تتويجا لتوجيهات ولي العهد.. الدبلوماسية السعودية تنتصر لفلسطين    النهاري والغامدي يزفان محمد    خبيران اقتصاديان ل"الرياض": المناطق اللوجستية لسلاسل إمداد مواد البناء تدعم الطلب    الفياض: نستثمر في التكنولوجيا لمعالجة التحديات الصحية العالمية    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين و تعافي الطلب    عاصفة شمسية تضرب الأرض وتلون السماء    خبيرة أممية تدين قمع حرية التعبير في الولايات المتحدة    هطول أمطار مصحوبة برياح نشطة على معظم مناطق المملكة    مايكروسوفت تطلق متجراً لألعاب الهاتف    وزير النقل: لا نتدخل في أسعار التذاكر الدولية    ليندمان: رؤية 2030 حفّزت 60 بعثة أمريكية للعمل بالمملكة    حظر الأظافر والرموش الصناعية بالمطاعم ومتاجر الأغذية    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    "الصحة" توضح الوقت المسموح للجلوس أمام الشاشات    نجاح علاج رضيعة صماء بالجينات    الصائغ يزف صهيب لعش الزوجية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يصل إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    مدير ناسا يزور السعودية لبحث التعاون الفضائي    اليابان تستعد لاستقبال ولي العهد    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    شرطة الرياض: القبض على (5) أشخاص لمشاجرة جماعية بينهم    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة معالي الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    جمعية الرواد الشبابية تنظم دورة "فن التصوير" في جازان    الهلال ينهي تحضيراته للحزم    العطاوي: سنكمل نجاحات غرفة الرياض التجارية ونواكب المرحلة وتطلعات القيادة    شرطة مكة تقبض على مصريين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    رومارينهو: الخسارة بهذه النتيجة شيء ⁠محزن .. و⁠⁠سعيد بالفترة التي قضيتها في الاتحاد    إيغالو يقود الوحدة بالفوز على الخليج في دوري روشن    ترقب لعودة جيمس مدافع تشيلسي للعب بعد خمسة أشهر من الغياب    إنترميلان يكرر إنجاز يوفنتوس التاريخي    موعد مباراة الإتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الاتفاق    سورية: مقتل «داعشي» حاول تفجير نفسه في السويداء    وزير الشؤون الإسلامية يدشن المنصة الدعوية الرقمية في جازان    «سلمان للإغاثة» ينتزع 719 لغماً عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    رئيس جمهورية المالديف يزور المسجد النبوي    وزير الشؤون الإسلامية يفتتح إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة فيفا    "كنوز السعودية" بوزارة الإعلام تفوز بجائزتي النخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية    النفط يرتفع والذهب يزداد بريقاً    "العقار": 19 ألف عملية رقابة إلكترونية ب4 أشهُر    جامعة الملك سعود توعي باضطرابات التخاطب والبلع    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    أمطار رعدية على معظم المناطق    رسالة رونالدو بعد فوز النصر على الأخدود    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    «البعوض» الفتاك    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    دلعيه عشان يدلعك !    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس المعارضة السودانية يتحدث الى "الوسط" . الميرغني : البشير يرى سقوطه بعيداً ونراه قريبا وسنفاجئ الترابي بخياراتنا الأخرى
نشر في الحياة يوم 08 - 07 - 1996

على رغم الاغراءات وكثرة رسل نظام الفريق عمر حسن البشير، بقي خصمه الأكبر السيد محمد عثمان الميرغني 60 عاماً يرفض كل عروض التفاوض والصلح والقبول بحل وسط. ومع كثرة محاولات الايقاع بينه وبين حليفه الرئيسي في الداخل السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، تمسك الميرغني بمطالب المعارضة في الداخل وزاد عليها قولته الشهيرة مخاطباً الحكومة "سلِّمْ تَسْلمْ".
وكانت الخرطوم التي يتمتع فيها الدكتور حسن الترابي الامين العام للجبهة الاسلامية القومية بنفوذ كبير تراهن منذ بضع سنوات على انها ستكسر شوكة المعارضة الخارجية التي يرأس السيد الميرغني تجمع احزابها بمصادرة منزله وعقاراته وحدائقه. غير ان الزعيم المنفي لم يبد جزعاً يذكر، وزاد صلابته - في أول تجربة له في المنفى منذ ان نودي به مرشداً لجماعة "الختمية" العام 1968 خلفاً لوالده السيد علي الميرغني - التفاف المعارضين حوله.
