انتخاب هالا توماسدوتير رئيسة لأيسلندا    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    أمير الرياض يرعى تخرج المعاهد والكليات التقنية    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    33 ألف منشأة تحت المراقبة استعدادًا للحج    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    وصول أول فوج من حجاج السودان    الخريجي يشارك في مراسم تنصيب رئيس السلفادور    السعودية و8 دول: تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2025    المؤسسات تغطي كافة أسهم أرامكو المطروحة للاكتتاب    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    «نزاهة»: إيقاف 112 متهماً بالفساد من 7 جهات في شهر    أمير تبوك يعتمد الفائزين بجائزة المزرعة النموذجية    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    نتنياهو.. أكبر عُقدة تمنع سلام الشرق الأوسط    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    اكتمال عناصر الأخضر قبل مواجهة باكستان    عبور سهل وميسور للحجاج من منفذي حالة عمار وجديدة عرعر    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    رونالدو يغري ناتشو وكاسيميرو بالانضمام للنصر    القيادة تهنئ الشيخ صباح الخالد بتعيينه ولياً للعهد في الكويت    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    حجاج الأردن وفلسطين : سعدنا بالخدمات المميزة    انضمام المملكة إلى المبادرة العالمية.. تحفيز ابتكارات النظم الغذائية الذكية مناخيا    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    ماذا نعرف عن الصين؟!    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    الصدارة والتميز    9.4 تريليونات ريال ثروة معدنية.. السعودية تقود تأمين مستقبل المعادن    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    إطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق مدينة الرياض    الحجاج يشيدون بخدمات « حالة عمار»    الأزرق يليق بك يا بونو    توبة حَجاج العجمي !    "فعيل" يفتي الحجاج ب30 لغة في ميقات المدينة    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات تحت مسمى "رالي السعودية 2025"    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    نمشي معاك    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة "أفغان البوسنة" من القتال الى الاعتقال
نشر في الحياة يوم 28 - 01 - 2002

تأججت الصراعات العرقية والسياسية في البوسنة من جديد، بعدما انقسم البوسنيون الى فريقين، احدهما مؤيد لاجراء الحكومة بتسليم العرب المسلمين الستة الى ممثلين عن الولايات المتحدة الذين نقلوهم الى معتقل قاعدة غوانتانامو الاميركية في كوبا، والفريق الآخر معارض باعتبار ان ما حصل يناقض اعراف الوفاء "للتضحيات التي قدمها هؤلاء الضيوف الاجانب للمسلمين من اهل البلاد".
ويتكون الفريق المؤيد من الصرب والكروات عموماً وانصار الائتلاف "الديموقراطي" الحاكم منذ عام والمدعوم اميركياً واوروبياً، في حين ان المعارضين يمثلون قطاعاً واسعاً من المسلمين ومؤسساتهم الدينية والاجتماعية اضافة الى منظمات حقوق الانسان.
وينتمي العرب الستة الذين جرى تسليمهم، بحسب وثائقهم، الى الجزائر واليمن، وهم: بلقاسم بن صياح 1960، حصل على الجنسية البوسنية عام 1995، متزوج من البوسنية أنيلا كوبيلاتس، وصابر الاحمر 1969، جاء الى البوسنة بين العاملين في هيئات الاغاثة العربية قادماً من افغانستان، وكان حكم عليه في البوسنة بالسجن خمس سنوات بسبب اعتداء نفّذه مع ابو عائشة البحريني واستهدف ضابطاً اميركياً، وبومدين الاخضر 1966 ويدعى المنتصر، ومصطفى آيت ايدير 1970، ومحمد نهلي 1972، وبودلة الحاج 1965، يلقب بأبو عمر، متزوج من البوسنية نادية ديزداريفيتش.
