روما يتشارك صدارة الدوري الإيطالي مع نابولي بالفوز على بارما    «سلمان للإغاثة» يوزّع (1.548) سلة غذائية في محافظة ريف دمشق    مجلس الضمان الصحي يُكرّم مستشفى د. سليمان فقيه بجدة    وراء الجبل    الإعانة على العقوق    دارفور تتحول إلى مركز نفوذ جديد وسط تصاعد الانقسامات في السودان    إسرائيل تعلن استئناف وقف النار وحماس تتهم واشنطن بالانحياز    لماذا الشيخ صالح الفوزان    «سلمان للإغاثة» يوزّع مساعدات غذائية متنوعة في بعلبك والكورة بلبنان    إلزام المبتعثين بتدريس الصينية    مواجهات قوية في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    25 فارس وفارسة في تصنيف (TOP 100) العالمي بالرياض    الرئيس السوري: المملكة تشكل أهمية كبيرة وبوصلة اقتصادية في المنطقة    منافسات سباقات الحواجز تواصل تألقها في بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ 2025    أمير منطقة جازان يستقبل مواطنًا لتنازله عن قاتل والده لوجه الله تعالى    300 طالبٍ وطالبة موهوبين يشاركون في معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي في الدمام    جيروم باول: خفض الفائدة في ديسمبر ليس مؤكداً    أمانة الشرقية تنظم ملتقى «الإعلام الإنمائي» الأحد المقبل    السعودية ترحب بإعلان سوريا اعترافها بجمهورية كوسوفا    "GFEX 2025" تستعرض أحدث تقنيات الطب الشرعي    هيئة الأمر بالمعروف بجازان تفعّل معرض "ولاء" التوعوي بمركز شرطة شمال جازان    «هيئة الأوقاف» تنظم ندوة فقهية لمناقشة تحديات العمل بشروط الواقفين    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية بالمنطقة    سوريا تعلن الاعتراف بكوسوفو بعد اجتماع ثلاثي في الرياض    «إنفيديا» تتجاوز 5 تريليونات دولار بفضل الطلب على الذكاء الاصطناعي    الفالح ينوه بالخدمات المقدمة للشركات العائلية في المملكة    "رهاني على شعبي" إجابة للشرع يتفاعل معها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير عام قناة الإخبارية    نائب أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على مخالف لنظام أمن الحدود لتهريبه 84 كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    أمير جازان ونائبه يقدمان واجب العزاء للدكتور حسن الحازمي في وفاة نجله    المنكوتة والمعيني ينثران قصائدهم في سماء جدة    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية التركية بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    عطارد يزين الليلة سماء السعودية    العويران: نصف الرياضيين يعزفون عن الزواج.. "يبحثون عن الحرية بعيدًا عن المسؤوليات"    روائع الأوركسترا السعودية تعود إلى الرياض في نوفمبر    أوكرانيا تستهدف موسكو بمسيرات لليلة الثالثة    مليشيا الحوثي تشن حملة داخل صفوفها    أطلقها نائب وزير البيئة لدعم الابتكار.. 10 آلاف مصدر علمي بمنصة «نبراس»    الاحتلال يشن غارة جوية على الضفة الغربية    الاتحاد يقصي النصر من كأس خادم الحرمين الشريفين    أكد أن الاتفاق مع باكستان امتداد لترسيخ العلاقات الأخوية.. مجلس الوزراء: مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار يدفع نحو التنمية والازدهار    التعلم وأزمة المعايير الجاهزة    غضب من مقارنته بكونسيساو.. خيسوس: رحلة الهند سبب الخسارة    أشادت بدعم السعودية للبرنامج الإصلاحي.. فلسطين