المرأة روح المجتمع ونبضه    من التحول الرقمي إلى التمكين الذكي!    "الداخلية" تحصد جائزة أفضل جناح في مؤتمر الحج    «سواحل عسير» وجهة للسياحة الشتوية    3 ملايين زائر لموسم الرياض 2025 خلال 35 يوما    السودان بين احتدام القتال وتبادل الاتهامات    ترمب يطالب قناة إخبارية بريطانية بخمسة مليارات دولار تعويضًا عن التزييف لأحد خطاباته    القيادة تهنئ ملك بلجيكا    الأخضر يواصل استعداداته قبل مواجهة الجزائر    نيابة عن وزير الداخلية.. الفالح يرأس وفد المملكة في مؤتمر لتعزيز التعاون الأمني    "دوريات جازان" تُحبط تهريب 33 كيلو جراماً من القات المخدر    ضبط 22156 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    حائل الفاتنة وقت المطر    "الشريك الأدبي".. الثقافة من برجها العاجي إلى الناس    ملامح حضارة الصين تتنفس في «بنان»    وزير الثقافة: الاستثمار الثقافي رافد الفرص الواعدة في المملكة    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل وزير الشؤون الدينية في بنغلاديش    وزير الحج: إنجاز إجراءات التعاقدات لأكثر من مليون حاج من مختلف الدول    "الحج والعمرة" وجامعة الملك عبدالعزيز توقعان مذكرة تفاهم لخدمة ضيوف الرحمن    تدشين صندوق دعم الأطفال المصابين بالسكري    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُجري جراحة متقدمة بالروبوت لإنهاء معاناة ثلاثينية مع ورم بالمبايض بطول 10سم    متنزه Six Flags في القدية يستقبل الزوار اعتبارًا من 31 ديسمبر المقبل    لكل من يستطيع أن يقرأ اللوحة    دور ابن تيمية في النهضة الحضارية الحديثة    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    حصر المقابر النائية    جمعية القطيف الخيرية تطلق أول سيارة لخدمة ذوي الهمم وكبار السن    مكانة الكلمة وخطورتها    الملك وولي العهد يعزيان رئيس العراق في وفاة شقيقه    السعودية ترحب باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس    علاقة الإبداع بضعف الذاكرة    انتصار مهم لنادي بيش في الجولة الرابعة أمام الخالدي    وفاة 11 وفقد 12 إثر انهيار أرضي في إندونيسيا    ترمب: ننظر في طلب السعودية شراء مقاتلات أمريكية    أمانة جدة تباشر جهودها الميدانية للتعامل مع حالة الأمطار    ابتدائية مصعب بن عمير تفعل اليوم العالمي للسكري عبر إذاعة مدرسية تثقيفية    أمير منطقة الجوف يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الصحي الشمالي    تجمع الرياض الصحي يبرز دور "المدرب الصحي" في الرعاية الوقائية    ميسي يقود الأرجنتين الى الفوز على أنغولا 2-0 وديا    أرقام مميزة للمنتخب السعودي تحت قيادة رينارد    قسم الإعلام بجامعة الملك سعود يطلق برنامج "ماجستير الآداب في الإعلام"    بلدية صبيا تنفّذ أعمال تطوير ممرات المشاة أمام المدارس    مؤتمر الشرق الأوسط ال19 للتآكل يختتم أعماله في المنطقة الشرقية    بمشاركة 15 جهة انطلاق فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس" للتوعية بداء السكري    أمير الرياض يرعى حفل سباق الخيل على كأس الأمير محمد بن سعود الكبير "كأس الوفاء"    أخضر اليد يتغلب على نظيره العراقي في «الرياض 2025»    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب قبالة سواحل مملكة تونغا    مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بينبع ينظم فعالية "يوم الغذاء العضوي" في الدانة مول    مجمع هروب الطبي يفعّل مبادرتين صحيتين بالتزامن مع اليوم العالمي للسكري    من النص إلى النشر".. نادي مداد وبيت الثقافة بجيزان يناقشان تجربة الكاتب وقارئه الأول    جامعة محمد بن فهد تستذكر مؤسسها في احتفالية تخريج أبنائها وبناتها    الفن يُعالج... معارض تشكيلية في المستشفيات تعيد للمرضى الأمل    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    آل الشيخ ورئيسا «النواب» و«الشورى» يبحثون التعاون.. ولي عهد البحرين يستقبل رئيس مجلس الشورى    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«طهران الضوء القاتم» لأمير حسن جهلتن ... مسارُ العتمة
نشر في الحياة يوم 08 - 07 - 2014

يلفت الإيرانيّ أمير حسن جهلتن في روايته «طهران.. الضوء القاتم»، (ترجمة غسان حمدان، دار الربيع العربي، القاهرة 2014) الأنظار إلى ممارسات قمعيّة كانت وما زالت تجري في إيران، سواء في ظلّ الشاه أو في ظلّ الجمهورية بعيد الانقلاب على الشاه. ويبرز كيف أنّ الديكتاتوريّة غيّرت أشكالها وألوانها وحافظت على جوهر أفعالها المسيئة التي تستهدف المعارضين وتصفّيهم بشتّى السبل، دون مراعاة لأيّ حرمة أو قدسيّة أو حقوق.