والميرغني مقل عادة في الادلاء بأحاديث الى الصحافة العربية. ويفضل ان يكرس وقته لبناء هياكل "التجمع الوطني الديموقراطي" التي تتوزع بين العاصمتين المصرية والاريترية، لتحقيق حد ادنى من الوفاق الحزبي والوطني ريثما تحقق المعارضة هدفها الأكبر: اسقاط نظام الفريق البشير الذي احتفل الاسبوع الماضي ببدء عام ثامن على رغم الازمات والحصار وشبح العقوبات.
وكان أكبر تحول في مسيرة الميرغني السياسية موافقته على لجوء المعارضة الى كل الخيارات بما فيها الكفاح المسلح وسيلة لاطاحة النظام. وبلغ ذروة تشجيعه لهذا الاتجاه بمناشدة المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للامم المتحدة فرض عقوبات عسكرية على الخرطوم التي اعتبرت ذلك "خيانة عظمى" وقالت ان موقف الميرغني لا يعبر عن رأي معارضي الداخل.
غير ان رئيس المعارضة والحزب الاتحادي الديموقراطي أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، رأى ان المذكرة التي قدمها ممثلو المعارضة في الداخل الى الفريق البشير الشهر الماضي أكدت انسجام المواقف والرؤى بين معارضي الداخل والخارج. وتمسك بأن تنحي النظام وعقد مؤتمر دستوري جامع لحل مشكلات الحكم يعدان شرطاً اساسياً لأي محاولة لتسوية الازمة السودانية.
هذه القضايا وغيرها طرحتها "الوسط" على السيد الميرغني فأجاب عنها في الحوار الآتي:
اثارت دعوتكم اخيراً الى فرض حظر على تزويد كلا طرفي النزاع السوداني بالأسلحة جدلاً كبيراً في دوائر عدة، هل يمكنكم ان توضحوا لنا طبيعة الحظر الذي تدعون اليه، والاهداف التي يمكن ان يخدمها؟
- لا يبدو لنا في دعوتنا الى حظر السلاح عن كل اطراف النزاع في السودان ما يثير التساؤلات والجدل، فحظر السلاح يعني حقن دماء أهل السودان من حرب الخاسر فيها الوطن والشعب معاً. ولهذا فان دعوتنا نبعت من ان عدم منع السلاح عن الاطراف المتحاربة من شأنه ان يؤدي الى استمرار الحرب، وهذا أمر مرفوض منطقاً وعقلاً. خصوصاً اذا كان الطرف المستفيد من السلاح هو ميليشيات الجبهة الترابية المعروفة بنزعتها الدموية وطبيعتها الديكتاتورية. ولهذا فان دعوتنا تلك هي الخطوة الاولى نحو الاستماع الى صوت العقل عوضاً عن أصوات المدافع والتسليم الفعلي بأن القضية لا تحل بالحرب. ولو كانت دعوتنا قاصرة على فرض حظر السلاح على طرف دون آخر، لكان افتراض اثارة الجدل وارداً، باعتبار اننا نسعى الى استمرار الحرب، بل نكون تناقضنا مع قناعاتنا القائمة على ان السلام لا يتحقق بالقهر العسكري. والاهداف التي يمكن ان يخدمها الحظر العسكري هي التمهيد لوقف الحرب، حتى يتمكن الشعب السوداني من تحقيق أهدافه من الديموقراطية والسلام.
تعتقد قطاعات كبيرة من السودانيين بأن الولايات المتحدة أبدلت تشددها مع النظام السوداني "غزلاً سياسياً" مكشوفاً في الفترة الاخيرة. كيف تقومون الموقف الاميركي من الخرطوم؟ وهل تجرون اتصالات مع واشنطن في هذا الخصوص؟
- من أين لكم ان قطاعات كبيرة من السودانيين تعتقد بأن الولايات المتحدة أبدلت تشددها مع النظام السوداني غزلاً؟ لعلكم تلاحظون ان النظام السوداني انتهج منذ فترة أسلوباً يخالف كل الاعراف الدولية، اذ اخذ يتحدث باسم الدول، وكلما استقبل الترابي، احد اركان النظام، سفيراً أو مسؤولاً من دولة ما، اخذ يتحدث باسمه وينسب اليه أقوالاً لم يقلها، والامثلة على ذلك كثيرة، اذ ان عدداً من الدول استنكر على المسؤولين السوانيين ما نسبوه اليها، خصوصاً الولايات المتحدة التي اضطرت الى تجاوز الاعراف الديبلوماسية وطبعت سفارتها في الخرطوم البيانات ووزعتها على الشعب، وأصدرت النشرات التي نفت ما ينسبه المسؤولون وأجهزة اعلام النظام الترابي اليها، خصوصاً في ما يتعلق ببشائر تحسين العلاقات.
