باب المنافسة على استضافة مونديال 2006 فتح على مصراعيه بين المغرب وجنوب افريقيا والمانيا وبريطانيا والبرازيل، بعدما قدمت الدول المرشحة ملفاتها الى جوزف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا في زوريخ. وستقترع اللجنة التنفيذية لفيفا المكوّنة من 24 شخصاً لاختيار الدولة المضيفة خلال شهر تموز يوليو المقبل. "الوسط" واكبت الحدث واعلنت عن انحيازها بكل روح رياضية الى المغرب الشقيق في حملته لتنظيم هذا الحدث العالمي. دخل المغرب مجددا غمار المنافسة على تنظيم مونديال 2006 لكرة القدم. وهي المرة الثالثة التي يتقدم فيها المغاربة بترشيحهم لاستضافة هذه التظاهرة بعد محاولتين فاشلتين لتنظيم مونديال 1994 ومونديال 1998. وتعلق الأوساط الكروية المغربية آمالاً كبيرة على السيد إدريس بن هيمة لتجسيد مقولة الثالثة ثابتة. وكان العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني عين السيد ادريس رئيساً للجنة ترشيح المغرب ، وسيكون عليه مواجهة منافس افريقي قوي هو جنوب افريقيا لحسم السباق حول دعم القارة السمراء لأحد مرشحيها قبل مواجهة ثلاثي قوامه البرازيل وألمانيا وانكلترا. وكان لافتاً ان الملك محمد السادس رغم حالة الحداد المعلنة، حرص على استقبال اللجنة المشرفة على ملف ترشيح المغرب وهي تضم الى جانب بن هيمة الجنرال حسني بن سليمان رئيس اتحاد كرة القدم المغربي واحمد المساوي وزير الشبيبة والرياضة. وقد قدمت اللجنة للعاهل المغربي نسخة من ملف ترشيح المغرب الذي سلم لجوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا ويتضمن الملف نبذة مركزة عن المغرب وكرة القدم المغربية والبنى التحتية والمنشآت ثم نبذة عن المدن والملاعب الرياضية التي يفترض ان تجرى فيها المباريات في حال حظي المغرب بهذا الشرف. المغاربة يعولون على التجربة التي اكتسبوها في مجال استضافة تظاهرات ذات مستوى مماثل. فقد نظم المغرب العاب البحر الابيض المتوسط الثالثة عشرة بالدار البيضاء العام 1983، والألعاب العربية السادسة العام 1985، وكأس افريقيا للأمم في كرة القدم العام 1988. وهو ما مكن المغرب من مراكمة تجربة كافية تحفزه للتنافس على تنظيم مونديال كرة القدم. ويعول المغاربة كذلك على الاشعاع الكروي للمنتخب المغربي الذي يحتل مركزاً ممتازاً في التصنيف الدولي للفيفا، التاسع عشر، وهو مركز متقدم على أمم كروية ذات باع طويلة في اللعبة. والمنتخب المغربي هو اول منتخب عربي افريقي يتجاوز الدور الأول في نهائيات كأس العالم. كان ذلك خلال مونديال مكسيكو 1986، حيث تزعم مجموعته المكونة من بولندا وانكلترا والبرتغال، ثم واجه المنتخب الالماني في ثمن النهائي، وخسر أمامه بهدف يتيم والمباراة تلفظ أنفاسها. الكرة المغربية تحدثت عن نفسها منذ الثلاثينات، سواء على مستوى الأندية او المنتخب. وكان اللاعب المغربي دعامة أساسية للفرق الفرنسية ابان فترة الاستعمار. ولم تعرف الكرة المغربية بدايتها الرسمية ،إلا في العام 1957 بمناسبة إقامة دورة الألعاب العربية ببيروت حيث شاركت بمنتخب يقوده المرحوم العربي بن مبارك الملقب بالجوهرة السوداء، ويضم أسماء مثل سي محمد، العياشي، كريمو، الخلفي، شيشا، وهي أسماء تحتل موقعاً مميزاً في الذاكرة المغربية. وبعد ذلك كان المغرب من بين الدول الأفريقية التي طورت كرة جيدة على المستوى الأفريقي، وتوج انجازاته باحرازه كأس افريقيا للأمم العام 1976 في أثيوبيا، كما فاز لاعبه النجم أحمد فراس بالكرة الذهبية الأفريقية العام 1976. ومنذ العام 1986، لم تتوقف الكرة