باحثان سعوديان يقدمان مشروع وطني للاستجابة على الطائرات بواسطة الذكاء الاصطناعي    موعد الظهور الأول لكيليان مبابي في مونديال الأندية    كريستيانو رونالدو مع النصر حتى 2027    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات: في هذا اليوم نستذكر حجم الخطر الذي تمثله آفة المخدرات على الفرد والمجتمع    جمعية "تطوير" تحتفي باختتام النسخة الثانية من "مسرعة وتير"    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    "التجارة": ضبط عمالة مخالفة تُعبئ أرز منتهي الصلاحية في أكياس لعلامات تجارية شهيرة بتواريخ جديدة    تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على اللاعبين والمدربين السعوديين (إلزاميًا)    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    بدء أعمال صيانة ورفع كفاءة نفق طريق الملك فهد مع تقاطع الأمير فيصل بن فهد بالخبر    البدء بتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على اللاعبين والمدربين السعوديين ابتداءً من 1 يوليو    وزارة الرياضة تعلن توقيع عقود تنفيذ فندقين في مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة    البرلمان العربي: وفد رفيع المستوى يتوجه في زيارة لمعبر رفح غدا    لجان البرلمان العربي الدائمة تختتم اجتماعاتها    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مدغشقر بذكرى استقلال بلاده    النفط يرتفع مع انخفاض مخزونات الخام الأمريكية، وتعزيزات قوة الطلب    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    روسيا تسقط 50 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    10.9 مليار ريال مشتريات أسبوع    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مؤتمر صحفي يكشف ملامح نسخة تحدي البقاء لأيتام المملكة    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    رخصة القيادة وأهميتها    صوت الحكمة    مرور العام    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«لولو» لآلبن برغ: امرأة فتاكة لافتتاح القرن العشرين
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2013

إذا كانت «نانا» إميل زولا و «مرغريت» غادة الكاميليا وإيما بوفاري، قد تميّزن بكونهن من أشهر «نساء» القرن التاسع عشر، المتمرّدات المضطهَدات الرائعات والمضحّيات، في بعض الأحيان، على مذبح الحب، فإن بدايات القرن العشرين شهدت، من خلال «لولو» فيدكند، امرأة أخرى من نوع مختلف إلى حد بعيد، امرأة تناسب القرن العشرين: امرأة فتاكة، عدوانية مهيمنة تبحث عن هويتها ولكن من خلال محو الرجال وتحويلهم الى ضحايا لها. يقينا الى «لولو» لم تكن في هذا السياق المرأة الأولى، لكنها كانت الأوضح والأبرز، وتلك التي صيغت بطلات كثيرات في القرن العشرين على شاكلتها. وإذا كانت لولو، لدى فيدكند، شغلت البطولة في روايتين لم يحمل أيٌّ منهما اسمها، فإن الموسيقي آلبن برغ، حين فتن بنصّي فيدكند، وقرر تحويلهما إلى عمل أوبرالي من نوع جديد، أدرك جوهر الأمر، فدمج النصّين وأعطى عمله عنواناً واضحاً هو «لولو»، وكذلك -بالطبع- فعل السينمائي بابست، حين حوّل العمل إلى فيلم سينمائي. والمهم أنه من بين روايتي فيدكند وأوبرا آلبن برغ، وفيلم بابست، قد يكون الأجدر هو التوقف عند الأوبرا، ليس فقط لأنها الأشهر، بل كذلك لأنها أتت الأكثر تعبيراً عن تصور فناني بداية القرن العشرين عما ستكون عليه حال المرأة في ذلك القرن. ولنذكر هنا بأن هذه الأوبرا حققت ما تستحقه من نجاح كبير منذ عروضها الأولى، حتى وإن كنا نعرف أن العمل لم يقدّم مكتملاً على حياة آلبن برغ، ولا طوال العقود التي تلت موته. بل احتاج الأمر، وسط معارضة أرملته، إلى انتظار النصف الثاني من القرن العشرين قبل أن يُضمَّ الفصل الثالث إلى الفصلين الأولين ويكتمل العمل بوقوع لولو بعد هجرتها إلى لندن، ضحية من ضحايا جاك باقر البطون، فتكون نهايتها على يديه مثل نهاية العديد من فتيات الهوى اللواتي أوقعهن حظهن التعيس في قبضته في ذلك الزمن اللندني المظلم.