بدأ تدفق المسلمين الاجانب، وغالبيتهم من العرب، الذين اطلقت وسائل الاعلام عليهم في حينه "افغان البوسنة" مع بداية الحرب في نيسان ابريل 1992 تطوعاً للجهاد الى جانب المسلمين البوسنيين، بتشجيع من دول ومنظمات اغاثة عربية واسلامية، وتسهيلات كرواتية واميركية، حيث كانوا يصلون كسياح الى منتجع سبليت الكرواتي على البحر الادرياتيكي، ومن هناك يتم نقلهم اما سراً او باعتبارهم موظفي اغاثة وصحافيين، حتى بلغ عددهم اكثر من خمسة آلاف مقاتل شكّلوا كتائب تمركزت في قاعدتين رئيستين، احداهما بجوار مدينة زينيتسا وسط البوسنة والثانية قرب توزلا شمال شرق وكانوا يتبعون عسكرياً قيادة الفيلق الثالث للجيش البوسني المسلم الذي اتهمت محكمة جرائم الحرب في لاهاي، العام الماضي، ثلاثة من كبار قادته "بمسؤوليتهم عن انتهاكات جرمية نفذها المتطوعون الاجانب الذين نشطوا في جبهات القتال كمجاهدين" وهم: قائدا الفيلق الجنرالان انور حاج حسنوفيتش ومحمد ألاييتش والعميد امير كوبورا قائد الكتيبة السابع التي كان المجاهدون مرتبطين بها مباشرة.
وكان بين هؤلاء من قاتلوا السوفيات في افغانستان، ومنهم: المعتز الذي كان من قادة منطقة جلال آباد وابو الحارث الليبي وابو ثابت المصري وابوعبدالله الليبي الملقب "اسد الجبال".
مجتمعات اسلامية
كان المتطوعون الاجانب معززين في السنوات الاربع التي اعقبت وقف القتال 1995 بين الاعراق البوسنية، وسمحت لهم حكومة الرئيس السابق علي عزت بيغوفيتش بالسكنى في قرى منطقة بوتشينا في بلدية ماغلاي 160 كلم شمال ساراييفو التي شكلوا فيها تجمعات خاصة بهم يمكن لمن هو مقبول منهم من المسلمين البوسنيين السكنى بينهم. تميزت حياتهم بنظامها الاجتماعي الاسلامي القائم على الالتزامات الدينية الصارمة وتقسيم العمل بموجب علاقات التعاون الاخوي، كما اختاروا السوريين ايمن ابوعبدالرحمن وعماد حسين ابو حمزة ناطقين باسمهم.
واستناداً الى ما نقلته صحيفة "فيتشرني ليست" الكرواتية تشرين الاول/ اكتوبر الماضي عن مسؤولين امنيين في البوسنة، فإنه بعد توقيع اتفاق دايتون، اصدرت قيادة "قاعدة اسامة بن لادن" من افغانستان اوامر لغالبية عناصرها بمغادرها البوسنة والبقاء على اتصال مع البوسنيين البوشناق المسلمين الذين انضموا الى هذا التنظيم او يؤيدونه، والبالغ عددهم حوالي 15 ألف شخص، ومن بقي من "القاعدة" في البوسنة اطلقت عليهم تسمية "النائمين" باعتبارهم اصبحوا في "سبات" وقتي ريثما تصدر اليهم تعليمات في الوقت المناسب.
وبحسب تقرير قدمته المدعية العامة لمحكمة جرائم الحرب في لاهاي كارلا ديل بونتي الى الادارة الاميركية، تضمن معلومات واسماء عن تنظيم "القاعدة" في البوسنة، تبين انضمام عدد من البوسنيين الى هذا "التنظيم" وانهم زاروا معسكرات تدريب "القاعدة" في افغانستان وعاد قسم منهم الى البوسنة".
لكن الصرب والكروات والعلمانيين المسلمين بقيادة زعيم "الحزب الديموقراطي الاجتماعي" زلاتكو لاغومجيا مسلم رئيس الوزراء البوسني الحالي عارضوا، بالتعاون مع قوات "سفور" الدولية التي يقودها حلف شمال الاطلسي في البوسنة، بقاء "المقاتلين العرب والمسلمين" الذين نص اتفاق دايتون الخاص بوقف الحرب على "مغادرتهم الاراضي البوسنية".