يحكي جهلتن روايته - أوقفت من النشر طيلة عشرين سنة في إيران، وطبعت بعد ذلك خارج البلاد - على لسان طفل في العاشرة من عمره، اسمه فرهاد، يتحدّث عن واقعة اعتقال أخيه قاسم، وما صاحبها من مشاكل وتغييرات على صعيد الأسرة، وما تلاها من مشقّات ومآسٍ. ينقل فرهاد أحاديث النسوة المحيطات به، يأخذ على عاتقه تظهير الصور الذهنيّة التي يلتقطها في جلسات النساء، تلك التي تعكس واقع الحال قبل الاعتقال وبعده، وكيف أنّ كلّ مرحلة تلقي بظلالها على الشخصيّات والأمكنة.
يصف جلهتن قتامة الضوء الذي لاح في الأفق، يجمع بين نقيضين في مكان يشتمل على النقائض، ذلك أنّه يفترض بالضوء أن يكون مضيئاً لا قاتماً، لكنّ الممارسات التي تتمّ في العتمة تحجب الضوء، وتسبغ عليه صفة القتامة، وتخرجه عن مساره المفترض، لتضعه في خانة العداء للأمل والإنسان.
جهلتن الذي يعرف بدفاعه عن قضية المرأة وحقوقها في إيران اهتمّ بنقل صور معاناة المرأة الإيرانيّة، وتكون كتاباته نابعة من صميم الثقافة المحلية، ومتّكئة على خصوصيّة مدينة طهران التي تكون مسرح أحداث غالبية أعماله. ويكون راويه ناطقاً بأفكاره وحاملاً بذورها في مناجاته ومناقشاته وأحلامه. يرصد جهلتن من خلال راويه الطفل فرهاد تفاصيل الحارة الشعبيّة في طهران، حيث النساء غارقات في همومهنّ، ورازحات تحت أعباء الحياة ومتطلّبات الأولاد، ومع ذلك يعثرن على فرص للإبقاء على جذوة النمائم مستعرة، بحيث لا تهدأ الألسنة، ولا ترتاح إلا عبر تزجية الوقت بالحكايات والقصص حول هذه أو تلك، ثمّ تتغيّر الأحوال مع اعتقال قاسم، ويغدو مركز النمائم والأحاديث والآمال والآلام كلّها.
يبرز الراوي من خلال نقله ما يجري في الحارة شخصيّات الحارة ووجوهها التي تتبدّى في عراك في ما بينها وبين المتغيّرات المتسارعة، من تلك الشخصيات الفاعلة: «الخالة رباب، العمة بلقيس، الخالة أقدس، الخال حسين وزوجته، العم يحيى، المهندس أشتري وزوجته، السيد أسدي، كوكب.. وغيرهم».
يعاني الطفل السارد من كثرة أسباب البكاء، تلك التي تتقاطع لتشكّل نهراً جارفاً من الأسى والقهر، من الأسباب التي تدعوه للبكاء اختفاء أخيه قاسم، وجوم أمّه، تنهّد خالته أقدس من أعماق قلبها، وصغر سنّه وانعدام الحيلة والوسيلة لديه.
يرافق الطفل فرهاد أمّه في رحلة البحث عن قاسم على أبواب المسؤولين، يصف الاستعلاء من قبل أولئك الذين يشعرون بالتفوّق على المواطنين، وطريقة تعاملهم السيّئة مع الناس، وكيف أنّ بحثهم كان محكوماً بالفشل لأنّ مصير المعتقلين السياسيّين كان مجهولاً، وغالب الأحيان تتمّ تصفيتهم بحجج واتّهامات ملفّقة.
