بسبب الهلال..عقوبات من لجنة الانضباط ضد الاتحاد وحمدالله    مخبأة في حاوية بطاطس.. إحباط تهريب أكثر من 27 كيلوغراماً من الكوكايين بميناء جدة الإسلامي    هيئة تطوير المنطقة الشرقية تشارك في منتدى الاستثمار البيئي استعادة واستدامة    "آلات" تطلق وحدتَي أعمال للتحول الكهربائي والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي    تعليم الطائف ينظم اللقاء السنوي الأول لملاك ومالكات المدارس الأهلية والعالمية    تقديم الإختبارات النهائية للفصل الدراسي الثالث بمنطقة مكة المكرمة.    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    إسرائيل تتأهب لاجتياح رفح    انطلاق "مهرجان الرياض للموهوبين 2024".. غداً    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُنظم مؤتمرًا دوليًا في كوريا    ارتفاع أسعار الذهب    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    السعودية.. الجُرأة السياسية    مساعدات إيوائية لمتضرري سيول حضرموت    80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر    «كلاسيكو» تأكيد الانتصار أم رد الاعتبار ؟    اللذيذ: سددنا ديون الأندية ودعمناها بالنجوم    5 مشروبات تكبح الرغبة في تناول السكَّر    انطلاق بطولة كأس النخبة لكرة الطائرة غدا    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الاول للورد والنباتات العطرية    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    المجرشي يودع حياة العزوبية    «عكاظ» ترصد.. 205 ملايين ريال أرباح البنوك يومياً في 2024    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    بدر بن عبد المحسن المبدع الساعي للخلود الأدبي    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    فوضى المشهد السياسي العالمي اليوم    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    تقدير دعم المملكة ل "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    مهرجان الحريد    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    عزل المجلس المؤقت    «أكواليا» تستعرض جهودها في إدارة موارد المياه    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    باسم يحتفل بعقد قرانه    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات "الوسط" : عن الازمة الصومالية المفتوحة . بلد الاثنيات والقبائل والتناقضات ضحية الحرب الباردة ... والتخلف
نشر في الحياة يوم 13 - 02 - 1995

عقدت "الوسط" ندوة دولية، في العاصمة الاريترية اسمرا، حول اسباب الأزمة الصومالية ودوافع استمرارها والاطراف الداخلية والخارجية المتورطة فيها، واحتمالات عواقبها، خصوصاً بعد انسحاب القوات الدولية "يونيصوم 2" المرابطة في الصومال منذ حوالي 3 سنوات تحت شعار "اعادة الامل" الذي اطلقه الرئيس الاميركي السابق جورج بوش.
شارك في الندوة، من جنوب الصومال، سعيد سمنتر استاذ التاريخ في جامعة نورك في ولاية نيوجرسي الاميركية. ومن شمال الصومال حسين ادم استاذ العلوم السياسية في كوليج هولي كروس في ولاية ماساشوستيس الاميركية.
والخبير التانزاني في الشؤون الافريقية عبدالرحمن بابو، وهو استاذ محاضر في بيربيك كوليج في لندن. وفاروق ابو عيسى رئيس "اتحاد المحامين العرب". وجون ماركاكيس رئيس قسم التاريخ في جامعة كريت اليونانية. وكراوفورد يونغ رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة ميدسون الاميركية.
لكي نبدأ من البداية، ما هي، في رأيكم، اسباب وابعاد الأزمة الصومالية؟
- سعيد سمنتر: في تقديري هناك ثلاثة عوامل تضافرت لاحداث الأزمة المدمرة التي يعرفها الصومال منذ سقوط نظام الجنرال محمد سياد بري، وهي:
1 - المجتمع الصومالي رعوي يقوم على قاعدة اجتماعية محكومة بالانقسامات الاثنية والقبلية، ما يعني ان شرارة اي خلاف سرعان ما تمتد رقعتها الى دائرة قبلية، قبل ان تصل الى المدى الاثني.