وتمت دعوة الصرب البوسنيين للعودة الى قراهم لاخراج "الاجانب الذين احتلوها" وساعدهم في ذلك المجلس المحلي لبلدية ماغلاي الذي سيطر عليه "الديموقراطيون" منذ 1998، فاضطر "هؤلاء الاجانب"، الذين لم تشفع بهم جنسياتهم البوسنية وزوجاتهم واولادهم، للانتقال الى اماكن اخرى في البوسنة، او المغادرة الى افغانستان والشيشان ودول اوروبية وآسيوية.
وبرزت اتهامات موجهة ل"المسلمين الاجانب وانصارهم" بتخطيط وتنفيذ "اعمال ارهابية لزعزعة استقرار البوسنة واشعال الفتنة بين اعراقها" خصوصاً بعد زرع عبوة ناسفة تحت احدى القناطر التي كان ينبغي ان يمر بها موكب البابا يوحنا بولس الثاني اثناء زيارته لساراييفو عام 1997، كما اتهموا مرات عدة بالقيام بتفجيرات، وبالتحريض على الاعمال التخريبية في العديد من المدن البوسنية ، واعتقلت السلطات الامنية المحلية والدولية عدداً منهم وصدرت بحقهم احكام بالسجن، ما ارغم الرئيس بيغوفيتش على الاستقالة من مناصبه الحكومية والحزبية اثر الاتهامات التي وجهت اليه "بالتستر على المجاهدين" خصوصاً بعدما تطورت محاولات معارضيه الى مطالبة محكمة لاهاي بإسناد دعاوى ارتكاب جرائم حرب اليه.
بعد 11 سبتمبر
تصاعدت الضغوط على المسلمين المشتبه "بمواقفهم الاصولية المتطرفة" بعد الاحداث التي شهدتها الولايات المتحدة في 11 ايلول سبتمبر الماضي، وتزعمت الحملة حكومة الاتحاد الفيديرالي البوسني المسلم - الكرواتي. وبدأت بجرد ملفات كل المسلمين الاجانب في البوسنة بالتعاون مع القوات الدولية واجهزة الاستخبارات الغربية، واصدرت لائحة تضم اسماء 940 منهم كانوا حصلوا على الجنسية البوسنية، مطالبة بسحبها منهم والعمل لترحيلهم، وهم 15 مصرياً و12 تونسياً و9 يمنيين و8 مغاربة و7 من كل من الجزائر والاردن و4 من كل من الكويت ولبنان والسودان والباقي من الامارات وسورية والعراق وفلسطين والسعودية وليبيا وقطر وجيبوتي والبانيا وجزر القمر وغامبيا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ. وطلبت الحكومة البوسنية منهم تسوية وضعيتهم القانونية او مغادرة البوسنة.
وحاول "المسلمون الاجانب" التخفيف من الضغوط التي تعرضوا لها، بإصدار "مذكرة داخلية" في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، اعترفت بأخطاء ارتكبها "عدد من الطواغيت الذين غادروا البوسنة" اثناء القتال وبعده "بعيداً عن التربية والسلوك الاسلاميين والعلم الشرعي ومقومات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" لكن ذلك لم يشفع لهم، اذ ازدادت التحقيقات معهم.
وطالت اجراءات التحقيقات والمراقبة، العاملين في عدد من منظمات الاغاثة الاسلامية التي دهمت مقراتها في ساراييفو، ومدن بوسنية اخرى، ما ادى الى اشاعة القلق في صفوفها بعد اتهامها بالعلاقة مع اشخاص ومجموعات "ارهابية"، فنظمت لقاءات مع عدد من مسؤولي الحكومة لشرح اوضاعها الصعبة، بينهم وزير العدل كريشمير زوباك.
وتولى مبعوثون من مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي اف بي آي استجواب المعتقلين كانون الاول/ ديسمبر الماضي وتمحورت الاسئلة التي وجهت اليهم حول الجماعات التي ينتمون اليها والشخصيات التي يعرفونها وان كانوا على صلة بأسامة بن لادن وما اذا كانت لهم معرفة بحاملي جوازات السفر البوسنية التي عثر عليها في مركز تنظيمي ل"القاعدة" في كابول عاصمة افغانستان، اضافة الى التنظيمات الفلسطينية واللبنانية مثل "حماس" و"الجهاد" و"حزب الله" كما تطرقت ايضاً الى امور فقهية ودينية.