المغربية عن التطور، فقد حضرت في مونديال 1994 بالولاياتالمتحدة الأميركية، و1998 بفرنسا، وأصبح المنتخب المغربي وجهاً مألوفاً في التظاهرات الدولية العالية المستوى. كما ان الكرة الذهبية لأحمد فراس قد أضيفت اليها كرتان اخريان لكل من لاعب وسط الميدان محمد التيمومي وحارس المرمى بادو الزاكي. وانعكس هذا التطور على بنية المنتخب الوطني المغربي، حيث ارتفع عدد اللاعبين المحترفين فيه من أربعة العام 1986 الى 17 محترفاً العام 1999، وأصبحت تشكيلة النخبة احترافية أساساً بسبب انتشار اللاعبين المغاربة في أغلب البطولات الاوروبية، وبعض البطولات الآسيوية. وكذلك لبروز لاعبين من أبناء الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة في كل من فرنسا واسبانيا وهولندا والمانيا وهي الدول التي كانت تشكل الوجهة التقليدية للهجرة المغربية. اضافة الى ذلك، تسجل بطولات كل من البرتغال وسويسرا وايطاليا وتركيا حضوراً للكرة المغربية، بل ان البطولة الانكليزية نفسها لم تسلم من عدوى اللاعب المغربي بعد التحاق مصطفى حجي وحسن كشلول ويوسف شيبو بالدوري الانكليزي. ومنذ سنوات اكتشفت الأندية الخليجية تقنيات اللاعبين المغاربة، ومواهبهم انتشرت على رقع الميادين السعودية والاماراتية والقطرية أسماء أبرزها احمد بهجة الذي صنع أمجاد فريق الاتحاد السعودي. إذا كانت الكرة المغربية قد عبرت حدود البحر الأبيض المتوسط لتمارس في اوروبا، وعبرت البحر الأحمر لتحترف في دول الخليج، وعبرت المحيط الأطلسي لتمارس في الولاياتالمتحدة الأميركية، فان ذلك لم يتم من دون ثمن. والثمن تدفعه البطولة المحلية التي أفرغها احتراف نجومها في الخارج من المواهب، وأصبح المتفرج المغربي يشعر برتابة وملل خلال مباريات الدوري. فقد ساد الاعتقاد وسط اللاعبين ان الطريق الوحيد الى المنتخب المغربي هو الاحتراف خارج ارض الوطن. وكثرت الشكوى من تهميش الكفاءات المحلية في عملية انتقاء لاعبي المنتخب الوطني، وعدم تمكينها من إبراز مؤهلاتها. وأسفر هذا الاعتقاد عن عدم استعداد لاعبي الدوري المحلي لتجاوز قدراتهم واستغلال طاقاتهم واستعراضها في دوري محلي من دون رهانات كبرى، خصوصاً من الناحية المالية، ومن دون منفذ على المنتخب الوطني ما دام الوصول الى المنتخب يتطلب الاحتراف خارج أرض الوطن. وبسبب هذه الوضعية، اتجه التفكير نحو تكوين منتخب رديف، مشكل من لاعبي الدوري المحلي فقط، وإدخاله في مباريات ودية من أجل اكتساب الخبرة، وبذلك تكون الكرة المغربية قد ضربت عصفورين بحجر واحد: زرع روح التنافس بين اللاعبين من جهة، وتوفير خزان للمنتخب الأول من جهة ثانية. لكن هذا الرأي لا يجد قبولاً لدى هنري ميشيل، المدرب الفرنسي للمنتخب، الذي لا يشاطر أصحاب هذا الاتجاه موقفهم. فهو يعتقد ان المنتخب الرديف موجود أصلا وهو المنتخب الأولمبي المكون من أبرز عناصر الدوري المحلي، اضافة الى بعض المحترفين وانه من الطبيعي ان يرتقي كل من برز من أفراده الى منتخب الكبار. ومن نتائج هجرة اللاعبين الأولى، غياب الهدافين عن البطولة المحلية، وهي مشكلة أصبحت مزمنة بالنسبة للكرة المغربية. إذ لا يتجاوز العمر الافتراضي للمهاجم الموهوب موسماً واحداً، ينتقل بعده الى عالم الاحتراف. ولم يتجاوز أفضل الهدافين في تاريخ الدوري المغربي رصيد 25 هدفاً، وهو رصيد سجله محمد البوساتي مهاجم النادي القنيطري في الموسم 1980/1981، ولم يتمكن أي لاعب آخر حتى من مجرد الاقتراب منه رغم ان النهضة الكروية المغربية الحديثة قد انطلقت العام 1983 بعد فوز المنتخب المغربي