الذهب يحقق مكاسب أسبوعية وسط آمال خفض أسعار الفائدة    «هيئة العقار»: 3404 بلاغات و251 مخالفة خلال الربع الأول من العام الحالي    فشل المفاوضات يهدد حكومة نتنياهو    خيرية آل عبدان في ذمة الله    هندسة جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تشارك في مبادرة "مجتمع أبحاث المياه    ستانيشيتش: بلوغ نهائي الدوري الأوروبي أهم لليفركوزن    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة على معظم مناطق المملكة    بيئات قتالية مختلفة بختام "الموج الأحمر 7"    رسالة رونالدو بعد فوز النصر على الأخدود    35 طالباً سعودياً يرفعون التحدي ب"آيسف 2024″    629 موقعاً مزيفاً تستهدف جيوب السعوديين ب«الاحتيال»    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    العرب ودولة الإنسان    حين يتحوّل الدواء إلى داء !    أدوية التنحيف أشد خطراً.. وقد تقود للانتحار !    مصير مجهول للمرحلة التالية من حرب روسيا وأوكرانيا    الاتحاد يتغلّب على الهلال وينتزع ذهب نخبة الطائرة    سقوط الجدار الإعلامي المزيف    حرارة قياسية    ذكاء التوقيت والضمير العاطل    المركز الوطني للمناهج    ب 10 طعنات.. مصري ينهي حياة خطيبته ويحاول الانتحار    جمال الورد    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    لاعبو الأندية الإيطالية خارج القائمة.. ولاعبو «البريمير ليغ» الأكثر حضوراً    رَحِيلُ البَدْرِ    انكسار الهوية في شعر المُهاجرين    المقاهي الثقافية.. والمواهب المخبوءة    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    الاتفاق يكمل جاهزيته لمواجهة الاتحاد في الجولة 31 من دوري روشن    الاتفاق والنصر إلى المباراة النهائية لممتاز قدم الصالات    «البعوض» الفتاك    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي إتنو يفوز بالانتخابات الرئاسية    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    أولمبياكوس يهزم أستون فيلا ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    تعزيز الاستدامة وتحولات الطاقة في المملكة    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    كيف نتصرف بإيجابية وقت الأزمة؟    شركة ملاهي توقّع اتفاقية تعاون مع روشن العقارية ضمن المعرض السعودي للترفيه والتسلية    مكان يسمح فيه باقتراف كل الجرائم    دلعيه عشان يدلعك !    للرأي مكانة    قُمري شلّ ولدنا    بلدية صبيا تنفذ مبادرة لرصد التشوهات البصرية    تجنب قضايا المقاولات    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    الملك وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في وفاة هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان    مستشار أمير منطقة مكة يرأس الأجتماع الدوري لمحافظي المنطقة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    أمطار رعدية ورياح تؤدي إلى تدني في الرؤية بعدد من المناطق    القيادة تعزي رئيس البرازيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غاب هيكل ودرويش والأبنودي وسال الدمع على وجنتي "مهيار الدمشقي" . التاريخ لم ينته وحرب طروادة الشعرية لم تقع على ضفاف النيل معرض القاهرة الدولي للكتاب يودع القرن العشرين
نشر في الحياة يوم 22 - 02 - 1999

معرض القاهرة الدولي للكتاب سجّل انتشاراً متزايداً لكتب الدين والتراث، وسلّط الضوء على مجموعة قضايا وتحديات عند مفترق القرن الجديد، انطلاقاً من سؤال محوري حول "نهاية التاريخ". وحفل المعرض هذا العام باللقاءات المهمّة، كما سلّط الضوء على تجارب ووجوه. وعقد الناشرون العرب ندوتهم، فيما ضمّ مؤتمر مشروع "كتاب في جريدة" حشداً من المثقّفين والمسؤولين. أما المواجهة الشعريّة المرتقبة بين أحمد عبد المعطي حجازي وأدونيس، فتحوّلت حواراً بين المنصّة والقاعة، بين المشاركين والجمهور.
