قبل اسبوع من بدء المعركة الانتخابية في مصر، بدا الناخب القبطي غير محدد الوجهة، بعد ان تسببت المصادفة الزمنية في تشتيت جهود الاقباط بين المعركة الداخلية على تشكيل المجلس الملي، والمعركة الخارجية على عضوية مجلس الشعب. وعلى رغم أن اتصالات مهمة تمت بين عدد من احزاب المعارضة والكنيسة، الا ان نتائجها لم تظهر في القوائم المبدئية للاحزاب، باستثناء بضع شخصيات قررت تلك الاحزاب ان تؤيدها. ويمكن القول بوجه عام إن عدد المرشحين الاقباط وفق هذه القوائم لن يزيد بأي حال على 15 مرشحاً في كل الدوائر، خصوصاً أن بعض هؤلاء يعارضون البابا، وبالتالي فإن ترشيحهم لا يعني ان الاصوات القبطية ستذهب الى الاحزاب التي رشحتهم. البيت القبطي نفسه عانى من الانقسام في الأيام الأخيرة السابقة للمعركة، عندما فوجئ الناخبون في اللجان الخمس التي انتخب عبرها المجلس الملي بأن القساوسة يوزعون قائمة خاصة نسبت إلى البابا شنودة الثالث، على رغم أنه اعلن مراراً انه لن تكون له قائمة خاصة به. وهو ما ادى في نهاية المطاف إلى تعميق الانقسام بين الفريق المؤيد للبابا والمعارض له، على اعتبار الزعم بأنه "يقوم بممارسات غير ديموقراطية"، وهو ما سيؤثر بالتالي في توجه الناخب القبطي في معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة الشهر الجاري. ولكن، هل يوجد بالفعل ما يمكن ان يسمى سياسياً صوتاً قبطياً؟ الواقع الرقمي يؤكد هذا، على اعتبار ان هناك تقديرات قبطية تقول إن في مصر نحو 10 ملايين قبطي، أي ما يقارب سُدس عدد سكان البلاد، بينما تقول الاحصائيات الرسمية إن عددهم لا يزيد على 6 ملايين نسمة. غير أن الواقع السياسي يؤكد ان هذا الصوت خلال عدة معارك انتخابية سابقة لم يكن مؤثراً على الاطلاق في توجيه الاصوات، حتى في أهم الدوائر الانتخابية التي يكثر الاقباط بين سكانها، وكمثال فإن الدكتور فرج فودة المفكر العلماني الذي اغتاله المتطرفون الاسلاميون، والذي كان يحظى بتأييد قبطي واضح، على الاقل معنوياً - لم يفلح في كسب أصوات دائرة حي شبرا في الانتخابات الماضية حيث يوجد عدد كبير من الاقباط. ويعزى هذا الى ظاهرة السلبية والاعتكاف السياسي التي التزمها غالبية الاقباط خلال السنوات الماضية، وهو ما وصفه الدكتور ميلاد حنا رئيس لجنة الاسكان السابق في مجلس الشعب بأنه "عزل الاقباط انفسهم داخل القوقعة الدينية، ما اثر على دورهم التقليدي الفعال في المجتمع المصري، فخفت صوتهم ووجودهم في معظم مناحي النشاط الانساني الاخرى، بعد أن كان وجودهم الثقافي في موقع متقدم جداً وبشكل طبيعي جداً منذ انتخابات العام 1923 وحتى ثورة 1952". هذه السلبية هي التي بررها الدكتور رفيق حبيب، وهو باحث مسيحي مصري من رعايا الكنيسة الانجيلية، بأنها "ناتجة عن كون الاقباط جماعة بلا مشروع، ولأنها لم تستطع إقامة جذور لنهضة مشتركة مع كل عناصر الامة العربية الاسلامية، ولأن الكنيسة الارثوذكسية تستخدم آليات الجمود لحماية نفسها". لكن المعركة الحالية بدأت قبل ان تبدأ، وكأنها ستشهد اتجاها آخر، لا سيما بعد ان عقد البابا شنودة اجتماعاً في بداية العام