وأكدت الولايات المتحدة أكثر من مرة ان الطريق الى تحسين العلاقات مع نظام الخرطوم يمر بنبذ الارهاب وابعاد الارهابيين ووقف الحرب واحترام حقوق الانسان وعودة الديموقراطية. وهذه المبادئ تتطابق مع طرحنا في المعارضة السودانية وتتعارض كلياً مع طبيعة نظام البشير - الترابي وسياساته القائمة على الحرب والتآمر وتعكير صفو الامن القومي وزعزعته في دول الجوار وغيرها، والمعادية لحقوق الانسان والديموقراطية التعددية.
أما عن الاتصالات مع واشنطن في هذا الخصوص وغيره، فاتصالاتنا مع كل القوى الدولية والاقليمية مستمرة. ونحن سعداء بما تجده قضيتنا من مؤازرة وتفهم من الاشقاء والاصدقاء.
السلام الشامل العادل
ذكرت اجهزة الاعلام الحكومية في السودان أخيراً ان مراسلاً بريطانياً شاهدكم في احد شوارع تل أبيب في آذار مارس الماضي. ما هو نصيب ذلك من الصحة؟ وما هي سياسة الحزب الاتحادي الديموقراطي تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية عموماً؟
- لو كانت هذه الفرية تحتاج الى نفي كان في امكاننا ان نقول اننا كنا في ذلك التاريخ في المدينة المنورة ولم نغادرها الا الى القاهرة نهاية ايار مايو الماضي. لكن المسألة كما تعلمون ليست اكثر من فرية أراد النظام ان يغطي بها على اتصالاته لاقامة علاقات مع اسرائيل. وقد صرح غازي عتباني أمين التنظيم السياسي الحاكم قبل فترة قصيرة من عواء اجهزة اعلام النظام بهذه الفرية، بأنهم لو أرادوا اغاظة مصر لاعترفوا باسرائيل ودعوا شمعون بيريز الى زيارة الخرطوم. وتردد وقتها في الخرطوم ان عتباني التقى فعلاً بعض الاسرائيليين. ولعلهم أرادوا بتلك الفرية ان يمهدوا للاعتراف باسرائيل ظناً منهم ان ذلك أقصر الطرق للوصول الى قلب الولايات المتحدة. وتؤكد متابعاتنا ان النظام يمهد فعلاً للاعتراف باسرائيل والتطبيع معها.
أما عن سياسة حزبنا تجاه عملية السلام والقضية الفلسطينية فنحن مع السلام الشامل والعادل وندعم كل الخطوات التي تؤدي الى ذلك. اما القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، فان دور الحزب الاتحادي الديموقراطي في دعمها وتبني قضيتها ليس جديداً. وقد تجلى ذلك كأروع ما يكون في مؤتمر قمة "اللاءات الثلاث" الذي انعقد في الخرطوم عام 1967. ونحن مع حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته.
نهج معاد للتعددية
نسمع كثيراً عن حوار يدور داخل البلاد بين الحكومة وممثلي حزبكم. هل يوجد أمل في ان يفتح مثل هذا الحوار باباً يفضي الى نتيجة ايجابية؟
- نحن حزب ديموقراطي له مؤسساته وهياكله، وممثلوه في الداخل ديموقراطيون يؤمنون بالرأي والرأي الآخر، لذلك لم يرفضوا الدعوة التي وجهها اليهم النظام فالتقوا بعض عناصره على مختلف مستوياتهم وطرحوا رأي الحزب امامهم في كل القضايا المثارة، علماً بأن كل الحوارات التي دارت تمت بمبادرات من النظام، وجميعها لم تفض الى نتيجة ايجابية لعدم توافر أرضية مشتركة. ولا نظن ان شيئاً من ذلك سوف ينجح، لأن نهج النظام الترابي أحادي معادٍ للديموقراطية والتعددية، ويسعى الى انخراط القوى الاخرى في تنظيمه البائس، وهذا أمر ترفضه كل القوى السياسية.
