أرامكو تعلن عن النتائج المالية للربع الأول من عام 2024    استشهاد عشرات الفلسطينيين خلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لشرقي مدينة رفح    الأرصاد: الفرصة مهيأة لأمطار رعدية    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    مركز الحماية الأسرية وحماية الطفل في حائل يقيم مأدبة عشاء لمنسوبيه    مركز التنمية الاجتماعية في حائل يُفعِّل اليوم العالمي للإبداع والابتكار 2024    الهلال يحسم الكلاسيكو على حساب الأهلي    مالكوم: حققنا فوزاً ثميناً.. وجمهور الهلال "مُلهم"    260 موهبة بنهائي فيرست 2024 للروبوت    "آيفون 15 برو ماكس" يحتل صدارة الأكثر مبيعاً    ولي العهد يعزي رئيس الامارات بوفاة الشيخ طحنون    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    حظر ممارسة النقل البري الدولي بدون بطاقة التشغيل    وصول أول رحلة للخطوط الصينية إلى الرياض    تدشين مسار نقدي خاص بتجربة البدر الثقافية    العُلا تنعش سوق السفر العربي بشراكات وإعلانات    «ستاندرد آند بورز»: الاقتصاد السعودي سينمو 5 % في 2025    استقبل أمين عام مجلس جازان.. أمير تبوك: المرأة السعودية شاركت في دفع عجلة التنمية    لصان يسرقان مجوهرات امرأة بالتنويم المغناطيسي    فهد بن سلطان يقلّد مدير الجوازات بالمنطقة رتبته الجديدة    «الدون» في صدارة الهدافين    عقوبات مالية على منشآت بقطاع المياه    مؤتمر لمجمع الملك سلمان في كوريا حول «العربية وآدابها»    «أحلام العصر».. في مهرجان أفلام السعودية    المملكة وتوحيد الصف العربي    هل تتلاشى فعالية لقاح الحصبة ؟    اختبار يجعل اكتشاف السرطان عملية سريعة وسهلة    وزير الحرس الوطني يستقبل قائد القطاع الأوسط بالوزارة    أبو الغيط يحذّر من «نوايا إسرائيل السيئة» تجاه قطاع غزة    أنسنة المدن    القيادة تعزي البرهان في وفاة ابنه    أخضر تحت 19 يقيم معسكراً إعدادياً    افتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي.. الصمعاني: ولي العهد يقود التطور التشريعي لترسيخ العدالة والشفافية    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة من الهلال    الهلال يتغلب على الأهلي والاتحاد يتجاوز الابتسام    أبو طالب تقتحم قائمة أفضل عشر لاعبات    قبضة الخليج تسقط الأهلي    اختتام "ميدياثون الحج والعمرة" وتكريم المشروعات الفائزة والجهات الشريكة    فنون العمارة تحتفي بيوم التصميم العالمي    الميزان    فريق القادسية يصعد "دوري روشن"    فيصل بن بندر يدشّن سبعة مشاريع لتصريف مياه السيول والأمطار في الرياض    ريادة إنسانية    اكتشاف الرابط بين النظام الغذائي والسرطان    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    بكتيريا التهابات الفم تنتقل عبر الدم .. إستشاري: أمراض اللثة بوابة للإصابة بالروماتويد    الهواية.. «جودة» حياة    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال21 من طلبة كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    أكذوبة «الزمن الجميل» و«جيل الطيبين»..!    جواز السفر.. المدة وعدد الصفحات !    مناورات نووية روسية رداً على «تهديدات» غربية    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زواج القاصرات في القليوبية... موت مبكر وأجنّة مشوهّة وأمراض مُزمنة
نشر في الحياة يوم 01 - 12 - 2014

لم تكن سهير أكملت عامها العاشر عندما أفلس والدها وتراكمت عليه الديون. وعلى رغم صغر سنّها أرادت أن تنقذ العائلة التي تعيش في قرية ميت كنانة، التابعة لمركز طوخ في محافظة القليوبية الشهيرة بزواج القاصرات لسائحين من جنسيات عربية.
