ماذا يجمع بين الكتابين «اقتلوا خالداً» و «الصهيونية: العدو الحقيقي لليهود»؟ هناك القاسم المشترك السياسي الواضح، وهو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلاّ أن ما لفت نظري بسرعة الى الكتابين أنني كنت أقرأ مقالاً طويلاً لمؤلف الكتاب الثاني آلان هارت يشكو فيه من عدم قدرته على نشر كتابه في الولاياتالمتحدة عندما تلقيت رسالة من الأخ نعيم عطالله، رئيس دار كوارنيت التي نشرت الكتاب عن محاولة اغتيال الأخ خالد مشعل، يشكو فيها من تجاهل الإعلام البريطاني الكتاب، فهو لم يرَ سوى نقدين له في الصحافة البريطانية، لكن «الحياة»، من لندن، أفردت مساحة لعرض للكتاب كتبته الزميلة سوزانا طربوش. أشكر الأخ نعيم على تنبيهي الى الموضوع، فقد كنت تلقيت إشارة الى صدور الكتاب، إلا أنني لم أطلبه معتقداً أنه لا يوجد شيء لا أعرفه عن محاولة اغتيال أبو الوليد، أو عن حماس وجذورها وسياستها، فأنا أرى رئيس المكتب السياسي لحماس بانتظام وهو لا يبخل عليّ بالمعلومات.الكتاب من تأليف بول ماكغف، وهو صحافي استرالي بارز فاز بجوائز وخبير حقيقي في قضية الشرق الأوسط، خصوصاً الشأن الفلسطيني، وأعترف بأنه زاد كثيراً على معلوماتي عن الموضوع، ما يعني أن القارئ غير المتخصص سيستفيد أكثر. السيد خالد مشعل تعرض في 25/9/1997 لمحاولة اغتيال بمادة كيماوية في عمان وهو يهم بدخول مكتبه، والفصل عن المحاولة أكثر اثارة من رواية بوليسية، وأبو سيف، حارس أبو الوليد ومرافقه، يطارد اثنين من الجواسيس الإسرائيليين، ويخوض مع واحد ثم الآخر عراكاً بالأيدي، قبل أن ينضم اليه سعد نعيم الخطيب، وهو ضابط في جيش التحرير، شاهد المطاردة، واستطاع في النهاية أسرهما. نعرف جميعاً أن الملك حسين هدد بإعدام الجواسيس الإسرائيليين إذا لم ترسل حكومة نتانياهو العقار المضاد، والكتاب يشرح الدور الأميركي في التوسط، وكيف أذعن الإسرائيليون في النهاية ونجا أبو الوليد. غير أن الكتاب يضم أدق التفاصيل واعتبره مرجعاً تاريخياً في موضوعه، فهو موثق عبر أطراف المحاولة مباشرة. كان هناك فصل في الكتاب وجدت قراءته مؤلمة عن الصراع بين حماس وفتح في قطاع غزة الذي انتهى بسيطرة حماس على القطاع في حزيران (يونيو) 2007. والمؤلف يأخذ جانب حماس، ويشير الى تلقي فتح أربع شحنات سلاح أو خمساً عشية انفجار المواجهة، والأميركيون أخذوا جانب فتح، باعتبارها تمثل السلطة والشرعية كما في شهادة كيث دايتون أمام اللجنة الفرعية للشرق الأدنى وجنوب آسيا، التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي. تفاصيل القتال دقيقة بالأسماء والأماكن، خصوصاً يوم 10/6 الأسود عندما قُتل عشرات الفلسطينيين بأيدي أحدهم الآخر. وإن كان من شيء يذكر فهو غياب محمد دحلان عن قطاع غزة، وما أظهر القتال من أنه، كما يقول الفلسطينيون «طش فش ما في شي». وماكغف يسجل أن حماس أصدرت في النهاية عفواً استثنى محمد دحلان، ما يتطابق مع ما كنت سمعت عنه من الأخ خالد مشعل والدكتور رمضان شلّح وغيرهما من قادة حماس والجهاد الاسلامي «بينا وبينه دم». آلان هارت، مؤلف الكتاب عن الصهيونية بريطاني وأيضاً من أعلى مستوى ممكن مع خبرة عميقة طويلة في الشرق الأوسط، فقد غطى المنطقة ل «بي بي سي» والتلفزيون المستقل، ومصادر معلوماته لا تضاهى. وقد صدر مجلدان من الكتاب والثالث قادم. هو يفرق بين الصهيونية كقومية يهودية أو الصهيونية السياسية، وبين الصهيونية الدينية، ويقول إن المفارقة المأسوية هي أنه بعد نصف قرن من المحرقة النازية نجد أن اللاسامية تزيد في أوروبا وأميركا والسبب هو تصرفات اسرائيل بنت الصهيونية السياسية حيث تقيم أقلية من يهود العالم. والمؤلف يعتبر الصهيونية السياسية مشروعاً استعمارياً وإساءات اسرائيل للفلسطينيين هي التي تغذي اللاسامية حول العالم. هارت لم يجد من ينشر كتابه، فأسس دار نشر في بريطانيا نشرت الكتاب. وهو قدم سببين لعدم وجود ناشر لكتابه رغم سمعته المهنية: الأول خوف الناشرين من انتقام الصهيونيين وحرمانهم الإعلانات، والثاني أن الصحافيين لا يريدون الوقوع في مشكلة الاتهام باللاسامية إذا أيدوا الكتاب. وقد وجدت في كل صفحة معلومة مفيدة مثل حديث المؤلف عن تمويل ابراهام فرايبرغ، أبي القنبلة النووية الإسرائيلية حملة ليندون جونسون الانتخابية، فقد كنت سجلت للقراء يوماً قصة عشيقته اليهودية ماتيلدا كْرِيم في البيت الأبيض يوم بدء حرب 1967. الكتاب كله يستحق القراءة، فهو بحر من المعلومات، والفصل 41 يتحدث عن تآمر آرييل شارون وجهل جورج بوش، وإعادة احتلال المدن الفلسطينية، وكيف جرت محاولة اطاحة أبو عمار، وجاء أبو مازن رئيساً للوزراء في صيف 2003، إلا أنه لم يفرّط بشيء، ولم يتنازل عن شيء. أعتقد أن تاريخ التآمر والتطرف والإرهاب يعيد نفسه اليوم مع بنيامين نتانياهو وعصابته، وأرجّح أننا لن نستفيد من درس الماضي القريب للتعامل مع الحاضر. وأكمل غداً.