هل ثمة تنسيق بين قيادات الحزب في الداخل والخارج؟ واذا وافق النظام على شروط قيادة الداخل هل ستلتزم قيادة الخارج ما سينتج عن مثل هذا الحوار؟
- أولاً نريد ان نوضح ان الحزب الاتحادي الديموقراطي يعمل في الداخل والخارج جسماً واحداً، وهو مؤسسة واحدة تعمل في تناغم وانسجام تامين، والتنسيق بين قياداته قائم ومكتمل عبر قنوات مؤمنة، وقراراته تنبع من قواعده وتعبر عن طموحاتها.
اما الحديث عن التزام قيادات الخارج، اذا وافق النظام على شروط قيادات الداخل، فيكفي ان نشير في هذا الصدد الى ان شروط المعارضة واحدة وواضحة وعادلة، وقد قدمت قيادات الحزب الاتحادي الديموقراطي في الداخل مشروعها المتمثل في الاعتراف بالديموقراطية التعددية، واحترام حقوق الانسان، ووقف الحرب وقيام حكومة انتقالية تعقد المؤتمر القومي الدستوري وتجري انتخابات عامة في البلاد. وقد نشرتم في "الوسط" على لسان السيد ميرغني عبدالرحمن وزير التجارة السابق تلك الشروط بوضوح كما يراها حزبنا، والسيد الصادق المهدي نوّه بذلك أيضاً مرات عدة. النظام لم يقدم أي شيء غير المناورات واطلاق الاشاعات، ونحن نزيد على مطالب المعارضة في الداخل تسليم السلطة الى الشعب ونقول "سلم تسلم".
تردد حديث في الفترة الاخيرة عن مصالحة بين مختلف فئات الحزب، هل هناك أي جديد في هذا الشأن؟
- نحن ندعم كل خطوة من شأنها تعزيز وحدة الحزب وتماسك صفوفه، وقد وجهنا نداء الى الاخوة المبتعدين عن الحزب لأن يعودوا الى مواقعهم، ونحن نرحب بكل راغب وقادر على الكفاح والنضال مع اخوته بكل ثبات وجسارة لمنازلة نظام الجبهة الترابية حتى ننال شرف اسقاطه واقتلاعه من جذوره واقامة دولة الديموقراطية والحرية والعدالة والوحدة في السودان. ونداؤنا لا يزال قائماً لضم الصفوف ووضع كل فرد في الموقع الذي هو جدير بالبقاء فيه.
الخيار العسكري
ما هي حقيقة الوضع في ما يتعلق بتنفيذ خيار الكفاح المسلح ضد الحكومة؟ وما هو الوضع على صعيد العمليات العسكرية التي تنفذها المعارضة ضد النظام؟
- ان تبنّي الخيار العسكري في منازلة النظام فرضه على المعارضة فرضاً نظام الجبهة الترابية، فقد قال الدكتور علي الحاج عندما كان مكلفا ملف التفاوض مع الحركة الشعبية لتحرير السودان انهم يفاوضون حركة العقيد جون قرنق لأنها تحمل السلاح، ولا يفاوضون المعارضة الشمالية لأنها لا تحارب النظام. وقال الفريق عمر البشير انهم لن يتركوا السلطة الا بقوة السلاح، وتحدى المعارضة ان تنازله عسكرياً. وهكذا لم يكن امام المعارضة سوى قبول التحدي وإعداد العدة لكل الخيارات التي من شأنها تعجيل اسقاط النظام وإنا لمنتصرون بإذن الله تعالى وبإرادة شعبنا التي لا تقهر. اما الحديث عن العمليات العسكرية التي تنفذها المعارضة فهناك جهات اختصاص اخرى يمكنها الاجابة عن هذا الجانب وتوضيحه.