2 - تدفق اسلحة ثقيلة وخفيفة من دون حدود او قياس من الاتحاد السوفياتي السابق، قبل وبعد قيام بري بانقلابه العسكري في مقديشو في عام 1969 وحتى حرب اقليم اوغادين في عام 1977 بين الصومال واثيوبيا.
ومنذ بداية ونهاية حرب اوغادين بين ادريس ابابا ومقديشو داخل نظام سياد بري تحت الجاذبية الاميركية وحصل على جميع انواع الاسلحة من واشنطن. وعليه يمكن اعتبار الصومال من ضحايا الحرب الباردة بين الجبارين في لعبة تناوب المواقع الاستراتيجية الحساسة في منطقة القرن الافريقي، وخليج عدن، والمدخل الجنوبي لمضيق باب المندب.
3 - دور الرئيس الراحل سياد بري في تغذية نار التناقضات الاثنية، والقبلية، والعزف باستمرار على اوتارها القاتلة للحفاظ على السلطة في مقديشو، اوصلا البلاد الى دوامة حروب لا مخرج لها.
اي هذه العوامل لعب دوراً اكثر تأثيراً من غيره.
- سعيد سمنتر: في نظري لولا دور الجنرال بري في تاريخ الصومال على مدى عقدين كاملين، لما دخل البلد في هذا النفق الجنوني.
والمعروف تاريخياً ان الانظمة العسكرية لا تملك أي مرجعية اخرى ما عدا قدرتها القمعية ونشوتها العسكرية، وانها سرعان ما تتساقط كأوراق الخريف اليابسة بمجرد هبوب رياح هزيمة عسكرية خارجية عليها. وهذا ما حدث مع نظام بري بعد هزيمته في حرب اوغاديف. وكما نذكر فان احتضار نظام بري دام 14 سنة، وقاد معه كل البلاد الى هاوية الاحتضار، باشعال فتنة اثنية وقبلية عملاً بالقاعدة الذهبية المعروفة "فرق تسد".
- جون ماركاكيس: اتفق مع معظم طروحات السيد سعيد سمنتر حول جذور الأزمة الصومالية، واريد اضافة نقطة محورية وهي ان الصومال كان عبر تاريخه القديم والحديث يملك مقومات الأمة، لكنه كان يفتقد الى دولة عصرية قادرة ان تكون الاطار السليم والصحيح لتلك الامة. وعندما نال الصومال استقلاله في عام 1960 شرع في بناء دول على النمط الغربي، من دون الاخذ في الاعتبار خصائص وخصوصيات المجتمعات الرعوية وجميع الوان اشكالياتها. ومع مرور الايام بدأت المشاكل الاجتماعية تبرز بصورة حادة، لدرجة ان الدولة امست غير قادرة على احتوائها، قبل ان تصل بها الامور الى السقوط في صراع القبائل ليس كسلطة عليا تسعى لتوجيه التناقضات في اطار وحدوي او توحيدي، وانما كطرف اساسي فيها، مما اسقط عنه كل سمات الدولة بما هيدولة، واضفى عليها بعداً اثنياً وقبلياً، وهكذا تلاشت الدولة، وتطايرت الأمة على هيئة شظايا عرقية وقبلية.
- البروفسور كراوفورد يونغ: هناك امر مهم لا يجب اسقاطه من الحسبان، وهو ان نظام الرئيس الصومالي السابق سياد بري اقدم على اصلاحات مهمة على غير صعيد في ايامه الاولى، واشاع التفاؤل والحماس لدى السواد الاعظم من الصوماليين لغاية عام 1977، لكنه سرعان ما فقد الدعم الشعبي، وبات معزولاً، عن كل الفذات الاجتماعية، باستثناء حفنة قليلة وقفت معه حتى الرمق الاخير لانها رهنت مصيرها بمصيره.
