" الحمدي" يزور مركز نوفا الصحي بجازان ويشيد بالخدمات النوعية في مجال التغذية العلاجية    3 % ارتفاع الطلب العالمي على الذهب    نائب وزير الصحة: قصة نمو اقتصادي تعزز مكانة الرياض على خارطة الصحة الدولية    موجودات المركزي السعودي ترتفع إلى 1.93 تريليون بنهاية سبتمبر    رونالدو يترك حلم اللعب مع نجله في النصر إلى قرار اللاعب    "إثراء" يطلق معرض "صدى المألوف" لاستحضار الذاكرة والحنين للماضي بعدسة الفن المعاصر    90 طالبًا وطالبة من "الجمعيّة الأولى " يتدرّبون على الموسيقى في المركز السعودي بجدة    الديوان الملكي: وفاة الأمير خالد بن محمد بن تركي آل سعود    أمير تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى الدكتور عطية العطوي    مباريات ربع نهائي كأس الملك    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم منتدى المجلس الاستشاري الدولي تحت شعار: "رؤى عالميَّة لمستقبل رائد"    جامعة أمِّ القرى تستعرض تجربتها في ملتقى التَّميُّز المؤسَّسي في التَّعليم الجامعي    إطلاق اسم الأمير خالد الفيصل على مركز الأبحاث ومبنى كلية القانون بجامعة الفيصل    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    سادس جولات دوري يلو.. العلا يعزز الصدارة.. أبها وصيفًا.. و"مؤجلتان"    مفتي عام المملكة يستقبل أعضاء هيئة كبار العلماء    موعد عودة كانسيلو للمشاركة مع الهلال    تجمع المدينة يطلق أول مختبر للرعاية الأولية في المملكة    لندن تحتضن معرضا مصورا للأميرة البريطانية أليس خلال زيارتها للسعودية عام 1938    رئيس جمهورية غينيا الاستوائية يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة    دراسة: نقص الأوكسجين يعطل جهاز المناعة ويزيد مخاطر العدوى    حسين بن عايض آل حمد في ذمة الله    سد وادي بيش.. معلم مائي واستراتيجي في جازان    وزير "الشؤون الإسلامية" يُدشِّن مشاريع بأكثر من 74 مليون بمنطقة الباحة    الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة ينمو بمعدل 5.0%    فيرتكس ووزارة الصحة السعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز رعاية مرضى اضطرابات الدم    منافسات بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ تتواصل في الرياض    «شرطي» يقتل زوجته السابقة وينتحر    أمريكا تؤكد تمسكها بوقف النار    دور قيادي للمملكة في دعم سوريا وتعافي اقتصادها    تقنية VAR تتدخل في البطاقات الصفراء الخاطئة    تكريم الإعلاميين وطلاب الجامعة ومرشدي السياحة في جدة    الثقافة تقبل 10 باحثين ضمن منحة الحرف    «كاف» يعلن مواعيد وملاعب الملحق الإفريقي المؤهل للمونديال    أكد الدور الاقتصادي للشركات العائلية.. وزير الاستثمار: 3 تريليونات دولار قيمة سوق المال السعودي    وسط تصعيد عسكري وتحذيرات من الرد على أي خرق.. إسرائيل تعلن استئناف وقف النار في غزة    أفراح الصعيدي وبالعمش    كسوف كلي يظلم العالم عام 2027    مختص: «السماك» يزين سماء السعودية ل13 يوماً    المملكة وباكستان.. شراكة وتحالف استراتيجي    "الخدمات الطبية" بوزارة الداخلية تستعرض تجربة صحية متكاملة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج    التعليم بين الاستفادة والنمذجة    مطالبات بتشديد رقابة مقاصف المدارس    مختصون يطالبون بتطبيق التجربة الصينية    العطاء فطرة سعودية    المرافق العامة مرآة الوعي    مركز التميّز للعيون.. نموذج وطني متكامل    تدشين موقع الأمير تركي الفيصل.. منصة توثيق ومساحة تواصل    أمير تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية    أمير جازان يطلع على سير العمل في المحاكم والدوائر العدلية    برعاية وزير الثقافة.. "روائع الأوركسترا السعودية" تعود إلى الرياض    إنزال الناس منازلهم    إسرائيل تعلن استئناف وقف النار وحماس تتهم واشنطن بالانحياز    دارفور تتحول إلى مركز نفوذ جديد وسط تصاعد الانقسامات في السودان    أمير منطقة جازان يستقبل مواطنًا لتنازله عن قاتل والده لوجه الله تعالى    هيئة الأمر بالمعروف بجازان تفعّل معرض "ولاء" التوعوي بمركز شرطة شمال جازان    "رهاني على شعبي" إجابة للشرع يتفاعل معها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير شرطة المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حكاية شخص بسيط» لإميل غيومان: تلك الحياة التي يجهلها أهل المدن