وكان بين الذين جرى استجوابهم العرب الستة الذين نقلوا الى القاعدة الاميركية في كوبا، وتركز بصورة رئيسية مع بلقاسم بن صياح الذي عُثر لديه على رقم هاتف "ابو زبيدة" الذي يُعدّ من القريبين الى بن لادن.
ونقلت وسائل الاعلام في ساراييفو عن نومينا بيغيتش، محامية بن صياح، ان المحققين الاميركين استجوبوا موكلها ثلاث مرات برفقة مسؤولين من الشرطة البوسنية "وتركز التحقيق حول رسائل تهديد وصلت الى السفارتين الاميركية والبريطانية في ساراييفو" ما ادى الى اغلاق السفارتين والمؤسسات التابعة لهما خمسة ايام.
كما قام فريق من الاستخبارات الاميركية بالبحث عمن لهم علاقات تنظيمية او تمويلية او حتى تعاطفية مع تنظيم بن لادن، ووصف الناطق باسم قوات "سفور" ديريل موريل تحقيقات الاميركيين بقوله: "لا شك في ان الحرب ضد الارهاب تتطلب معرفة حقيقة كثير من الاشخاص" ومن بين الذين جرى استجوابهم ابو عماد المصري الذي سلمته السلطات البوسنية لمصر.
تداعيات الاعتقالات
وأدى سحب الجنسية والاعتقالات إلى انشقاقات داخل الحكومة البوسنية، حيث استقال وزير الداخلية محمد بيشيتش الذي ينتمي الى الحزب من اجل البوسنة بزعامة رئيس الوزراء السابق حارث سيلايجيتش نائياً بنفسه عما يحصل، وتسلم مهام الوزارة وكيلها توميسلاف ليموف كرواتي، متحمس لانهاء وجود المسلمين الاجانب في البوسنة وجاء في تصريح له في ساراييفو في شأن لائحة سحب جوازات السفر من 94 مسلماً اجنبياً "انها ليست القائمة الاخيرة بل هناك ملاحق اخرى ستتضمن سحب الجنسية البوسنية من افراد آخرين، حتى يتم تطهير البوسنة من الارهابيين".
الى ذلك، افاد نائب وزير خارجية البوسنة إيفيتسا ميشيتش صربي الذي يتولى رئاسة اللجنة الحكومية لمكافحة الارهاب الدولي ان "قرارات لاحقة ستعلن بسحب الجنسية من 750 اجنبياً حصلوا عليها بين عامي 1992 و1995 خلال الحرب بطرق غير شرعية"، واضاف "ان البوسنة لا تستطيع القبول بأن تتحول بؤرة للارهاب ومرتعاً للخارجين على القانون".
وذكر رئيس الحكومة البوسنية ووزير خارجيتها زلاتكو لاغومجيا ان السلطات "تعمل بحسب خطة دولية خاصة بالبوسنة والهرسك، اشرفت على اعدادها وزارات الداخلية في الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا".
وحدد اهداف البوسنة في المرحلة الراهنة بأن تكون "دولة حديثة وقانونية وديموقراطية تتساوى فيها حقوق كل المواطنين العرقية والدينية واللغوية والاقتصادية والسياسية والامنية… بحسب المعايير الاوروبية"، وقال "ان فرص المتطرفين في تحقيق نياتهم تضاءلت كثيراً، نتيجة الاجراءات المتخذة".
واضاف رئيس الحكومة البوسنية ان "الحرب على الارهاب لن تقتصر على الاجانب، وانما ستشمل ايضاً البوسنيين ذوي المقاصد المتطرفة".
