نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير فرع وزارة الإعلام بمناسبة تكليفه    دعم المتسولين يساهم في استمرار أعمالهم غير النظامية    أمانة الشرقية تواصل مسيرة السياحة والترفيه والتنمية بمشاريع استثمارية نوعية    حرس الحدود يحذر مرتادي البحر من تجاوز مناطق السباحة الآمنة    استئصال ورم ليفي يزن 8 كيلوغرامات من سيدة حامل بمدينة الملك سعود الطبية    لاعب الدوري الفرنسي على أعتاب الأهلي    أسمنت الجنوبية تُصدِّر أول شحنة كلنكر إلى مصر بعد 27 عاماً    جمعية لياقة الرياضية تطلق برنامج "تأهيل المتطوعين رياضيًا" بدعم من مؤسسة العنقري الخيرية    المملكة تعزي في ضحايا زلزال أفغانستان    الصين والهند شريكتان في التعاون، وليستا متنافستين    البنى التحتية الرقمية    ارتفاع سعر الذهب    بوتين يدافع عن غزو أوكرانيا ويحمّل الغرب المسؤولية    بلدية البيضاء تطلق مبادرة تطوعية مجتمعية    "يونا" يعقد أعمال ندوة تمكين الشباب    ليفربول ينفرد بالصدارة.. السيتي يسقط أمام برايتون    رينارد يستبعد يحيى.. ولاعبو الأهلي يلتحقون بالبعثة اليوم    استهدف المدنيين في أحياء بمدنية الفاشر.. الدعم السريع يشن هجمات دامية على منشآت نفطية    جامعة أمريكية تقدم منحة دراسية لطفلة    استعراض سير العملية التعليمية بجامعة الملك فيصل أمام مُحافظ الأحساء    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. تقدم وازدهار مستدام للإنسانية    عدم التقيد بضوابط وتعليمات المؤسسة.. 288 مخالفة في منشآت تدريب أهلية بالنصف الأول    متمرد جديد.. ويسا لإدارة برينتفورد: أريد الانتقال فلا تقفوا في طريقي!    شارة القيادة بالأهلي.. جدل متصاعد وقرارات إدارية محيرة    4 ميداليات لأخضر الفنون القتالية في آسيوية الشباب    (إسرائيل) تغتال متحدث حماس    «قمة قيادات الأديان» تؤيد وثيقة مؤتمر حلّ الدولتين    «المرور»: لا تقتربوا من مواقع الحوادث    السعودية تسهم في إحباط تهريب إمفيتامين بالإمارات    أكد زيارته للمناطق بناء على التوجيه الكريم.. الراجحي: ولي العهد يوجه بتلبية احتياجات المستفيدين من «الموارد البشرية»    انتظام أكثر من 494 ألف طالب في تعليم مكة    مسلحون حوثيون يقتحمون وكالات أممية في صنعاء    نجوم يحجزون أماكنهم بمسلسلات رمضان    133 فناناً يعززون ثقافة «اقتناء اللوحات»    بالتزامن مع الندوة العالمية لمنظمي الاتصالات.. انطلاق النسخة العاشرة من «واحة الإعلام»    غلاء المهور    «الشؤون الإسلامية» تواصل برامجها التوعوية للمعتمرين    الجيش الإسرائيلي يشن غارات على الجنوب.. نبيه بري يدعو لمناقشة سلاح حزب الله    كبسولة سعودية ذكية في عالم الطب الشخصي    انتشار «الفيب» بين الشباب.. خطر صحي يتطلب وقفة جادة    66 ألف مستفيد من خدمات مستشفى أجياد ومراكز طوارئ الحرم المكي في ستة أشهر    وجهة جديدة لأوتافيو بعد رحيله عن النصر    التبرع بالدم تطوع وصحة للفرد وترسيخ للعمل الإنساني    الذاكرة العاطفية... أرشيف الروح    508 كيانات تجارية يتم استحداثها يوميا    الأسباب والآثار لتباين حدقتي العين    رئيس "الأمر بالمعروف" يشارك في الحملة الوطنية للتبرع بالدم    سمو محافظ الطائف يدشن بدء العام الدراسي الجديد    استثمارات مع الحزام والطريق    لطيفة في فترة راحة    هنأت الرئيس التركي بذكرى يوم النصر لبلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    «الشؤون الإسلامية» تقدم برامج توعوية لخدمة المعتمرين    52 مليون قاصد للحرمين خلال صفر    المتحف المفتوح على صفحات «الرياض»    ظهور أنغام بعد أزمتها الصحية    16 فنانا    تدشين جمعية روح الصحية لمرضى الأورام    الأميرات مها ومنيرة يقدمنا التعازي ويطمئنن على مصابة الجبل الأخضر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة التاريخ ... مسارات تطوّر الفكر والمنهج
نشر في الحياة يوم 22 - 08 - 2009

ما بال المؤرخين عندنا الآن لا يؤثّرون في الحراك الفكري والعملي كما يحدث عند الآخرين؟! هل: لأننا ارتضينا الوقوف عند الماضي، ثم طال وقوفنا فتجمدنا، ثم أصبح انتاجنا اخباراً جامدة، لا تحس بها، ولا تؤثر في معاش الناس.