ومن غرائب الصدف في عام 1977 انتقد الرئيس الاميركي جيمي كارتر "الرعب الاحمر" في اثيوبيا، واقام علاقات قوية مع نظام سياد بري؟
- يونغ: صحيح ان الاتحاد السوفياتي تبادل المواقع مع الولايات المتحدة في تلك الفترة فموسكو تركت حليف الامس وابرمت اتفاقية صداقة مع اديس ابابا، بينما تخلت واشنطن عن اثيوبيا واحتلت موقع السوفيات في مقديشو، وذلك في عز سنوات الحرب الباردة.
وأياً كان الامر، فان الدعم الاميركي لم ينقذ نظام سياد بري من الانهيار.
لماذا؟
- يونغ: لأنه كان يقف على أرضية اجتماعية رخوة جداً. وعندما خسر كل اوراقه كان لا مفر من سقوطه.
كيف تفسرون عدم الاهتمام بما فيه الكفاية بمصير الشعب الصومالي في عهد سياد بري؟
- فاروق ابو عيسى: ان اتحاد المحامين العرب باعتباره اكبر منظمة غير حكومية على الساحة الافريقية والعربية تعنى بالمسائل القومية، وقضايا التحرر، وحقوق الانسان، لن ينتظر سقوط النظام الشمولي في مقديشو برئاسة سياد بري لكي يهتم بأمر هذا البلد الشقيق. بدليل اننا ومنذ فترة لا بأس بها كنا نتابع قضايا حقوق الانسان في مقديشو وغيرها من المدن الصومالية.
بماذا قمتم عملياً؟
- أبو عيسى: أجرينا اتصالات مع اقطاب حكومة الرئيس الراحل سياد بري بغية الافراج عن عدد من المعتقلين السياسيين، وطالبنا باعتماد نظام التعددية الحزبية لتوسيع رقعة المشاركة السياسية امام اوسع قاعدة شعبية صومالية للحؤول دون ولوج البلاد في دوامة ازمات سياسية. والى ذلك كنا على وشك اقامة نقابة المحامين الصوماليين، ولكن، ويا للأسف، حالت الكارثة دون ذلك. فكما هو معروف مع انهيار النظام تداعت اعمدة الدولة الصومالية، ولم يكن بين ايدينا ما يمكن عمله غير السعي لانقاذ ما تبقى لكي لا ينهار الصومال، ويتمزق الى دويلات.
يتمتع الصومال بمقومات وحدة قلما تتوافر في اي بلد افريقي اخر، ومع ذلك لم يصمد في وجه الازمة التي عصفت به لماذا؟
- عبدالرحمن بابو: صحيح الصومال خصوصية بالمقارنة مع سائر دول القارة السمراء تتمثل في وحدة الدين، والثقافة، واللغة. وهذه محاور اساسية لوحدة اي شعب، ولكنها غير كافية لوحدها، اذ ابتلى الشعب الصومالي بقيادات سياسية غير مسؤولة اشعلت نار الفتنة الاثنية، واستغلت تدني مستوى الوعي العام لدى افراد الشعب، وقادت البلاد الى الدمار.
اسلحة وأموال
لماذا يستمر القتال في الصومال، ومن يمول امراء الحرب؟
- حسين آدم: الاسلحة متوافرة بكثرة والفصائل المتقاتلة لا تنقصها ابداً معدات القتل والدمار. واعتقد بزن الحروب الاهلية تمول نفسها بنفسها. وهناك من يتهم ايران والسودان ودولاً اخرى بدعمها لهذا الطرف على حساب ذاك، ولكن لا توجد اية دلائل.
- عبدالرحمن بابو: تؤكد تجارب الكثير من دول القارة الافريقية التي شهدت ظاهرة الحروب الاهلية ضلوع غير طرف، ولا اتصور بأن الآخرين سيتركون الصومال وشأنه.
