رغم انخفاض النفط الناتج المحلي الإجمالي يواصل نموه ويرتفع 2.5%    أسطح منازل الرياض مؤهلة لتغطية 40% من استهلاك الكهرباء بالطاقة الشمسية    الذهب يتراجع مع توخي الحذر قبل قرار الفائدة الأمريكية    4 مواجهات نارية تكمل عقد الثمانية    24 دولة مشاركة في معرض جدة للكتاب    سفارة المملكة في واشنطن تقيم حفلًا لدعم مبادرة 10KSA    اقتحام الأونروا يفتح جولة جديدة من الصراع    أين وصلت محادثات السلام؟    الاجتماع الأول للجنة الصحة المدرسية لمناقشة مهامها ضمن إطار انضمام محافظة بيش لبرنامج المدن الصحية    نائب أمير مكة المكرمة يرأس اجتماعًا لاستعراض أبرز أعمال هيئة تطوير المنطقة    "سدايا" تنظم مؤتمرًا دوليًّا لبناء القدرات في البيانات والذكاء الاصطناعي    أمانة القصيم تعمل خطة ميدانية محكمة استعدادا للحالة المطرية في منطقة القصيم    السودان يقف بين تفاقم الأزمة الإنسانية ونقص التمويل    الملتقى الرياضي السعودي 2025 ينطلق غداً بعرعر    هل القرآنيون فئة ضلت السبيل.؟    خيرية مرض ألزهايمر تحصد شهادة الأثر الاجتماعي    الرياض أول مدينة سعودية تنضم رسميًا إلى شبكة المدن العالمية    الشيخ البصيلي يختتم المحاضرات التوجيهية لمراكز الدفاع المدني بعسير    الشورى : الميزانية تعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وفق رؤية المملكة    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا وسط سيولة 3.5 مليارات ريال    شراكة استراتيجية بين مجموعة روتانا للموسيقى و HONOR توثق لحظات لا تتكرر    5 محطات ركاب للقطار الكهربائي السريع بين الرياض والدوحة    مدير عام التدريب التقني بالرياض يرعى انطلاق الدراسة الكشفية الأولية بمحافظة الزلفي    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    "العلا" تتوج عالميًا كأفضل مشروع سياحي    "التحالف الإسلامي" يطلق برنامج الاستخبارات التكتيكية بالرياض    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه 11 كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    "التخصصي" يتوج بثلاث جوائز في مجال الخزينة وإدارة النقد بقطاع الرعاية الصحية    صلاح يهدد بالاستبعاد عن مواجهة انتر ميلان    الأهلي يتفق على تمديد عقد ميندي    إحالة منشأة تجارية إلى النيابة العامة لتداول أجهزة طبية مخالفة للنظام    الصناعات الإيرانية حاضرة في معرض المنتجات العربية والعالمية بمكة    إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال شمال مدينة القدس    عازم و تجمع عسير الصحي توقّعان مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع " خطوة "    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    «أحياها» تشارك في ختام «دُرّة طلال» وتحتفي بتأهيل 25 مقدمة رعاية بالأحساء    ثلاث مدن سعودية تنضم إلى شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلّم    التدخل العاجل ينقذ 124 حالة بمستشفى أجياد    دمشق تؤكد التزامها بالاتفاقيات الدولية.. الشرع يحذر من مخاطر المنطقة العازلة    الحكومة تتقدم بمبادرات تبادل الأسرى.. الحوثيون يشرعون بمحاكمة مختطفين    في معرض "أرتيجانو آن فييرا" بمدينة ميلانو.. «الثقافية» تعرف العالم بتاريخ وثقافة السعودية    اعتمد لجنة لتطوير الحوكمة.. «الألكسو» برئاسة