رسمياً .. العبسي اتحادياً حتى 2029    المملكة توزّع (600) سلة غذائية في البقاع بلبنان    أوهام «إسرائيل الكبرى» تعرقل السلام    تطوير الإطار التنظيمي للصناديق التمويلية بتعميم الاستثمار فيها    الهلال يختتم المرحلة الأولى من برنامجه الإعدادي في ألمانيا    السوبر السعودي 2025.. أحلام الرباعي تشعل انطلاقة الموسم    «المملكة».. ترسم ملامح اقتصاد بحري آمن ومستدام    نحو جودة التعليم المحوكم    الاستثمار الأهم    النوم عند المراهقين    السعال الديكي يجتاح اليابان وأوروبا    نادي الحائط يتعاقد مع المدرب الوطني الخبير أحمد الدوسري لقيادة الفريق لأول    الهلال يكسب ودية" فالدهوف مانهايم"الألماني بثلاثية    النفط يرتفع 2% مع ترقب خفض الفائدة الأمريكية ومحادثات ترامب وبوتين    بوتين: الإدارة الأميركية تبذل جهودا حثيثة لإحلال السلام    المملكة تتوّج بالذهب في الأولمبياد الدولي للمواصفات 2025 بكوريا    ضبط مواطن في جازان لنقله مخالفين من الجنسية الإثيوبية بمركبة يقودها    هاتفيًا... فيصل بن فرحان ووزير خارجية هولندا يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    ثالث وفاة جراء الحرائق في إسبانيا    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم حلقة نقاش بعنوان: (تمكين الابتكار الرقمي في العمل التوعوي للرئاسة العامة)    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    اليوم الدولي للشباب تحت شعار"شبابُنا أملٌ واعد" بمسرح مركز التنمية الاجتماعية بجازان    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    السعودية للشحن توسع قدرات أسطولها بطائرتين من طراز A330-300    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    سفراء الإعلام التطوعي يشاركون في معرض "لا للعنف" للتوعية بمخاطر العنف    مكتبة "المؤسس" تواصل إبراز التراث العربي والإسلامي    بلدية صبيا تكثف استعداداتها لموسم الأمطار وتحدد أولويات المعالجة    زراعة أول نظام ذكي عالمي للقوقعة الصناعية بمدينة الملك سعود الطبية    الإنجليزي أوسيلفان يحسم تأهله إلى الدور ربع النهائي من بطولة الماسترز للسنوكر.. وحامل اللقب يغادر    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    التضخم السنوي في السعودية يتباطأ إلى 2.1 % في يوليو    فلكية جدة تدعو لمشاهدة نجوم درب التبانة    أكد إطلاق برنامج «ابتعاث الإعلام» قريباً.. الدوسري: طموحات الرؤية تؤمن بإمكانات الإنسان والمكان    للمرة الثانية على التوالي.. خالد الغامدي رئيساً لمجلس إدارة الأهلي بالتزكية    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    موجز    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    واشنطن تشرع في تصنيف الإخوان منظمة إرهابية    دعت إلى تحرك دولي عاجل.. الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة في اليمن    الأسمري يزف تركي لعش الزوجية    بحضور الأمير سعود بن مشعل .. العتيبي يحتفل بزواج إبنيه فايز وفواز    وطن يقوده الشغف    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    استخراج هاتف من معدة مريض    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستهلاك مدخلاً لحماية المجتمعات وتنظيمها
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2009

لم يعد الاستهلاك مجرد حقل من حقول إدارة الأعمال والتسويق، ولكنه الممثل الشرعي والوحيد للسياسة والثقافة والخدمات والإدارة، وأصبح سلوك المستهلك يحدد السياسة والاقتصاد.
وقد استطاع رالف نادر أن يجعل من قضايا حماية المستهلك محوراً لحركات سياسية واجتماعية تؤثر في السياسة الأميركية والعالمية، وينتظم في الجمعيات التي يديرها أو يرعاها ويمولها نادر اليوم أكثر من 150 ألف متطوع، وخاض رالف نادر وحيداً معركة شهيرة مع شركات صناعة السيارات في الستينات من القرن الماضي عندما أصدر كتابه «غير آمنة على أية سرعة، الأخطار المصممة في السيارة الأميركية» والذي اعتبرته مجلة تايم «ثورة المستهلكين»، وهي القضية التي شغلت الأمة الأميركية، وأثرت في صناعة السيارات في العالم، فقد كشف أن حوادث السيارات التي تقع لا تحدث فقط بسبب أخطاء السائق ولكن أيضاً بسبب التصميم الرديء لهذه السيارات، وقد طالب بإضافة حزام الأمان الذي لم يكن معمولاً به في ذلك الوقت، وبخبرته في العمل في حركة الحقوق المدنية وثقافته الواسعة، فقد شغل كثيراً بمواجهة شركات صناعة السيارات، وأصدر الكونغرس على أثر هذه الحملة قوانين السلامة العامة على الطرق، وعلقت صحيفة واشنطن بوست على ذلك بأن جماعة ضغط مكونة من شخص واحد هو رالف نادر يعمل من أجل مصلحة الشعب الأميركي استطاع أن يهزم أعظم الشركات، فقد كانت جنرال موتورز تحقق في تلك الفترة أرباحاً سنوية تناهز البليوني دولار.