- سعيد سمنتر: هذا سؤال شائك، وفي رأيي ان استمرار القتال في الجزء الجنوبي من الصومال يعود مع امور اخرى الى حالات جنون فردية اصيب بها امراء الحرب، واقصد بالتحديد الجنرال محمد فارح عيديد، وعلي مهدي محمد في وسط البلاد، والجنرال محمد سعيد حرسي المشهور بلقب مورغان في اقصى الجنوب، والكولونيل عبدالله يوسف شمال شرقي البلاد.
ماذا عن بقية امراد الحرب؟
- سمنتر: المعروف ان الجنرال مورغان كان اقرب المقرببين الى الرئيس الراحل بري، وعليه فلا عجب اذا ورث خزينة الدولة السابقة. وعلي مهدي محمد جاء الى السياسة من باب التجارة، قبل ان يصبح بدوره اميراً من امراء الحرب في قلب مدينة مقديشو.
بقي الكولونيل عبدالله يوسف، وهو افقر امراء الحرب، ومصدر دعمه الوحيد يأتي مما يسقط بين ايدي ميليشياته المسلحة ليس الا.
رئيس "أرض الصومال" ابراهيم عقال كان بالأمس احد مهندسي الوحدة، وزعيم "الحركة الوطنية الصومالية" عبدالرحمن تور قاد شمال الصومال الى الانفصال، وها هو الآن يدعو الى وحدة شطري البلاد ...
- سمنتر: أطلق قهقة عالية هذه هي حال الصومال وقادته السياسيين الذين فقدوا بوصلتهم، وباتوا يخبطون خبط عشواء، اشباعاً لنزواتهم الفردية، ضاربين عرض الحائط بمصير الشعب والوطن. فعبدالرحمن تور، بعدما خسر الانتخابات الرئاسية غير موقفه السياسي، واقام علاقات وطيدة مع مبعوثي الامم المتحدة، ومد جسوراً مع الجنرال عيديد، واضحى يتحدث عن وحدة الأمة الصومالية التي سدد اليها بالامس القريب طعنة قاتلة.
والغريب في الامر ان هناك من يقف وراء مواقف تور المتلونة لحسابات قبلية ما زالت سيدة الموقف في هذا البلد المنكوب.
- حسين آدم: في نظري ليس المهم موقف عبدالرحمن عقال او عبدالرحمن تور من وحدة الصومال او عدم وحدته، او قيام دولة في الشمال واخري في الجنوب، بقدر ما هو مهم معرفة رغبة وارادة سواد الناس هناك.
هل تعتقدون بأن غالبية قبائل الغدابورسي، والورسنغلي، ولدلبهاهنتي، والعيسى، تقف مع قرار الانفصال المدعوم من القبائل الاسحاقية، وذلك لاعتبارات عدة منها وجود جذورها وامتداداتها القبلية في جنوب الصومال.
- حسين آدم: صحيح لا يوجد اجماع بين هذه القبائل الأربع على انفصال "أرض الصومال" ولكنها تشارك الآن في السلطة وعلى قدم المساواة مع القبائل الاسحاقية. وعلى كل حال، فأنا لا استبعد قيام نظام فيديرالي او كونفيديرالي بين الشمال والجنوب على الصعيد المستقبلي، لأن الظروف السائدة الآن في الشطر الجنوبي لا تسمح بذلك.
- يونغ: لا ارى اي جدوى في انفصال "أرض الصومال" دولة كونفيديرالية تتمتع بسلطات محدودة جداً على مستوى القمة، وبصلاحيات كبيرة على مستوى الاقاليم، بحيث تجد كل وحدة اثنية حصتها في تقرير مصيرها، واتخاذ القرارات على صعيد الدولة عموماً. فالمركزية الحديدية في بلد محكوم بالتعددية الاثنية والقبلية مثل الصومال لن تقود الا الى مزيد من المآسي والكوارث.