وتزامنت التصريحات والاجراءات الشديدة ضد "الارهاب"، خلال الشهرين الاخيرين مع اكتشاف قنابل في مناطق بوسنية مختلفة، توزعت في مطار ساراييفو وقرب مؤسسة اميركية اضافة الى وقوع تفجيرات واحراق متاجر للصرب والكروات فيها واشعال النار في منزل الكاتب عدنان هوزيتش مسلم متزوج من صربية واغتيال الصحافي مظفر كاليتش مسلم واعتداءات على "كنيسة ملكة العالم" وهي دير للراهبات في ساراييفو، ووجهت الجهات الامنية الاتهامات في شأنها الى "جماعات اصولية متطرفة".
وزاد في "عنف" الاتهامات الموجهة الى "المجاهدين" عثور وحدة المانية عاملة ضمن قوات "سفور" في تشرين الثاني نوفمبر الماضي على مخبأ في ضاحية "اليجا" قرب ساراييفو فيه 76 قاذفة صواريخ و90 رشاشاً ثقيلاً و120 رشاشاً آلياً خفيفاً و35 كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار و27 الف رصاصة و30 لغماً، وصفها قائد الوحدات الالمانية في البوسنة الجنرال برنارد كيشر، بأن وضعها "يوحي بأنها لمتطوعين وليست لجيش نظامي".
وافاد جورج روبرتسون الامين العام لحلف الاطلسي ان "هناك علاقة بين بعض الافراد في منطقة البلقان وتنظيم "القاعدة"، وان الحلف سيبقى يقظاً في المنطقة بعد الاعتقالات التي جرت في البوسنة"، واوضح ان "التهديد لا يزال قائماً، فقد تم توجيه ضربة لتنظيم الشبكات الارهابية ولكن لم يقض عليها كلياً، ولهذا فان التحريات مستمرة".
ويبدو ان السلطات البوسنية ادركت القلاقل التي يمكن ان تنجم عن اجراءاتها ضد المسلمين الاجانب، فشكلت قوة خاصة من 4 الاف شرطي 1500 مسلم و1500 صربي والف كرواتي قامت قوات اميركية بتدريبهم على اساليب مواجهة وتفريق التظاهرات وكيفية السيطرة على المجموعات المسلحة في الشوارع، كما اتخذت السلطات البوسنية اجراءات احترازية في تعاملها مع الوافدين الى البوسنة، تتمثل في الزامهم بملء بطاقة تشمل معلومات عن الزائر واسباب قدومه والجهة التي سيلتقي معها، وينبغي ان يقدم الزائر تلك البطاقة الى الجهات الامنية عند المغادرة، وفرضت رقابة صارمة على هواتف وبريد الاجانب في البوسنة.
تسليم العرب
جاء التسليم بعد اجتماع عقده رئيس وزراء الاتحاد الفيديرالي البوسني المسلم الكرواتي علي بهمان الحزب الديموقراطي الاجتماعي بزعامة زلاتكو لاغومجيا مع الجنرال جون سيلفستر قائد القوات الدولية سفور اثر قرار محكمة البوسنة العليا الافراج عن العرب الستة "لعدم توافر ادلة ضدهم" وتم في الاجتماع بحث "تفعيل البرنامج الذي تم اعداده لمحاربة الارهاب".
واثار الترحيل الى القاعدة الاميركية في كوبا، غضباً شديداً لدى جهات اسلامية ومنظمات حقوق الانسان، التي وصفت العملية بأنها "تمت بأساليب غير شرعية".
ونشرت صحيفتا "دنيفني آفاز" و"اسلوبوجينيا" وغيرهما من الصحف الصادرة في ساراييفو وصفاً للعنف الذي استخدم ضد المحتجين على تسليم هؤلاء العرب الى الاجهزة الاميركية.
وقالت مجلة "الصف" الاسلامية الصادرة في ساراييفو ان تسليم العرب "تم عبر صفقة رخيصة بين الحكومة البوسنية والولايات المتحدة… ولا يمكن لاي مسؤول في الحكومة ان يدّعي وجود دولة القانون، بعد فضيحة المافيا السياسية التي دنّست الرداء الذي ترتديه".
