دخل مقهى ريش المشهور في وسط القاهرة مرحلة جديدة من تاريخه الثقافي، وكان دخوله هذه المرة طريفاً واستثنائياً، فالمقهى - الذي يعد الأشهر في العالم العربي - شهد صولات وجولات أعمدة الثقافة والفن والأدب في مصر على مدى ما يزيد على قرن من الزمان، منهم صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهما. وعلى رغم وصول المقهى إلى العالمية ومن خلال صيته بين طبقة المثقفين والمبدعين المصريين والعرب، وموقعه الاستراتيجي المتميز في وسط العاصمة المصرية، وتغلغله في صفحات الأدلة السياحية الغربية عن مصر باعتباره مزاراً سياحياً وثقافياً واجتماعياً، إلا أن البوابة التي دخل منها المقهى مرحلته الجديدة كانت بوابة معارض الكتب العالمية، وتحديداً معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. قد تبدو فكرة مشاركة مقهى يقدم المشروبات في معرض للكتب والإصدارات غريباً، لكن هذا هو ما حدث قبل أيام، وهو ما نتجت عنه حال من الهرج والمرح بين أوساط المثقفين و"القائمين الحكوميين" على أمر الثقافة، متمثلين بوزير الثقافة المصري نفسه فاروق حسني. والمثير أن رغبة "ريش" في المشاركة في معرض فرانكفورت أحدثت انشقاقاً داخل وزارة الثقافة بين معارض ومؤيد، فالوزير حسني بدا "غير مرتاح" إلى رغبة "ريش" في المشاركة، حتى أنه أكد عدم وجود أية أوراق رسمية لديه تعبر عن تلك "الرغبة". كما أبدى كتاب عديدون اندهاشهم من هذه الخطوة الغريبة من قبل "ريش" والتي جاءت بناءً على "دعوة" من جامعة الدول العربية. مشاركة "ريش" - في حال حدوثها - في دورة المعرض المزمع عقده في تشرين الأول أكتوبر المقبل لن تكون بالطبع من خلال عرض كتاب أو إصدارات، لكن بعدد من الصور النادرة والوثائق التي يفتخر المقهى باقتنائها، والتي أبدع أصحاب المقهى في استثمارها خير استثمار سياحي بنكهة ثقافية، بعدما دأبت جهات عدة على تنظيم فعاليات ثقافية لها في المقهى، ما يفيد المكان شكلاً وموضوعاً. يذكر أن المقهى تأسس في العام 1908، وخضع لعدد من التغييرات في الشكل والمضمون، فقبل انتهاء الحرب العالمية الأولى أنشأ فيه صاحبه اليوناني ميشيل بوليدس مسرحاً وكشكاً موسيقياً. وفي الأربعينات كان ملتقى أهل الفن والإبداع مثل محمد عبدالوهاب وأم كلثوم. كما كان معقلاً للأدباء أمثال يوسف القعيد وابراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وغيرهم في الستينات. وعلى مستوى السياسة، احتسى القهوة على مقاعده كل من الرئيس جمال عبدالناصر قبل اندلاع ثورة تموز يوليو 1952، وصدام حسين أثناء دراسته في القاهرة. كما شهد "ريش" جلسات المنتدى الثقافي لنجيب محفوظ على مدى سنوات طويلة. لكن هل ينجح "ريش" في أن يكون المقهى الثقافي للركن العربي في فرانكفورت هذا العام أم يكتفي بكلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم "يعيش المثقف على مقهى ريش محفلط مزقلط، كثير الكلام عديم الممارسة، عدو الزحام، بكام كلمة فاضية، وكام اصطلاح يفبرك حلول المشاكل قوام".