السعودية: إنشاء المركز العربي لدعم المسار المهني    العزف على سيمفونية حياتك    لا تلوموني في هواها    للعام الخامس على التوالي.. يزيد الراجحي يتوج ببطولة السعودية تويوتا للراليات الصحراوية    آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة «ليلة العمر».. رسم بداية جديدة لشباب الوطن    «سار» تحصد جائزة أفضل مركز اتصال بقطاع السفر    اشتراط تفعيل الجواز للسفر بالهوية الوطنية    ميسي يقود إنتر ميامي للقب الدوري الأمريكي    فيلم«العملاق» يجسد حياة نسيم حميد    أيقونة عمرانية متكاملة لجودة الحياة.. 8 مشاريع سكنية بالمرحلة الأولى لواجهة جدة    السمنة تسرع تراكم علامات الزهايمر    جامعة الطائف تكشف بدراسة علمية عن مؤشرات فسيولوجية جديدة للمها العربي في بيئته الطبيعية    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نادرة محمود ابنة الرسم التي تهوى بلدها
نشر في الحياة يوم 14 - 01 - 2012

تسعى الرسامة نادرة محمود إلى إحياء الأسلوب التجريدي في بلد يعيش الرسم فيه تناقضاً مريراً بين سعة في الإلهام الطبيعي الباذخ وضيق في موهبة تتبدد في التكرار والإعادة. في إطار هذا الواقع، تشكل نادرة استثناء لا يُقاس عليه في محاولة التعرف على المشهد التشكيلي العُماني، فهي أشبه ما تكون بالظاهرة الجمالية العابرة لوجودها المحلي، بالرغم من أنها كانت ولا تزال في رسومها، الأكثرَ تجسيداً من بين الفنانين العمانيين لعلاقة الإنسان بالبيئة المحلية، وهي علاقة لا غنى عنها في بلد مثل عُمان، حيث التوازن بين الإنسان والبيئة لا يزال ممكناً في أبهى صوره وأكثرها اتقاناً، على مستوى الخيال مثلما على مستوى الواقع. تلك العلاقة بمدها وجزرها، إنما تشكل المنجم الذي صارت نادرة تستخرج منه لقاها التجريدية، فحين أقامت معرضها الأول عام 1989، شكّل ظهورها ظاهرة جديدة في الفن التشكيلي العُماني. معها بدا واضحاً أن الفنان المعاصر يمكنه أن يستلهم الكثير من الوحدات الجمالية من البيئة المحلية، من غير أن يصور تلك الوحدات بشكل مباشر. لقد اهتدت نادرة إلى جوهر المفردة البيئية، هناك حيث تقيم الروح وتهمس بجمالياتها الشعرية التي لا تنفد.
لقد شكل هذا التحول الكبير في مفهوم الصورة تحدياً لواقع عاشه الفن في عُمان خاضعاً لمفهوم تقليدي عن الصورة، حيث كانت المناظر الطبيعية وصور البحارة والقوارب والموانئ والزخارف الفلكلورية الموضوعات الأكثر إثارة وجذباً بالنسبة للرسامين المحليين، وكذلك بالنسبة الى الرسامين الأجانب الوافدين إلى البلد.
فن نادرة محمود أنهى تلك النزهات السياحية الخاوية ليبدأ معه مفهوم جديد للرسم. ذلك المفهوم يقوم على فهم عميق لمبدأ الصورة، باعتبارها حاجة روحية لذاتها، من غير أن تستند تلك الحاجة إلى ذريعة خارجية لتفسير وجودها. ولأن نادرة فنانة اختزالية (تقليلية) فلم يرق لها أن تستعمل إلا القليل من المواد، تعبيراً عن رؤيتها الشاسعة. وهي رؤية تتماهى مع المشهد الجمالي التي تقترحه البيئة العمانية، في الخط الفاصل وهمياً بين اليابسة والبحر.
«كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، تتذكر نادرة مقولة النفري (كاتب ومتصوف عربي عاش في القرن العاشر الميلادي) وهي تعلن عن انحيازها إلى الأقل التصويري في كل ضربة فرشاة، وفي كل خط من خطوطها وفي كل مساحة لونية تكشف عن وجودها.