هل يمكن ان ترسموا لنا صورة دقيقة للوضع داخل السودان الآن، خصوصاً ان الصورة الحالية تأتي دائماً من اجهزة الاعلام الحكومية؟
- الصورة التي يرسمها النظام عن الوضع داخل السودان ظلت باستمرار غير ثابتة والتصريحات المتناقضة من عناصر النظام التي ينسخ بعضها بعضا تعد اكبر دليل على افلاس النظام واهتزاز مصداقيته. بل انه تحول الى جزر معزولة توشك على الغرق، خصوصا عندما يتحدثون عن الخارج فيجزم بعضهم ان مجلس الأمن لن يصدر عقوبات بحقهم، ويزعم آخرون ان العقوبات خير وبركة. وعندما تصدر العقوبات يقبل بعضهم على بعض يتلاومون، مما جعل العالم يسخر من اكاذيبهم التي يحاولون بيعها للداخل باسم الخارج.
اما ما يريدون تسويقه في الخارج من ان حال اهل السودان احسن حال فيرتد عليهم بالمزيد من غضب جماهير الشعب السوداني، لأن كل يوم يمر تزيد الحالة الاقتصادية سوءاً، وتتدنى احوال المعيشة الى درك المجاعات. والصورة التي أمامنا عن احوال السودان مأسوية حاول النظام كثيراً ان يخفيها بمساحيق من الكذب والخداع. ويكفي ان نشير الى بعض ملامح تلك الصورة فنقول ان هذا النظام هو اول نظام في هذا البلد يرفع يده من دعم اي شيء يمس حياة الناس سواء في ضروريات المعيشة او الصحة او التعليم او حق العمل. فقد تنصلت هذه الحكومة من مقتضيات مسؤولية اي حكومة عن مواطنيها. وهناك الحرب ومآسيها ومضاعفاتها البشعة التي دخلت كل بيت وأصابت كلّ اسرة.
الترابي وفق الضرورة
ذكرت مصادر الحكومة ان الدكتور حسن الترابي رئيس البرلمان ينوي الاستقالة قريباً من رئاسة المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي. هل سيعني ذلك فصم العرى بين النظام واتهامات الارهاب الموجهة اليه؟ وبحكم معرفتكم السابقة بالترابي ماذا تعتقدون انه فاعل في الخطوة المقبلة؟
- سواء استقال الترابي من رئاسة المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي او لم يستقل، فان ذلك لا يغيّر جوهر القضية، كما لا يعني فصم العرى بين النظام واتهامات الارهاب الموجهة اليه. ويحاول النظام باستمرار اطلاق مثل هذه الشائعات الساذجة، وقالت مصادره ايضا ان الترابي سيستقيل من رئاسة المجلس الوطني حالما يكتمل وضع دستور السودان، فهل يعني ذلك زهده في السلطة ام خشيته من المحاسبة، ام يأسه من استمرار النظام الذي بدأت اركانه تتداعى؟
كما اشاع النظام طرد العناصر الارهابية من السودان، ولوّح بتخلي الترابي عن رئاسة المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي، في محاولة لعكس صورة حسنة للنظام خارجياً، علها تساعد في فك طوق العزلة المضروبة حول عنقه. كما ان تخليه عن رئاسة المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي - اذا افترضنا جدلاً صحة ذلك - لا يعفي النظام السوداني من مسؤوليته ازاء رعاية الارهاب. وفي كل الاحوال، يجب الا يغيب عن البال ان الترابي يعتمد دائما على فقه الضرورة الذي يطوّعه لفعل الشيء وضده في الوقت ذاته.
نجاح المعارضة
يجمع المراقبون على ان نشاط المعارضة السودانية في الخارج كان سبباً رئيسياً في عزل الحكومة ديبلوماسياً، ولكن يبدو ان الحكومات ذات النفوذ في النظام الدولي الجديد لا تحرص على وضع التجمع الوطني الديموقراطي بديلا فاعلاً للنظام. هل يأتي ذلك من قصور في اتصالات التجمع؟
- في ثنايا سؤالكم تكمن الاجابة، فإذا كان نشاط المعارضة في الخارج سبباً رئيسياً في عزل النظام ديبلوماسياً فكيف لا يبدو التجمع الوطني الديموقراطي بديلاً فاعلاً من النظام؟ لقد نجحت المعارضة في الخارج في اقناع العالم بخطورة النظام القائم في السودان حتى عزلته وكشفته، ومجرد قبول العالم وجهة نظرها وتبنيه طرحها ووقوفه الى جانبها يؤكد أنها البديل المرتجى من هذا النظام المتهالك، وهي تمثل الشعب السوداني بأسره، ولديها برنامج يتناغم مع كل ما صاغه المجتمع الدولي من ادانات للنظام ومطالبات له، وكل هذا لم يأت من فراغ، وإنما من دراسات متعمقة صيغت في مواثيق وقعت عليها كل القوى السياسية والعسكرية السودانية باستثناء الجبهة الترابية والعناصر المنشقة عن الحركة الشعبية التي طالبت بفصل جنوب السودان.
