«الدكاكين» المنزوية في الشقق المفروشة وبعض أدوار البنايات المتمددة في أوساط المدن باعت الوهم لأعوام طوال، وقدمت لنا مرضى الشهادات الوهمية وعلمتنا وجع وعواقب المظاهر، وسوء عبور البالونات كقيادات، وعقول مؤهلة، ومستحقة للتتويج والفخر. وزارة التعليم العالي آمنت باللعبة الكبيرة التي تقدمها هذه «الدكاكين»، فتحزمت بخجل لملاحقتها ومطاردتها وإغلاقها كي لا يكبر دَخْل الدكان، ومن ثم تكثر البالونات والمخرجات الكاسدة في الميدان، وحينها نصبح في ورطة وفضيحة الأسماء والمراكز والمناصب وفضيحة الكشف والتعرية. أغلقت وزارة التعليم العالي 330 مكتباً في السعودية تبيع الشهادات الوهمية على مرضى العقول وعشاق الشهرة الزائفة. ولادة هذه المكاتب ونموها، وتزايد عددها في هذا الشكل الفظيع والصامت يضع أكثر من علامة استفهام، ويؤكد أن استيقاظنا لعلاج بعض أورامنا ومسلسلات الضحك العلنية استيقاظ متأخر ومتردد ومبني على حسابات متفاوتة ومُجَاملة، مع ثقتي بأن الإغلاق ليس حلاً، لأن المخرجات لا تزال في الميدان تُنَظِّر وتتفاخر وتستعرض بالسير الذاتية، ومجرد عرضها على الجهات الرسمية أيضاً لا يكفي لأن الستر سيكون الحل المتوازن والوسطي، وسُنغلب دفن ما فات من الحكايات والشهادات والأسماء في سبيل أن لا نجلب الصداع لرؤوسنا ولا نسكب ماء وجوهنا من أجل ستر شهادة حبيب أو صديق أو قريب. الكشف عن الشهادات والشقق والمكاتب والأسماء كان حاضراً في الشهور الماضية عبر قوائم لم تتحدث الوزارة عنها، وكنت أرغب في أن يتفضل صوت ومتحدث من الوزارة ليدفع بهذه القائمة لسلة المهملات في شكل رسمي، أو يمرر مفردات أنيقة تعلن أن القائمة تحمل أقل نسبة من الكذب، لأن الصمت تمت قراءته على أنه جهل من وزارتنا المعنية بما يدور ويفتح في شوارع البلد، ويحضر لمؤسسات الدولة من مخرجات ويتمدد على كراسي المسؤولية بمعيتها، كما أنه يقرأ أيضاً عن عجزها في المكاشفة والمواجهة والإقصاء والتعرية، وكلتا القراءتين محسوبة في خانة الضعف لا القوة، على رغم أن الإغلاق المعلن لمكاتب الخداع مشجع على أن القادم لن يكون في فوضى الماضي على صعيد الشهادات الوهمية ومحفزاً على قوة منتظرة. كم خريجاً من هذه الدكاكين الرديئة الفعل والصنع والمنتج؟ أين هم الآن؟ وهل يستحيل على رغم خداعهم لنا وانخداعنا بهم ومعهم وبينهم أن نعرفهم ونعرف أسماءهم وأماكنهم ومناصبهم. مؤكد أن فيهم من استنزف جيوبنا، وراوغ عقولنا، وتحكم في كثير من مطالبنا وقراراتنا الصغيرة قبل الكبيرة. فيهم من جاهر بالشهادة الوهمية وملأنا ضجيجاً بها، وتربع صدور مجالسنا، وزاحم بها على الفرص الوظيفية، فضلاً عن ارتداء الكذب والتزوير وتغرير المجتمع، إن لم يكن من عقاب معلوم فليكن الكشف بالأسماء، وإن لم نرزق بهذا ولا ذاك فلتوجد الوزارة مع الجهات المحتضنة للمزورين حلاً للأسماء التي تمرر بيننا على أنهم من خريجي هذه الدكاكين وحاملي شهاداتها! alialqassmi@