كانت نادرة تميل إلى الرسم على الورق المُصنع يدوياً. في نسيج ذلك الورق، صارت تعثر على العلامات التي شكلت طرقاً لمتاهة عظيمة، هي العالم البصري المستقل الذي شيدته من العناصر القليلة التي تستعملها، وهي تشعر بالاكتفاء التعبيري.
تعلمت هذه الرسامة كيف تجعل الأشياء تطيعها وتمشي معها بشعور عميق بالامتنان. لذلك جرى انتقالها إلى استعمال المواد المختلفة بخفة وتلقائية. عالمها اليوم مفتوح على خيال تلك المواد (مسامير وحبال وقصب ونشارة خشب وجذوع أشجار). وهو خيال مفاجئ بما يحمله من أسرار الجهة الغامضة التي يقبل منها ويحن إليها. خبرة الصنيع الفني هنا تنبعث من عناصر لا تزال في طور التجريب. لذلك، فإن تلك الخبرة لا تهيمن على المتلقي، ومن قبله الفنان، بقدر ما تتلمس طريقها في اتجاههما.
في كل لوحة من لوحات هذه الفنانة، تمتزج الخفة بالعمق، نرى عالماً بصرياً ميسر المفردات، غير أن كل مفردة من تلك المفردات هي بمثابة بئر مهجورة، ندخل إليها من غير أن نقوى على التفكير بسبل النجاة منها. الكثافة تغرقنا بتفاصيل وقائع لا ترى مباشرة.
جاذبية رسوم نادرة محمود مصدرها شعور المرء بالمتعة البصرية وهو يرى عالماً يكاد يكون مكتملاً، عالماً لا ينقصه شيء، بالرغم من قلة مفرداته. يخرج المرء من تجربة النظر تلك مزوداً بخبرة روحية غير مقيدة بأشكال محددة، ففن نادرة محمود اللاشكلاني يسمح لخيال المتلقي بالتمرد على المعنى المباشر للوقائع المعاشة. يحيلنا ذلك الفن إلى واقع نعيشه، لكن من خلال حدسنا، من خلال خبرة حواسنا التي لم تُستعمل من قبل.
من يرى رسوم نادرة وقد سبق له أن عاش في عُمان أو زارها متأملاً، سيجد ان هناك وشائج كثيرة بين ما رآه من مشاهد جمالية خارقة لا يخلو منها جزء من ذلك البلد الجميل، وبين تلك الرسوم. الأفق الذي يمتد إلى ما لا نهاية، ليشكل شبكة من العلاقات الغامضة تجمع ما بين البحر واليابسة، يزخر بالتأملات الصافية التي تملأ سطح اللوحة الأبيض كلاماً، وهو ما يَهَب الصمت المشبع بالرؤى نوعاً من الجلال الشعري.
وراء ذلك ذلك الافق الأبيض أماكن كثيرة لم تطأها قدم. في قلب ذلك الصمت هناك كلام كثير لم ينطق به لسان. ولأن نادرة مولعة بالأسفار، فقد صارت ترى العالم واسعاً، من جهة ما يمكن أن ينطوي عليه من أسرار ومفاجآت وتجارب انسانية غير متوقعة. لذلك، ينبعث قلقها من كل لحظة رسم جديدة. من وجهة نظرها، فإن العالم لا يزال ممكناً باعتباره مختبراً لتجارب جديدة. الحياة هي الأخرى كذلك.
كلما تقع يدها على جزء من السطح الأبيض (أول وآخر ما يراه الزائر من عُمان) تنطق بقعة في الأرض كانت صامتة منذ آلاف السنين. هذه العلاقة العضوية بين الفن والبيئة، إنما كانت المصدر الرئيس للغنى التعبيري والبصري الذي تتميز به رسوم هذه الفنانة.
نادرة محمود هي ابنة عُمان وابنة الرسم في آنٍ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.