جيران السودان
دأبت اريتريا على ابداء استعدادها لدعم اي عمل معارض للخرطوم، وتبدو اثيوبيا مستعدة بقدر مماثل، الى اي مدى تقدم هاتان الدولتان مساعدات الى المعارضة السودانية؟ وهل طلبت المعارضة من دول اخرى مجاورة ان تحذو حذو اسمرا وأديس أبابا؟
- في الحقيقة ان معظم دول الجوار الرئيسية متعاطفة مع الشعب السوداني ممثلاً في التجمع الوطني الديموقراطي المعارض، لأنها كانت ترى وتلمس في السودان جيرة حسنة لا تسبب لها المشاكل. الآن اصبح السودان بسبب حكم الجبهة يصدر اليها الارهاب ولا يقيم وزنا لحسن علاقات الجوار ويحلم ببسط نفوذ ايديولوجي لم يكن السودان في الماضي يعتنقه، بمسالك تصدير تهز النظم القائمة وتسعى الى قلبها كما قلبت الجبهة الوضع في السودان.
باختصار كان جيران السودان على الصعيد الافريقي يدركون جيدا الا مطمع للسودان في اقتطاع اجزاء من أراضيهم او منافستهم في ثروة معينة، لأن السودان بمساحته ذات المليون ميل مربع وثرواته وتعداده وحدوده لا يمكن ان يطمع في أراضي جيرانه، وبالتالي لا شيء يدعو الى الخوف منه او التشكيك في نياته، حتى جاء هؤلاء فأظهروا رغبة عارمة في تصدير الثورة الى تلك البلدان على غرار ما فعلت ايران فانقلبت التوازنات وتعددت المرئيات.
ونحن في التجمع الوطني الديموقراطي، اذ نشكر للجميع مؤازرتهم، خصوصا الدول التي تردد انها ترغب في رد الجميل للسودان، الا اننا لم نطلب منها اي مساعدات عسكرية. ونحن اذ نكبر في اريتريا ما أبدته من استعداد للمساعدة، فاننا لم نستغل هذا الكرم الأريتري، وبالتالي لم نطلب من اثيوبيا او اي دولة مجاورة اخرى تقديم أي دعم عسكري الى المعارضة.
تقرير المصير
كيف تقومون مواقف الدول العربية من المعارضة السودانية وخططها، خصوصاً في اعقاب توحيد المعارضة في هيئتها الحالية وبعد مقرراتها في اسمرا منذ نهاية العام الماضي؟ هل حظيت هذه الجدية من قبل المعارضة بأي تجاوب عربي؟
- نحمد للدول العربية خصوصاً الخليجية في طليعتها المملكة العربية السعودية، انها منذ البداية لم تتعامل مع السودانيين العاملين فيها من منطلق موقف النظام السوداني من حرب الخليج، وإنما تعاملت مع تفاعل السودانيين معها وتفهمت موقف المعارضة السودانية والدور الذي اظهرته في ادانة مواقف الترابي وجماعته الانتهازية.
وقد حاول النظام ان يتاجر في وقت ما بما سمّاه حرصه على وحدة السودان وعروبته وإسلامه، ومع ان هذه المتاجرة كانت مرصودة الا انه حاول ان يتباكى على وحدة السودان التي ستفصم عراها لو قَبِلَ بمبدأ تقرير المصير، او لو استقر الرأي على اجراء استفتاء في الجنوب، وان قبول تقرير المصير خيانة للوطن ولوحدة السودان. غير انه عاد فاعترف بحق تقرير المصير في ميثاق وقعه مع الداعين الى انفصال الجنوب، والساعين الى استغلال الاستفتاء لهذه الغاية. وينبغي التذكير بأنه هو الذي نبعت من تآمر قادته فكرة حق تقرير المصير وانطلقت من جديد صيحات فصل الجنوب عن الشمال، بل وتآمر مع شريحة من حركة العقيد جون قرنق في فرانكفورت في ما عرف باتفاق فرانكفورت الذي اشتمل على اعتراف من النظام بحق تقرير المصير، مما رجح فكرة ان النظام يسعى الى فصل الجنوب عن الشمال بطرق سرية، وبرغبة في ان تأتي المبادرات من الآخرين.