وشن ناظم عابد خليلوفيتش، من قيادات المسلمين في البوسنة، حملة عنيفة ضد الحكومة، وقال: "هذه ليست فضيحة للحكومة فحسب، وانما عار علينا جميعاً، لانه لا احد يرضى ان يعامل اشخاص حلّوا ضيوفاً علينا، وحاربوا في صفوفنا عندما كنا نتعرض للمذابح، بهذا الشكل الفظيع". واضاف ان "الجريمة ارتكبها اشخاص يُعدّون على الاصابع، ولو كان الامر بيد الشعب البوسني، لكان الموقف غير ما حصل".
ووصف محامي المتهمين فخري كاركيف تسليم هؤلاء بأنه "عملية اختطاف من دون مراعاة ابسط حقوق عوائلهم واحترام محاميهم بوجوب اعلامهم بنقل المعتقلين، الذي يعتبر من حقوق الانسان الذي تضمنه دولة القانون".
وبعث مجلس حقوق الانسان في البوسنة رسالة الى الحكومة اعتبر فيها ان اجراءاتها "غير شرعية".
وافاد رئيس منظمة هلسنكي لحقوق الانسان في البوسنة سرجان ديزداريفيتش ان عملية التسليم تمت بضغط من الولايات المتحدة وقوات حلف الاطلسي ورئيس بعثة الامم المتحدة في البوسنة الاميركي جاك كلاين.
واكد ديزداريفيتش ان منظمات حقوق الانسان سترفع دعوى امام المحكمة الاوروبية ضد الحكومتين الاميركية والبوسنية على الترحيل الذي جرى من دون سند قانوني".
وطلب "حزب العمل الديموقراطي الاسلامي" الذي أسسه الرئيس السابق بيغوفيتش، باستقالة المسؤولين البوسنيين عن "عملية القرصنة".
الا ان رئيس الحكومة زلاتكو لاغومجيا دافع، في مؤتمر صحافي عقده في ساراييفو، عن الاجراءات التي اتخذت، ووصفها بأنها "وفاء لالتزامات البوسنة الدولية، بخلاف ذلك كانت بلادنا لتصبح نقطة سوداء في اوروبا". وحذّر كل من "يحاول ان يتخذ البوسنة جسراً لارهاب الآخرين".
واصدرت السفارة الاميركية في ساراييفو بياناً "ثمّنت فيه الخطوة المسؤولة للحكومة البوسنية بتسليم المشتبه بهم، الذين سيلقون معاملة حسنة في اجواء محاكمة عادلة".
واحدث هذا التسليم قلقاً واسعاً لدى المسلمين الاجانب في البوسنة، فتوقفوا عن الاتصالات الهاتفية وابتعدوا عن اصدقائهم ولازموا منازلهم، بعد انتشار معلومات تشير الى مراقبة تحركاتهم من دون استثناء، حتى اصبحوا يؤدون الصلاة في منازلهم، او يغيّرون المساجد التي يصلّون فيها "لأن جهات امنية دولية تقوم بتصوير رواد المساجد من اسطح العمارات المجاورة او من الجو".
ملصقات كاراجيتش
وفي عملية وصفت بأنها "خداعية" لامتصاص النقمة الشعبية المتصاعدة في البوسنة ضد تسليم العرب، عمد ممثلو الولايات المتحدة الى استئجار معظم لوحات الدعاية المقامة على ارصفة الشوارع الرئيسية في ساراييفو والمدن الكبرى الاخرى، وألصقوا عليها اعلانات كبيرة تتضمن صورتي زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كاراجيتش وقائده العسكري الجنرال راتكو ملاديتش المتهمين بارتكاب جرائم حرب مع كتابة بارزة بمكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن مكان وجودهما.
ويذكر ان اعلانات مماثلة نشرت مرات عدة سابقاً ولكن بشكل محدود اقتصر على الصحف، ولذا تردد في ساراييفو ان "مثل هذه الاعلانات لا تهم رجل الشارع، لانه صار مقتنعاً بأنه لو كانت اميركا تريد القبض علىهما، فلن يكون ذلك عسيراً على اكثر من 30 ألف جندي وشرطي دولي اضافة الى المئات من العاملين في وكالات الاستخبارات الغربية في البوسنة على مدى ستة اعوام".