أتى محمود درويش... لم يأتِ محمود درويش. هل تأجّلت أمسيته، أم ألغيت؟ الكلّ يترقّب المفاجأة في كواليس الدورة الحادية والثلاثين ل "معرض القاهرة الدولي للكتاب". والخيبة ستكون بحجم اللهفة إلى اللقاء. فالموعد الذي كان من المفترض أن يتوّج أحداث هذه التظاهرة الفريدة من نوعها في العالم العربي، أجهض بصورة تدريجيّة، إذ راح أمل الجمهور يضمر يوماً بعد آخر مثل ظلّ الغراب في الحكاية الشهيرة...
والجمهور في معرض القاهرة للكتاب يستعصي على الحصر والتصنيف. يتفرّس الزائر في الوجوه، يتنصّت على الأحاديث، يراقب التحرّكات بفضول بين أجنحة الكتب وقاعة الندوات في سراي أكتوبر، ومن قاعة "ابداعات جديدة" إلى "المقهى الثقافي"... علّه يحيط بالمشهد العام أو ببعضه. لكنّ القاهرة هائلة، وجمهور المعرض متنوّع وكبير ومتعدد المشارب والاهتمامات. من بعض التعليقات أو الأسئلة في الندوات، نلمس النزعة المحافظة والتقليديّة عند شبّان لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين. ومن خلال الحركة حول بعض دور النشر المصريّة والعربيّة، نكتشف نهماً إلى الأدب العالمي، والنظريّات الحديثة، والكتابات التقدّميّة والثوريّة. وعندما يستضيف المعرض السفير الأميركي في ندوة حول "حقّ السيادة والعدوان على الشعوب"، تقوم حركة احتجاج تستوعب أغلب التيارات المحافظة والتقدميّة، ويسجّل المعترضون على حضور السفير الأميركي في المعرض موقفهم، من خلال تجمّع سلمي أمام "المقهى الثقافي".
عبّاس بيضون كان من ضيوف المعرض هذا العام. حين سألناه كيف يمضي وقته، أجاب بلا تردّد: "في "المقهى الثقافي"، كل القاهرة تعبر من هنا. في هذه البقعة الصغيرة تمرّ حشود المبدعين والمثقّفين، نكتشف التجارب، نصغي إلى الأصوات، نقف على أحوال الثقافة المصريّة". وأضاف الشاعر اللبناني: "في بيروت هناك حفنة من الكتّاب تكفيهم حافلة صغيرة واحدة، أما القاهرة فهائلة. خذ هذا المستعرب الالماني الذي جاء يعدّ قاموساً للشعر العربي، إنّه لا يكاد يتعرّف إلى فوج من الشعراء حتّى تأتيه أفواج أخرى. لا يمكن للزائر أن يجمع مبدعي مصر خارج هذا المكان".
و"المقهى الثقافي" الذي يشرف على نشاطاته الأديب ابراهيم عبد المجيد، تميّز هذا العام بمجموعة لقاءات ونشاطات استثنائيّة. فالقاعة صغيرة، حميمة، وجمهورها محدّد الملامح، يعرف ماذا يريد ومن أتى يسمع، فيما لاحظنا في "سراي 6 أكتوبر" الضخمة، أن بعض الحاضرين لا يعرف من الشاعر البارز الجالس إلى المنصّة سوى عموميّات، في حين أن الشخصيّات السياسيّة والفكريّة المصريّة كانت في الفضاء الواسع مكانها الأمثل.
