لماذا تعرضت بلاد الشرق في الماضي للاستعمار من قبل بلاد الغرب؟ من أسباب الغزوات، وربما من أهمها الحصول على التوابل التي كان سعرها في الزمن الغابر يضاهي سعر الذهب. على أية حال، لقد فقدت التوابل اليوم رونق سعرها الذهبي الذي عرفته في القدم، لكنها ما زالت تحتل مكانتها على الموائد نظراً الى ما تقدمه من فوائد صحية، أو كفاتحات ومقبلات للشهية. ومن التوابل الذائعة الصيت الزعفران الصعفران الذي حاز على اهتمام معظم الشعوب، وهو الوحيد بين التوابل الذي لم يعرف سعره تدهوراً على مر الزمن. والموطن الاصلي للزعفران هو حوض البحر الأبيض المتوسط، ويعتقد بأن العرب هم أول من عرفوه، والشاهد على ذلك "بردية" مصرية أشارت الى ان تاريخ الزعفران يعود الى العام 1550 قبل الميلاد. عدا هذا فإن اسم الزعفران هو واحد تقريباً في معظم البلدان، فاسمه Azafron بالاسبانية، وSaffron بالانكليزية، وSafran بالفرنسية والألمانية وZaffanoo بالايطالية وZafora باليونانية وSaffraan بالهولندية وShafan بالروسية وSafuran باليابانية. الإغريق واليونانيون عرفوه وتذوقوا طعمه ورائحته، والامبراطور الروماني هيليوغيبيل كان يأخذ حمامه بإضافة الزعفران الى الماء، وشارع روما كان يغطى بالزهور الزعفرانية عند دخول الحاكم نيرون اليها، والاسكندر الكبير ذرف دموعاً عندما رأى حقول الزعفران الواسعة في الهند، ولدى وفاة بودا في العام 500 ق.م اختار اتباعه تلوين ثيابهم بلون الزعفران. والعرب هم الذين أدخلوا الزعفران الى اسبانيا ومنها انتقلت زراعته الى البلدان الأوروبية الأخرى. إن أهمية الزعفران لا تقتصر فقط على اعطاء الطعام لوناً وطعماً ورائحة ونكهة، بل ان دوره اهم من ذلك بكثير، والطب الشعبي عند الشرقيين كان يعتمد كثيراً على الزعفران، اذ استعملوه كمقو للمعدة والجنس وكمضاد للمغص والآلام البطنية ولطرد الغازات المعوية. كما ان مغلي الزعفران وصف لأغراض عدة مثل تنبيه الاعصاب ومكافحة البرد والتشنجات والالتهابات والنوبات الربوية. والزعفران مهضم ممتاز من الطراز الأول، والهولنديون لا يحفظون أجبانهم من دون اضافة الزعفران اليه لأنه يجعلها تدخل هنيئاً وتنزل مريئاً. وهناك محلول يحضر من الزعفران يستخدم على نطاق واسع للتدليك والتهابات المفاصل ولتخفيف آلام اللثة عند الطفل لدى بزوغ أسنانه. لقد بينت الأبحاث الحديثة ان الزعفران يحتوي بين طياته على مركبات معقدة لها شأنها في دحر الخلايا السرطانية ومنعها من الاستيطان، لا بل انها قادرة على قتلها. وفي احدى الدراسات المخبرية تمكن العلماء من تدمير الخلايات الورمية عند اضافة خلاصة الزعفران اليها، في حين ان الخلايا السليمة بقيت سالمة من دون ان يلحق بها أي أذى. ونشرت مجلة الطب والبيولوجيا التجريبية الاميركية أخيراً مقالاً لباحثين مكسيكيين اكدوا فيه ان الزعفران وخلافاً لما هو شائع، لا يفيد فقط في اكساب الطعام نكهة ولوناً ورائحة، بل انه مفيد في الوقاية من أشرس مرض عرفته البشرية، السرطان. لقد قام الباحثون بجردة شاملة لكثير من الدراسات المخبرية والبحوث التي تناولت أفعال الزعفران عند الحيوان فخصلوا الى الآتي: يفيد في الحيلولة دون تشكل أورام سرطانية جديدة. يساهم في تراجع الأورام الخبيثة المتواجدة. له فعالية كيماوية قوية تزيد من "عزيمة" الأدوية المضادة للسرطان وتعزز قدرتها. أخيراً وليس آخراً، بقي علينا ان نعرف أمرين: الأول ان الانسان يحتاج الى حوالي 200 ألف زهرة زعفران ليحصل على كيلوغرام واحد منه. وثانياً هناك زعفران، وزعفران، أي زعفران "أصلي" وزعفران "مغشوش"، اذ في هذا الأخير يضيفون الى الأزهار التي تعطي الزعفران الأصلي، أجزاء من النبات لا أهمية لها بتاتاً.