الأنصاري: 87% من خريجي جامعة محمد بن فهد يلتحقون بسوق العمل    رفاد وهيلتون توقّعان اتفاقية لإطلاق فندق «كونراد» ضمن مشروع «مركان كوارتر» في الخبر    وزير الدولة للشؤون الخارجية: التحولات الوطنية النوعية بسواعد شبابها عززت حضور المملكة وفاعلية دبلوماسيتها        الدور الملهم للأمير محمد بن سلمان في تحقيق السلام في السودان    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة جازان تُحبط تهريب ( 214,650) قرصًا خاضعًا لتتظيم التداول الطبي    انطلاق فعالية منتجون بمشاركة 36 منتجا وحرفيا في القطيف    الفتح يكثّف تحضيراته قبل موقعة الهلال وسط موجة إصابات تضرب صفوفه    الجمعة.. انطلاق الجولة التاسعة من دوري يلو    هامات للنقليات تعزز حضورها في أكبر منصة لوجستية وطنية وترسم ملامح شراكات المستقبل    ولي العهد يبعث برقية شكر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    8 فعاليات تخاطب زوار كأس نادي الصقور السعودي 2025 بالظهران    العوالي توقع اتفاقية مع سدكو لإنشاء صندوق عقاري بمليار ريال    هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم لقاء بعنوان (تحديات الأمن الوطني)    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    مُحافظ الطائف يلتقي مُديرة التطوير والشراكات بجمعية الثقافة والفنون    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    أمين الطائف يبحث المشاريع الاستثمارية لشركة (وج) والاحتياجات التوسعية لأعمالها    الأمير سعود بن نهار يشهد شراكة بين تجمُّع الطائف الصحي وجمعية "روماتيزم"    شراكتنا مع السعودية في أقوى مراحلها.. ترمب: ولي العهد من أعظم القادة في العالم    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    تعمل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.. درون وروبوت لمكافحة الحرائق بالمباني الشاهقة    إبراهيم إلى القفص الذهبي    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    مهرجان الديودراما المسرحي يحتفي بالثنائية الفنية    «وسم الثقافي» يكرم المعيبد    ترخيص فوري للبيع على الخارطة    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    دراسة: دواء السكري يقلل فوائد التمارين    أثر مدهش من بيضة مجهولة    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    يايسله: المهمة أمام القادسية صعبة    «جامعة سطام» تطلق «خيمة ثقافات الشعوب»    «فنون العلا 5» ينطلق في تنوع فني وتجارب أدائية غامرة    20 بحثًا يعزّز التعاون الثقافي السعودي - الصيني    "منبهر" يحقق كأس الحفل الثالث    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير لجنة الحج الفرعية    «بيئة مكة».. جولات رقابية على الخضار والأسماك    عطارد يمر بين الأرض والشمس... اليوم    بولندا تنشر جيشها لحماية البنية التحتية الحيوية بعد هجوم على خط للسكك الحديدية    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    لماذا يبدع ضعيف الذاكرة؟!    "سورات وميرونك" يتصدّران افتتاح بطولة السعودية الدولية 2025 للجولف    من تشجع في مباراة الفضاء؟    عبء العلاقات الاجتماعية ثقل يتزايد بصمت    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    استثمارات جديدة في27 متنزها ومشتلا وطنيا    وزير الرياضة: رؤية 2030 أحدثت تحولًا جذريًا ورفعت عدد الاتحادات إلى 97 اتحادًا    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل مجهول في «ديار» توني موريسون ينتهي تحت شجرة وارفة
نشر في الحياة يوم 03 - 09 - 2012

قد تظن أن توني موريسون أفرغت كلّ ما في جعبتها من روايات عن العبودية والتمييز العنصري، قبل أن تقع بين يديك روايتها العاشرة «الديار»، التي تعود فيها أصداء كلمات صموئيل بيكيت «كل شيء لم يُقَلْ ولن يقال البتة» بقوة.
في هذه الرواية، تطْرُق موريسون مرةً جديدة جدرانَ العنصرية الصماء طرقاً عنيفاً، ليستفيق مَن لا يزال غارقاً في غيبوبتها. ومع أن «الديار» هي الراوية الأقصر بين روايات موريسون (150 صفحة)، إلا أنها أشبه بمقلاع حجري له وقع صاروخ بعيد المدى على الذات الإنسانية.