تطالب «حماس» بتوضيح موقفها من السلاح    المناطيد تكشف أسرار العلا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضخماً من البنكرياس ويعيد بناء الوريد البابي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُجري الفحوصات الطبية للملاكمين المشاركين بنزالات موسم الرياض    منتديات نوعية ترسم ملامح مستقبل الصحة العالمية    صحة المرأة بين الوعي والموروثات الثقافية    زيارة استثمارية لوفد من غرفة جازان    فترة الإنذار يالضمان الاجتماعي    تداول يكسب 54 نقطة    فيصل المحمدي من بيت امتلأ بالصور إلى قلب يسكنه التصوير    ولادة توأم من بويضات متجمدة    العلماء يحذرون من الموز في العصائر    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجدي معوض مسرحي أوجاع الذاكرة
نشر في الحياة يوم 30 - 08 - 2013


في الأيام الأخيرة من مهرجان «أفينيون»، تجمّع حشد كبير من الجمهور الفرنسي أمام أحد المسارح الواقعة في قلب المدينة القديمة منتظرين بدء عرض «موعد مع وجدي معوض» وهي المسرحية الجديدة لهذا الكاتب والمخرج الكندي، اللبناني الأصل. يُعدّ وجدي معوض اليوم واحداً من أهم الكتاب المسرحيين في العالم. فبعد حصوله على الجائزة الكبرى لنقاد المسرح عن نصه الأول «ويلي برتاغوس محبوساً في المراحيض»، كتب أعمالاً طرح فيها إشكاليات فلسفية لغوية. واستطاع إيجاد الشكل الفني الخاص به، النابع بالضرورة من إيمانه بكون المسرح منبراً اجتماعياً وثقافياً، تشكل فضاءه الكلمة، وتكون حجر الأساس في بناء العالم بأكمله. وتعتبر ثلاثية معوض، «ساحل» (1999)، «حرائق» (2003)، «وحيدون» (2008)، التي حلّ بها ضيف شرف على مهرجان أفينيون عام 2009، وعرضها في ليلة واحدة في ساحة الشرف في قصر البابوات، مثلاً حياً على نجاحات معوض المسرحية، علماً أنّ الأعمال السابقة وضعت صاحبها مع الأسماء الكبيرة في عالم المسرح المعاصر. يستكمل الفنان الكندي اللبناني الأصل في عمله الجديد «موعد مع وجدي معوض» مشروعه المسرحي الذي بدأه قبل ما يزيد على عقدين من الزمن. معوض الذي يصعب في أعماله تلمس الحدود الفاصلة بين الخاص والعام، بين الحاضر والتاريخ، يذهب في اشتغاله هذا للأقصى هذه المرة، ليكون العمل على النحو التالي: وجدي معوض يقدم وجدي معوض، والذاكرة ترخي بظلالها على الآن، لتفرض زمنها، زمن العرض. يستخدم معوض في عمله الجديد أدوات بصرية وصوتية عدة (مقاطع صوتية، مقاطع فيديو، رسوم)، محاولاً تطويعها، لتكون موادّ تساعده بعملية النبش في الذاكرة. النبش هنا ليس بقصد استعادة حادثة بحد عينها فقط، بل لاكتشاف طبيعة العلاقة بين مجمل هذه العناصر أيضاً. حفر في الذاكرة، بغية تلمس آلية عملها، مستعيناً صاحب «موعد مع وجدي معوض» بالعناصر الصوتية والصورية، ذلك بالتوازي مع البحث عن معنى الكلمة وغايتها. لذلك يبدو وجدي في هذا العمل، كما لو أنه «كاسبر» بيتر هاندكه، من حيث علاقته بالعالم الخارجي، وأثر اللغة عليه. يستعرض معوض في بداية عمله حادثة من ذاكرته، فعندما كان طفلاً بقي عنف والده الشديد راسخاً في ذاكرته، فما كان من الطفل وجدي إلا أن جاء بصدفة من البحر، وكان يخفيها في ثيابه، عندما يبدأ والده بالصراخ غضباً، كان وجدي يمسك بتلك الصدفة، ليفرغ غضبه فيها. سنة بعد الأخرى، اكتشف أنّ شيئاً من غضب والده قد تسرّب إلى شخصيته، فتلك العملية التفريغية لم تعالجه سوى لحظياً. في السياق