لكن لولو لم تكن أصلاً من بنات الهوى حتى وإن كان بعض لحظات العمل قد صورّها في حال أسوأ من حالهن وأقسى... ذلك أن لولو، التي اعتادت أن تتزوج من الرجال الذين تريد الإيقاع بهم، تحمل الموت الزؤام إليهم على الفور فتكون نهايتهم على يديها بشكل أو بآخر.
بعد مقدمة مرويّة تشير،كنايةً، إلى حديقة الحيوان وإلى أفعى اسمها لولو، يدخلنا الفصل الأول من الأوبرا في حياة الحسناء لولو، المتزوجة من أستاذ طب عجوز. إنها هنا تجلس قبالة رسام يرسم صورتها في محترفه، حيث يزور المحترف معجبان من معجبي الحسناء، هما الصحفي د. شون وابنه الموسيقي آلفا. وما أن يبتعد الرجلان حتى يبدأ الرسام بمغازلة لولو... صحيح أنها تقاوم إغواءه، ولكن في اللحظة نفسها يدخل زوج لولو الذي ما أن يرى المشهد حتى يقع ميتاً من فرط تأثره... بعد موت الزوج تتزوج لولو من الرسام الذي يؤمن لها عيشاً رغداً، غير أنها سرعان ما تسأم تلك الحياة المستقرة. وهنا يصل الدكتور شون، رجل لولو الحقيقي، الذي سنعرف أنه رباها منذ التقطها وهي في الخامسة عشر تبيع الورود في مقهى، فاعتنى بها ليصبح عشيقها... فكان بالتالي الرجل الوحيد الذي أحبته حقاً... غير أن د. شون كان قد قرر توطيد مركز في المجتمع، لذا اتخذ لنفسه زوجة أخرى وطلب من لولو الامتناع عن مشاهدته. وإذ يعلم الرسام هذه الحقيقة يصدم ويهرب... ولكن إلى أين الهرب؟ فالحقيقة أننا سرعان ما سنجد الرسام وقد انتحر بقطع عنقه بشفرة. غير أن لولو تواصل مع ذلك حياتها، وهكذا نجدها في مشهد تال في كواليس مسرح حيث تلعب دوراً كتبه لها آلفا... وفجأة تقع لولو مغشياً عليها، أو تزعم ذلك قبل يظهر د. شون ليطلب منها أن تتوجه إلى خشبة المسرح لكي تقوم بدورها. لكنها إذ تفعل ذلك تكتشف أن شون يجلس في الصالة إلى جانب خطيبته، فتعلمه أنها أبداً لن ترقص أمام هذه الخطيبة. يجن شون من الغضب. لكن لولو تهيمن على المشهد الذي ينتهي بخضوع شون لحبه وكتابته رسالة وداع لخطيبته. وهكذا ينتهي الفصل الأول ليفتتح الثاني على لولو وقد تزوجت بالدكتور شون أخيراً... غير أن هذا الزواج بدلاً من إسعادها يهبط بها إلى الجحيم، وخصوصاً بسبب امرأة تبدأ بالتجوال من حولها هي الكونتيسة غشويتز... ويرافق الكونتيسة في تلك الحلقة آلفا نفسه وتلميذ ثانوي والعجوز شيغولش... وتشعر لولو لوهلة بشيء من السعادة. لكن شون يعيش في الجحيم، خصوصاً أنه اكتشف ذات لحظة أن ابنه آلفا يهيم بزوجته. ويجن جنونه في مشهد صاخب ينتهي بلولو تطلق الرصاص على شون صارخة «إنه الوحيد الذي أحبَبْتُه». وإذ يقتل شون، ترتمي لولو بين يدي الكونتيسة... ولاحقاً حين يُقبض على لولو وتودع السجن، تبتكر الكونتيسة حيلة تمكِّنها من استعادة حريتها حتى تصل الى بيت شون، حيث تجد آلفا في انتظارها مع صديق رياضي له، وعلى الفور يروح آلفا، مصعوقاً لمرآها، منشداً هيامه بها.