اختارت موريسون «الديار» (الصادرة حديثاً عن دار نوبف) عنواناً لروايتها. «قد نكون محظوظين إن عثرنا عليها وتمسكنا بها. بعضنا يولد ليجد نفسه فيها، بعضنا الآخر يحاول أن يبنيها، وهناك من يشعر بالغربة عنها. الحقيقة أن جميعنا يبحث عن ديار يجثو فيها بسلام». وهذا هو حال بطلَيْ قصتها فرانك وشقيقته سيدرا.
دارت أحداث روايتها السابقة «رحمة» في نيويورك في القرن السابع عشر، أما في «الديار» فاختارت «الروائية السوداء الأولى» و «الأديبة الأميركية الأخيرة» الحائزة جائزة نوبل للآداب، أن تقفز 275 عاماً إلى الأمام، أي إلى منتصف القرن العشرين، حين كان ذوو البشرة السوداء يُعامَلون بطريقة قاسية ومجحفة، أو كما تقول إحدى شخصيات الرواية: «كالكلاب. تصحيح: الكلاب كانت تعامل بشكل أفضل». توضح صاحبة «سيلا» و «أكثر العيون زرقة»، أنها أرادت عبر هذه الرواية أن تزيل الانطباع العام حول حقبة الخمسينات «هي ليست فترة راحة وسعادة وانعتاق... كانت هناك حرب شرسة ذهب ضحيتها 58 ألفاً، كانت حقبة جو مكارثي».
وعلى غرار رواية زميلتها مارلين روبنسون الحائزة جائزة «بوليتزر»، والتي تحمل العنوان نفسه، تتناول موريسون في «الديار» فكرة الابن الضال الذي هجر دياره في سن المراهقة ليعود ويتلمس طريق عودته إليها.
إيقاع الرواية سريع، خلافاً لروايات موريسون السابقة، مثل «جاز» أو «المحبوبة»، فيشعر القارئ أن ثمة قرعاً مستمراً للطبول في الخلفية يحث الراوية على التحدث بسرعة أكبر.
«فرانك موني»، بطل الرواية، جندي عائد للتو من أهوال الحرب الكورية. هو شاب عشريني يلامس حافة الجنون، تسكنه أرواح رفاقه الذين قضوا أمام عينيه، ولا يريد العودة إلى منزله في بلدة «لوتس» في جورجيا، حيث قضى طفولة معذبة بين جنباتها. كل ما يتذكره عنها يكاد يكون سوداوياً وبشعاً. هناك أيضاً سيضطر الى مواجهة عائلات رفاقه ودموعها، وسيستعيد ذكريات طالما حاول طمسها. يريد أن يمحو تلك الصور من مخيلته، أن ينسى قسوة زوجة جده التي كان وشقيقته «سي» (كما يسميها تحبباً) يدعوانها بالساحرة الشريرة. وأن يتناسى قلة اكتراث والديه جرّاء عملهما المضني «عندما يعودان إلى المنزل يكونان منهكَيْن للغاية إلى حد أن أي عاطفة يظهرانها تشبه الشفرة، فتكون: حادة، قصيرة، ورفيعة».
الماضي الأليم
عندما كان فرانك طفلاً، طُردت عائلته من تكساس، وهو يتذكر دائماً قسوة «أن تكون في ديارك، تعيش لسنوات، ويجبرك رجال -يحملون شارات الشرطة أو لا يحملونها، لكنهم دائما يحملون بنادقهم- على أن تغادر أنت وعائلتك وجيرانك، منتعلين أو حفاةً، خلال أربع وعشرين ساعة «وإلا»... التي تعني هنا الموت. رجل مسن يدعى كراوفورد جلس على شرفة بيته رافضاً الرحيل، فضُرب حتى الموت وتم ربطه الى شجرة الماغنوليا العتيقة في ساحة بيته. بعض الجيران عادوا إليه، فكوا وثاقه ودفنوه كما يجب، تحت الشجرة التي أحبها».
بعد تكساس، عانى فرانك وشقيقته أيضاً ظروفاً قاسية في بلدة لوتس. إنه لا يريد أن يتذكر ما رآه ذات ليلة و «سي» حين قام رجال بيض بدفن رجل أسود تحت التراب، بينما بقيت قدمه اليسرى خارج الحفرة الضيقة تهتز في الهواء.