واستطاع نادر أن يجنّد عشرات آلاف الشباب للعمل في مجالات عدة، مثل الإصلاح الضريبي، وحرية المعلومات، وإصلاح قوانين التأمين، والطاقة النووية، ومراقبة الكونغرس، وسلامة الطرق والسيارات، وحقوق المعوقين، وأصبح مصطلح «نادرزم» يستخدم في التعبير عن سخط المستهلكين على رداء المنتجات والخدمات، وتضم اليوم منظمة «المواطن العام» التي أسسها حوالى 150 ألف ناشط يعملون في مجالات حماية المستهلك.
اليوم أصبحت جمعيات حماية المستهلك المرشح الأكثر أهمية للنضال من أجل حماية المجتمعات وإعادة تنظيمها في مواجهة الشركات، ولتدفع الحكومات والمشرّعين إلى سياسات وإجراءات تكسر التحالف بين السلطة التنفيذية والقطاع الخاص، وتجعل المجتمع شريكاً مكافئاً وقادراً على حماية مصالحه.
ربما تكون سياسات مقاطعة السلع من أفضل الوسائل فعالية في مواجهة الاحتكار، وفي الأردن على سبيل المثال دخلت جمعية حماية المستهلك في مواجهة إعلامية ومجتمعية مع سياسات التسعير غير العادلة التي تمارسها شركات استيراد اللحوم والمواد الغذائية، وبعضها يكاد يحتكر سوق اللحوم، ونشرت الجمعية أرقاماً مفزعة عن الفرق بين سعر البيع للمستهلك وبين التكلفة الحقيقية لمجموعة من السلع، وكانت أرقاماً تؤشر الى نسبة هائلة من الأرباح تتقاضاها الشركات تصل ما بين 200 و400 في المئة، وأظهرت أيضاً أن المواطنين والمجتمعات لم يكونوا يدركون معاركهم الحقيقية من قبل، ولم يكونوا يلاحظون الاستغلال الوحشي والظلم الواقع عليهم.
وإذا كان القطاع الخاص في سياسات السوق الجديدة يملك الحرية الكاملة ليبيع بالسعر الذي يختاره، والحكومات تحولت في الغالب إلى شريك للقطاع الخاص يسهّل عمله ويسخر إمكاناته التنفيذية والبوليسية لحماية الشركات ودعمها، فإن المجتمعات وجدت سلاحها في مقاطعة كثير من السلع والبحث عن بدائل، وبالطبع فلم تكن عملية سهلة على رغم منطقيتها، ولكن المشكلة في الأردن أن المجتمعات والنقابات والأحزاب مشغولة بغير مصالحها وأولوياتها، مشغولة بماذا؟ فعلى عكس التاريخ والجغرافيا، نلاحظ أن المعارضة والأحزاب والنقابات العمالية والمهنية والبلديات ومؤسسات المجتمع المدني لا يلاحظ لها دور يذكر في الدفاع عن المواطن ومساعدة المجتمعات والأفراد على تنظيم أنفسهم وفق مصالحهم واحتياجاتهم. وفي الأزمة التي وقعت في مرحلة ما بين النقابات والحكومة، استصرخت النقابات المواطنين بالصوت العالي وحشدتهم للدفاع عنها، من دون أن تقدم أدلة ومنجزات للوطن والمجتمعات سوى ما حققته من مكاسب لمنتسبيها هي في جزء كبير منها لا تختلف عن أرباح التجار والمستوردين ومكاسبهم. وأما المعارضة التي اختُزلت في الحركة الإسلامية، فكان الله في عونها، فهي مشغولة بتنظيم الجنازات والمواعظ على المقابر والاحتفال بعيد الإسراء والمعراج، وقضايا أخرى غير واقعية.
المجتمعات تتعرض لعمليات نهب واسعة ومنظمة، وليس هناك من يدافع عنها. حتى المواطنون أنفسهم فإنهم يواجهون الحالة بسلبية وعجز، وغياب كبير عن الوعي اللازم بحقوقهم وفرصهم في تحسين حياتهم. ولكن الحملة الإعلامية التي نظمتها جمعية حماية المستهلك وتعاونت معها بعض وسائل الإعلام وبعض الصحافيين، وكان لافتاً للاهتمام وهذه حالة تحتاج الى توقف طويل عمق التحالف بين الشركات وكثير من وسائل الإعلام والكتاب الصحافيين ضد المجتمعات، نجحت في تشكيل حالة جديدة ومعقولة في المجتمع في مواجهة الشركات، وهو سلوك ربما يكون جديداً بالنسبة الى المواطنين الذين تعودوا على التوجه إلى الحكومة احتجاجاً او مطالبة.
