"الحج" تختبر خطط التفويج بفرضية ثانية    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    من أعلام جازان .. الشيخ عيسى بن رديف بن منصور شماخي    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    قمّة المنامة دعامة قوية للتكامل العربي والسلام الإقليمي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    بمشاركة 11 دولة.. ورشة لتحسين نظم بيانات المرور على الطرق    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    5 استخدامات ذكية ومدهشة يمكن أن تقدمها القهوة    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    النفط يرتفع.. و"برنت" عند 82.71 دولاراً للبرميل    بايدن سيستخدم "الفيتو" ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    المجون في دعم كيان صهيون    صحة نباتية    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    الأمن والاستقرار    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    طموحنا عنان السماء    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    الوجه الآخر لحرب غزة    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إميلي نصرالله: عندما تُقتلع جذوره ... يقع الإنسان في العدم
نشر في الحياة يوم 12 - 10 - 2013

خمسون عاماً مضت، على صدور رواية «طيور أيلول» التي دأبت الاجيال في لبنان على قراءتها وما برحت. والكاتبة اللبنانية إميلي نصرالله، تأمل أن تكتب رواية العودة، «عودة طيور أيلول».
هذا العام، عام اليوبيل الذهبي صدرت «طيور أيلول» في طبعة جديدة، مرفقةً ب «سي دي»، يسرد الرواية بصوت الكاتبة إميلي نصرالله، تشجيعاً منها للاستمتاع بالرواية، ولخلق أسلوب جديد يتماشى مع روح العصر. وبذلك تتمكّن الرواية من العبور إلى هذا الجيل، من خلال ال «سي دي»، ليتناولها ويروي حكاية أسراب رحلت، ولم تعد، أو عادت، ليلقي نظرة على المكان الأول... والكتابة عن المكان-الغربة، هي شكل من أشكال مجابهته. وهو قائم في كل محاولة تفكير، لأنه يتناول وجود الإنسان ومعناه.
في المكان نفسه، موضوع «طيور أيلول»، جلسنا مع إميلي نصرالله، حيث ورشة إعادة الترميم في أوجّها، والكاتبة تنظر بفرح العودة إلى أيام لم تكن لتنتهي. يتحوّل بيت الأهل إلى «مركز طيور أيلول»، حين يعود المهاجرون إلى قريتهم. ولدت إميلي نصراللّه في بلدة كوكبا، جنوب لبنان. وكانت نشأتها في الكفير، بلدة أمها. بدأت دراستها الابتدائية في مدرسة الكفير الرسمية، ثم تابعت دراستها الثانوية في الكلية الوطنية – الشويفات، قرب بيروت. ومنها انتقلت إلى كلية بيروت الجامعية، ثم الجامعة الأميركية حيث تخرّجت بشهادة بكالوريوس في العام 1958.
في العام 1957 تزوجت من الكيميائي اللبناني فيليب نصراللّه، وأنشآ معاً عائلة مؤلَّفة من أربعة أولاد: رمزي، مها، خليل ومنى.
إميلي، روائية وقصصية ناضلت من أجل حرّية المرأة، وذلك من خلال قلمها ومواقفها الإنسانية. نالت روايتها الأولى «طيور أيلول» ثلاث جوائز أدبية، وهي اليوم تحتفل ب «اليوبيل الذهبي». تلتها سبع روايات وتسع مجموعات قصصيّة. وكتبت أيضاً الرواية والقصة للفتيان، خصّت الأطفال ببعض قصصها وألفت كتاباً في ستة أجزاء في سيرة النساء الرائدات من الشرق ومن الغرب.
تدور قصص نصراللّه ورواياتها حول الجذور العائلية، الحياة في القرية اللبنانية، الاغتراب والهجرة، نضال المرأة في سبيل المساواة والتحرّر وخصوصاً حرّية التعبير، ثم الحرب، وقد عانتها مع عائلتها ومواطنيها.
من أبرز أعمالها: « شجرة الدفلى»، «الرهينة»، «تلك الذكريات»، «الإقلاع عكس الزمن»، «الجمر الغافي»، «ما حدث في جزر تامايا»، «روت لي الأيام»، «الينبوع»، «المرأة في 17 قِصَّة»، «خبزنا اليومي»، «محطات الرحيل»، «الليالي الغجرية»، «الطاحونة الضائعة»، «أوراق منسية»، «أسود وأبيض»، «رياح جنوبية»، «في البال».
في المكان نفسه، موضوع «طيور أيلول»، جلسنا مع إميلي نصرالله، حيث ورشة إعادة الترميم في أوجها، والكاتبة تنظر بفرح العودة إلى أيام لم تكن لتنتهي. يتحوّل بيت الأهل إلى «مركز طيور أيلول»، حين يعود المهاجرون إلى قريتهم.