مع عدد من المحامين الاقباط اتفقوا فيه على بذل جهود أكبر في قيد الاقباط في السجلات الانتخابية. في الوقت نفسه الذي جرت فيه اتصالات بين بعض الاحزاب والكنيسة. وكان حزب العمل، الذي كان في ذلك الوقت أهم اركان التحالف الاسلامي، خارج تلك الحسبة ولم يزل حتى الآن، وذلك لأن صحيفة "الشعب" التي يملكها كانت صوتاً لمعارضي البابا شنودة الثالث ومنتقديه، وهو ما دفع أحد الشخصيات القبطية لأن تنفي بشدة أنها سترشح نفسها على قوائم الحزب خشية أن تصبح في موقف معادٍ للبابا. وقال عادل حسين الأمين العام لحزب العمل والمدير الرئيسي لحملته الانتخابية ل "الوسط": "إن الاقباط جزء من نسيج مصر، ولن تمنح لهم حقوقهم السياسية، وانما عليهم ان ينتزعوها، بالخروج من اطار السلبية، وخوض غمار الحياة العامة من دون قوقعة". وبشكل عام فإن حزب العمل يحاول دائماً أن يخوض غمار أي معركة انتخابية بالأقباط، حتى لا يبدو وكأنه لا يهتم بالوحدة الوطنية لا سيما أنه نجح العام 1987 في اقناع الناخبين بانتخاب جمال أسعد على قائمة التحالف الذي اهتز الآن. من ناحية أخرى، مهّد حزب الوفد لتفاهم كبير مع الكنيسة، عندما حسم زعيمه فؤاد سراج الدين صراعاً داخلياً لصالح فخري عبدالنور، رجل الاعمال القبطي المرموق، وعينه سكرتيراً عاماً للحزب فيما بدا انه تمهيد لاتفاق كبير يحصل بمقتضاه حزب الوفد على أصوات الاقباط، خصوصاً في ضوء ما يتردد أن عبدالنور أحد أهم المساندين للبابا شنودة. وفي حين هاجمت صحف الحزب الوطني الحاكم هذا القرار الذي صدر في وقت خلت فيه قوائم الحزب الوطني من أي مرشح قبطي لانتخابات مجلس الشورى. وفي الوفت نفسه اعترضت التفاهم عقبات تمثلت في ابتعاد عبدالنور عن موقعه الذي يتطلب متابعة يومية وبقي في باريس فترة طويلة عندما تسربت معلومات عن نية تنسيق بين الوفد والإخوان. وبدا كأن الوفد يريد ترشيح الاقباط ولا يريده في الوقت نفسه، وكأنه لا يعول كثيراً على قوة المرشحين بقدر رغبته في إبقاء بعضهم حتى تحظى القائمة بشكل عام بتأييد قبطي في مختلف المناطق. واهتم الحزب الناصري من جانبه بالاتجاه نفسه، وحسم مبكراً محاولات اقتراب حزب العمل منه، ودرس بجدية ترشيح أي من الاقباط مستغلاً حالة التقارب مع البابا الذي رفض سفر الحجاج المسيحيين الى القدس، وهو ما اعتبره "الناصري" رفضاً للتطبيع ومتسقاً مع موقفه الفكري. لكن ذلك لن يؤدي في نهاية المطاف إلى إدراج اكثر من مرشح او اثنين على الأكثر. من الزاوية نفسها دخل حزب التجمع هذا السباق، منطلقاً من علاقة وثيقة للغاية بين أمينه العام الدكتور رفعت السعيد والبابا شنودة نفسه إذ يعد السعيد أحد أبرز المدافعين عن الحقوق القبطية في صحيفة "الأهالي" الناطقة بلسان الحزب. غير أن ذلك كله لم يسفر عن شيء سوى دخول مرشح فحسب من بين 44 مرشحاً في قائمة مرشحي الحزب، وهو الدكتور وجيه شكري المرشح في احدى دوائر محافظة المنيا. يكشف ذلك كله عن أن كل تلك المحاولات التي ترفع شعار "الاقباط جزء من نسيج الوطن" لم تنس في نهاية المطاف أنها لا تستطيع العثور بسهولة على مرشح قبطي يضمن الفوز في الانتخابات.