لا أملك إلا الإعجاب بالحملة الأخيرة برعاية كريمة من الأميرة حصة الشعلان لحملة مكافحة سرطان الثدي في المملكة، هي تتويج رائع لجهود جمعية «زهرة» لمكافحة سرطان الثدي، ولا أملك أيضاً سوى أن أتعجب من الشعلة المبدئية التي صنعت هذا الهدف النبيل وألهمت العمل المتواصل لتنفيذ برنامج وطني بالجهود الذاتية والتبرعات، فذلك كله وليد مأساة خاصة لصاحبة الفكرة الدكتورة سعاد بنت محمد بن عامر، هذه السيدة الرائعة التي فقدت والدتها إثر إصابتها بسرطان الثدي، فكان ذلك المصاب هو الدافع لها لبدء حملة شخصية لتقديم الإرشاد والدعم لآلاف السيدات لحمايتهن من مصير مماثل. البداية كانت بجهود خاصة وزيارات متعددة للتوعية ضد المرض وشرح طرق الفحص الذاتي والمبدئي في جولات على التجمعات النسائية في مدينة الرياض في المدارس والكليات والمراكز النسائية، تلا ذلك انضمام مجموعة من المهتمات بالعمل التوعوي لنشاطات الدكتورة وفاء وحتى الافتتاح الرسمي لجمعية «زهرة»، على اسم والدة الدكتورة، رحمها الله، في العام 2007 برعاية من الأميرة هيفاء الفيصل، وعلى رغم أن الجمعية تستهدف بصورة خاصة السيدات غير المصابات في مراحل ما قبل اكتشاف المرض إلا أنها تقدم أيضاً الكثير من الخدمات للمصابات والناجيات من المرض على حد سواء. يدرك القائمون على الجمعية أن مكافحة المرض لا تستلزم أكثر من الاكتشاف المبكر للمرض بوسائل الفحص الذاتي وعلى الأخص بالماموجرام، ومع ذلك لا يوجد برنامج وطني صحي شامل لدعم هذه السياسة الوقائية المهمة، إذ الفحص الدوري لسرطان الثدي - على بساطته - هو الأمل الوحيد لشريحة كبيرة من السيدات لتجنب المضاعفات المؤلمة للمرض وعواقبه الوخيمة إذا ما تم اكتشافه في مراحل متقدمة، وتحكي الأرقام المرعبة قصة المرض حتى من دون أن تقدمه لنا أي مأساة شخصية. ففي دراسة صادرة أخيراًً عن واقع سرطان الثدي في الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، يبرز سرطان الثدي كأكثر مرض سرطاني حصداًً للضحايا من النساء في المملكة كما هو في الدول العربية، كما يصيب النساء الأصغر سناً - بداية من 40 عاماً تقريباً - بالمقارنة مع إحصاءات العالم المتقدم التي تظهر أن معظم ضحايا المرض هن من النساء في أعمار متقدمة - في الستينات من العمر تقريباً - كما وجدت الدراسة أن اكتشاف المرض لدى العربيات يتم في العادة في المراحل المتقدمة بعد انتشار السرطان وتوغله في الأنسجة المحيطة بالثدي، وأن العلاج المقدم لهن في الغالب يستوجب الجراحة الكاملة لإزالة الثدي مع الأنسجة المحيطة به وتعريضهن للعلاج الإشعاعي، وهنا تكمن المشكلة فلا يوجد حقيقة أي تأهيل للأطباء ولا الفنيين ولا حتى في مراكز علاج الإشعاع لمواجهة متطلبات العلاج، وحتى الفحص المبدئي للنساءكافة لحمايتهن من الإصابة، أو توفير علاج على أسس علمية دقيقة، فهناك طبيب واحد متخصص في الأورام لكل مليون نسمة في العالم العربي، في مقابل ستة أطباء لكل مليون شخص في الدول المتقدمة، وهناك مركز واحد للعلاج الإشعاعي لكل مليون شخص في العالم العربي في مقابل خمسة ونصف مركز في العالم المتقدم، ولا يوجد في المملكة العربية السعودية سوى عشرة أطباء متخصصين في الأورام وثمانية مراكز للعلاج الإشعاعي لا تغطي مناطق المملكة كافة، وستة أطباء فقط للعلاج الإشعاعي. مع هذه الأرقام المؤسفة لا يبدو مستغرباً أن تظهر فروق مناطقية كبيرة في نسب الإصابة ونوعيتها أيضاً، فتظهر معدلات الإصابة الأكبر في المنطقة الشرقية معظمها في مراحل متقدمة من المرض، بينما لا يوجد سوى 9 في المئة من الحالات المكتشفة في مراحل مبدئية، وليس مستغرباً أيضاً أن يسجل المرض معدل وفيات مرتفعاً يعادل 40 في المئة من الحالات المكتشفة خلال السنوات الخمس الأولى بعد الإصابة، وليس مستغرباً أن يكون أكثر من 77 في المئة من الحالات المسجلة للمرض أقل من ال 50 عاماً، وثلث إصابات السرطان في النساء في المملكة هي بسبب سرطان الثدي، تلك الأرقام المؤسفة التي نجدها هنا في الوقت الذي يشهد فيه العالم المتقدم ارتفاع نسب العلاج والشفاء من المرض بسبب تفعيل وإلزام القطاعات الصحية بالفحص المجاني للسيدات هو أكثر من مخجل، وعدم توفر مراكز التشخيص والعلاج في القرى والمناطق غير الرئيسة هو التفسير الوحيد للفوارق المناطقية في نسب الإصابة، إذ تتركز الخدمات المتخصصة في مدن معينة وتختفي أو تقل في غيرها، كما تضيف مشكلات الوصاية وعدم سهولة تنقل النساء واستقلالهن المادي، والمخاطرة الشخصية في حياة النساء الخاصة والاجتماعية في البحث عن العلاج والفحص الدوري في ظل الطبقية والاعتماد على الرجل مزيداً من الصعوبة في نشر الوعي ببرنامج المكافحة والفحص الذاتي، وتقبل النساء وأوزاجهن لفكرة الفحص، أو الاكتشاف المبكر للسرطان. لهذا كله أحيي القائمات على الجمعية على مشروعهن الطموح للوصول بالفحص إلى القرى والهجر بتبني ودعم الطاقم الفني وتوفير الأجهزة والقيام بحملات التوعية. كما أحييهن على التفاتهن للمناطق المنسية في الخدمات الصحية بافتتاح عيادة خاصة في أبها، والوصول بحملتهن إلى مليون سيدة من مجموع العشرة ملايين سيدة سعودية في المملكة، كما أتمنى أن تتبنى وزارة الصحة السعودية جهود البرنامج فتفتتح عيادة خاصة للفحص المبدئي في كل منطقة من مناطق المملكة، وعلى الأخص في المناطق الأكثر تعرضاً للإصابة، فذلك بالتأكيد لن يكلف الموازنة العامة شيئاً في مقابل خطة العلاج لمرض قاتل تم اكتشافه متأخراً، وبالتأكيد سيكون أكثر منطقية في فهمنا لما تقدمه الوزارة من خطط في مقابل الأرقام المرعبة، فلماذا لا نباري ما يملكه العالم المتقدم ونحن نملك الكوادر البشرية والموارد المتاحة، بينما لا نملك أي برنامج رسمي وطني للوقاية المبكرة؟ كاتبة سعودية – الولاياتالمتحدة الأميركية [email protected]