نفسه، عُرض على شاشة الفيديو مقطع بعنوان «الرجل الكلب»، وقد برع معوض في أدائه التمثيلي فيه، بحيث صوّر لحظات تصاعد العنف، مستخدماً فيه عضلات وجهه كافة، بجحوظ عينين معوض وسيلان لعابه التصاعدي، المترافق مع صوت التوحش، الذي يزداد افتراقه عن البشري، لحظة تلو الأخرى. الغريزة ترتب أفعالنا وسلوكنا المكتسب، حيث لا يملك الآدمي خياره، ففي أحسن الأحوال يحاول فهمها فقط. لم يكتفِ صاحب «ألفونسو» بعدة حلول بصرية غايتها الأساسية هي عزل الكلمة، بمعنى آخر، أن تكون الصورة أكثر استقلالاً، ففي هذا السبيل يكتب على اللوحة الخلفية عبارات عدة، ما يجمعها أنّها رسخّت بذاكرته كشكل صوري فقط. فالصورة هنا أساس للكلمة. لذلك كانت معظم الجمل التي كتبها معوض بالعربية والفرنسية على اللوحة الخلفية، تحتوي على أخطاء نحوية وإملائية. وأراد وجدي أن يذهب أبعد من ذلك، ليكتشف مع جمهوره، كيف تخزن الذاكرة صورها وكلماتها؟ وفي الاشتغال نفسه، يقوم وجدي معوض بتقديم مقاطع صوتية عدة، منها ما هو مرتبط فيه شخصياً، كحواراته مع أصدقائه، أو مع ابنته. كما يحاول في أحد المشاهد أن يربط بين الصوت والكلمة نفسها. فيردد كلمات معينة وهو يمضغ الطعام أو يشرب الماء، ليظهر اختلاف أصواتها، لكنها تعطي المعنى نفسه. ويردد رشاً ودراكاً أسماء أسلحة «آر بي جي»، «كلاشينكوف»، و «m16». يجزئ وجدي اسم كل منها ليصير قريباً من صوت إطلاقها للنيران، وكأنّ الاسم قد اشتق من آلية عمله. هنا تكمن سطوة السلاح أيضاً، فالإنسان يقترف صوت السلاح نفسه من دون أن يشعر، ليصير صوت السلاح مألوفاً عند البشر، بمجرد ترديده للاسم مرات عدة، فذكر اسم السلاح يحيل إلى فعله وصوته، كما يحيل إلى شكله، وهذا جرم آخر يرتكبه السلاح بحق المخيلة البشرية. الخلفية التي احتوت رسوم معوض وكلماته، والتي عرض عليها أيضاً، المقاطع الفيلمية التي صنعها، قام وجدي بطلائها كاملة، ثم لفّها حول جسده. كان لا بد لوجدي معوض من أن يواجه نفسه، فجلس أمام غبار ذاكرته وأوجاعها، أزال عن يديه ووجهه ما استطاع إزالته من آثار الطلاء والكلمات والصور (آثار الماضي)، وجلس في نهاية عرضه متأملاً شبح ذاكرته الذي يكبر أمامه يوماً بعد الآخر. تثير علاقة وجدي معوض بالحرب الأهلية اللبنانية جدلاً طويلاً، فتبرز على الواجهة الأسئلة نفسها التي تثيرها تجربة أخرى كتجربة الشاعر الأميركي الصربي تشارلز سيميك، الذي غادر بلاده مبكراً إلى الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ يوغسلافيا والحرب التي شهدتها ظلت في صلب أعماله. خلال عرض مسرحية «موعد مع وجدي معوض» يسأل وجدي عن صحافي متواجد في الصالة، ليتقدم للخشبة ويجلس أمام وجدي ويسأله ما يشاء. يجيب معوض الصحافي الفرنسي عن سبب استخدامه للرسوم والصورة بالعموم في أعماله ب «أن الكلمة لم تعد تسعفه، بل يجدها عاجزة أحياناً عن قول ما يريد قوله». العرض بعناصره البصرية والصوتية، وبالكمّ الهائل من الأسئلة التي يشرعها، بالإضافة إلى أجوبة معوض، دفعني إلى سؤاله مباشرة باللغة العربية: «بحسب وجدي معوض، من يخلق الآخر؟ الصورة أم الكلمة؟»، جاء جواب وجدي سريعاً، كافياً ووافياً، وهو على الخشبة أجاب باللهجة المحكية اللبنانية: «بأوروبا الصورة هي اللي بتشكل الكلمة، لكن بس كون بلبنان، بلاقي العكس تماماً: الكلمة بتخلق... هي اللي بتخلق كل شي».

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.