفورد العنوان «سم، ظل ووداع» من التغير الذي يطرأ على شخصية الأمير هال عندما يصبح ملكاً في مسرحية «هنري الرابع» ويودع صديقه المفضل فولستاف السجن لحماية الحكم. تسطع بشاعة الخيانة في ثلاثية الأفكار التي يتفحصها مارياس بتفصيل فلسفي ممل، وتبرز أيضاً هواجس قوة السلطة المرتبطة بالعنف والخوف. البطل جاك ديثا إسباني مغرم بالثقافة الإنكليزية، يعيش في لندن حيث يعمل في دائرة استخبارات تحلل شخصيات الأفراد من تعابير وجوههم ولغة أجسادهم، وتحاول التنبؤ بسلوكهم في المستقبل، أي «وجوههم غداً». يصدمه رئيسه برترام توبرا عندما يهاجم ديبلوماسياً إسبانياً فظاً بعدما راقص زوجة مخبر من العصابات. اقترب منها أكثر مما يجب، وخدش وجهها بشبكة الشعر (!) على رأسه، فهجم توبرا عليه بالسيف في الحمام ودفع رأسه داخل كرسيه حتى كاد يغرقه. يصعق ديثا من عنف رئيسه وامتناعه هو عن التدخل، ويدرك ان السم يتسلل الى روحه عندما يمضي عطلته في مدريد ويكتشف أن صديق زوجته المنفصلة عنه يضربها. يهاجمه بوحشية ويكسر يده، وينطلق الوحش داخله في مواقف أخرى مؤطراً بمشاهد من الحرب الإسبانية التي تعرّض خلالها والده، كوالد الكاتب، للخيانة وكاد يعدم. في نهاية الجزء الثاني من «وجهك غداً»، يعترض ديثا على عنف رئيسه بالقول انه لا يمكنه ضرب الناس وقتلهم بتلك البساطة، فيتساءل توبرا: «لم لا؟». يطلعه في بداية الجزء الثالث على أشرطة فيديو في منزله صورت خلسة لأشخاص معروفين يمارسون الجنس مع الحيوانات، أو يمزجونه بسادية شنيعة. لا تزال الأساليب التي بررت الحرب استخدامها ضد هتلر تستخدم حتى اليوم. ولئن سهل على توبرا الماكيافيلي تجاوز المساءلة الأخلاقية، التي تقلق ديثا، لا يلبث التلميذ النجيب أن يذهل نفسه بالعنف المتجذر فيه قبل أن ينسحب. تقل الأحداث في الرواية التي «ترقو» سمومها وظلالها روح مرحة رفيعة، وتتخفف من عتمتها بحكايات ونكات وإشارات أدبية. تمر فيها بسرعة شخصيات حقيقية لا يهتم مارياس برسمها، وتثير مجدداً المقارنة بينه وبين مارسيل بروست لامتلاكهما عيناً نافذة تلتقط اللحظة ماضياً وحاضراً وتسبر عمقها. الجزء الثالث أفضل ما في الثلاثية الضخمة (1500 صفحة) وأطولها وتكرّس مارياس أحد أفضل كتاب أوروبا اليوم. ابعد من العالم في روايته الأولى بعد فوزه بجائزة مان بوكر في 2005 عن «البحر» يزاوج الكاتب الإرلندي جون بانفيل بين طبقات قص وعوالم وأزمنة عدة تحدد صورة أخرى لحياتنا المعاصرة. بطل «اللانهائيات» الصادرة عن دار بيكادور عالم فيزياء ورياضيات وجد حلاً لمشكلة اللانهائي المستعصية في العلم، وبرهاناً على وجود أكوان متوازية بما فيها ذلك الذي نعيش فيه. يخالف واقع الرواية الحقائق في زمننا اذ ثبت بطلان نظريتي النسبية والتطور الداروينية، وأنقذت مدينة البندقية من الغرق واختارت السويد هوية مقاتلة. أدت نظريات آدم غودلي أيضاً الى اعتماد الماء المالح مصدراً للطاقة في السيارات وغيرها، وتعايشت التكنولوجيا في عالمه المفتوح على الاحتمالات مع آلهة الإغريق الذين لا يزالون يسيئون التصرف لأنهم يعيشون زمنهم وإن كانوا بيننا. تغيب الأنغليكانية عن بريطانيا التي يرئس البابوات كنيستها بعدما قطعت الاسكوتلندية ماري ستيوارت رأس إليزابيث الأولى لا العكس، ولقّبت ب «غلوريانا»، أي الممجدة، الذي عرفت به الملكة الانكليزية. تدور «اللانهائيات» في منزل كبير قديم وسط إرلندا اشتراه آدم غودلي وجعل مالكه السابق مدبّره. يمرض ويدخل غيبوبة تجمع الأسرة حوله. زوجته الثانية أرسولا التي دفعها برود زوجها واهتمامه بالشابات الى الإدمان على الكحول. ابنته بترا العصابية المصابة