عندما تداولت الأوساط السياسية في الكويت مطلع الاسبوع الماضي نبأ استقالة النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح، أبرزت الصحف الكويتية تفسيرات متباينة للاستقالة، وفي اليوم نفسه جرت اتصالات عدة في أوساط الأسرة الحاكمة لتدارك ما اعتبر أزمة بين أقطاب الحكم توجت بلقاءين للأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي التقى صباحاً ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح ثم الشيخ صباح. وظهر اليوم التالي أعلن رسمياً بأن الأمير أمر الشيخ صباح بالاستمرار في أداء مسؤولياته وواجباته. الاستقالة التي فاجأت الشارع السياسي الكويتي لم تكن مفاجأة كبيرة للمراقبين والمتابعين المحليين، فقد سبق للشيخ صباح ان استقال في ظروف مشابهة في كانون الأول ديسمبر 1995 في ما اتفق على انه خلاف مع ولي العهد الشيخ سعد على الاتجاهات السياسية والخارجية تجاه ما يسمى بدول الضد، وهي الدول التي ساندت العراق إبان غزو الكويت، وعلى رغم ان الاستقالة السابقة سويت بسرعة ايضاً، إلا ان كثيرين اعتبروا ان الخلافات في التعاطي مع بعض المسائل قد تظهر مرة اخرى، وهي حدثت. وتقول أوساط كويتية عليمة ان الخلاف الأخير تركز على 3 مسائل: الأولى تتعلق بالتعاطي مع قرارات المجلس البلدي بإزالة بعض التعديات على أملاك الدولة في منطقة "جليب الشيوخ"، والثانية حول الزيادة في اسعار المحروقات التي أقرها مجلس البترول الأعلى الذي يرأسه النائب الأول الشيخ صباح، والثالثة حول زيارة الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة "حماس" للكويت. ففي القضية الأولى، قرر المجلس البلدي إزالة بعض المحلات التجارية غير المرخصة في منطقة جليب الشيوخ - جنوب غربي العاصمة - إلا ان بعض النواب طلب من ولي العهد ورئيس الوزراء التدخل لحفظ حقوقهم، فأمر بإعادة التيار الكهربائي للمحلات التي قطع عنها وإعداد دراسة شاملة عن الموضوع. وفي القضية الثانية، تبنى المجلس الأعلى للبترول توصية بزيادة في أسعار المحروقات تتراوح بين 30 و40 في المئة تماشياً مع ظروف العجز في الموازنة، وأعلن الشيخ صباح الأحمد، رئيس المجلس، ان لا عودة عن الزيادة، لكن مجلس الوزراء رفع بند التوصية من جدول أعماله قبل يوم من عرضها. أما في ما يتعلق بزيارة الشيخ أحمد ياسين، فقد كشفت مصادر عليمة لپ"الوسط" عن وجود مذكرة من 11 بنداً تتضمن رأي وزارة الخارجية في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني وضرورة الانسجام مع الموقفين العربي والدولي في شأنهما، والقائمة على دعم السلطة الفلسطينية وتنفيذ القرارات الدولية بغض النظر عن الموقف من عرفات شخصياً. وهي المذكرة التي رفعها الشيخ صباح الى الشيخ سعد وتنصح بعدم اعادة الكويت ساحة للخلافات الفلسطينية، خصوصاً ان جهات اخرى بدأت تفكر بدعوة فيصل الحسيني الى الكويت باعتبار انه من القيادات التي لم تتورط مع العراق، عدا انه يحمل ملفاً دينياً يتعلق بحماية مدينة القدس ودعم صمودها. ويؤكد المراقبون أن الخلاف وان تجلى في القضايا الثلاث المذكورة، إلا انه يتعلق بأسلوب الحكم وضرورة عدم التجاوب مع عواطف الشارع في قرارات رئيسية أبرزها مسألة العجز في الموازنة. ويؤكد المراقبون ان بعض القرارات غير شعبي، إلا أنه يجد تفهماً كبيراً لدى النخبة السياسية في البلاد، وهذا ما عكسته مقالات كتاب الأعمدة في الصحف الكويتية صبيحة نبأ استقالة الشيخ صباح. لذلك تردد كثيراً ان اي اتفاق جديد يعيد الشيخ صباح عن استقالته يجب ان يتضمن توصيفاً للصلاحيات لمنع تداخلها وحصول تضارب في ما بينها، وهو أمر لا يمكن التأكد من حصوله إلا من خلال مراقبة سلوك الحكومة في المرحلة المقبلة. ويجمع المتابعون للشأن المحلي الكويتي على ان الخلاف بين رئيس الوزراء ونائبه محكوم بالتفاهم، باعتبارهما من أقطاب الحكم الثلاثة في البلاد. والسؤال هو الى أي مدى يستمر التفاهم بعد كل أزمة أو استقالة؟ وأخيراً، فإن المراقبين يؤكدون ان الاستقالة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن تكرارها قد يضعف موقف الحكومة بسبب غياب المعالجات الجذرية، لكنها في كل الاحوال تبقى وسيلة لا مفر منها عندما تستفحل الخلافات بين أقطاب الحكم.