هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تنظم برنامج "إعادة التدوير من الفكرة إلى الاستدامة"    الدولار يتعافى والأسهم الأوروبية تتجاوز سلسلة خسائر استمرت أربع أيام    انتخاب المملكة لرئاسة جمعياتٍ ولجانٍ في المنظمة العالمية للملكية الفكرية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤنة" للتوعية بتيسير الزواج    أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير سجون المنطقة بمناسبة تعيينه    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات النسخة الثامنة من برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يتفقد أعمال وأنشطة المنظومة في تبوك    تأسيس جمعية المستقبل الصناعي غير الربحية    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (34) كلجم من مادة الحشيش    هيئة المياه تدعو لتسوية تعديات الشبكات قبل 18 أغسطس    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    "طمية" تنظم إلى الأسطول الإسعافي بفرع الهلال الأحمر بعسير    مقتل امرأة وإصابة 3 في روسيا    الرئيس السوري: تفوق إسرائيل العسكري لا يضمن لها النجاح السياسي أو الأمني    457 مليونا مستحقات مزارعي القمح    سحب ممطرة على جنوب غرب المملكة وحرارة شديدة على اجزاء من الرياض والشرقية    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الأمير سعود بن نهار يلتقي المدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الغربي    أمين المدينة المنورة يستعرض جهود هيئة تطوير المنطقة    فعاليات نوعية تُثري تجربة الزوّار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    معلقون ومحللون يرتقون بتجربة المشاهدة في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    "الأونروا": سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف في قطاع غزة    مصر ترفض مخطط «خيام غزة»    "الأكاديمية اللوجستية" تفتح التسجيل ل" الدبلوم المشارك"    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    "الداخلية" و "الموارد البشرية" يوقّعان مذكرة تفاهم    المواصفات تجدد دعوتها للتحقق من مطابقة المركبات عبر"سابر"    تسحب اليوم بمقر الاتحاد القاري في كوالالمبور.. الأخضر يترقب قرعة ملحق تصفيات مونديال 2026    «شلة ثانوي».. مسلسل جديد في الطريق    بهدف الارتقاء بالمنتج الثقافي والمعرفي.. توقيع مبادرة "سعوديبيديا" لتعزيز المحتوى السعودي    شركة الدرعية توقع عقداً بقيمة "5.75" مليارات ريال لمشروع أرينا الدرعية    حفل يامال المثير للجدل يغضب برشلونة    السويسري"تشاكا" بين نيوم وسندرلاند    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    إطلاق مبادرة لتعزيز التجربة الدينية لزائرات المسجد النبوي    أصابع الاتهام تشير للفصائل المسلحة.. تحقيق عراقي في ضرب حقول النفط    تفكيك خلية خطيرة تابعة للمليشيا.. إحباط محاولة حوثية لاغتيال المبعوث الأممي    طبيب يقتل 15 مريضاً ويحرق منازلهم    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    الخليج يضم الحارس الدولي"أنتوني"حتى 2027    القادسية يوقّع رسمياً مع المهاجم الغاني"كريستوفر بونسو" حتى 2029    المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يُطلق مبادرة تقليم أشجار العرعر في منطقة عسير    أمير جازان: جهود مقدرة لهيئة التراث في تمكين الشباب    مقتل شخص وإصابة 18 جراء غارات إسرائيلية على دمشق    وزير الخارجية ومدير الطاقة الذرية يبحثان تعزيز العمل الدولي    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ برامج دعوية بمحافظتي بيش وصامطة لتعزيز الوعي بشروط وأهمية الصلاة    متى يجب غسل ملاءات السرير    كريم عبد العزيز أول بطل ل 4 أفلام بنادي ال «100 مليون»    إغلاق منشأة تداولت منتجات تجميلية متلاعباً بصلاحيتها    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في استعادة يوسف حبشي الأشقر
نشر في الحياة يوم 13 - 08 - 2014

من منطلق موقفه الفكري ورؤياه الإنسانية، ونظراً الى ما زلنا نعانيه في وطننا، لبنان، ارتأيْتُ على نفسي أن أكتب عن اسكندر، كي أتحدث عن الروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر الذي نحتفل هذا الشهر بالذكرى الثانية عشرة لغيابه. لقد وجدت في شخصيّة اسكندر، بطل رواية «الظل والصدى»، لا مجرّد صورة أو انعكاس لكاتب الرواية، كما رأى بعض دارسي روايته هذه، بل صوتاً متفرداً هو صوت الرواية وهو، في الآن نفسه، صوت الكاتب الضمني يوسف حبشي الأشقر، المواطن اللبناني الرائي المتفرّد برؤيته، والمعاين بعمق لإشكاليّة الحرب على أرض لبنان وبين اللبنانيّين.
يوسف حبشي الأشقر علامة مختلفة ومميّزة بصفته روائيّاً كتب عن الحرب اللبنانيّة - اللبنانية التي ما زلنا نعيش في ظلِّها وصداها. فهو، شأن بطله اسكندر، عاش في عالم لا مكان فيه للأطهار. وهو، مثله، كان مختلفاً «في نظرته إلى الأشياء والدنيا. وهو، على لسان اسكندر، يُعرّي الأفراد والجماعات، ويكشف عن الموقف والرؤية والغرض لهذه الحرب التي عاشها فقرأ في حكايته عنها صوت الصدى وما هو وراء الظل.