في المقهى عقدت ندوة "المثقّف وسلطة الرأي ومعوقات التفكير الحرّ" التي شارك فيها عبد الرحمن أبو عوف وعلي فهمي وفتحي أبو العينين، إضافة إلى نبيل عبد الفتّاح صاحب كتاب "النصّ والرصاص" دار النهار الذي تساءل : "هل يمكن الحديث عن رأي عام في ظلّ أنماط تسلّطيّة تعيق تبلور الآراء والاتجاهات والمواقف...؟". وفيه تمّ تناول تجارب لافتة لنورا أمين، وعفاف السيّد، ووفاء عوض، ومنال القاضي، ومحمد بدوي، ومهدي عيسى الصقر... إضافة إلى مناقشة كتاب نادية البنهاوي "بذور مسرح العبث" بحضور نهاد صليحة، ورواية محمود الورداني "الروض العاطر"، ورواية سلوى بكر "البشموري"، ورواية إدوار الخرّاط "تباريح الوقائع والجنون"...
وفي المقهى الثقافي أيضاً أحيت زليخة أبو ريشة جلسة شعريّة، وقرأت أمل الجبوري بعض قصائدها، فاكتشف الجمهور والنقّاد لدى هذه الشاعرة العراقيّة المقيمة في ميونيخ، صوتاً متفرّداً وطاقة شعريّة مميّزة. وهنا أيضاً تمّ احياء ذكرى الراحل ابراهيم الدسوقي شتّا، كما قدّم عدد من الشعراء العرب شهاداتهم، فأعلن المغربي محمد بنيس: "أنا الجندي الوحيد في كتيبة أعرف أنّها لن تنتصر أبداً!". وكان لأدونيس جلسة حميمة مع جمهوره، إضافة إلى اطلالته في القاعة الكبرى التي كانت من أهمّ أحداث معرض الكتاب هذا العام. أسهب أدونيس في شرح مفهومه للشعر ومعاييره النقديّة، وإوضح - للمرّة الألف ربّما! - موقفه من مسألة التطبيع الثقافي مع اسرائيل. وسال الدمع على وجنتي صاحب "مهيار الدمشقي" عندما ذكّر الأديب سعيد الكفرواي أن أشعاره تصل إلى أنأى قرى الريف المصري.
وعند باب المقهى يلتقي الأدباء والضيوف. الدكتور سليمان العسكري محمّلاً بأكياس الكتب، وحسّونة المصباحي يوزّع نسخات روايته الجديدة "الآخرون" تبر الزمان. أما سيف الرحبي فيبقى بعيداً عن المعمعة، منزوياً يرفض دخول لعبة السلطة والنجوميّة. وينشط جبّار ياسين في التعريف بدار النشر الجديدة التي سيطلقها في باريس مع فرنسوا زبّال، وتتولّى ترجمة الأدب العربي إلى لغة موليير. أما عبّاس بيضون فيعبّر لكلّ من يلتقيه عن فرحه بصدور كتاب شعري له أخيراً في القاهرة، مشيراً إلى المختارات التي صدرت ضمن سلسلة "آفاق الكتابة" عن "الهيئة العامة لقصور الثقافة". والجدير بالذكر أن هذه السلسلة المميّزة التي يشرف عليها ابراهيم أصلان وعلي أبو شادي، تقدّم للقارئ المصري تجارب حيّة من الأدب العربي المعاصر والحديث.
وإذا كانت قاعة "ابداعات جديدة" قد ساهمت، بدورها، في تسليط الضوء على أسماء ووجوه شابة تخطو خطوتها الأولى في عالم النشر، فإن المعرض حافظ على تقليد عريق هو تخصيص جلسة صباحيّة لمناقشة أعمال وكتب بارزة بين أحدث الاصدارات. هكذا نوقشت كتب ميلاد حنّا قبول الآخر، فتحي عبدالفتّاح ثنائيّة السجن والغربة، عبد العظيم رمضان تطوّر الحركة الوطنيّة في مصر، عصمت عبد المجيد زمن الانتصار والانكسار، عمرو عبد السميع أحاديث الحرب والسلام، بهاء طاهر ذهبت إلى الشلال، نبيل عبد الفتّاح النصّ والرصاص، سمير غريب في تاريخ الفنون الجميلة... وإذا كان بعض الناشرين يعترض على كثرة النشاطات الموازية التي تسرق الأضواء من أجنحة الكتب، وهي الهدف الأساسي للمعرض، فلا شكّ في أن هذا النوع من الجلسات النقديّة خير حافز على استهلاك الكتب والاقبال عليها.