منطقة البلقان
ولم تقتصر الاجراءات ضد "الارهاب" على البوسنة، بل شملت عموم دول البلقان، التي خوّلت الولايات المتحدة مراقبة الحركة في مطاراتها المدنية. ففي كوسوفو قامت قوات "كفور" الاطلسية بمداهمة مقار المؤسستين الخيريتين الاسلاميتين "الطيبة" و"النجدة" واستولت على بعض محتوياتهما ووثائقهما واعتقلت عدداً من العاملين فيهما، كما اتخذت القوات الاطلسية في مقدونيا اجراءات مشددة، اضافة الى ترتيبات حازمة وضعتها الاجهزة الغربية في البانيا "ضد الارهاب" وشملت التحقيق مع افراد يشتبه بهم ومنظمات اغاثة اسلامية.
ووضعت القوات الدولية بقيادة الحلف الاطلسي في البلقان خمسة محاور لاحتواء اي عمليات "ارهابية" تتضمن:
اولاً التحقق من هويات المشكوك فيهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية.
ثانياً تحذير المجموعات الالبانية المسلحة من ان اي عمل عسكري تقوم به ضد المؤسسات الدولية سيعتبر ارهاباً.
ثالثاً تحذير الصرب والسلاف المقدونيين بعدم اتهام الالبان من دون سند بالعلاقة مع اسامة بن لادن.
رابعاً ينبغي ان لا تستغل يوغوسلافيا ومقدونيا الظروف الحالية لمصالحهما الذاتية.
خامساً تشديد الاجراءات على دخول الاجانب الى منطقة البلقان.
وقررت دول البلقان اعتماد اجراءات موحدة تجاه طالبي الدخول اليها من حملة الجوازات العربية والاسلامية، من بينها ان تقدم هذه الدول نسخة من طلب الحصول على التأشيرة الى الاجهزة الامنية في الاتحاد الاوروبي والشرطة الدولية الانتربول التي لها صلاحية الموافقة على منح التأشيرة او رفضها.
وألغت دول البلقان قراراتها السابقة التي كان معمولاً بها على مدى سنوات، بالسماح لمواطني دول عربية واسلامية بالدخول اليها من دون تأشيرة وذلك على اساس اتفاقات المعاملة بالمثل.
واعلنت بلغاريا ان برلمانها وافق على مراجعة ملفات الاجانب المقيمين فيها ومصادرهم المالية وجرد حساباتهم.
وذكرت صحيفة "دوما" البلغارية ان "دوائر الامن والاستخبارات الكرواتية والبوسنية واليوغوسلافية، ابرمت اتفاقاً للتعاون المشترك في شأن تبادل المعلومات الامنية لمنع نشاط التنظيمات الارهابية"، وتم نصب اجهزة للانذار المبكر على حدود الدول الثلاث وتسيير دوريات مشتركة في المناطق الحدودية بينها.
وعملية تسليم العرب الستة الى الولايات المتحدة ليست الاولى في المنطقة، فقد سلّمت كل من البوسنة وكرواتيا والبانيا وبلغاريا وصربيا مسلمين مطلوبين الى بلدانهم، لكن ما حدث في البوسنة اخيراً فتح الطريق امام تسليم من تتهمهم الولايات المتحدة، من دون اي امكانية للمماطلة.
استغلال اسرائيلي
واستغلت اسرائيل اوضاع "مكافحة الارهاب" في البلقان، فأرسلت وفداً برئاسة رئيس العلاقات الخارجية والامنية في الكنيست ديفيد ميغن الى العاصمة الكرواتية زغرب، للحصول على المعلومات المتوافرة في شأن اختصاصات وملفات ونشاطات الفلسطينيين واللبنانيين الذين حصلوا على تدريب عسكري او شهادات دراسية في جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، اضافة الى معلومات عن القياديين الفلسطينيين الذين كانوا يترددون على يوغوسلافيا السابقة، واسئلة عن علاقة الفلسطينيين واللبنانيين الذين درسوا في يوغوسلافيا السابقة ب"حزب الله"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.