قررت الابنة الكبرى سناً في الأسرة ألّا تقف مكتوفة الأيدي أمام حزن والدتها وانكسار والدها، لكن ليس ثمة ما يمكنها تقديمه لهم إلا نفسها. وهي، كما تعلم، ثروة في قريتها. طلبت من والدها أن يأخذها إلى بيت أم فتحي، الشهير بسمسرة الزواج، ففزع الوالد من اقتراح ابنته في البداية، وأجابها: «على جثتي، لن أفعل ذلك». غير أن الطفلة حسمت أمرها وتوجّهت خلسة إلى أم فتحي وعقدت الصفقة: زواجها مقابل 10 آلاف جنيه... لم تكن سهير كبيرة كفاية كما توقعت، وتوفيت بعد يومين من الزواج؛ تاركة والديها أمام عقدة ذنب تكبر يوماً بعد يوم بأنهما باعا ابنتهما ب10 آلاف جنيه.
حال سهير لا يختلف كثيراً عن حال بقية بنات ميت كنانة. فمنهن من تزوجت وتوفيت مثلها، حتى أصبح الأمر شبه اعتيادي في القرية، ومنهن من حملت وأنجبت أطفالاً بلا هويّة، لمجرد أن ثرياً عربياً أراد الزواج خلال فترة إقامته في مصر، وهو ما يعرف بالزواج السياحي.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند ميت كنانة، بل امتد إلى مدينة الخصوص في القليوبية التي تحولت إلى وكر للإتجار بالفتيات، إمّا من خلال الدعارة، أو الزواج السياحي. وقرية الخصوص تعتبر مكاناً مناسباً لأي تجارة غير مشروعة، حيث تُحاط بتلال القمامة ومزارع الخنازير من جميع الجهات، فيما تكثر فيها بيوت الدعارة والزواج السياحي، إذ قرر البعض الجمع بين المجالين، مخصصين الطبقة الأولى من المبنى للدعارة، والثانية للزواج السياحي.
في أحد شوارع الخصوص، تقف هالة والحزن يكسو وجهها. تتحدث عن اضطرارها للعمل في المجالين الوحيدين في القرية: «يا في الزبالة، يا في الدعارة». وتقول إن حلمها الوحيد كان إبعاد أختها الصغرى التي تبلغ 12 عاماً من القرية، غير أن جميع مساعيها لإنقاذ أختها باءت بالفشل، إذ تزوجت الصغيرة من ثري عربي «تخليص حق» من والدهما، وأصيبت بمرض «الإيدز» الذي يلتهم جسدها، بعدما سافر زوجها وتركها غير قادرة على علاج نفسها، ولا حتى على التخلّص من حياتها.
الفقر ليس وحده السبب لما يحدث في الخصوص وميت كنانة، إذ تحافظ بعض العائلات الكبيرة على عادة تزويج القاصرات والقُصّر كنوع من أنواع الوجاهة. وفي هذا السياق، أقامت كُبرى عائلات شبرا الخيمة حفلة لمناسبة خطوبة ابنهم أحمد، وهو في العاشرة من عمره، وهالة ابنة الثمانية أعوام.
ويُعد زواج القاصرات كارثة مُجتمعية لِما يُنتجه من أمراض، وأطفال بلا هويّة، وتتطلب معالجته مُبادرة مجتمعية تشارك فيها جميع طوائف المجتمع، وفق ما أكده وكيل وزارة الأوقاف الشيخ صبري ياسين، مُضيفاً أن هذا الأمر «حرام شرعاً، ومُقزز اجتماعياً».
وأوضح ياسين أن هناك خلطاً بين مفهوم الزواج المبكر وزواج القاصرات في العالم الاسلامي والعربي، إذ أطلق البعض مُسمى الزواج المبكر على زواج القاصرات، والعكس صحيح. وأشار إلى أن الزواج المُبكر في الإسلام مُحبّب، وليس فرضاً، كما يُشيع المتشددون؛ لحماية الشباب من الفتن. وأضاف أن المجتمعات العربية فرضت سنّاً للزواج، لحماية الشباب من التسرع والزواج الفاشل، ولتمنحهم وقتاً كافياً للنضوج فكرياً.
