تنوع بيئي فريد يُسهم في انتشار 134 نوع من النباتات المحلية الملائمة للتشجير في مكة المكرمة    المؤتمر السعودي الدولي للتقييم ينطلق غدًا متضمنًا (4) جلسات حوارية    سالم الدوسري: كأس العرب هدفنا الحالي    سلمان الفرج يعود لفريقه نيوم بعد غياب 388 يوماً بسبب الإصابة    الداخلية : ضبط (19790) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    «جمعية الإرادة» تنظم النسخة الثانية من ملتقى الموهوبين من ذوي الإعاقة 2025    "بناء" تحصد المركز الأول في جائزة الملك خالد لعام 2025    كتاب سعودي يحصد اعتراف عربي في مجال الصحافة الاقتصادية    رئيس البرلمان المقدوني يستقبل إمام المسجد الحرام الدكتور المعيقلي    أكثر من (39) ألف مهمة تطوعية و(19) ألف متطوع في الحرمين الشريفين خلال عام 2025    اللجنة العليا المنظمة تكشف تفاصيل ماراثون وسباق الشرقية الدولي 27 بحضور قيادات اللجنة المنظمة    وزارة الرياضة تُكرّم إدارة المسؤولية الاجتماعية بنادي الخليج ضمن مبادرة "فيكم الخير"    القيادة تهنئ رئيس جمهورية فنلندا بذكرى استقلال بلاده    مؤسسة سقاية الأهلية توقع اتفاقية مع مجلس الجمعيات الأهلية ضمن منتدى القطاع غير الربحي الدولي 2025    ترابط الشرقية تحتفي بمتطوعيها في يوم التطوع السعودي العالمي    مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنجران يلتقي مدير التعليم بالمنطقة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي الدفاع الجوي بجازان    سكالوني يتمسك بنفس العقلية في رحلة دفاعه عن لقب كأس العالم    أمير القصيم يكرم بندر الحمر    اكتشاف استثنائي لمئات التماثيل الجنائزية بمقبرة تانيس في مصر    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحزم بمحافظة وادي الدواسر في وفاة والدته    نجل بولسونارو: والدي دعم ترشحي لرئاسة البرازيل في 2026    البيت الأبيض: أوروبا معرضة لخطر «المحو الحضاري»    الأخضر يتغلب على جزر القمر بثلاثية ويتأهل لربع نهائي كأس العرب    قرعة مونديال 2026 .. الأخضر السعودي في " الثامنة" بجانب إسبانيا والرأس الأخضر والأورجواي    نادي وسم الثقافي بالرياض يعقد لقاءه الشهري ويخرج بتوصيات داعمة للحراك الأدبي    سيبراني تختتم مشاركتها في بلاك هات 2025 وتُعزّز ريادتها في حماية الفضاء السيبراني    بمشاركة 3000 مستفيدًا من منسوبي المساجد بالمنطقة … "الشؤون الإسلامية" تختتم برنامج "دور المسجد في المجتمع" لمنسوبي مساجد الشريط الحدودي بجازان    Gulf 4P, CTW & Mach & Tools 2025 المنصّة الإقليمية الرائدة للابتكار والتقدّم الصناعي    مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون يفوز جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    وزير التعليم يلتقي القيادات بجامعة تبوك    اللواء العنزي يشهد حفل تكريم متقاعدي الأفواج الأمنية    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمين جازان يتفقد مشاريع الدرب والشقيق    جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لامع الحر بين سراب العشق وماء الشعر
نشر في الحياة يوم 02 - 03 - 2013

هل يمكن أن يصبح العشق عبئاً على صاحبه حتى يتمنى لو كان سراباً، كما جاء في عنوان المجموعة الشعرية الخامسة للشاعر اللبناني لامع الحر «ويقول العاشق ليتني كنت سراباً»؟ على أن الشاعر العاشق يحاول التحرر من وطأة العشق بالشعر، فيغدو ماء القصيدة نتاجاً لسراب العشق. ولعل ما يميّز عشق الشاعر عن سواه أن معظم معشوقيه رحلوا، ما يثقل العشق ويطبعه بالحزن والرحيل، ويبرّر التمني في العنوان.