يمكن القول دون حذر شديد: لقد انقطع حاضرنا وغدنا عن أمسنا، وانقطع معه تواصلنا مع علوم أخرى لا يمكن أن يقوم التاريخ على ساقه من دونها. عندئذ أصبحنا ننتج وندرس تاريخاً لا يهتم به إلا الطالب ليعبر به بوابة الاختبار، أو ليردده البعض في المجالس من باب التسلية. وربما يتلطف آخرون ويصفون عمل بعض الإخباريين والرواة الذين يتقمصون دور المؤرخين بالخرافات والأساطير. والحق أن الراوي الإخباري يهتم بالأساطير والحكايات الشعبية، لأنها تحيط حديثه وكتاباته بهالة من المعجزات. وإن كانت الأساطير والحكايات الشعبية غير متسلسلة زمانياً. إلا ان اهتمام الإخباري بسياقها القصصي، يجعلها ذات قيمة اخبارية، دون أن يهتم برموزها ومضامينها الفكرية أو التمثيلية. التي أدت الى عجز المؤرخين المعاصرين عن تحصيل الكفاءة العلمية والمعرفة الواقعية بالمشكلات القائمة على الأرض لا الموروثة من غياهب التاريخ، الأمر الذي سبب لهم عجزاً في ابتكار الأفكار وبناء المنظومات المتماسكة فكرياً وواقعياً!!
تلك الأفكار والتساؤلات يستثيرها فينا المؤرخ العربي قاسم عبده قاسم عبر كتابه المتميز «قراءة التاريخ تطور الفكر والمنهج» الصادر أخيراً عن دار عين للدراسات، القاهرة 2009م. حيث يقودنا عبر الأقسام الأربعة للكتاب الى أن نتساءل: لماذا لا يكون المؤرخ المعاصر مثل المؤرخ القديم الذي عرفته الحضارة الإسلامية عندما كان الطبري مثلاً شيخاً للمؤرخين، وصاحب مدرسة فقهية، ومفسراً جليلاً، ومختصاً في علم القراءات. ورجلاً من رجال الحديث. لماذا أبعد كثيراً. لماذا لا يكون المؤرخ المعاصر مثل المؤرخ ابن بشر الذي كتب في التاريخ الحولي، وفي الأنساب، وفي الخيل، وفي البلدانيات، وله نظر في مجريات مجتمعه، وفي قضايا سياسية ودينية معاصرة له.
وأمر آخر له علاقة بهذه الإشكالية هو ما يسميه الجدران العالية التي بناها المؤرخ حول تخصصه الدقيق، فقد قطع كل علاقة له بتخصصات من جنس عمله أو قريبة منها. هذه الجدران جعلته حبيس تخصصه، وأحالته الى نوع من الغربة، لا نقول المعرفية، بل الغربة الفكرية، هذه الغربة ربما هي الدافع لأن يكون منغمساً في الماضي. أو الماضي الذي هو ميدان عمله. وربما ترك ما عداه من مواضيع أُخر.
الكتاب يعد قراءة معاصرة في فلسفة التاريخ وتعرية حقيقية لواقع الدراسات التاريخية المعاصرة ويؤكد أن الماضي ليس صندوقاً مغلقاً، ولا تحفة خاملة في زاوية متحف مهجور، الماضي كتاب مفتوح ووقود فاعل في حراك الحاضر وأهداف المستقبل. ولن يكون للمؤرخ دور في زمنه الذي يعيشه، إذا لم يتناول تخصصه بمنهج جديد، ورؤى جديدة، وعين فاحصة، ويد صانع، وعليه فوق هذا أن يردم الفجوة الكبيرة التي ارتضاها لنفسه بين الماضي والحاضر، كيف يقوم بردم الفجوة. الأمر بسيط يبدأ من استعمال اللغة التي هي لغة العلوم، ومصطلحات اليوم. ثم عليه أن ينظر في كل قضية حدثت في الماضي، بعد توثيقها وتحليلها وتفكيكها وربطها بأخريات من أمثالها، عليه أن يبين ما فائدة عمله هذا بمعاش اليوم. وهو ما نسميه بدروس التاريخ. فإن لم يفعل أصبح مثل الذي يشخص المرض ثم لا يصف الدواء. والناس اليوم تريد التشخيص وتريد العلاج.
