المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي قوة الأمن الداخلي جراء الاعتداء الإسرائيلي الآثم    قطر توجِّه رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم الإسرائيلي الجبان    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    وزارة الخارجية: المملكة ترحب بتوقيع اتفاق استئناف التعاون المشترك بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية المشاركة في تنفيذ الخطة العامة للطوارئ    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025.. موروث ثقافي يعزز الأثر الاجتماعي والحراك الاقتصادي    مسح ميداني للغطاء النباتي في محمية الملك عبدالعزيز    أمير حائل ينوّه بما تحقق من منجزات تنموية شاملة مبنية على مستهدفات رؤية المملكة 2030    تضامن عربي وعالمي واسع مع قطر ضد العدوان الإسرائيلي    باريس: لوكورنو يتسلم مهامه مع موجة احتجاجات    سكان غزة.. يرفضون أوامر الإخلاء ومحاولات التهجير    المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي الأمن الداخلي    نائب أمير المنطقة الشرقية: الخطاب الملكي الكريم خارطة طريق لمستقبلٍ مشرق    الأخضر الشاب بطلاً لكأس الخليج    فيلانويفا يدافع عن قميص الفيحاء    باتشيكو حارساً للفتح    الذهب يرتفع بفضل رهانات خفض "أسعار الفائدة"    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    الكشافة السعودية تشارك في الجامبوري العالمي    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تشارك في منتدى التكنولوجيا لعلوم الحياة 2025 المنعقد في ايطاليا    "التعليم" توقع اتفاقية "الروبوت والرياضات اللاسلكية"    «آسان» و«الدارة» يدعمان استدامة التراث السعودي    «سلطان الخيرية» تعزز تعليم العربية في آسيا الوسطى    «الحج والعمرة» تُطلق تحدي «إعاشة ثون»    التأييد الحقيقي    "الشيخوخة الصحية" يلفت أنظار زوار فعالية العلاج الطبيعي بسيهات    إنقاذ حياة مواطنَيْن من تمزّق الحاجز البطيني    2.47 تريليون ريال عقود التمويل الإسلامي    59% يفضلون تحويل الأموال عبر التطبيقات الرقمية    تداول يواصل الانخفاض    اتفاق نووي جديد يعيد فتح أبواب التفتيش في إيران    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    المكملات بين الاستخدام الواعي والانزلاق الخفي    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    أمير تبوك الخطاب الملكي تأكيد للنهج القويم للمملكة داخليًا وخارجيًا    مُحافظ الطائف يستقبل رئيس جمعية المودة للتنمية الأسرية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة "أمان"    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    وسط حضور جماهيري كبير .. الأخضر السعودي تحت 20 يتوّج بكأس الخليج    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    الأمير سعود بن طلال يُدشن موسم صرام الأحساء 2025 لتعزيز قطاع التمور    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    ولي العهد وملك الأردن يبحثان الهجوم الإسرائيلي الغاشم    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    أكد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهته.. رئيس وزراء قطر: العدوان الإسرائيلي «إرهاب دولة»    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    مرتكبا الصيد دون ترخيص بقبضة الأمن    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمساك عصا الثورة من منتصفها
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 2012

رفضت الإدارة الأميركية تشبيه حلب ببنغازي، على رغم تحذيرها من مجازر محتملة سترتكبها قوات النظام السوري في المدينة؛ ما يعني أن الإشارة لم تصدر بعد من أجل المباشرة بإسقاطه، وأن على المتحفزين لهذا الخيار دولياً أن يتريثوا مرة أخرى. هي إشارة مزدوجة، ومخاتلة في آن، فالإدارة الأميركية لم توجّه تحذيرها للجهة التي سترتكب المجازر، ولم تنذرها بأية عواقب مهما كانت ضعيفة، في الوقت الذي جزمت بأن الخيار الليبي ليس مطروحاً. في المقلب الآخر، لم يتوانَ وزير خارجية النظام عن التلويح بالمجزرة الموعودة، مستمداً قوة و «أصالة» تصريحه من طهران التي تحدث منها، ومنتشياً بدعم حلفائه الذي لم يتراجع أبداً إزاء تهاون الخصوم.
هي، مع الأسف، «ديبلوماسية المجازر» التي تتصاعد وتهبط وفق منسوب الدم السوري، فيما يظهر أن الحقوق الملحّة للسوريين راحت تتدنى إلى حد الحق في الحياة، بينما حقوقهم التي ثاروا من أجلها تبقى قيد البحث والتسويف كما ينص على ذلك الدعم الدولي اللفظي المتواصل لخطة أنان. وعلى العكس من شعارات المقاومة والممانعة التي لا تتعدى الإنشاء، أظهرت شعارات النظام الموجهة الى الداخل السوري التزاماً حرفياً تاماً. فشعار «الأسد إلى الأبد» يتم تمثّله بمحاولة إجبار السوريين على تأليه الأسد، وبالطبع استبعاد أنصاره مجرد احتمال تنحي الأخير أو المقايضة به. أما شعار «الأسد أو نحرق البلد» فيطبّق بحماسة متواصلة بواسطة الأسلحة الثقيلة بما فيها الطيران الحربي، ووصلت حرب النظام إلى مستوى الدمار الشامل، حتى من دون التلويح باستخدام الأسلحة الكيماوية.