- أبو عيسى: لقد وقف اتحاد المحامين العرب ومنذ البداية ضد انفصال ما يعرف ب "أرض الصومال" عن بقية اجزاء هذا البلد العربي. وبذلنا جهوداً بهذا الشأن مع الاخوة في الشطر الشمالي من الصومال بغية حضهم للعدول عن قرار الانفصال، لأن الدول الافريقية المتعددة الاجناس والديانات والثقافات لا تتحمل مثل هذه الخطوة السياسية. فلو سمح لأي وحدة اثنية، ودينية، مهما لحق بها ظلم واضطهاد، بالانفصال، فان ذلك يعني نشوء دويلات بلا معني تكون بداية نهاية افريقيا بصورتها المتعارف عليها على مدى التاريخ.
كيف تقومون تدخل القوات الدولية في الصومال تحت مظلة الأمم المتحدة؟
- بابو: لقد ارتكب المجتمع الدولي خطأ فادحاً بحق الشعب الصومالي عندما قطع مهمة مبعوث الأمم المتحدة السيد محمد سحنون الذي فهم طبيعة الأزمة الصومالية، وبدأ يتعامل مع العقلية الصومالية من خلال اجرائه سلسلة لقاءات مع كل الفعاليات السياسية الاجتماعية والعسكرية هناك. وكل المؤشرات كانت تدل الي امكان توصل سحنون الى اتفاق عام ينال دعم وتأييد جميع الاطراف الصومالية، لكن، ولحسابات اخرى تم اجهاض مبادرته، وكانت النتيجة مزيداً من القتلى والدماء والدمار.
- يونغ: يجب الا ننسى ان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لم يطلق عملية "اعادة الأمل" في الصومال في نهاية عام 1992 الا لأسباب انسانية خالصة وذلك تحت ضغط الرأي العام الاميركي الذي لم يعد يتحمل المعلومات والصور الحية التي كانت تتناقلها كل وسائل الاعلام الاميركية عن المأساة الصومالية. ولم يتخذ الرئيس بوش قرار ارسال قوات اميركية من دون موافقة الرئيس المنتخب يومها، اي بيل كلينتون.
ولقبت عملية "اعادة الأمل" تجاوباً شعبياً كبيراً في كل الولايات الاميركية، على الأقل في مرحلتها الاولى، ورويداً رويداً بدأ حماس الاميركيين يتراجع، لا سيما عندما شعروا بأن مهمة القوات الاميركية الانسانية انتهت، واخذت الادارة الاميركية زمام مبادرة سياسية وتورطت في حرب الصحراء الصومالية المتحركة والمحرقة.
- سمنتر: المهمة الانسانية للقوات الدولية في الصومال تكللت بنجاح، كونها وضعت حداً نهائياً لكابوس الموت جوعاً، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في شق مجرى حل سياسي للأزمة، وذلك قبل ان تنسى دورها ومهمتها في هذا البلد وتدخل في معركة عقيمة ضد انصار الجنرال عيديد في مقديشو على مدي خمسة اشهر كاملة، بددت خلالها اموالاً هائلة، ودمرت الكثير من البنى التحتية للعاصمة.
ويذكر ان الامم المتحدة رصدت حوالي ملياري دولار لمساعدة الصومال في خطة الوقوف على قدميه، ولم يحصل الصوماليون الا على فتاتها، وتقاسم بيروقراطيو المنظمة الدولية اكثر من 90 في المئة من هذه المساعدات. وبحكم وجود منزلي بالقرب من مقر الامم المتحدة في نيويورك كنت اتابع ادق تفاصيل المناقشات العلنية والسرية بين موظفي الهيئة الدولية، المسلمين والافارقة، في طريقة توزيع الاموال في ما بينهم.
فكان الصرف المسلم يزعم بأن الصومال بلد اسلامي، وعليه فمن الاولى ان يتولى ادارة كل المساعدات بهدف الحصول على حصة الاسد منها، في حين يدعي الطرف الافريقي ان الصومال بلد افريقي يقع جنوب الصحراء الكبرى، ولذا فهو اجدر بالاضراف على شؤون مساعداته من دون غيره.