نحتاج إلى وقت وقدر كبير من الجدية والنزاهة (الحكومية) لنلاحظ واقعياً ما أعلنت عنه الحكومة الأردنية من خطط وسياسات، ولكنه إعلان يؤكد فرص نجاح العمل المجتمعي في الضغط على الحكومات والشركات، وقد تكوّن انطباع في الفترة الماضية أن الحكومة تقف إلى جانب التجار والاحتكارات في مواجهة المستهلك والمجتمع، وأعتقد أنها قضية أخطر بكثير من الاستغلال البشع الذي يمارسه موردون ومحتكرون، وهي أن المسؤولين في الحكومة الذين يتقاضون رواتبهم من المواطن يقفون مع التجار والمستوردين وليس مع المواطن.
وعلى أية حال، فقد نشرت الحكومة خطة لحماية المستهلك، إنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك وتتبع لرئيس الوزراء، والتوسع في نشاطات الأسواق الحكومية والشعبية، وإنشاء شركة لاستيراد المواد الأساسية، وإصدار قانون لحماية المستهلك، وتقوية جهاز الرقابة على الأسواق، والتوعية والإعلام، تبدو مناسبة وملائمة لمطالب المواطنين وتطلعاتهم، وقبل الإعلان عن الخطة الحكومية هذه كان المسؤولون يقولون بعدالة الأسعار ويدافعون عن نزاهة الشركات، بل إن أكثر من وزير صرح بأن أسعار بعض السلع في الأردن تساوي نصف السعر العادل.
القضية الأساسية التي كشفت عنها عمليات حماية المستهلك كانت هي الإضعاف الشديد والإنهاك الذي تتعرض له المجتمعات، وحرمانها من فرص التأثير والمشاركة وأن تكون على قدم المساواة مع السلطة التنفيذية والقطاع الخاص، الحالة تشبه مصارعة أميركية جائرة يتداول مصارعان ضخمان ضرب مصارع ثالث معزول ومحاصر. وأظهرت أن المجتمعات بحاجة إلى مبادرات لإعادة تنظيم نفسها وفق مصالحها واحتياجاتها وأولوياتها، ولا أتحدث هنا عن النقابات وما يسمى منظمات المجتمع المدني، فهي لا تختلف كثيراً في تخليها عن دورها المفترض وعن المجتمعات وعن الشركات والسلطة التنفيذية.
ولكن حملة حماية المستهلك على رغم بساطتها ومحدوديتها فقد منحتنا آفاقاً وأفكاراً وخبرات جديدة، كيف نخفض استهلاك سلعة على نحو يؤثر في السياسة الحكومية والاقتصادية؟ وإذا استمرت اتجاهات المستهلك بهذه الوتيرة، فإننا سنحصل على نتائج اجتماعية واقتصادية مدهشة وإيجابية في أسلوب الحياة وفي الأسواق والإدارة الحكومية أيضاً.
ويمكن أن تكون الحملة بداية لمنظومة من الحملات التي تعيد النظر في كثير من أساليب الحياة وأنماط الاستهلاك، فنحن نحتاج إلى إعادة نظر شاملة في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، وملاحظة ما يمكننا عمله لتنمية ثقافة الادخار وتنظيم الموارد باتجاه الاحتياجات الحقيقية وباتجاه الرفاه الحقيقي وتحسين حياتنا، الأعراس على سبيل المثال مصدر لإنفاق هائل لا يعود بالرفاه والسعادة على الناس، فالحفلات والمفرقعات والولائم والجاهات والفاردات لا تعود بنتيجة إيجابية على حياة الناس وتؤدي إلى نزف هائل للموارد وتسرب جزء كبير منها إلى الخارج، واتجاه الزينة للاقتصار على الذهب يؤدي إلى عبء مالي كبير وتضخم في الواردات على رغم أن الفضة تشكل بديلاً معقولاً وفعالاً، والتوسع الكبير في أسواق الملابس أدى إلى ضياع الجودة والخبرة بالماركات والأنواع الجميلة والراقية.
وهكذا، فإننا ننفق كثيراً ولكننا لا نحصل على حياة أفضل، والسؤال هو كيف نحصل بالموارد نفسها على نتائج أفضل، وكيف نرفع مستوى معيشتنا بلا موارد إضافية؟
* كاتب أردني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.