كيف نشأت فكرة تحويل منزل الأهل إلى «مركز طيور أيلول»، وإلامَ ترمي؟
- منذ العام 1980 وبعد وفاة والديّ، بقي المنزل مهجوراً. إخوتي وأختي في كندا، وقد تجذّروا هناك، وأنجبوا أولاداً وأحفاداً. وأنا مقيمة في بيروت، مدينة اختياري وحبّي؛ ولأنّ ذلك المكان عزيز عليّ، أحببت أن أرمّمه وأحوّله إلى مركز للقاءات ثقافيّة، وأجمع فيه ما أمكنني من كتب عن الغربة، أو بأقلام كتّاب هاجروا. وأجمع صوراً لخمسة أجيال من عائلتي بدأت هجرتهم منذ ما يزيد على مئة عام. وتقوم بالإشراف على المشروع المهندسة مها نصرالله، ابنتي، وهو تراث معنوي بالنسبة إليها، تحبّ أن تحافظ عليه، وهي التي اقترحت تسميته «مركز طيور أيلول».
لماذا تركت «مكانك الأول» طالما أنّك ترين أنّ الأمر مؤلم إلى هذا الحد؟
- تركت بلدتي، لأبحث عن العلم والمعرفة خارج المدرسة الابتدائية التي لم يكن فيها أعلى من صف الثالث الابتدائي. كانوا يقولون لي: «بيكفي صرتي تفكّي الحرف». نعم كان يكفي الفتاة في ذلك الزمان أن تفكّ الحرف. لكنني لم أكن أقبل بذلك.
هل ما زلت تتذكّرين المرحلة الأولى؟
- نعم، كان نظام المدرسة الرسمية يمنع على الطلاب أن يدخلوا إلى المدرسة قبل سن السادسة. لذا وجدت نفسي أتلصّص، وأسرق العلم، لمدّة سنتين على الأقل. كان بيتنا يقع بالقرب من مدرسة البنات. وكنت «أتنصّت» من تحت النافذة. وفي أحد الأيام أشفقت عليّ والدتي فأمسكتني بيدي وقادتني إلى المعلّمة، وقالت لها: «حرام هالبنت، في أيام الصيف تحت الشمس، وفي الشتاء تحت المطر. اقبليها حتى ولو «زرابة». فقالت لها المعلمة:» أقبلها، شرط أن تختفي حين يأتي المفتّش». وفي أحد أيام المدرسة، بينما كنت ألعب مع صديقاتي، وأفتخر بأنني صرت واحدة منهنّ، وإذا بواحدة تقول :»جاء المفتّش!». ركضت أحتمي بالبيت. عبرت الطريق الذي يفصل المدرسة عن البيت، وأنا أصرخ وأجهش بالبكاء. سألني والدي لماذا تبكين، ماذا جرى؟ قلت له: «جاء المفتّش»، فقال: «وهل المفتش يأكل الأولاد الصغار؟». وصفعني على خدّي صفعةً لا يزال طعمها حتى الآن.
كان الأمر يرتبط بكونك فتاة ولست فتىً؟
- ربما. لهذا السبب ناضلت حتى أخرج من الكفير، وأتعلّم. كان يهمّني أن أتعلّم. وكانت بعض نساء القرية يقلن لي: «بدّك تروحي على بيروت! بيجرصوكي!»، كانت «جرصة» أن تخرج الفتاة. وبقيت هذه الكلمة في أذني. حتى أنني كنت أسير في الجامعة مع بعض الزملاء، وحين نصل إلى الباب، أطلب من زميلي أن يفترق عني عند باب الجامعة، لأسير وحدي ولا تبصرني عين من العيون التي يمكن أن تكون عابرة وتعود وتقول لأبي. هذا الحرص رافقني في كل لحظة من لحظات وجودي في بيروت.
لماذا تعودين إلى ذلك التاريخ؟
- أعود إلى ذلك التاريخ لأنّ الفرق أصبح كبيراً، وكبيراً جداً بين تلك الفتاة القروية طالبة العلم بالنضال، وبين فتيات القرى اللواتي يتفوقن أحياناً على طالبات العاصمة والمدن. والأمر يعود إلى ذلك المكان، إلى الطموح الذي لا يزال مجبولاً بتراب القرى. هذا المكان الذي أعود إليه في اليقظة وفي الأحلام، والذي عدت إليه في كل ما كتبت من روايات وقصص. إنه المكان الذي أستوحي وأستلهم منه قصصي ورواياتي وأفكاري، والذي أردّ إليه بعض الجميل في الكتابة عنه ومنه.
ولكن ثمّة مَن يخرج المكان من ذاكرته بمجرّد أن تطأ قدمه أرضاً جديدة...
- يجب ألاّ يعتقد من يخرج من بلدته أنها لحظة نهاية، بل إنها البداية، وخصوصاً اليوم، حيث أصبح العالم أوسع بكثير مع كل هذه الوسائل الحديثة. يستطيع الإنسان أن يخاطب الحضارات الأخرى ويستفيد من علومها وهو في غرفته. ليكن الانسان منفتحاً على كل جديد وكل معرفة. فالمعرفة هي الباب المفتوح على مداه وإلى الأبد. والدنيا مرحّبة ومفتوحة للجميع، بعد أن يأخذ من قريته أجمل ذخيرة، شرط ألاّ يقتلع جذوره. لأنّ الإنسان إذا اقتلع جذوره أصبح في العدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.