لمناسبة انعقاد الندوة الدولية «التراث العمراني العثماني في بلاد الشام» في عمّان بين 3 و5 آذار (مارس) الماضي (انظر «الحياة» 10/5/2014) وزّع «مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية» في إسطنبول المشهور أكثر باسمه المختصر «إرسيكا» IRCICA مجلته الدولية التي أطلقها بهذا الاسم لكي تكون مختصة بالتاريخ والحضارة الإسلامية . وبهذا يواصل مركز «إرسيكا» الذي تأسس عام 1980 من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي («منظمة التعاون الإسلامي» الآن) مسيرته الناجحة بشبك العلماء والباحثين في العالم الإسلامي بإصداره هذه المجلة التي تصدر باللغات الثلاث (العربية والتركية والإنكليزية) بالإضافة الى الندوات والمؤتمرات والترجمات بين هذه اللغات وغيرها من لغات العالم الإسلامي. ويمكن القول إن مركز «إرسيكا» كان من أنجح الإنجازات على مستوى العالم الإسلامي في ما يتعلق بالأبحاث والنشر وتشبيك العلماء والباحثين من خلال الندوات والإصدارات، آخذاً بعين الاعتبار وجوده في إسطنبول بجوار وثائق الدولة العثمانية التي تعتبر مرجعية أساسية لحوالى ثلاثين دولة انبثقت منها. ولكن مركز»إرسيكا» لم يعد يحضّر الندوات ويستقبل الباحثين في إسطنبول فقط، بل أصبح يموّل عقد الندوات العلمية في حواضر العالم العربي الإسلامي من البوسنة إلى اليمن ومن المغرب الى عُمان. ومع اقتراب الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه، اقتربت إصدارات المركز من المئتين، منها ما صدر في مجلدات عدة تشكل كنزاً للباحثين في التاريخ والحضارة الإسلامية. ويكفي أن تذكر هنا «أوقاف وأملاك المسلمين في القدس الشريف» و «آثار القاهرة الإسلامية في العصر العثماني» و «بغداد من خلال الأرشيف العثماني» و «دليل الأرشيف العثماني» و «السودان في العهد العثماني من خلال وثائق الأرشيف العثماني» و «فهرس مخطوطات الطب الإسلامي بالعربية والتركية والفارسية في مكتبات تركيا» و «فهرس مخطوطات مكتبة كوبريلي» وسلسلة المصاحف النادرة التي تتالت، مثل «المصحف المنسوب الى عثمان بن عفان» (نسخة متحف طوب قابي) و «المصحف المنسوب إلى علي بن أبي طالب» (نسخة صنعاء) وغيرها، والكاتالوغات التي تجمع بدايات التصوير الفوتوغرافي عن حواضر العالم الإسلامي (القدسوالقاهرة وبروسة) وغير ذلك. وفي هذا السياق، لا بد من ذكر عشرات المجلدات التي صدرت بالأبحاث التي قدمت للندوات والمؤتمرات الدولية التي عقدت في حواضر العالم الإسلامي. وكان من آخر ما صدر في 2013 مجلد «المغارب والبحر الأبيض المتوسط الغربي في العصر العثماني»، الذي يضم أبحاث الندوة الدولية التي عقدت في الرباط ومجلد «الحضارة الإسلامية في البحر الأبيض المتوسط» الذي يضم أبحاث الندوة الدولية التي عقدت في نيقوسيا. وبالاستناد إلى هذه الأرضية العلمية والشبكة الواسعة من العلماء والباحثين المرتبطين والمترددين إلى المركز، جاء صدور المجلة الدورية «إرسيكا» لتشكل الجسر الذي يربط بين هؤلاء على مستوى العالم، لكونها تنشر بلغات عالمية وتنفتح على كل ما له علاقة بالتاريخ والحضارة الإسلامية، كما أن هيئة المستشارين تمثل قارات العالم . ومن المأمول أن تتحول المجلة، التي بدأت تصدر مرتين في السنة، فصليةً مع مرور الوقت، لأن المجلات المحلية لم تعد تفي بالغرض، إما لمحليتها أو لتساهل معايير التحكيم فيها. وإذا نظرنا في العدد الأول (ربيع 2013) نجد في القسم العربي «مسألة رسم المصاحف» لطيّار آلتي قولاج و «مؤسسات التعليم العالي في المشرق العربي العثماني» لفاضل بيات ، وفي القسم الإنكليزي «حروب البلقان من خلال السجلات الرسمية التاريخية المحفوظة في رئاسة الأركان العامة الإيطالية» لألبرتو برشيللي و «النشاطات السياسية وردود الفعل الشعبية عند المسلمين البنغال حول مسألة إلغاء الخلافة» لقاضي صفي الدين و «بذور الاتجاه العثماني والاتجاه الإسلامي وثمار العلمانية والديموقراطية» لخرم قادر و «تأثير الطريقة اليسوية على الثقافة الشعبية لدى مسلمي الفولغا» لكوزل سيفولينا. أما في العدد الثاني (خريف 2013) فنجد في القسم العربي «إسهام المرأة في الوقف في اليمن خلال دولة بني رسول 616-858 ه/1228-1454م» لمحمد الأرناؤوط و «الاستغلال البريطاني لفكرة الخلافة في الهند خلال القرن التاسع عشر» لاسمى مهيبل، بينما نجد في القسم الإنكليزي «المغرب في محور التاريخ العالمي» لجافين بروكت و «التراث الثقافي الإسلامي في الأندلس وشبه جزيرة أيبيريا» لجوس توماس كاستلو برانكو و «التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب: التجار الفرنسيون في البحر الأبيض المتوسط العثماني والفقه الإسلامي: أواخر القرن 16 – أوائل القرن 17» لأفيوريل بانيت.