رفض الأشقر الحرب من موقع المعرفة بالواقع والتاريخ. الواقع الذي يعني، في نظره، الأسباب والدوافع، والتاريخ الذي يعني الجذور. هكذا، ومن موقع هذه المعرفة، رسم، في ما رواه، دروب الخلاص التي هي داخل الإنسان وعلى حدود تجذُّره في معاني الحب والإيمان بالهويّة والتشبّث بالأرض وعدم الهجرة... فالتاريخ هو تاريخُ مكان، والمكان هو مكانٌ لتاريخ، وهما معاً هويّةٌ وعقيدة، عقيدةُ وجود، وتجذّرٌ في هذا الوجود.
حكى الأشقر عن الرحيل المستمرِّ والاغتراب الدائم للمسيحيّين. الرحيل الذي كان هروباً من الظلم، ثم صار بدافع شهوة السلطة والمال. يتركون الأرض التي هي مكان حفاظهم على الهويّة، الهويّة التي لا معنى لها من دون مكان. مكان هو الجبل، وهو، تاريخيّاً أو توافقاً واصطلاحاً، لبنان الذي لا يضيره الخلافُ على المكان الأول الذي جاء منه المسيحيّون. أي سواء أكانت الهجرة الأولى من حوران أم من عكار، بالكوفة والعقال والقفطان والعباءة، أم بثياب الشمال والقميص حتى الركبتين فوقه العمامة، والشعر المحلوق، واللّحى المرسلة.
يبرز الأشقر في وقوفه خلف بطله اسكندر، كفرد خارج السرب الذي غرق في حرب لبنان الأهليّة. السرب أو الجماعة التي كرّرت صوت القاتل وكانت صدىً له بينما برز هو فرداً، أو ذاتاً، هي تمجيدٌ لصورة إلهيّة للإنسان. فالإلهي في الإنسان هو صوته الفرد لا الصّدى، وهو، أي هذا الصوت، الحقيقة التي تكشف الصّدى. هكذا يصبح الذاتي الإلهي هو اختلاف الفرد في معادلةٍ بينه وبين المعرفة، المعرفة التي تعيد النظر في التاريخ وتكشف حقيقته.
يحافظ الذاتي الإلهي، وفق الأشقر، على تميّزه، فصوته أشبه بمرآةٍ موضوعة خارج الزوايا المتقابلة في الحرب، أو خارج المواقع المتصارعة فيها. هذا الصوت الذاتي المتفرّد بصفته الإلهيّة وبموقعه، هو صوت يُري ما هو خلف الظلّ وما وراء الصّدى، الصّدى الذي يرجّعه الآخرون المشاركون في الحرب، وفق المعادلة التي تقول: «إذا لم نقتلهم قتلونا».
ضدّ هذه المعادلة، يتحصّن الكاتب الضمني بالإلهي، أو بالذات الصافية، النقيّة، المسكونة بالإلهي وبعشق الوصول إلى معادله الإنساني الموصوف، في الرواية، بتحرّره من شهوة التملّك والسلطة وكنز المال والقتل ولو على خلفيّة الانتقام.
هكذا، لئن كان المسيحيون يعتقدون، أو يعتقد معظمهم بأنهم ضحيّة، فإنَّ الأشقر يرفض أن تتحوّل الضحيّة إلى جلاّد، فالشرُّ، كما يقول، يخلف الشرَّ ولو بعد جيليْن أو أكثر... الشرُّ طريقه طويل.
وقف يوسف حبشي الأشقر، واقعاً وروايةً، خارج الحرب، بقي في منزله في بيروت الغربيّة، لا لأنَّه تبنّى موقف الناس فيها. كما أنَّه عند صعوده إلى بيت شباب (أو كفرملات) لم يكن يعبِّر عن قبوله بما يقوله أهله فيها. لقد عزل نفسه عن الطرفْين، أغلق أبواب داره عليه معلناً على لسان بطله اسكندر: «هنا لنْ أكون كما تشاؤون، وعندكم أيضاً لنْ أكون كما تشاؤون».
اعتصم الأشقر بطهارته. رفض، وفق تعبيره، وسخ الآخرين، كلِّ الآخرين، الذين دخلوا الحرب. رفض السيْر في درب الثأر والانتقام الذي هو، في نظره، درب المتاهة، درب الشهوة، شهوة القتل والدماء والدمار... رفض هذه الحرب اللبنانيّة- اللبنانيّة التي تشبه حروب العشائر، إنها الغنائم، يقتلون ويعيشون ممّا يغنمون، إنها السرقات والصراع على المال والسلطة.
ضدَّ هذه الحرب اللبنانيّة- اللبنانيّة، حرب إحراق بيروت والتهجير وتعبئة الحقد المتبادل، وقف الأشقر. ضدَّ كلِّ المشاركين فيها سواء بالفكر أو بالمال والسلاح، ضدّهم جميعاً، ضدّ دوافعهم المستترة، ضدّ كوامن ذواتهم، ضده تغليب القضيّة على الوطن، القضيّة وقد صارت قضايا، وصار كلٌ من هنا وهناك يدافع عن قضاياه.
رفض الأشقر أن يكون ظلاًّ أو صدىً لحرب هي عطلٌ يقود إلى الهاوية، ليبرز كصوت روائي، حداثي، مفرد، نقدي ومعرفي يكشف ما هو وراء الظل، ويفصح عن ثورة حقيقيّة هي ثورة في الكيان، وداخل الذات، ثورة للارتقاء بالهويّة، هويّة الإنسان وهويّة الوطن.
أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى هذا الصوت... فلنصغِ إليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.