لو قرأ الاخوة العرب هذا المسلسل بعناية، وهم يعلمون الكثير من تفصيلاته، فانهم قطعاً يقفون معنا في الصف المعارض، ويدركون الكثير من خداع الجبهة لهم، ويعرفون حقيقة موقفنا ويتعاطفون معنا لأننا نقف معهم في خندق واحد من منطلق الحفاظ على وحدة السودان بالتراضي ومن منظور التكامل العربي الافريقي.
أي خيانة وطنية؟
تقول السلطات السودانية ان تأييد المعارضة فرض عقوبات على البلاد يمثل خيانة وطنية لأنه يضر بالوطن ومواطنيه. لماذا وقفتم مع العقوبات الدولية.
- ان الخيانة الحقيقية للوطن ومواطنيه تمت يوم غدرت الجبهة القومية الاسلامية بالديموقراطية في السودان، وجعلت البلاد ملكاً خاصاً بها فشردت كل من لم يوالها ونصّبت كوادرها من غير اقتدار في كل المناصب، وسجنت وعذبت كل معارض وصادرت الممتلكات ونهبت الاموال والتوكيلات. حتى لم يعد لمواطن ما يملكه. وسحقت الطبقة الوسطى حتى لم يعد لها وجود. ثم جاءت تتباكى الآن وتقول ان فرض عقوبات على البلاد يمثل خيانة وطنية. اي خيانة وطنية في انزال هذه العقوبات التي لن تصيب سوى كوادر الجبهة المتنعمة الآن، والتي استولت على كل شيء بينما شعبنا يفقد كل شيء وان فقد شيئاً فهو سيفقد قطعاً اغلاله التي كبلته بها الجبهة الترابية، وعندما تُكبل هي فقد تتساوى القدرات في المواجهات وستكون الغلبة للارادة الشعبية.
مذكرة التجمع
لا تزال ردود الفعل على المذكرة التي رفعها التجمع الوطني الديموقراطي في الداخل الى الفريق عمر البشير تتوالى. ما رأيكم في هذه المذكرة؟ وما هي توقعاتكم للنتائج التي ستترتب عنها؟
- جاءت مذكرة التجمع الوطني الديموقراطي للعميد عمر حسن احمد البشير منسجمة من حيث توقيعها ودلالاتها السياسية القريبة منها والبعيدة مع ايقاع قرارات مؤتمر القضايا المصيرية الذي عقد في حزيران يونيو 1995.
ولم يكن غريباً ان تصل الاوضاع في السودان الى هذا الحد الذي جعل التجمع الوطني الديموقراطي يتخذ تلك الخطوة الجريئة في مواجهة النظام، وان يضعه بذلك امام خيار صعب، بل على العكس فاننا لإلمامنا بما يجري في الداخل ومتابعتنا واستقرائنا لتطور الاحداث، وادراكنا لتطور العمل المعارض داخلياً وخارجياً كنا نتوقع ان يحدث مثل ذلك الذي حدث، بل اكثر منه نتوقع ان يحدث ما يضع قرارات مؤتمر القضايا المصيرية موضع التنفيذ العملي، وفي الوقت الذي يقتضيه تطور العمل المعارض ويجد معه اللحظة التي يتم فيها القضاء على نظام الجبهة ترابية المتجبر.
ونود ان نلفت الى ان المذكرة حسمت تماماً مزاعم النظام بأن هناك خلافات وصراعات بين القوى المعارضة التي يتألف منها نسيج التجمع الوطني الديموقراطي في الداخل والخارج، واكدت بما لا يدع مجالاً للشك في ان التجمع في الداخل والخارج يخطو خطوات متكاملة وفي الاتجاه نفسه ولتحقيق الهدف نفسه. كما اكدت ان الشعب السوداني مع خيار الديموقراطية والسلام، وضد الديكتاتورية والحرب، ومن ثم فان نضاله سيتواصل حتى يستأصل هذا النظام الدموي من جذوره، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى جاءت المذكرة توثيقاً حياً لمراحل النضال الوطني، وانتهت بدعوة النظام الى التسليم والا فان للشعب خيارات اخرى.
