يمتنع اغلب السوريين عن الاحتفال بعيد الفطر هذا العام بسبب الأحداث الدامية التي تعيشها بلادهم منذ 18 شهراً والتي انعكست سلباً على واقعهم الاجتماعي والاقتصادي، فيما فضل بعضهم الاحتفاء بالعيد على طريقته. وأحجمت ربى وهي مهندسة في ال 38 من العمر عن قبول التهاني بهذه المناسبة وكتبت في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك «اعتذر من الجميع عن عدم إرسال أو استقبال المباركات بالعيد وأدعو الله أن يرحم جميع شهداء الوطن». واتخذ الصراع في سورية منحى اكثر عنفاً مع وصول المعارك إلى دمشق ثم إلى حلب، المدينتين الأكثر أهمية في البلاد، وذلك في تموز (يوليو) الذي كان «الأكثر دموية» منذ بداية حركة الاحتجاجات. وبالنسبة إلى سوريين آخرين فإن النقاش بينهم يدور حول نمط «الضيافة» الذي سيتبعونه عند قدوم المهنئين بالعيد، فمنهم من اكد انه لن يشتري الحلوى بينما اكد آخرون انهم سيكتفون بتقديم الشوكولا المرة أو القهوة من دون سكر. وتقول زينب وهي عاملة تنظيفات (43 سنة) «كنت أتوقع خروج ابني من المعتقل قبل العيد، أما وأنه ما زال في الداخل فأي عيد سأحتفل به». وتشكو هذه العاملة التي تقطن في مخيم للنازحين من ضيق الحال نظراً لارتباط أجرها اليومي بذهابها إلى العمل والذي حدت الظروف من إمكانيته، وتقول «على كل الأحوال لن يمكنني شراء حاجيات العيد من حلوى وملابس» بسبب ارتفاع أسعارها. وأكدت صحيفة البعث الحكومية الأسبوع الماضي أن حركة الشراء تراجعت بمقدار 75 بالمئة مقارنة بالأعوام السابقة، مشيرة إلى أن حركة الركود التي تشهدها الأسواق أدت إلى تكدس البضائع في المخازن وبكميات كبيرة بسبب ضعف حركة الشراء. ويقول وليد وهو يقف على باب متجره المتخصص ببيع الألبسة النسائية لمراسلة فرانس برس عشية العيد إن «من يرى هذه الجموع الكبيرة وهي تسير في الشوارع هذا المساء سيقول إن أبواب الرزق فتحت». ويشير إلى المتاجر المجاورة له في منطقة الجسر الأبيض التجارية ويقول «انظري أن كلها فارغة»، مضيفاًَ «انه ازدحام مجاني» رغم أن اغلب المحال التجارية أعلنت عن تنزيلات للتخفيف من الكساد والتشجيع على الشراء. ويؤكد تاجر آخر في شارع العابد التجاري وسط العاصمة أن «من معه قرش هذه الأيام يفضل الاحتفاظ به للأيام القادمة بدلاً من شراء الكماليات»، لافتاً إلى أن المشترين يتوجهون إلى البسطات «التي تفترش الأرصفة وتبيع بأسعار زهيدة». ونظراً للأوضاع الأمنية السائدة في البلاد، اتفقت عائلات عدة على شراء أزهار الآس، التي اعتاد السوريون وضعها على قبور موتاهم بعد زيارتها وتنظيفها في الأعياد، وتكليف شخص واحد بالقيام بهذه المهمة هذا العام، كي لا يثير تجمعهم في المقابر ريبة السلطات. ويقول خالد وهو تاجر (57 سنة) «لقد طلبت وجيراني من الناطور شراء الزهور والذهاب بدلاً منا إلى المقبرة لتنظيف المدافن ووضع الزهور عليها خوفاً من إثارة قلق السلطات من تجمعنا كلنا في مكان واحد». وأضاف «سنقرأ الفاتحة على أرواح موتانا في المنزل»، معرباً عن أمله بأن «الله سيتقبلها منا في ظل هذه الظروف». ولا تخلو جلسات السوريين عشية العيد من النكات السوداء، وفي هذا سأل احدهم «من أين علي أن احصل على الفيزا لزيارة أهلي في إحدى المحافظات لتهنئتهم بالعيد» بعد أن تقطعت أوصال البلد وانتشرت الحواجز على الطرقات. وحتى مصطلحات العيد وأمنياته تغيرت وتلونت بألوان المآسي التي تشهدها البلاد. فهذا العام بات العديد من السوريين يستخدمون بالعيد عبارات تنم عن أملهم بعودة الهدوء والسكينة إلى بلدهم، ومنها «إن شاء الله يكون هذا العيد فاتحة للاستقرار والازدهار»، و»نرجو أن يمن الله عليكم بأعياد الأمان والسلام» و»كل عام وأنتم ووطننا بخير». أما المتهكمون منهم فيلجأون إلى عبارات ساخرة من مثل «ينعاد العيد عليكم بلا حواجز» و»إن شاء الله العيد القادم تنفجر بوشك (بوجهك) قنابل الرزق وينزل على بيتك صواريخ الهنا والرحمة» و»يبعتلك سيارة مفخخة بالورد». والتندر لا يفارق أيضاً الناشطين الذين باتوا يقضون معظم أوقاتهم على الإنترنت أو أمام شاشات التلفزيون لمتابعة ما تبثه مختلف المحطات الفضائية عما يجري في بلادهم. وفي هذا نشر احدهم على صفحته على فايسبوك صورة تظهر فيها شاشة إحدى القنوات السورية وهي تبث شريطاً عاجلاً اسفل الشاشة تقول فيه إن «كل ما بثته القنوات المغرضة عن أن الأحد هو أول أيام عيد الفطر لا أساس له من الصحة والجهات المختصة ما زالت تلاحق هلال شهر شوال». ورسم احد رسامي الكاريكاتور صورة لهلال وهو يقول «اعلن انشقاقي عن شهر رمضان وانضمامي لشهر شوال وهذه هويتي» في إشارة إلى أفلام الفيديو التي يصور فيها المنشقون عن الجيش السوري انفسهم وهم يتلون بيان انشقاقهم رافعين هويتهم للدلالة على انتمائهم للمؤسسة العسكرية.