بارتجاف عصبي التي يتودد اليها صحافي بفتور. ابنه آدم الضخم الثقيل الذي لم تجد كل هذه العوالم شيئاً يصلح له. زوجته الممثلة الجميلة هلن التي تجذب كبير الآلهة زوس فيتنكر بهيئة الزوج لينام معها ويعود منهكاً الى جبل أوليمبوس. تحفل الأسماء بالدلالات والإيحاءات، ويوحي الشق الأول من اسم عائلة آدم، غود، بعداً يفوق الطبيعة البشرية العادية. يتأثر بانفيل ربما بهاينريش فون كلايست في مسرحيته «أمفيترايون» التي تركز على قدرة الآلهة الإغريق على اتخاذ هيئات البشر المختلفة، والتي تمثل هلن دوراً فيها. يرى الدكتور فورتشن الموت مسلطاً على آدم، لكن زائراً ضخماً قد يكون الإله الوثني بان يجد الحياة متمسكة بالعالم. يعيش الراوي هرميز، ابن زوس ورسول الآلهة، في منزل غودلي، ويبدو أنه ينتظر وفاته لينقله الى الآخرة. تتحرك الرواية ببطء وتهجس باللغة المشغولة التي تتبنى مفردات لاتينية، وإذ يضعف النسيج القصصي ينعشه آدم بذكرياته مع زوجته الأولى وزيارته دار بغاء بعد انتحارها. برز بانفيل لدى صدور روايته الثالثة «خشب البتولا» التي استعادت تاريخ إرلندا بدعابة قاتمة، ويبدو متحرراً وأكثر جرأة على التسلية والاختبار بعد نيله بوكر. ضحية الثورة تحدث مارتن آميس عن روايته المقبلة «الأرملة الحامل» في «مهرجان ريتشموند للكتاب الآن» وقال انه استخدم ملامح من حياة شقيقته الراحلة سالي الأصغر منه التي رآها من ضحايا الثورة الجنسية البارزات. ذكر الكاتب الإنكليزي أنه يصعب التوصل الى اتفاق مشرف بين الرجال والنساء اللواتي مارسن حرية أكبر بعد 1970، لكنهن كن أكثر عرضة للمعاناة من ضغوط تلك الثورة عليهن. قال ان سالي التي كانت في السادسة والأربعين عندما توفيت في العام 2000 أكثرت من علاقاتها في شكل مرضي وتعرضت للعنف. «بلغ عمرها العقلي في الحقيقة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، واعتقد أنها بحثت عن حماية الرجال لكن الواقع عاكسها إذ ضربت وعنفت واستنفدت نفسها». تزوجت سالي رجلاً بلغ عمره ضعفي عمرها، لكنهما انفصلا بعد ستة أشهر، وأنجبت من علاقة طفلة عرضتها للتبني. ضعفت نفسياً بعد وفاة والدها الكاتب كنزلي آميس وتوفيت بعد إصابتها بجلطة. كانت وقعت في الثانية عن طاولة الحديقة وشرخت جمجمتها، وبعد مدة قصيرة توفيت جدتها وبقيت وحيدة مع جثتها طوال النهار. استقى آميس عنوان الرواية من قول المفكر الروسي ألكسندر هرزن ان الثورة لا تصنع وريثاً بل ضحايا، وهي تتعلق بمجموعة من الشباب يقيمون حفلة في قصر إيطالي، وتشغلهم فكرة من ينام مع من. مرض للفرجة ساعد المجلس الثقافي في إنكلترا فنانة مريضة بنحو 14 ألف جنيه استرليني لكي تصاب بنوبة صرع أمام الجمهور. يدوم عرض ريتا مركالو يوماً كاملاً، ويشمل أضواء تسطع وتنطفئ بسرعة، والحرمان من النوم والطعام، وتناول منشطات كالقهوة والسجائر، ورفع حرارة الجسم في محاولة للتسبب بنوبة. علقت الجمعيات الخيرية المعنية بالصرع ان ذلك سيحول المرض الذي يساء فهمه أصلاً الى عرض لمخلوقات عجيبة في سيرك، وحذرت من أخطار وقف استعمال الأدوية على المريض. تعمل مركالو مديرة فنية لفرقة رقص في مدينة ليدز، وتستعد لعرضها في 11 كانون الأول (ديسمبر) بوقف تناول الأدوية نحو شهر. سيشاهد الجمهور عروضاً أخرى أثناء انتظار نوبتها المحتملة، وما إن تفعل حتى يدق جرس إنذار وتسطع الأضواء وتبدأ كاميرات عدة في تصوير جسدها مرتجفاً متشنجاً. يشجع القائمون ب «العمل الفني» الحضور على التقاط الصور بهواتفهم النقالة، ويقولون انه دراسة في «الوجوه المفهومية والجسدية المتفاعلة بين الرقص والحركة والصرع». فنانة مريضة أو فن مريض؟