يشكل رحيل الأحبة تباعاً محرّكاً أساسيّاً من محرّكات الشعرية في مجموعة الحر الجديدة، ويطبعها بحزن شفيف لا يمكنك إلاّ أن تتفاعل معه. وهنا، تغدو القصيدة مرآة لحالة إنسانية تعكس تفاعل الشاعر مع الموت، وتتكشّف عن مجموعة من القيم الأصيلة في شخصيته. على أن ثمة محرّكات أخرى في المجموعة تجعل القصيدة مرآة للحياة، فتعكس تفاعل الشاعر معها، وتتكشّف عن قيم أخرى. وفي الحالتين تمارس «القصيدة/ المرآة» شعريتها، من خلال علاقة جدلية بين مجموعة ثنائيات، من قبيل: «الإنسان/ الطبيعة»، «الحياة/ الموت»، «الفرح/ الحزن»، «الشعر/ النثر»، «الأنا/ الآخر»، «الداخل/ الخارج»... وقد يجتمع جلّ هذه الثنائيات أو بعضها في القصيدة الواحدة. وتختلف درجة الشعرية بين قصيدة وأخرى. وفي جميع الحالات، استطاع الحر أن يجعل القصيدة جسر عبور إلى الآخر لا حجاباً يحول دونه.
في مجموعته الجديدة، يكون على الشاعر أن يقف وجهاً لوجه أمام الموت، ترحل الزوجة/ الحبيبة، والصديق، والأخ، والأم. وفي كل مرة، يمارس حزنه بالشعر، فنتعرف إلى الشاعر/ الزوج، والشاعر/ الصديق، والشاعر/ الأخ، والشاعر/ الابن. على أن درجة تفاعله مع الموت شعريّاً تتدرّج صعوداً من الصديق إلى الأخ إلى الأم... وتبلغ الذروة في تفاعله مع موت الحبيبة. لذلك، يتناول رحيلها في قصيدتين طويلتين، فيرصد في «وداعاً أيها الشعر» ما يتعاقب عليه من حالات وأحوال، وما يترتب على موتها من تغيّرات طبيعية، وما تشكّله الحبيبة في حياته، يرى إلى العالم من خلال حدث الموت، يُسقط حالته النفسية على الأشياء والعناصر، منزلِقاً إلى مبالغات مبرّرة تعكس هذه الحالة. في المقابل، يستخدم الطبيعي للتعبير عن النفسي، والخارج للتعبير عن الداخل، يعقد مقارنات بين القَبل والبَعد، يترجّح بين صيغ الغائب (وقع رحيلها على الأشياء والعناصر) والمتكلم (وصف أحواله) والمخاطب (استحضارها والتكلّم معها)، ويتكئ على المأثور الديني ورموزه للتعبير عن حالته النفسية.
بين الاخلاص والفقدان
في «قصائد على إيقاع الحب والرحيل» المؤلّفة من ثلاث عشرة قصيدة قصيرة، يحضر صوت الحبيبة في الأولى منها والأخيرة، تاركاً لها فاتحة الكلام ومسك الختام، ويحضر صوت الشاعر ما بينهما، وهي قصيدة تنضح بالعاطفة والحزن والوفاء والإخلاص والفقدان والعتاب والنداء والحب: «سأبقى أحبك مهما نأيت/ وأبقى أعانق روحك حيناً/ وحيناً أعانق/ هذا السراب الجميل» (ص108).
ولا يضارع رحيل الحبيبة سوى رحيل الأم، ففي «وردة على ضريح فاطمة» يرفض الشاعر فكرة رحيل الأم، لذلك ينتظرها زائرة مع الفجر تطمئنّ على أولادها، وتُطمئنهم على أحبة رحلوا. في هذه القصيدة يصطنع الحر إطاراً سرديّاً تتعدّد فيه الأصوات ويحضر الحوار، وهو إطار خارجي، فتنجم الشعرية، في الشكل على الأقل، عن هذا التفاعل بين السرد والشعر: «ماتت أمي/ والشاعر ما زال يلوذ بعبقره/ ويلوذ بنار فجيعته/ ويحدق في الماضي/ كي لا يمضي» (ص156).