بالميدالية الذهبية لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي نظمت في الدار البيضاء خلال شهر ايلول سبتمبر من السنة نفسها تحت قيادة المدرب البرازيلي خوسيه فالنتي. وبسبب غياب الهدافين المحليين شهد الدوري المغربي غزواً ملحوظاً من طرف اللاعبين الأجانب، ولا سيما الأفارقة منهم إذ يلعب حالياً حوالي 20 لاعباً أجنبياً لأندية مغربية من الدرجة الممتازة. وإذا كانت الكرة المغربية قد تطورت كثيراً على مستوى الممارسة، فإنها راوحت مكانها على مستوى الهياكل والنظم القانونية المنظمة للعبة. فالدوري المغربي يسوده نظام الهواية بما يتضمنه من علاقات غير واضحة بين النادي واللاعب وبين النادي والمدرب، وكانت العلاقة غير واضحة حتى بين النادي ومشجعيه الى ثلاث سنوات خلت. وقد تم الاتجاه أخيراً نحو سن نظام بطاقة المنخرط لتحديد عدد الأعضاء ومراقبة النصاب القانوني أثناء الاجتماعات العامة، لكن غالبية مشجعي الفرق المحلية التي اتبعت هذا النظام، ترى انه نظام موجه لإقصاء المشجعين الذين لا تتوافر لديهم امكانات شراء بطاقة النادي. وبسبب ذلك فان معظم الأندية لم يتخذ قراراً بتبني نظام البطاقات. وكانت السلطات الرياضية قد دفعت في اتجاه نظام بديل من نظام الهواية، هو نظام الاحتضان أو الرعاية حيث تتبنى المؤسسات المنتجة في البلاد أندية رياضية في إطار اهتماماتها الاجتماعية، وتوفر لها موارد مالية تخصصها لتنمية نشاطها. لكن نظام الرعاية سرعان ما تحول الى مجرد نظام للإعلان، إذ تخصص مؤسسة صناعية او تجارية او مالية ميزانية سنوية لفريق معين، مقابل ان يقوم الفريق المذكور بالإعلان لها على قمصانه، الا أن الأندية التي حظيت بالرعاية لم تخصص أية مبالغ مما تتسلمه لأغراض التجهيز كما ينص على ذلك نظام الرعاية، بل تحولت المبالغ المسلمة الى مجرد نفقات تسيير لتأدية مستحقات المدربين ومكافآت اللاعبين. وقد تسابقت المؤسسات الراعية على الأندية الكبرى مثل الوداد والرجاء البيضاويين والكوكب المراكشي وظلت أندية اخرى من دون موارد مالية لأنها لم تلق من يرعاها، ما خلق أزمات مالية لم تستطع معها بعض الفرق مواكبة بطولة دوري الدرجة الأولى. ويفكر اتحاد كرة القدم المغربي حاليا في اعتماد نظام وسط بين الهواية والاحتراف ويتمثل في نظام اللاهواية وذلك تمهيداً لاقرار الاحتراف نهائياً. ومن أبرز الأندية المغربية نادي الوداد ونادي الرجاء البيضاويين وهما النسخة المغربية من ناديي الأهلي والزمالك المصريين، اضافة الى أندية الجيش الملكي والكوكب المراكشي. ولهذه الأندية حضور افريقي بارز، حيث سبق ان فازت بكأس قارية واحدة على الأقل. فأحرز الجيش الملكي كأس الأندية البطلة العام 1985، وفاز الرجاء بالكأس نفسها في 1997 و1989 وأحرزها الوداد العام 1992، وفاز الكوكب بكأس الاتحاد الأفريقي العام 1996. وأحرز الوداد البيضاوي 1993 والرجاء البيضاوي 1998 الكأس القارية الممتازة. ويعتمد المغاربة على هذا السجل الحافل لتخطي عقبة المنافس الأفريقي في سباق تنظيم مونديال 2006 جنوب افريقيا قبل مواجهة البرازيل والمانيا وانكلترا ادريس بن هيمة يقدم الملف المغربي ينتمي ادريس بن هيمة الذي عينه العاهل المغربي الملك الحسن الثاني قبل وفاته للإشراف على ملف ترشيح المغرب لمونديال 2006 الى نخبة النخبة. فهو ابن محمد بن هيمة الذي تولى عدة مناصب وزارية منذ مطلع الستينات كما تولى رئاسة الحكومة العام 1972 . من جهة الأم ينتمي إدريس بن هيمة الى أعلى شرائح الطبقة الفرنسية الراقية فوالدته هي شقيقة زوجة الرئيس