بعد يأس من عودة الابن المخطوف من قبل السلطات، تقع المفاجأة، يعود قاسم إلى بيت أهله، لكن بهيئة مختلفة تماماً، يعود صامتاً كئيباً بائساً، لا يستطيع تركيب جملة مفيدة، يحترف قتل الحمام، يوصَف بأنّه مجنون، ويغدو شغل أهل الحارة مرّة أخرى في حضوره كما كان في غيابه. تبثّ عودته الروح في من حوله، تحاول أمّه التكيّف مع وضعه الجديد، تواسي نفسها أنّه بهذه الهيئة أمام عينيها أفضل من غيابه القاهر عنها. وأنّها تحظى بنصف ابنها خير من أن تفقده كلّه.
يقع الصدام بين بعض أهل الحارة وأسرة قاسم، حين يشتكي أحد الجيران من وضع قاسم الذي يحرمهم النوم ويشكّل خطراً بجنونه عليهم، ما يؤدّي إلى اقتياد قاسم إلى مصحّ، وهناك تتمّ معالجته ببطء ليعود رويداً رويداً إلى حالة جيّدة، ويكون تقدّمه بطيئاً، لكن مؤمّلاً بالتغيير. يعود إلى فتاته كوكب التي تنتظره، وتضحّي من أجله، ويظلّ هو وفيّاً لها في كلّ أطواره.
يظلّ فرهاد حامل جذوة التغيير، ومبعث الضوء القادم، بعيداً عن قتامة الأيّام الحالكة وعتمتها وظلمها، وذلك حين يكلّفه أخوه قاسم في الفصل الأخير بمهمّة إحضار حقيبة تحوي أشياء مهمّة من أحد الأمكنة، وتكون تلك المهمّة بمثابة اختبار حقيقيّ للفتى، وتهيئة له لدخول عالم السياسة ومناهضة الديكتاتوريّة من باب العمل السرّيّ المنظّم. يشعر الفتى بأهمّيّته ودوره القادم، وتشكّل تلك المهمّة بداية الاقتراب من عالم أخيه قاسم، وكسب ثقته، والخروج من عالم النساء وقصصهنّ وندبهنّ المتجدّد طيلة الوقت.
يرسم الكاتب صورة اليساريّ المناهض للظلم والديكتاتوريّة لبطله قاسم الذي يكون شابّاً متنوّراً، يتفاءل بالتغيير وانتزاع الحرّيّة المستلبة، لكنّه لا يستطيع تحقيق حلمه، إذ يساق في ليلة مظلمة إلى سجن مجهول، ليصبح حسرة في قلب أمّه وأخيه ومحبوبته، ويحتلّ صدارة الاهتمام لدى أهل الحارة جميعهم.
يلقي جهلتن الأضواء على بعضٍ ممّا كان يمارس في السجون الإيرانيّة أيّام الشاه، والتي استمرّت في حكم السلطات الديكتاتوريّة التالية، من تصفيات للمعارضين بوسائل مختلفة تثير الاشمئزاز وتعبّر عن مدى صفاقة السجّانين وعنفهم العدوانيّ وحقدهم الفظيع. ويكون الضوء القاتم حاملاً لبعض الأمل رغم ما يغلّفه من تعتيم. ويظلّ مشتملاً على إشارات الضوء وإيحاءاته في المحصّلة.
أمير حسن جهلتن درس الهندسة الكهربائية في جامعة العلوم والصناعة في طهران، روايته «طهران.. الضوء القاتم» هي الأولى له بعد مجموعتين قصصيتين نشرهما أثناء دراسته الجامعيّة. له أعمال عدّة منها: «قاعة المرايا» 1991، «نبات المحبّة» 1999، «عشق وسيّدة لم تكتمل» 2000، «طهران مدينة بلا سماء» 2001، ونشر «طهران، شارع الثورة»، «قتل الأميركان في طهران» 2009 خارج البلاد. رشّحت روايته «فجر إيرانيّ» 2005 لنيل جائزة الدورة الرابعة والعشرين للرواية الإيرانيّة إلا أنّه أعلن سحب ترشيحه لمعارضته سياسات وزارة الثقافة والإرشاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.