اما في ما يتعلق بالجزء الثاني من السؤال والخاص بالتوقعات للنتائج التي ستترتب عن المذكرة فنشير الى ان ذلك يكمن في تلك "الخيارات الاخرى" التي حذرت منها المذكرة الاولى والتي لا نريد ان نكشفها الآن، بل نتركها تتحدث عن نفسها في الوقت المناسب، وبالصورة التي يرسمها الشعب وبالشكل الذي يريده.
هذه المذكرة تعبر في نظرنا اصدق تعبير عن ضمير الشعب السوداني وطموحاته، كما تعبر عن سخطه ورفضه نظام الجبهة، وتحذره تحذيراً اخيراً من مغبة عدم الاستجابة لما حوت من مطالب، وفي طليعتها التنحي عن السلطة والتسليم بما تواصت عليه القوى الشعبية الممثلة لكل السودان. وهذه المذكرة اكدت على شيئين في غاية الاهمية هما: ان قوى التجمع في الداخل مثل قواه في الخارج - لا خلاف في رؤيتهما او خطوط سيرهما، مما يؤكد تماسك الجبهتين الداخلية والخارجية، وينسف اي دعاوى عن تضارب في التوجهات او انقسامات كما يروّج المرجفون تارة وسدنة النظام تارة اخرى. الشيء الآخر هو ان كل الظروف والشروط الموضوعية قد توافرت واصبحت المبادأة بيد القوى الشعبية مما يبشر بأن ساعة الخلاص دنت. وتجاهل الحكومة للمذكرة يعني الحيرة والربكة والضعف الذي يعيشه النظام، وليس القوة كما يُراد ايهام الناس. كما ان تحريك الشارع السوداني بكل فئاته الشعبية وفصائله العسكرية سيفاجئهم ولن يفلتوا من الحساب، وهو امر يرونه بعيداً ونراه قريباً، وستنتصر الارادة الشعبية قريباً بإذن الله.
التطبيع
في مناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربي الاخير اثر انتخاب زعيم ليكود رئيساً للحكومة في اسرائيل، ما هي سياسات التجمع الوطني الديموقراطي حيال القضية العربية، خصوصاً التطبيع مع اسرائيل؟
- نحيي مؤتمر القمة العربي الذي انعقد اخيراً في القاهرة بعد طول انتظار ونحيي دور مصر الرائد والقائد في العمل على احياء التضامن العربي، وندعو الامة العربية الى موقف موحد في وجه حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف والتمسك بالمقررات الدولية واتفاق اوسلو، وما تلاه من اتفاقات مبنية على استعادة الارض في مقابل السلام، وربط التطبيع بتنفيذ عملية السلام العادل والشامل. وندعو الفصائل الفلسطينية كافة الى ان تقف صفاً واحداً وراء السلطة الوطنية الفلسطينية في سعيها الدؤوب الى رفع الحصار واعادة انتشار القوات الاسرائيلية في الخليل والضغط على بنيامين نتانياهو ليؤكد التزامه كل الاتفاقات السابقة والدخول في مفاوضات الوضع النهائي فضلاً عن الانسحاب من مرتفعات الجولان والشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان.
هل تعتقد ان تدخّل بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية في القضية السودانىة من دون الرجوع الىكم يمكن ان يكون مجدياً؟
- كمبدأ، وليس من باب الاستعلاء او الاحتكار نقول ان اي تدخّل اياً كان غربياً او غير ذلك، لا يتم عبرنا كقيادة للتجمع الوطني الديموقراطي، اما ان يكون مناوئاً لتطلعات الشعب السوداني واما هو من باب الدسائس لتفتيت وحدة الاراضي السودانية المتمثلة في التجمع. لأننا في التجمع وضعنا برنامجاً متكاملاً لكل القضايا التي كانت موضع خلاف، كذلك وضعنا ميثاقاً للحكم يتلافى اخطاء الماضي ويؤمّن وحدة البلاد. وعموماً مهما ينسب الى الغرب من مواقف او اتهامات فهو في نظرنا يبدي اهتماماً بالقضية السودانية لا يوازيه الا الاهتمام الافريقي الذي انطلقت منه مبادرات عدة كانت آخرها منظمة الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف ايغاد بينما - وللاسف - بقي الجانب العربي وحده بعيداً عن المبادرات، وهذا البعد والابتعاد يغريان الآخرين بالكثير مما قد يدخل في محيط تساؤلكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.