محمد عبده: أنا بخير وفي مرحلة التعافي    تعليم الطائف يطلق حملة إعلامية ‬⁩ لتعريف المجتمع المحلي بالاختبارات الوطنية ⁧‫"نافس‬⁩ "    منافسات الجولة ال31.. تنطق غداً بثلاث مواجهات    وزراء الموارد والبلديات والتعليم يؤكدون في مؤتمر "السلامة المهنية" أهمية التكامل لتطبيق معايير السلامة بين العاملين    18535 مواطنا ومواطنة ينضمون للقطاع الخاص في أبريل    السجن لمواطن ومقيم ارتكبا التستر في المقاولات    على واقع المظاهرات الطلابية.. أمريكا تعلق شحنة أسلحة لإسرائيل    معارك السودان تستمر    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر    هيئة الشورى تعقد اجتماعها الثاني    "البيئة والمياه" تختتم فعاليات أسبوع البيئة في حائل    المؤتمر الدوري الرياضي: لا اختلاف في الدعم و90% من المفاوضات عبر النادي    وزير العدل: قضاء التنفيذ سيدخل مرحلة جديدة من التطوير ركائزها الجودة والدقة والسرعة    انطلاق التمرين البحري المختلط للدول المطلة على البحر الأحمر «الموج الأحمر 7» بالأسطول الغربي    إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    دوريات «المجاهدين» بجازان تقبض على شخص لترويجه 3.8 كيلوغرام من مادة الحشيش    الديب: إيرادات الميزانية السعودية تعكس قوة الاقتصاد وكفاءة الإنفاق    اصطدام سيارة بإحدى بوابات البيت الأبيض ومقتل سائقها    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    محافظ الطائف يرأس أجتماع المجلس المحلي    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبات    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    تركيا: التضخم يرتفع إلى 69.8 %    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    يسله وجيسوس يحذران المهددين من «الإنذارات»    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    لا تظلموا التعصب    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما عصف الحب بين هيدغر اللاسامي وحنة أرندت اليهودية
نشر في الحياة يوم 24 - 11 - 2014

قد تكون الرسائل المتبادلة بين الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر وحنة أرندت التي أصدرتها «دار جداول»، بترجمة حميد الأشهب من الألمانية الى العربية، من أجمل النصوص في الأدب الفلسفي. يتفق معظم المفكرين الغربيين على أن هيدغر هو من أهمّ فلاسفة القرن العشرين، وينظرون الى كتابه «الوجود والزمان» على أنه من أهمّ الكتب الفلسفية التي تناولت الجانب الأنطولوجي في الفلسفة. كان مارتن هيدغر متزوجاً وله ولدان عندما ظهرت في حياته فتاة تسمّى حنّة. كانت في الثامنة عشرة، بينما كان هو في السادسة والثلاثين. كان هو أستاذاً في جامعة فريبورغ بينما كانت هي تلميذة درست عليه الفلسفة، ثمّ تطوّرت العلاقة بين الأستاذ وتلميذته الى عاشق وعاشقة يعيشون الحب كما يعيشه الفلاسفة.
كانت حنّة يهودية طاردتها النازية فهربت الى فرنسا، ومن هناك سافرت الى الولايات المتحدة حيث تزوجّت وعملت واشتهرت كفيلسوفة في الفكر السياسي. أما هيدغر فتعاطف مع النازية فترة طويلة من حياته، تسلّم أثناءها عمادة الجامعة، ثم صرف منها بعد الحرب، ومنع التدريس. لكن شهرته كأستاذ وفيلسوف لم تسمح لأعدائه بتحقيق غاياتهم بعزله نهائياً عن المجالات الثقافية. استمرّت العلاقة بين الأستاذ وتلميذته بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرّت الرسائل بينه وبينها، وكانت له خير سند في معاركه السياسية والفلسفية الى أن توفّي بعدها بعام أي 1976.
تتشكّل العلاقات العاطفية بين هيدغر وأرندت من ثلاثة فصول: بدأ الأوّل في شباط (فبراير) من عام 1925 عندما كتب لها الرسالة الأولى من بين سبعين رسالة يضمها الكتاب الذي قامت بترجمته دار جداول، يعبّر فيها عن حبه لأرندت بإيحاء وخفر، طالباً منها إقامة علاقة خاصة تكون بسيطة وصافية، مؤكّداً لها أنه، وإن لم يكن من حقّه الاحتفاظ بها لنفسه، إلا أنه واثق من أنها لن تخرج يوماً من حياته. يكتب هيدغر لحنة في رسالة شباط من عام 1925 «لا بدّ أن يكون كل شيء بيننا وببساطة واضحاً ونقياً. لقد حصل لنا الشرف بالتعرف على بعضنا البعض، وأن تصبحي طالبة لي، وأن أصبح أستاذاً لكن ما هو إلاّ سبب لما حصل لنا. لن أستطيع امتلاككم أبداً، لكن ستنتمين من الآن فصاعداً الى حياتي وسينمو هذا الأمر فيك». ويكتب في رسالة من الشهر نفسه «لماذا يكون الحب فوق طاقة كل الإمكانيات الإنسانية الأخرى، ويكون ثقلاً حلواً بالنسبة للمعني بالأمر». ويكتب لها في نيسان (أبريل) من السنة نفسها «عندما سلّمتك المخطوطة اليوم غمرتني فرحة عارمة الى درجة أنني أصبحت دون حيلة ولا عون. لقد سلّمت لك جزءاً من روحي شيئاً قليلاً لحبك، وقد أتى شكرك اللطيف على الأخضر واليابس داخلي».