يدرك النظام أن حربه حرب وجود، تعلو على الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية كافة، بينما تتقدم الاعتبارات السالفة الذكر إلى واجهة التصريحات الدولية، لا من أجل حشد رأي عام دولي داعم لإنقاذ السوريين وإنما من أجل التغطية على الستاتيكو السياسي الدولي، أو عدم الرغبة في زحزحته أو تجاوزه حالياً. ومجرد تقاذف الاتهامات الدولية حول المسؤولية الأخلاقية عن جرائم النظام مؤشر إلى أن هذه التبعات لم ترقَ بنظر المجتمع الدولي لتصبح مسؤولية إنسانية عامة. ولعل المؤشر الأقوى هو غياب التحركات الشعبية المؤيدة لقضية السوريين في معظم الدول الغربية الفاعلة، ذلك لأن حكوماتها لم تضع الملف السوري على نار ساخنة، ولم تهيئ الشروط الإعلامية الكفيلة بتكوين رأي عام لدى شعوبها. فإلقاء المسؤولية الأخلاقية على الروس والصينيين، وحتى الإيرانيين، لا يحمل في طياته سوى تنصّل من المسؤولية الإنسانية بصفتها وحدة لا تتجزأ. ومعلوم أن حالات التدخل خارج مجلس الأمن كانت دائماً هي الغالبة إذا قيست بالحالات التي حظيت بإجماع دولي، إذ قلّما نجا المجلس من الاستقطابات المعيقة لدوره المفترض في الحفاظ على السلم الدولي.
بعبارة أوضح، لم تقرر مراكز القوى الغربية مجتمعةً أن لحظة سقوط النظام قد حانت، ولا تمانع في أن يتلبّس حلفاؤه دور الشيطان، وفي سبيل هذه الغاية لا تمانع في مزيد من تورط النظام بالدم. ليس العجز السياسي أو العسكري ما يكبّل هذه القوى، بل انعدام التصميم وعدم الرغبة في أدنى مخاطرة. وفي المغزى السياسي الأعمق، ليس مستبعداً النظر إلى النظام باعتباره يحقق بنفسه الأهداف التي تريدها، بما أنه غير قادر على البقاء في المحصلة.
لا تملك دماء السوريين إلا قيمة هامشية، تُستهلك إعلامياً، بالقياس إلى الحسابات الاستراتيجية الأكبر، وإذا كان النظام يعمل لإسقاط سورية كبديل لسقوطه فإن جزءاً من هذا الهدف قد يكون محلّ تقاطع بينه وبين القوى الدولية. ذلك لا يعني أبداً اتفاقاً على الغايات النهائية، فالمحك هنا هو رغبة بعض القوى في استنزاف الكيان السوري كدولة وكعمق استراتيجي إقليمي إلى الحد الملائم لمصالحها. بعيداً من منطق المؤامرة الذي يستخدمه النظام، وبعيداً من الاعتبارات الأخلاقية؛ في السياسة سيبدو هذا مشروعاً تماماً، مع أنه يكشف خللاً جوهرياً يؤجل تلاقي المصالح بين الشعب السوري وأصدقائه المفترضين، بل إنه يلتقي بالضبط مع خشية السوريين من قدرة النظام على تدمير الدولة قبل سقوطه.
قلما وضعت اشتراطات على ثورة كما الحال مع الثورة السورية، من المطالبة بتوحيد المعارضة إلى المطالبة بتقديم تعهدات تخص المرحلة الانتقالية وأخرى تخص المبادئ الدستورية لسورية المستقبل، من دون أن تغيب عنها الاشتراطات السياسية الخاصة بكل قوة دولية. ولم تُخفِ أطراف نافذة خشيتها من تكرار أخطائها في ثورات أخرى، كأنه لزام على السوريين أن يدفعوا حتى ثمن تلك التخوفات التي قد لا يكون لها مبرر في الواقع السوري. هكذا يسعى كثير من القوى الدولية إلى «ترشيد» الثورة قبل تمكينها، وبات مألوفاً البحث والتباحث في قضايا وتوجهات تفصيلية يُفترض أن تُترك لعملية تحول ديموقراطي تعد بها الثورة، ويُفترض أيضاً أن الهيئات التمثيلية للأخيرة غير مخوّلة للبت فيها بحكم شرعيتها الثورية الموقتة.
لذا، لن يكون مستغرباً تأخر الدعم الدولي طويلاً عما هو منتظر، فضلاً عن بقائه أدنى من متطلبات الوقائع الميدانية. وتحيل التطورات العسكرية الأخيرة على الحد المنضبط للدعم الذي تتلقاه الثورة، ويتجلى واضحاً بما تلقاه الجيش الحر، فهو كافٍ لاستنزاف قوات النظام، وغير كافٍ لدحرها والسيطرة التامة على مناطق تغدو شبيهة ببنغازي. هنا لا يخفى أيضاً على الجهات الداعمة التفوق المطلق لقوات النظام في الجو، الأمر الذي كان يمكن مواجهته على غرار ما حدث إبان الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، لولا أن الوقت لم يحن بعد على رغم الدمار الذي ألحقه الطيران بكثير من المدن والمناطق الثائرة.
مرة أخرى، وبعيداً من الاعتبارات الأخلاقية، وعن شبهة المؤامرة التي بدأت تجد لها صدى في صفوف الثوار أيضاً؛ ليست المجازر ما يحرّك الضمير السياسي للحكومات إلا بالمقدار الذي يصلح لاستثمارها، وواضح أن القوى الدولية الفاعلة ليست مستعجلة على الحسم، بل تؤثِر إلى حين الإمساك بالعصا من المنتصف، فلا هي تسمح ببقاء النظام، ولا تضع ثقلها الحقيقي للإسراع في إسقاطه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.