ولم يكن محمود درويش هو الغائب الوحيد عن معرض الكتاب هذا العام، فقد حالت ظروف عبد الرحمن الأبنودي الصحيّة دون احيائه الأمسية المنتظرة. أما محمد عفيفي مطر الذي أُعلن في البرنامج عن مشاركته ككلّ عام، فاقتصرت مشاركته على جولة في أروقة الكتب، ولقاءات جانبيّة مع بعض أقرانه. وسرت في الكواليس أقاويل كثيرة، رافقها عدد مواز من التكذيبات، حول أسباب الغاء الندوة التي كان يفترض تخصيصها لكتاب محمد حسنين هيكل الذي يتحوّل لقاؤه مع الجمهور عادةً مهرجاناً شعبيّاً.
ولعلّ الغائب الأكبر هو لطفي الخولي الذي خطفه الموت على حين غرّة، في غمرة معرض الكتاب، حارماً الساحة الثقافيّة والفكريّة المصريّة من طرف أساسي أثار في السنوات الأخيرة الكثير من النقاشات الحادة بسبب تغيّر مواقفه من السلام مع اسرائيل. وما زال الجمهور يتذكّر تلك المواجهة الصاخبة، قبل ثلاث سنوات، بينه وبين الفنّان سعد الدين وهبه الذي سبقه إلى الرحيل، خلال احدى الندوات التي ستبقى في تاريخ معرض الكتاب.
الفنّان والمثقّف محيي الدين اللبّاد لاحظ في طريق عودته من التعزية بالخولي، كيف أنّ "الجميع كانوا هناك، بغضّ النظر عن المواقع الفكريّة والسياسيّة والايديولوجيّة"، فرفاق الأمس جلسوا جنباً إلى جنب مع شركاء اليوم، وهذه هي مصر الحقيقيّة تجمع أبناءها وتحتضن تناقضاتهم، في رحلتها الأبديّة الهادئة والمطمئنّة. ولعلّ المعرض الأخير للكتاب خلال القرن العشرين يعكس هذه الحقيقة بشكل صارخ.
من راوية راشد إلى فخري كريم
لاحظنا هذا العام تكاثر الدور المهتمّة بالمنشورات الدينيّة، وكتب التراث. فالرقعة المخصّصة لهذه الدور تتزايد كل عام، وتقدّم مختلف الأجنحة الكتب والعناوين نفسها تقريباً، وإن بأشكال مختلفة، وتبثّ التسابيح والأناشيد في مكبّرات الصوت. وفي المقابل تواصل "الهيئة المصريّة العامة للكتاب" برئاسة سمير سرحان المشرف على المعرض نشرها الأعمال الفكريّة والأدبيّة والنقديّة من شتّى الآفاق، من كتاب الباحث السعودي عبدالله محمد الغذّامي بعنوان "الخطيئة والتكفير من البنيويّة إلى التشريحيّة" إلى كتاب مراد وهبه "جرثومة التخلّف"... كما يواصل "المجلس الأعلى للثقافة" الذي يرأسه جابر عصفور خوض معركة التنوير من خلال اصداراته...