مع نهاية آذار مارس المقبل ستغادر القوات الدولية المنخرطة في عملية "يونوصوم 2" الصومال نهائياً، تاركة البلاد لمصيرها بين ايدي امراء الحرب. كيف تتوقعون مصير الصومال؟
- جون ماركاكيس: شخصياً لا أرى في الأفق الصومالي اي بادرة حل سياسي للأزمة. وربما يكمن الحل الامثل للصوماليين، في ظل المعطيات الراهنة، في تعزيز كل فصيل صومالي نفوذه في مناطق تواجد وحدته الاثنية والقبلية، على الامل ان تتم في مرحلة لاحقة عملية جمع كل شتات القوات الصومالية في بوتقة وحدة وطنية ترتكز بصورة جوهرية على الاقرار بمبدأ التعددية السياسية، حتى يتأهل كل الصوماليين في المشاركة في تقرير مستقبلهم.
- بابو: انا متفائل جداً في شأن مستقبل الصومال، لأن الحروب الأهلية المدمرة غربلت المجتمع، وطرحت يعنف على طاولة النقاش جميع الاوراق. وهذه مسألة ايجابية وفي غاية الاهمية، لانها ستساعد الناس على عدم الالتفاف عليها، وستجبرهم على التعامل معها بواقعية وليس بواسطة قوالب ايديولوجية لا تمت بأدنى صلة الى طبيعة تركيبة المجتمع الصومالي.
- يونغ: في تقديري لن يلجأ امراء الحرب في الصومال الى السلاح بعد رحيل آخر جندي دولي: لأنهم ادركوا من خلال التجربة ان اي طرف لا يستطيع تحقيق انتصار عسكري ساحق على اي طرق آخر. وهذا يعني ان الظروف ستكون في الايام القليلة المقبلة مهيأة اكثر من اي وقت لنجاح مبادرة الهيئة الحكومية لمحاربة الجفاف والتصحر ايغاد ايجاد حل يأخذ في الاعتبار قوة امراء الحرب من ناحية اخرى، على الاقل في المدى القريب، الي ان تتبلور المشاريع المستقبلية، ليس على صعيد الساحة الصومالية وحدها، وانما في عموم منطقة دول "ايغاد".
الخطر الأصولي
ما مدى خطورة التطرف الديني في الصومال؟
- ماركاكيس: من خلال فهمي لطبيعة تركيبة وثقافة ونفسية الانسان الصومالي، فلا اخشى من بروز حركة اسلامية اصولية متطرفة في عموم الصومال.
- آدم: ان تراكم الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية دفعت الصوماليين الى التمسك بالدين اكثر من اي فترة ماضية. والعودة الى اصول الدين وتعاليم السنة واداء الصلاة لا تعني ابداً وجود حركة سياسية دينية متطرفة تمسك بزمام الامور. ولكن في المقابل هناك بعض الحركات السياسية - العسكرية الدينية الاصولية المنعزلة، لأن الصوماليين لا يتعاملون معها كحركة اسلامية، وانما كقوى سياسية تمثل مصالح فئة اثنية او قبلية معينة خلف شعارات دينية ليس الا.
ولا يجب ان ننسى اطلاقاً بأن العامل الاثني والقبلي في الصومال اقوى بكثير من اي عامل اخر بما فيه العامل الديني. ولا يفهم من كلامي انه لا توجد على الصعيد المستقبلي اية ارضية لحركة دينية اصولية في الصومال، خصوصاً اذا تدهورت الامور، ولم تظهر اي بارقة حل سياسي، فاذ ذاك فقط تكون كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها.
- بابو: الملاحظ ان خطر التطرف الديني ينبع من وجود فوضى سياسية في بلد ما، او حكومة ضعيفة جداً، اضافة الى سلاح المتطرفين الفتاك والمتمثل في تقديم حلول بسيطة وتبسيطية لمسائل معقدة، تستغوي عامة الناس الذين حرموا من فرص التعليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.