على أن آخرين قد يرون في هذا الحديث قتلاً للتخصص الدقيق. أو كما قال بعضهم عولمة التخصصات. ولكن ما الضير في عولمة العلوم والتخصصات والمناهج. لقد ران علينا زمن لا نعرف إلا التخصص الدقيق، ثم أخذنا في تضييق الدقيق هذا، حتى أصبح مثل سم الخياط، فضاق علينا، وضاق على غيرنا. وزهد فينا الناس، وقالوا فينا وفي التاريخ الأقاويل.
بيد أن الحقيقة التي يكشفها المؤرخ قاسم عبده قاسم: هي أن علاقة الإنسان بالتاريخ في كل الثقافات وفي كل الحضارات، علاقة واحدة: فالإنسان يصنع تاريخه كما أنه صنيعة التاريخ الذي يمثل تراثه، ويشكل عاداته وتقاليده، كما أنه قاعدة وجوده الآني والمستقبلي يصدق هذا على الفكر الإغريقي والروماني، كما يصدق على الفكر العربي الإسلامي في عصور السيادة الإسلامية، ويصدق على العصور القديمة مثلما يصدق على الحال في العالم المعاصر أوائل القرن الحادي والعشرين.
ولأن ما يحمله مستقبل الإنسان يتوه في ضبابية الاحتمالات والتوقعات، لأن ما حدث في مجال التدخل في الخصائص البيولوجية، واكتشاف خريطة الجينات البشرية، واحتمالات تطبيق ما تم في مجال الاستنساخ على الإنسان، يجعل المستقبل حافلاً باحتمالات لا يمكن توقعها، ومن ناحية أخرى، فإن شكل العلاقات الدولية، وتطورات المفاهيم الاقتصادية والأنساق والعلاقات الاجتماعية، يمكن أن يشكل المستقبل على نحو غير متوقع وغير مسبوق في تاريخ البشرية. كذلك فإن علاقة الإنسان بالبيئة التي يعيش في رحابها قد تغير من شكلها، ومن أنشطة البشر حفاظاً على البيئة التي صارت هاجساً من هواجس الحاضر والمستقبل. من هنا يقول قاسم عبده قاسم: «إن لهذه الأسباب جميعاً لا يستطيع أحد أن يتكهن بمسار سفينة رحلة «تاريخ التاريخ» في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد!!
السبب في ذلك انها رحلة لم تصل الى غايتها، بل انها لن تصل الى هذه الغاية سوى بعد أن تصل رحلة الإنسان - التي لم تتم عبر الزمان - الى غايتها. وعندها لن يكون هناك معنى لاستمرار رحلة «تاريخ التاريخ»... لأنه ليس هناك «تاريخ» من دون «إنسان».
ويختتم المؤرخ قاسم عبده قاسم كتابه بتوجيه الدعوة الى الباحثين والمؤرخين الذين يصرون على تقديم التاريخ في القوالب القديمة الجامدة بضرورة أن يدركوا أنهم يطرحون نوعاً من البضاعة في سوق لا تريدها، وعليهم أن يقدموا بضاعتهم في الشكل الذي يناسب العصر، وبالأسلوب الذي يفضله المستهلك مع الاحتفاظ بأصول البحث العلمي قاعدة لكل هذه المحاولات. لقد مرت مهنة المؤرخين بأزمات كثيرة في تاريخها بحسب ما يكشف هذا الكتاب، ولكنها كانت باستمرار تطور نفسها من خلال منهج البحث التاريخي وأنماط الكتابة التاريخية ويحسن بنا الآن أن نتحدث عن «أنماط المعرفة التاريخية» بدلاً من الحديث عن «أنماط الكتابة التاريخية»، لأن التاريخ لم يعد رهن الكتابة وحدها. عمل رغم تخصصه الدقيق يضمن المتعة حتى لغير المتخصصين.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.