نشر في الحياة يوم 19 - 08 - 2013

تعرفون طبعاً أغنية محمد عبدالوهاب الشهيرة التي يقول مقطعها الأول: «محلاها عيشة الفلاح... متهني قلبه ومرتاح»، وتعرفون السجال الذي أثارته هذه الاغنية، لا سيما في اوساط التقدميين العرب من الذين رأوا ان موسيقار الجيل - و «مطرب الملوك والأمراء» - إنما كان يكذب في قوله هذا، لأن الفلاح ليس مقيماً في سعادة... ولا يعيش حياة حلوة. والحقيقة اننا اذا تمعنا في حياة الفلاحين، منذ أزمان الى اليوم، وفي كل انحاء العالم تقريباً، لن نعثر على السعادة التي يتحدث عنها محمد عبدالوهاب، ولكن في المقابل قد لا نجد البؤس الذي وصفه قطاع كبير من الآداب والفنون، على اعتبار انه مصير الفلاحين الدائم («فونتمارا» لإغناسيو سيلوني، وظلها: رواية «الارض» للمصري عبدالرحمن الشرقاوي التي اخذ عنها يوسف شاهين فيلمه الكبير بالاسم نفسه). فالمسألة هنا ليست سوداء تماماً ولا بيضاء تماماً. المسألة ملتبسة الى درجة ان كارل ماركس لم يتوقع ابداً ان تندلع الثورة الاشتراكية العالمية الاولى في روسيا. لمجرد ان روسيا بلد فلاحي، والامور لا يمكن ان تكون واضحة فيها تماماً، والثورة في حاجة الى وضوح. والحال ان كل هذا يبدو غامضاً ومرتبكاً لسبب واضح وهو أن معظم ما كتب وقيل عن حياة الفلاحين، انما وُضع من خارج تلك الحياة. كتبه وحدده مبدعون ومفكرون أطلّوا على الحياة الفلاحية من خارجها، فندر لهم ان تجاوزوا قشورها وأمنياتهم من حولها.
لكن الأمر لم يخل، في المقابل، من مبدعين كثر آخرين تمكنوا من أن يكتبوا عن حياة الفلاحين وأريافهم، من الداخل، وأن يصفوا الامور كما هي، كشريحة من الحياة، من دون أن يتعمدوا ايجاد تنظيرات فكرية لها. ومن هؤلاء الفرنسي إميل غيّومان الذي استطاع ان يكتب عن الحياة الفلاحية روايات أجمع النقاد على انها صادقة وحقيقية... وذلك لسبب بسيط: هو نفسه كان فلاحاً... ولم يكن فقط، متحدراً من الأرياف ليعيش في المدينة، ثم يكتب عن ريفه كما جرت العادة. غيّومان ولد فلاحاً وعاش فلاحاً... وندر له ان بارح منطقته في الريف الفرنسي، وتحديداً في اقليم «لالييه» الذي يعتبر من أكثر مناطق الارياف تأييداً لليساريين، ويعود طابعه الشيوعي الى القرن قبل الماضي، أي الى زمن لم تكن الشيوعية وصلت فيه الى أماكن كثيرة من العالم.
اذاً، عن هذه المنطقة وعن اهلها يتحدث اميل غيّومان، لا سيما في روايته - الأشهر - «حياة شخص بسيط» التي نشرت للمرة الاولى في العام 1905، وراحت تُنشر بانتظام في فرنسا، وتُقرأ على نطاق واسع منذ ذلك الحين، من جانب عشرات الآلاف من قراء يعتبرونها رواية الفلاحين الفرنسيين بامتياز. وغيّومان نفسه، كثيراً ما صرح حين كان يُسأل، بأنه، هو، لم يأت بأي جديد في هذه الرواية، بل انطلق من سيرة حياة جار له، فلاح هو الآخر، ليكتب من خلال هذه السيرة «حكاية الفلاح الفرنسي». في شكل عام. كان غيّومان يرى ان حياة هذا الجار نفسه ليست في حاجة الى اي اضافات. فهو واحد من ملايين. وهؤلاء الملايين يعيشون الحياة نفسها والمسار نفسه... فإذا أراد احد ان يكتب عن هذا المسار، يجب ان يكون على تفاعل مباشر معه.
وهكذا في مئات الصفحات يصف لنا الكاتب الحياة الريفية الفلاحية في «لالييه» منذ العام 1823 الذي شهد ولادة بطله تيينون، حتى نهاية ذلك القرن وبداية القرن العشرين. وتيينون هذا هو بالطبع بطل الرواية وجار غيّومان، لكنه في الوقت نفسه كلُّ فلاح عاش تلك المرحلة الانتقالية من العصر الزراعي. والحقيقة ان الأرباع الثلاثة الاخيرة من القرن التاسع عشر، كانت شديدة الاهمية والتغيرات في وضعية الزراعة الفرنسية والاوروبية في شكل عام. ذلك ان التغيرات أتت تقنية وإنسانية وسياسية واجتماعية في الوقت عينه. فدخول الآلات الجديدة والافكار المتجددة، كان في طريقه ليحدث هزة اساسية في ذلك العالم، الذي كان من المفروض بسكونه ان يكون ابدياً. لا سيما في مجال العلاقة بين عالم الفلاحين والمجتمع ككل. وفي هذه النقطة بالذات كمنت قوة هذا العمل الذي كتبه غيّومان، الذي كان يعرف، اكثر ما يعرف، كيف يوجه نظرته صوب الامور الجوهرية.