لعل مواجهة الشاعر الموت في محطات عدّة تجعله يضيق ذرعاً بالزمن الحاضر/ زمن الفراق، ويتحسّر على الزمن الماضي/ زمن اللقاء، ويقلق من الزمن الآتي/ المجهول. في قصيدة «نسمة الروح» المهداة إلى صديقه الراحل مصطفى سعد، يعقد الشاعر مقارنة بين زمن مضى، في ظل صداقة وارفة، ينحاز إليه: «زمن مضى/ حلماً نحب كأنه العشب الصديق/ زمنٌ بهيٌّ/ انتهى حين افترقنا/ فانثنى أفقٌ/ وكبّل روحنا أرضٌ/ إذا أوغلت في ترحابها الأقصى تضيقُ» (ص79)، وزمنٍ آتٍ مجهول يُقلق الشاعر: «ماذا يخبئ لي زماني؟/ من يصادر نسمة الروح الأخيرة من كياني؟» (ص73). هذا الاغتراب الزماني يتزامن ويتكامل مع آخرَ مكانيٍّ يتحوّل معه المكان إلى جهنم، وآخر إنساني يتمثّل بانعدام الحظ مع النساء، كما نرى في قصيدة «جهنم تليق بي يا أصدقاء».
إذا كان تفاعل لامع الحر مع الموت جعله يتردّى في هذا الاغتراب المثلّث، ويتكشّف عن الزوج والأخ والصديق والابن في شخصيته وشعره، فإن تفاعله مع الحياة يجعله يتصالح مع الزمن والمكان والناس، كما في قصيدة «ليال»، ويتكشّف عن الحبيب والأب في شخصيته وشعره، كما في «محبس» و «الغيث». في قصيدة «محبس»، يتّخذ الشاعر من السرد إطاراً خارجيّاً للشعر، وتنجم الشعرية عن التفاعل بين الإطار والصورة، وعن الانزياح بالمفردات عما وُضعت له في الأصل، من خلال إدراجها في علاقات تَجاوُر جديدة، فينسب إلى ما طبيعته الوداعةُ والضعف، الاقتحامَ والحفر والنار: «أنثى الورد اقتحمت قلبي/ حفرت اسمينا فوق المحبس/ بالنار» (ص58). ويتحوّل المحبس من أداة ارتباط وقيد وحبس إلى رمز للحياة: «يتلوّى المحبس أزهاراً/ تبعثها الريح رحيقاً/ يتضاعف في أنحاء بيارقه الوجد» (ص61).
على أن مصالحة الشاعر مع الحياة تتجلى بأبهى صورها في قصيدة «الغيث»، المهداة إلى ولديه مدى وعارف، وهي مصالحة تتحقق على مستويي الشكل والمضمون، ففي الشكل: يصطنع لها شكل حركة الموج، المعادلة لحركة الحياة، فتتدفّق مقاطع القصيدة كتدفّق الموجات واحدة إثر أخرى، وهو يبدأ المقطع/ الموجة بكلمة «طفلان...» التي تتكرّر ثلاثاً وعشرين مرّة في القصيدة. وفي المضمون، ترتبط المفردة بالفرح والضوء، والشعر والصباح والنجوم والشوق والجمال والغناء... إلى ما هنالك من مفردات تنتمي إلى الحقل المعجمي للحياة.
لعل تفاعل لامع الحر شعريّاً مع الحياة والموت يتمخّض عن أصالة معدنه، ويعكس إخلاص الزوج لزوجته في حياتها وبعد رحيلها، ووفاء الصديق لصديقه، وبرّ الابن بأمه، وتماهي الأخ مع أخيه، وتعلّق الأب بولديه. هكذا، يكون الشعر مرآة للشاعر، ووسيلة للتخفّف من أثقال العشق. في حالة لامع الحر، هذه الوسيلة لا تنفصل عن غاية الفن والجمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.