تميّزت الرسائل الأولى التي كتبها هيدغر الى أرندت بنوع من الحياد لأنه كان يخاطبها «عزيزتي الآنسة أرندت» لكن مالبث أن أخذ يخاطبها «عزيزتي حنة» و»مارتن الذي لك»، و»محبوبتي». يكتب لها في أيار(مايو) من العام نفسه «أشكرك على حبك» ثم يعود ويرسل إليها رسالة أخرى يقول فيها «لا شيء يفصل بيني وبينك»، وأخرى يدعوها فيها الى مواعيد محدّدة «أطلب منك المجيء لرؤيتي في 28 حزيران (يونيو) الأحد بعد الساعة التاسعة ...ألف قبلة «. ويضيف: «إذا كان النور مشتعلاً في غرفتي، فإن ذلك يعني أنني منشغل بموعد آخر. في هذه الحالة، وهذا أمر مستبعد تعالي يوم الأربعاء في الوقت نفسه». أما رسائل أرندت إلى هيدغر وعلى رغم قلّتها فهي تعبّر عن حبّ جارف، وتعلّق بالإستاذ الذي بهرها بعلمه وشخصيّته، فتعترف له بأعزّ ألأمور التي تحياها وتحدث لها. تكتب له في نيسان من عام 1928 «ما أودّ أن أقول لك ما هو في العمق إلا عرض واع للوضع. إنني أحبك كاليوم الأوّل، وهذا أمر تعرفه، وكنت أعرف هذا قبل لقائنا من جديد. إن الطريق الذي أرشدتني إليه هو أطول وأصعب مما كنت أعتقد» ثم توضح في الرسالة نفسها: «سأفقد حقي في الحياة لو فقدت حبي لك». وتكتب له عام 1929 «وهكذا أتوجّه إليك اليوم بالثقة القديمة وبالطلب القديم: لاتنسني ولا تنس أنني أعرف بعمق بأن حبّنا قد أصبح نعمة حياتي». في القصل الأول من علاقاتهما الغرامية تتواصل اللقاءات خلسة تارة في بيته، وتارة في الكوخ الذي يملكه في الغابة السوداء، ومرة ثالثة في الحدائق والفنادق. ولكن مالبث أن انكشف أمر العلاقة في أعين زوجته الغيور، فطلب هيدغر من أرندت الانتقال الى جامعة هايدبرغ حيث صديقه الفيلسوف الوجودي المعروف كارل ياسبرز. وقد ظلّت الرسائل متواصلة بينهما، تجمع بين تدفّق العاطفة وهموم الفلسفة وإشكالات الفكر.
في الفصل الثاني من علاقة هيدغر بأرندت الذي ابتدأ عام 1933 سنة اعتقالها على يد النازيين وفرارها الى فرنسا تنقطع الرسائل بين العاشقين، بخاصة أن هايدغر تقرّب من النازية، وعيّن رئيساً للجامعة، قبل أن يستقيل منها ويعتزل في بيته في الغابة السوداء، ممنوعاً من التدريس بعد هزيمة بلاده.
يبدأ الفصل الثالث من علاقة هيدغر بحنة أرندت بعد سنوات الحصار المفروض عليه، إذ تعيد الاتصال به في شباط (فبراير) عام 1950. يلتقيان في فندق صغير في مدينة فريبورغ الألمانية بعد لحظة عتاب قصيرة تعود المياه الى مجاريها. يكتب لها في هذه المناسبة: «لنا يا حنة ربع قرن يجب أن نسترجعه أودّ أن أعرف أكثر عن طريقك الحالي وعن أعمالك». بالفعل تكشف الوثائق أن العاشقين كانا يعملان كما ذكر هيدغر، هو على كانط، وهي على التوتاليتارية، ولم يتقابلا بعد لقائهما الأوّل لأسباب متعدّدة أهمها الغيرة الأنثوية التي أظهرتها زوجة هيدغر، والعلاقة المتوتّرة بين هايدغر وزميله كارل ياسبرز، إضافة إلى مشاغلهما العائلية. يكتب هيدغر لحنة قائلاً: «سأرسل لك الكتاب حول كانط ومجموع ما اشتغلت عليه حول هولدرلين كتحية بمناسبة عيد الميلاد». وتجيبه حنة في الموضوع نفسه: « لقد طلبت من الناشر أن يرسل لك كتاباً لي، وأودّ أن أقول كلمة في هذا الأمر. ستلاحظ بأن الكتاب لا يحتوي إهداء. لو أن الأمور كانت مرّت بيننا في أحسن الأحوال - أعني بيننا إذن لا أنت ولا أنا - لكنت قد سألتك إذا ما كنت تسمح لي أن أهديك إياه. تحقّق هذا الكتاب من الأيام الأولى في فرايبورغ مباشرة، وإنه مدين لك في كل اللحظات بكل شيء».
تغلب في الرسائل المتبادلة بين هيدغر وأرندت لغة الفكر والتجريد والتعبير الموارب، وإن لم تغب حرارة العاطفة ودفء الحب. رسائل كانت بالنسبة إلى هيدغر وسيلة للتعبير عن حبه الصعب لتلميذة يهودية تتلمذت على يديه في زمن صعود النازية، وكان بالنسبة إلى أرندت أداة للتعبير عن تعلّقها ب «المعلم» كما كانت تسمّيه. المعلم الذي تعلّمت على يديه كيف تفكّر، وكيف تحبّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.