وينقلنا الفصل الثالث، الذي أضيف لاحقاً إلى الأوبرا، إلى صالون في باريس، حيث يعيش بعض حثالة علية القوم فسقهم ومجونهم بين الشرب والقمار والغزل. وتكون لولو، هذه المرة ايضاً، نقطة الثقل في الاحتفال، وقد اصطحبت رفاقها القدامى وبعض الجدد. أما الأغنية التي ينشدها الجميع فتقول على إيقاع جاز صاخب: «إما أن تقبلي بأن تباعي كالعاهرة في القاهرة، وإما أن أشي بك إلى رجال الشرطة»، فيما يهمس مركيز في أذن لولو على إيقاع الأغنية نفسها: «إما أن تعطيني 20 ألف مارك وإما أن أشي بك»... ويحذو آخرون حذوه حتى ينتهي الأمر بواش إلى الوشاية بها من دون أن تعرف من هو هذا الواشي حقاً. وينتهي الأمر هنا بلولو إلى الهرب إلى لندن مع آلفا والكونتيسة. وفي لندن، لا يكون أمام لولو إلا أن تعيش على الرصيف بنت هوى بين بنات الهوى، وهناك سيكون الأول بين زبائنها أستاذاً أخرس، والثاني زنجياً، أما الثالث فجاك باقر البطون، الذي يطعنها بالخنجر ما يجعلها وهي تترنح تطلق صرخة موت مرعبة، فيما نسمع نحيب الكونتيسة وهي تقول اذ يطعنها جاك بدورها: «لولو... يا ملاكي، سوف أبقى إلى جانبك للأبد».
كتب فيدكند روايتيه «روح الأرض» و «علبة باندورا» اللتين صاغ آلبن برغ هذه الأوبرا انطلاقاً منهما، في السنوات الأولى من القرن العشرين. وكان آلبن برغ في العشرين من عمره حين اكتشف هذا النص وأولع به، ولا سيما لاحقاً حين شجعه على ذلك صديقه كارل كراوس الذي قدم الجزء الثاني في قراءة علنية. وفي العام 1928، قبل موته بسبع سنوات، بدأ الموسيقي بكتابة النص المقتبس بهدف تحويله إلى أوبرا... ليعمل على تحويل فصول فيدكند السبعة ومقدمتيه، إلى ثلاثة فصول ومقدمة واحدة. وهو لجأ تلحيناً، إلى استخدام كل مصادر الموسيقى الحديثة في زمنه، من جاز وأغاني الكاباريه والسوينغ وموسيقى التسلسل (الاثني عشرية) بحيث أتى العمل شديد المعاصرة، وأيضاً شديد التنوع. ولقد بلغ من روعة الموسيقى أن آلبن برغ نفسه (1885-1935) عمل لاحقاً على تحويل هذه الموسيقى إلى عمل أوركسترالي بحت عنونه ب «لولو سيمفوني»، ويتألف في خمس حركات... ولقد اشتغل برغ على هذا العمل طوال سنواته الأخيرة، لم يقطع ذلك إلا حين عكف، إذ ماتت ابنة آلما ماهلر، على كتابة «كونشرتو في ذكرى ملاك» تحية لها. وقدمت أوبرا «لولو» للمرة الأولى في زيوريخ (ناقصة الفصل الثالث) مع تقديم العمل الأوركسترالي بدلاً من ذلك الفصل... ولقد ظلت أرملة آلبن برغ، هيلين، تعارض تقديم الفصل المستبعد حتى رحيلها في العام 1957 حين صار في الإمكان تقديم العمل كله تحت إشراف بيار بوليز، ما أمن انضمام «لولو» الى بقية أعمال آلبن برغ الكبرى ومنها «ألتنبرغ ليدر» وأوبرا «فويتسيك» ومغناة «الخمر».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.