مع تحول العالم إلى قرية صغيرة، أصبحت السياسة تتسلل من مقرات الديبلوماسيين المغلقة إلى مفاصل الناس البسطاء في أنحاء المعمورة، وبسرعة متناهية، لاسيما إذا كانت تلك الاجتماعات تعقد في بلاد «العم سام»، فيكفي أن تعطس أميركا ليصاب العالم بالأنفلونزا. وتجلى هذا التأثير السياسي مع الشعراء، إذ إنهم أكثر حساسية وتأثراً، عندما تفاعل عدد منهم في منطقة الباحة مع أبرز حدث وقع في العالم أخيراً، تمثل في وصول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض. إذ لم تخل قصائد شعراء العرضة والنظم صيف هذا العام من تضمين اسمي الرئيسين الأميركيين جورج بوش الابن، وباراك أوباما، واستعادة مشاهد التحولات وانطباعات الناس عن حقبتين سياسيتين متغايرتين شكلاً ومضموناً. ففي حين أبدى الشاعر عبدالواحد سعود الزهراني تشاؤمه بقدوم أوباما كون السياسة الأميركية ليست من صنيع الرؤساء أنفسهم وذلك من خلال قصيدته التي قالها في أحد أعراس المنطقة: «والله إني أظن أوباما... ما بيكون أرحم لنا من بوش... واللي هذا اليوم يلعن بوش بكرة يلعنون أوباما... دايم الدوم الخلف عند اليهود ألعن من السلف...ربما يلقى بقية من بقايا كونداليزا رايس... العرب يقولون بيت السبع ما يخلى من العظام. ما غبني غير بوش وبوش مدري كم بقي من عمره... إن توفي لا رحم وإن عاش ربي لا يوفقه». كان الشاعر علي خميس البيضاني أكثر موضوعية وتفاؤلاً بالرئيس الجديد أوباما إذ قال في قصيدة له خلال ليلة عرس أيضاً: «انتهى عهد بوش وجيت يا أوباما... وتباشر بعهدك دين الإسلاما... الزعل طال عمرك واصل حده... وأنت تدري بهذا الظلم من مدة... وحزب الإرهاب من ماضي ومن حاضر... حرّمته الديانات السماوية». ويذهب الباحث في الفلكلور الجنوبي محمد صالح الزهراني إلى أن الشعرية مسوغ الشعر إذ لا شعر من دون شعرية، لافتاً إلى أن الشعر أو سواه من الفنون الجميلة أو الحياتية لا يسعى إلى قائله، فالشعرية كما يرى هي بؤرة الجمال في النص شعبياً كان أو فصيحاً. ويضيف: «إن حضور زعماء السياسة في النص الشعبي، وشعر العرضة تحديداً ليس على ظاهره، كون شاعر العرضة يوظف الرموز لخدمة غرضه من القصيدة، ويعمل وفق معاييره الخاصة بمنهجية الإسقاطات، فيمكن أن يتحول بوش أو أوباما إلى شيخ قبيلة أو عريفة قرية، أو رئيس إدارة، أو شاعر منافس حاضر في الحفلة، ما يعني أن نصوص الشعراء لها تفسيرات خاصة، وشيفرة لا يفك رموزها إلا شاعر»، مؤكداً أن تأثير السياسي على اليومي ظاهر للعيان، إذ لم تعد السياسة وجبة خاصة لا يتذوقها إلا صانعوها.