ونعرّج على دار "سينا للنشر"، لنكتشف أن هذه الدار المصريّة التي أنشئت في أواسط الثمانينات، وبرزت في السنوات الأخيرة بجرأتها وجديّتها، تواصل رفع التحدّي ونشر العناوين والكتب السجاليّة والنقديّة والرصينة: "الخروج على النصّ" لغالي شكري، "قواعد الفنّ" لبيار بورديو تعريب ابراهيم فتحي، "سلطة الحقّ" لعزيز السيد جاسم الكتاب الذي أودى بصاحبه، "العنف والخطاب الديني في مصر" لشحاته صيام، "نحو تطوير التشريع الاسلامي" لعبدالله أحمد النعيم، "شخصيات قلقة في الاسلام" عبد الرحمن بدوي... إضافة إلى ابداعات سلوى بكر وصلاح عيسى ومنعم الفقير وفوزية رشيد... وتمدّ إلينا مديرة الدار راوية راشد ورقة مطبوعة، نخالها منشوراً ثورياً، ثم نكتشف أنها اعلان عن عودة مجلّة "العصور" إلى الصدور في أيّار مايو المقبل، لتكون منبراً لحريّة المعتقد والنشر، ومجلّة "المسكوت عنه في الفكر والثقافة والأدب والحياة" مصريّاً وعربيّاً. والجدير بالذكر أن هذه المجلّة صدرت في القاهرة بين 2719 و1930 رافعة شعار العقلانيّة والتجديد.
في "سراي المانيا" انتشرت كالعادة دور النشر العربيّة، ومعظمها من لبنان وسوريّة. فها هو المثقّف والكاتب فخري كريم، يختال في أروقة المعرض، فخوراً بما أنجزته "دار المدى" خلال سنوات قليلة. إذ تضمّ قائمة منشوراتها اليوم الأعمال الكاملة للماغوط وأدونيس وسعدي يوسف، كما تشتمل على أضخم سلسلة للآداب الأجنبيّة من ساراماغو إلى ماركيز، من هيرمان هيسه إلى شتاينبك، مروراً بأوكتافيو باث وتوني موريسون وأندريه جيد وول سوينكا أدباء نوبل. على أحد الرفوف كتابا صادق جلال العظم "ذهنية التحريم" و"ما بعد ذهنيّة التحرير"، يقابلهما كتاب فالح عبد الجبار "ما بعد الماركسيّة"، وكتاب فؤاد البعلي عن ابن خلدون... وتكثر الاصدارات الأدبيّة والنقديّة، من كتاب فاضل العزّاوي عن جيل الستينات في العراق، وكتابين عن غائب طعمة فرمان، وكتاب اسماعيل فهد اسماعيل عن القصّة في الكويت. وهذا الأخير تتجاور كتاباته وكتابات ليلى العثمان مع قصص فوزي كريم وروايات فؤاد التكرلي "المسرّات والأوجاع"، وزهير الجزائري "حافة القيامة"، وسعدي يوسف "مثلث الدائرة"... إضافة إلى دواوين سيف الرحبي وعناية جابر ونزيه أبو عفش وهاشم شفيق... وكتب الصكار عن أبجديّته وجابر عصفور وهادي العلوي، و... تودوروف، وصولاً إلى كتاب نظيرة زين الدين الشهير "السفور والحجاب".
مشاريع فخري كريم كثيرة، ومفاجئة، فتجربته النضاليّة علّمته النفس الطويل، ورؤيتُه المستقبليّة لدوره كناشر تحمل على التفاؤل. وقد اختار أن يتشارك في جناحه مع ناشر شاب، مشاغب ومشاكس، هو الشاعر العراقي خالد المعالي الذي حمل كتب "منشورات دار الجمل" من كولونيا الالمانية، بما فيها أشعار ريلكه وسركون بولص وجويس منصور وجورج حنين وجبّار ياسين، وروايات واسيني الأعرج وخليل النعيمي وعارف علوان... وجاء يكتشف قرّاءه في القاهرة. أما العناوين الجريئة التي نشرها المعالي، فلم تعرض بشكل واضح، بل كانت تباع لمن يجيء بطلبها. وبين هذه العناوين حقق كتاب "الجنس عند العرب" بجزئيه القسط الأوفر من الاهتمام!