يتحدى فرانك الراوية في هذا العمل، بقوله: «بما أنك مصممة على إخبار حكايتي، أياً يكن ما ستكتبينه، فلتعلمي أني نسيت حادثة الدفن تماماً. لا أذكر سوى الأحصنة... كانت رائعة، وحشية، ووقفت مثلما يقف الرجال». يتحدث هنا عن صراع الأحصنة الذي شهده و «سي» في الليلة نفسها، حين «وقف الحصان على قوائمه الخلفية في وجه الحصان الآخر... منتصباً كالرجال في عراك مخيف ومدهش في آن». يصف ما جرى بدقة وكأنه لا يزال يعيش في ذاك المكان والزمان.
في الواقع، لم ينس فرانك قط واقعة الدفن، بل حاول أن يقمعها بشدة، دفنها جزئياً في ذاكرته، لكنها كانت ولا تزال تهتز أمام عينيه، كتلك القدم اليسرى. وفي نهاية القصة، سيكون على الراوية أن تنبش الجثة من تحت الأرض لتقوم بدفنها معنوياً وحسياً في شكل يليق بها. وتوني موريسون، التي درست الأدب الكلاسيكي، متنبهةٌ جيداً إلى الوزن الثقافي والاجتماعي الكامن في فكرة «دفن الميت في شكل لائق» .
مثلما يُطارده ماضيه، كذلك تفعل ويلات الحرب. يواجه فرانك «هلوسات» ناجمة عن اضطراب ما بعد الصدمة. إنه يخسر صديقته، التي رفضت تقبّل وضعه، لأنها تطمح إلى تطوير وضعها الاجتماعي من مجرد عاملة في مصنع إلى صاحبة منزل، ويخسر تعويضاً بسيطاً تلقّاه من الجيش على طاولة القمار، وكذلك منزلَه، الذي لم يعد قادراً على دفع إيجاره، فلا يبقى له سوى خشيته من أن يفقد عقله بعد إدخاله مستشفى للمجانين بسبب عراك لا تُذكر أسبابه.
يتمكن فرانك من الهرب من المصحة «في ليلة كان فيها ضوء القمر المجنون يعوض عن النجوم الغائبة»، فيصبح «شبه متشرد... وليس مشرداً تماماً»، فهو يدرك أن لديه موطناً في انتظاره. مع ذلك، لم تكن لديه أي نية في العودة إلى «دياره» التي بذل جهداً للهروب منها لأنها «أسوأ مكان في العالم، حتى أنها أسوأ من ساحة المعركة». لكنه يقرر أخيراً العودة إلى لوتس لإنقاذ شقيقته الوحيدة بعد رسالة استلمها من نساء القرية: «تعال بسرعة... «سي» ستموت إن تلكأْتَ». لا يستطيع فرانك تجاهل الرسالة، فشقيقته هي الشخص الأول الذي تحمّل مسؤوليته في حياته، «هناك في أعماقها تعيش صورتي السرية... هي صورة شاب قوي وجيد».
«سي» أيضاً لم تفوّت فرصة الهرب من البلدة، إلاّ أن حظها كان عاثراً هي الأخرى. هربت مع عامل فقير اشترى لها فستاناً وردياً وسرق سيارة زوجة جدها، ليتركها بعد ذلك وحيدة في مدينة «أتلانتا». هناك عملت لدى طبيب إجهاض يُجري تجارب بيولوجية ومخبرية على السود، وهو أمر كان شائعاً في الخمسينات، وأرادت توني موريسون أن تضيء عليه في روايتها القصيرة. التجارب حوّلتها إلى فتاة عاقر، فعادت مكسورة الروح ومحطمة الجسد لتُداويها بعض نساء القرية بثمر العليق وأشعة الشمس الحارقة. استسلمت تماماً لمصيرها قبل أن تنقذها كلمات امرأة مسنة «أن تتركي الآخرين يقررون عنك من أنت، هو ضرب آخر من العبودية»... عودة شقيقها تساعدها على التعافي، ومعاً يسيران باتجاه المكان الذي دُفن فيه الرجل المجهول. يقرران دفنه تحت شجرة وارفة مع شاهد قبر كتب عليه «هنا يرقد رجل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.