والأمور الجوهرية هي، هنا، ما يصوره غيّومان من صنوف البؤس الذي كان يطبع حياة الفلاحين، حيث ان اول ما تمكن من رصده هو قسوة العمل نفسه، بصرف النظر - اولاً - عن هوية من يتسبب في بلوغ هذه القسوة مداها. فحياة الفلاح هي في المقام الاول حياة عمل وجهد متواصلين على مدى زمن اليوم، وعلى مدى الاسابيع والشهور: حياة لا راحة فيها ولا مجال لأي استرخاء. وهكذا اذا كان تيينون، الذي سيطالعنا منذ الفصول الاولى مراهقاً، قد انخرط في العمل باكراً، تاركاً اسرته، لأن اسرته هذه فقدت ارضها بفعل تراكم الديون، فإن هذا الابتعاد لن يكون موقتاً: انه انفصال ابدي... لأن تيينون سيصبح اول الامر عاملاً مياوماً لدى الجيش. والعمل المياوم لدى الجيش هو سخرة، في ذلك الحين، تقصف عمر الشاب باكراً. وسيتقلب تيينون في عمله وحياته. وسيتزوج زواج البؤساء وينجب... ليجد نفسه بعد حين عاملاً في تقطيع البحص لدى مقاول يتولى شق الطرق في الأرياف. ومن خلال سيرة تيينون هذه، يصور لنا غيّومان، الوجه الآخر للميدالية: طبقة اصحاب الاراضي الذين هم أهل مدن بورجوازيون، لا يعرفون شيئاً عن الفلاحة وحياتها. انهم، بما يملكون من مال وبما يسيطرون عليه من مصارف، يسيطرون بالتالي على حياة الفلاحين البائسين من الذين لا يعود امامهم إلا ان يعملوا ويعملوا لمجرد ان يتمكنوا من سداد ديونهم. وهم، تعبيراً عن بؤسهم هذا، يصلون الى حد القول ان الحساسين هنا، حين تفتح مناقيرها لتغني، لا تقول سوى: «سددوا ديونكم... سددوا ديونكم».
هذا هو الواقع الحقيقي لحياة الفلاحين كما يصوره غيّومان، لكنه ليس واقعاً جامداً... ذلك انه، في الرواية، يمتد كل ذلك الزمن الذي تحدثنا عنه. وبالتالي تطاوله تجديدات تقنية، يتحدث عنها الكاتب بالتفصيل، ولكن دائماً من خلال شخصيته الرئيسة تيينون الذي يعلّم جيرانه ورفاقه استخدام آلات حديثة كانت الثورة الصناعية قد ساهمت في انتاجها، ويعلّمهم كيفية استخدام الأسمدة الجديدة، غير ان هذه التجديدات التقنية لن يكون من شأنها ابداً ان تحسن من الاحوال الاجتماعية للفلاحين. وصحيح هنا، ان غيّومان يتحدث ايضاً عن التنظيم النقابي والعمل الاجتماعي في الاوساط الفلاحية، لكنه حتى هنا لا يبدو غارقاً في آمال مفرطة وردية... بل هو ايضاً يرصد الواقع هنا ليقول لنا ان هذا كله لا يغيّر في البؤس كثيراً. بيد ان غيّومان لا يقول لنا في المقابل ان بؤس الحياة الفلاحية قدر لا فكاك منه. ابداً... هو يصور الواقع بصدق ومن الداخل... ويترك لنا ان نحكم نحن على الامور... من الداخل او من الخارج كما نريد.
* ولد اميل غيّومان العام 1873، في بلدة ايغراند، في اقليم الآلييه كما اشرنا، وهو مات في بلدته نفسها عام 1951. وذلك بعد ان عاش حياته كلها فلاحاً... لكنه، لاتجاهاته الادبية والفنية المبكرة، انصرف منذ شبابه الى الكتابة ايضاً. لكنه لم يكتب إلا عن حياة الفلاحين، أي عن التجارب التي عاشها بنفسه. وهو كتب اضافة الى «حياة شخص بسيط» نصوصاً عدة، معظمها مفقود الآن، ومنها رواية «باتيستا وامرأته»، وخصوصاً كتاب «نقابة بوغينيو» الذي يصف فيه تجربة العمل النقابي في اوساط الفلاحين في منطقته، وهي تجربة عاشها بنفسه بين العامين 1906 و1912. اما «حياة شخص بسيط» فهي العمل الوحيد لغيّومان الذي طبع ويطبع بانتظام، ويقرأه الفلاحون الفرنسيون وراثةً أباً عن جد.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.