بين الدور التي حققت حضوراً أيضاً دار النهار، دار الجديد، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، دار الآداب حيث أقبل القرّاء على رواية ابراهيم أصلان الجديدة "عصافير النيل"، المسار عباس بيضون، أنطوان أبو زيد، هاشم شفيق، منى فيّاض، رشيد الضعيف...، دار الطليعة حيث التقينا زائراً "مطّلعاً" يسأل عن كتاب جورج قرم المعرّب "إنفجار المشرق العربي"، دار الأزمنة الحديثة، دار الساقي "الكتاب" بجزئيه لأدونيس، ثلاثيّة تركي الحمد...، ودار رياض نجيب الريّس ديوان محمود درويش الجديد "سرير الغريبة"....
أحمد دحبور: تفادي المنبريّة
من النشاطات البارزة التي احتضنها "معرض القاهرة"، ندوة "الاتحاد العام للناشرين العرب" ومديري معارض الكتب التي ترأسها ابراهيم المعلّم، وصدرت عنها مجموعة توصيات. أما الحدث الأبرز، فكان انعقاد المؤتمر الثاني لمشروع "كتاب في جريدة" الذي تصدره منظمة اليونسكو، ويموّله ابتداءً من الآن رجل الأعمال الكويتي محمد عبد الرحمن الشارخ. حضر الافتتاح وزير الثقافة المصريّة فاروق حسني، والأمين العام لجامعة الدول العربيّة عصمت عبد المجيد، والمدير العام المساعد لليونسكو أحمد الصيّاد ممثلاً فدريكو مايور، ومحمد عبد الرحمن الشارخ رئيس مجموعة "صخر" العالميّة، ورئيس "الهيئة العامة للكتاب" سمير سرحان، ورئيس "المجلس الأعلى للثقافة" جابر عصفور، إضافة طبعاً إلى القائم بالمشروع والمشرف عليه، الشاعر العراقي شوقى عبد الأمير. وأكّد الجميع الأهميّة البالغة لهذا المشروع الذي يوصل الأدب العربي بقديمه وحديثه إلى ملايين القرّاء العرب. كما أصدر المؤتمر، قائمة ب 25 عنواناً ستصدر بين 2000 و2002، بينها المعرّي والتوحيدي والشابي وإميل حبيبي وأدونيس ومحمود درويش وزكريا تامر وخليل حاوي والبياتي وسعدي يوسف ومحمد مهدي الجواهري ومي زيادة وعبد الرحمن منيف وفدوى طوقان وابن المقفّع وجبران...
وقد لاحظنا أن المعرض بات موعداً للنخبة السياسية والفكرية التي تقوم هنا بجسّ نبض الشارع، وتوجيه الرأي العام... فقد استمع الجمهور إلى عدد من الوزراء المصريين في طليعتهم فاروق حسني، وعدد من ممثلي السلطة الروحيّة والاداريّة من شيخ الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي إلى محافظي القاهرة والجيزة. كما التقى الجمهور الشيخ أحمد زكي اليماني وزير النفط السعودي السابق. وأدلى أنيس منصور ومحمد الرميحي وآخرون بشهادات. وكان لأسامة الباز مدير مكتب الرئيس مبارك للشؤون السياسيّة موعد مع الجمهور المحتشد، تمكن مقارنته بموعد عادل إمام مع محبيه، فكلاهما يجيد مخاطبة القاعدة وكسب تعاطفها. وإضافة إلى السياسة، كان للرياضة كرة القدم مكانها ضمن برنامج النشاطات، ناهيك بالفنّ من عادل إمام إلى سميرة سعيد، وصولاً إلى علي حجّار الذي أعلن أنّه يعتزّ بلقب "مطرب المثقّفين"، وأحيا أمسية غنائية في ختام المعرض.