الفرنسي جاك شيراك. تلقى ابن هيمة المولود في أيار مايو 1954 تعليماً راقياً بين المغرب وفرنسا. وهو يحمل ديبلوم هندسة من مدرسة البولتكنيك في باريس التي تعد أرقى المعاهد الفرنسية. وقد تولى بن هيمة تقديم الملف المغربي الى جوزيف بلاتر في زيوريخ ويتكون الملف من ثلاثة كتيبات بالعربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية. وقد قدم الملف تحت شعار "حلم قارة… مشروع أمة". يشتمل الكتيب الاول وهو بعنوان "ملف المغرب" على التاريخ الكروي للمغرب مع الفرص والضمانات والمؤهلات التي يقدمها ترشيحه. الكتيب الثاني بعنوان "البنيات التحتية واللوجستية"، يوضح المستوى التقني والتجهيزات المطلوبة. اما الكتيب الثالث وهو بعنوان "المدن والملاعب" فيقدم لمحة عن المدن التي يقترح ان تجرى فيها المنافسات وهي 11 مدينة: الدار البيضاء، الرباط، سطات، الجديدة، مراكش، أكادير، طنجة، فاس، مكناس، وجدة، الناظور. وتحدد الكتيبات خمسة اسباب حفزت المغرب لتقديم ترشيحه وهي كالتالي: المغرب بلد كرة القدم: شعبية ملحمة وطنية، كرة القدم بالمغرب: رمز للتقدم المتواصل لأمة، من حلم الى مشروع قارة: كل مكونات البلد تتعبأ من اجل مونديال 2006، ضيافة اسطورية وقدرة اكيدة على تنظيم تظاهرات دولية كبرى، 2006 موعد مثالي لأول مونديال في القارة الافريقية بتنظيم من المغرب. ولا يغيب عن أذهان المغاربة ان معركة كبرى تنتظرهم داخل دهاليز الاتحاد الدولي لكرة القدم وان عليهم استمالة اعضاء اللجنة التنفيذية ال 24 الذين سيدلون بأصواتهم في تموز يوليو المقبل لإختيار البلد المنظم لمونديال 2006 علماً ان لديهم شعوراً عميقاً بميل جوزيف بلاتر رئيس الفيفا الى جنوب افريقيا، بسبب حسابات انتخابية سابقة. فقد كانت جنوب افريقيا على رأس الدول الانغلوساكسونية التي ساندت بلاتر في حملته لرئاسة الفيفا ضد السويدي يوهانسون الذي كان عيسى حياتو رئيس الاتحاد الافريقي لكرة القدم من أنصاره الأقوياء. ولذلك فإن بلاتر لا يخفي تعاطفه، ولو بصورة مستترة مع جنوب افريقيا، ومن المؤكد انه سيقدم لملفها الدعم كلما سنحت له الفرصة. ويعتمد المغاربة لتحويل اتجاه تصويت الدول الانغلوساكسونية على نفوذ دولة عربية صديقة وشقيقة هي المملكة العربية السعودية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع هذه الدول. وقد لقي المغرب دعماً من وزراء الرياضة والشباب العرب الذين حضروا الدورة العربية التي تقام حالياً في عمان، لكن المسؤولين في المغرب يعلمون يقيناً ان أفضل طريقة لربح الرهان هي الاستجابة للشروط المادية، وترجمة المشاريع المبرمجة الى واقع، والشروط المادية تنص على توافر عدد من الملاعب الرياضية يتراوح ما بين ثمانية واثني عشر ملعباً، بسعة 40 ألف الى 60 ألف متفرج. ولدى المملكة المغربية أربعة ملاعب جاهزة في كل من الرباط والدار البيضاء وفاسووجدة وتتهيأ لإنجاز ستة ملاعب أخرى. إضافة الى ملعب كبير يتسع لثمانين ألف متفرج ينتظر تشييده ببوسكورة في ضواحي الدار البيضاء . وتقدر كلفة تشييد مجمع رياضي بالمواصفات المطلوبة ما بين 350 و400 مليون درهم مغربي، أي حوالي 35 الى 40 مليون دولار اميركي، وهذه المبالغ قد تجد الحكومة المغربية صعوبة في تدبيرها اعتماداً على موازنتها العامة، ولذا فهي مضطرة للبحث عن شركاء وعن صيغ جديدة للتعاطي مع متطلبات تمويل الاشغال الكبرى. ومن المؤكد ان ثمة مؤسسات مالية مغربية مؤهلة لتمويل بناء ملاعب رياضية، شرط ايجاد صيغة مقبولة تمكنها من الاطمئنان الى رؤوس اموالها، وضمان هامش ربح معقول لها.