وخالف المتحدث باسم حزب «النور» السلفي محمد العليمي في الرأي ما قاله وكيل الأوقاف، وقال: «الفتاة طالما بلغت حقها من الزواج شرعاً، فإن تزويجها سيحميها من المجتمع غير الأخلاقي والمُفترس، وعلى الزوج أن يتركها تُكمل تعليمها، ويحافظ عليها من شرور المجتمع».
أمّا طبياً، فحذّرت طبيبة النساء والتوليد الدكتورة أميرة سلطان من خطورة زواج القاصرات، باعتباره يؤدي إلى وفاة الطفلة غالباً، أو إصابتها بأمراض مُزمنة كسرطان الرحم، إلى جانب قتل حواسها الجنسية، ورفع معدل حالات الإجهاض، أو ولادة أطفال مُشوهين.
ونفسياً، أكدّ أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس الدكتور أحمد السيد أن زواج القاصرات مُدمر للمجتمع، قائلاً: «هو القشة التي ستقسم ظهر البعير، وإذا استمر، سيدمّر المجتمع نهائياً في شكل كامل». وسأل: «كيف نطالب بمجتمع واع أخلاقياً وثقافياً، فيما تخرج الفتيات من ذلك الزواج مُدمرة ومنتهية نفسياً؟».
وأضاف السيد أن الكثير من حالات الإجرام والقتل، يكون سببها تزويج فتاة وهي طفلة، لافتاً إلى أن «زواج الطفلة وتعدّي الرجال عليها يقتل غرائزها الحسية، الجنسية وغير الجنسية، كما يُصيبها بخللٍ في جهازها العصبي، ويعزّز غريزة الانتقام لديها، بل أن بعض الفتيات تُصبن بمرض الريبة، وقد تصلن إلى الجنون، بفعل كهربة المخ الزائدة التي تعتريهن أثناء الخوف من الاعتداء»، لافتاً أن «الكثير من السيدات أُصبن بأمراض جنسية سيكولوجية؛ بسبب زواجهن المبكر، حيث تشعر المرأة مع الوقت بالفتور الجنسي».
وروى حالة طفلة احتجزها أهلها في المستشفى التي يعمل بها (مستشفى الخانكة)، باعتبارها مجنونة، قائلا إن السبب كان زواجها وهي في الثامنة من عمرها، ما أصابها بالهلع والجنون. وأكد أن المرأة هي الدعامة الحقيقية للمجتمع، وزواجها قبل اكتمال نضوجها، يؤدي إلى انعدام قدرتها على التعامل مع أطفالها، أو تربية وتنشئة جيل جيد وناضج.
من ناحية أخرى، يقول أستاذ الإنثروبولوجي في جامعة الإسكندرية الدكتور سليمان عادل إن زواج القاصرات سلعة مستوردة من خارج مصر، حيث أن التحليل الإنثربولوجي التاريخي للمجتمع المصري القديم والحديث، أكد ذلك. أمّا الزواج المبكر، فهو عادة عربية، تعلّمها الشعب المصري بعد اندماجه مع العرب، بعد دخول عمرو بن العاص إلى مصر، لكن مصر الفرعونية والقبطية رفضته رفضاً تاماً.
كما قالت المحامية في محكمة الأسرة لبنى عبد الحفيظ إن المحكمة يرد إليها يومياً كثير من حالات الطلاق والخلع، والنسبة الأكبر لحالات الخلع، الناتجة من رفض الزوجة لزوجها، يتراوح عمر الزوجة فيها بين 17 و19 سنة، ما يُثبت زواجها المبكر، وتصل نسبة حالات الزواج المبكر الفاشلة، والتي تنتهي بالخلع أو الطلاق، إلى 70 في المئة.
وكشفت دراسة أعدتها جمعية «صنّاع الحياة» في القليوبية بالتعاون مع جمعية «رسالة للأعمال الخيرية» أن نسبة زواج من هم دون 13 عاماً، بلغت بين الإناث 55 في المئة مُقابل 7 في المئة للذكور، وهو ما يؤكد انتشار الزواج السياحي.
فيما بلغت نسبة زواج القاصرات في القليوبية 60 في المئة، مُقابل 74 في المئة للزواج المُبكر، كما أكدت دراسة ل«يونسيف» أن مصر تحولت إلى محطة انتقال لتجار البشر، بعد ارتفاع نسبة زواج القاصرات إلى 95 في المئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.