والشعراء أيضاً كان لهم مكانهم على منصّة "سراي 6 أكتوبر"، فقد روى الشاعر الفلسطيني سميح القاسم محطات من تجربته، وذكّر أكثر من مرّة أنّه مثل أي عربي آخر على رغم ظروف شعبه المعقّدة تحت الاحتلال. وألقى قصائده منفرداً، بينما كان من المفروض أن يقيم نوعاً من الحوار الشعري مع محمود درويش. أما أحمد دحبور، فأعلن أنّه بات يتفادى الوقوف على المنبر لأن الجمهور "ينتظر من الشاعر الفلسطيني أن يكون خطيباً، ويخوض في قضايا الأمّة... لذا فكل شغلي على اللغة وصراعي مع الكلمات لقول السرّي والذاتي والحميم سيضيعان هباء، لأنّهما خارج دائرة اهتمام الأكثريّة في هذه المناسبات".
زلزلة الواقع باستمرار
ولا شك في ان اطلالة أدونيس كانت من أبرز أحداث المعرض. فقد قدّم الشاعر العائد إلى القاهرة بعد انقطاع، شهادة تناول فيها سيرته، قبل أن يشرح فهمه لجماليات الشعر وللرؤيا الابداعيّة كفعل "زلزلة الواقع باستمرار". وميّز أدونيس بين الأدب السائد الذي استنفد في حينه، والأدب المغاير الذي يطمح حكماً إلى الكلاسيكيّة. وتعرّض لمسألة "الغموض" و"الوضوح" في الشعر مجيباً عن أسئلة القاعة وانتقاداتها، وأوضح أنّه في غرناطة لم يفعل سوى طرح التحدّي على اسرائيل: هل بوسعها استيعاب الآخر والقبول بالمختلف والخروج على تقوقعها؟
وكان لأدونيس مشاركة أخرى في احدى جلسات الندوة الرئيسية حول "نهاية التاريخ أم بدايته؟". فمحاور تلك الندوة تطرّقت إلى مختلف المستويات العلميّة والتقنيّة والاقتصاديّة والاعلاميّة والاستراتيجيّة والنسويّة والقوميّة، وصولاً إلى الثقافة و"دورها في صنع المستقبل" محمود أمين العالم، سمير غريب، فوزي فهمي، محمد الرميحي، عبد الوهاب بدرخان وإلى... الشعر الحديث! وفي ندوة "الشعر الحديث" جلس أحمد عبد المعطي حجازي إلى أقصى يسار المنصّة فيما أدونيس إلى أقصى يمينها، وبينهما جلس عبد الوهاب البياتي وسميح القاسم ويمنى العيد وتوفيق بكّار وجابر عصفور مدير الندوة.
كان السؤال المطروح هو "الشعر الحديث هل أصبح قديماً"، وسرعان ما أدخل حجازي النقاش منطقة مزروعة بالألغام، طارحاً مسألة بدايات الحركة الشعريّة، وشنّ هجوماً على أدونيس وكمال خير بك ومجلّّة "شعر". لكن معظم المناقشين كان تسوويّاً، بمن فيهم البياتي الذي بدا متعباً ومستقيلاً من كلّ شيء. أما أدونيس فتعالى عن المواجهة المباشرة، واكتفى بالقول إن قصيدة النثر اكتسبت "مشروعيّة نهائيّة" بالنسبة إليه، وإن كل الأشكال والقوالب متساوية، فالعنصر الوحيد لتفضيل قصيدة على أخرى هو درجة "شعريّتها". كما لفت النظر إلى ان النقاش يدور حول مفهوم هو نفسه في أمس الحاجة إلى اعادة النظر: أي "الحداثة"!
إنتظر الجمهور حرب طروادة جديدة، وتمنّاها ربّما. لكنّ الحرب لم تقع. أما الذين كانوا يطمعون بمواجهة عميقة قائمة على التفاعل والحوار، من شأنها أن تأتي باضافات للنقاد والباحثين والمؤرّخين والمبدعين أنفسهم، فقد كان نصيبهم الخيبة... لأنّهم نسوا أنّنا نعيش زمن المبارزات العابرة، والرؤى الضيّقة، والحساسيّات والنعرات على أنواعها. وفي مثل هذا الزمن وحدها الطموحات الآنيّة مشروعة، وتصفية الحسابات الصغيرة التي نداري بها رعبنا من مواجهة المستقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.