مجمع الفقه الإسلامي الدولي يشيد ببيان هيئة كبار العلماء بالسعودية حول الإلزام بتصريح الحج    إحلال مجلس إدارة إنفاذ محل لجنة تصفية المساهمات العقارية    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    الذهب يستقر بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في الشيخ طحنون آل نهيان    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    الذهب يستعيد بريقه عالمياً    محافظ سراة عبيدة يكرم المشاركين والمشاركات ب أجاويد2    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    «إيكونوميكس»: اقتصاد السعودية يحقق أداء أقوى من التوقعات    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    أشعة الشمس في بريطانيا خضراء.. ما القصة ؟    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    رئيس الوزراء الباكستاني يثمِّن علاقات بلاده مع المملكة    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    استشهاد ستة فلسطينيين في غارات إسرائيلية على وسط قطاع غزة    33 مليار ريال مصروفات المنافع التأمينية    لؤي ناظر يعلن عودته لرئاسة الاتحاد    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    مدرب تشيلسي يتوقع مواجهة عاطفية أمام فريقه السابق توتنهام    وزير الصحة يلتقي المرشحة لمنصب المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة الحيوانيّة    «سلمان للإغاثة» ينتزع 797 لغماً عبر مشروع «مسام» في اليمن خلال أسبوع    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    في الجولة ال 30 من دوري روشن.. الهلال والنصر يواجهان التعاون والوحدة    دورتموند يهزم سان جيرمان بهدف في ذهاب قبل نهائي «أبطال أوروبا»    العثور على قطة في طرد ل«أمازون»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    تنمية مستدامة    تحت رعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. حرس الحدود يدشن بوابة" زاول"    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    الفريق اليحيى يتفقد جوازات مطار نيوم    أمير الشرقية يثمن جهود «سند»    بمناسبة حصولها على جائزة "بروجكت".. محافظ جدة يشيد ببرامج جامعة الملك عبدالعزيز    تعزيز الصداقة البرلمانية السعودية – التركية    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    مختصون: التوازن بين الضغوط والرفاهية يجنب«الاحتراق الوظيفي»    مناقشة بدائل العقوبات السالبة للحرية    أمن الدولة: الأوطان تُسلب بخطابات الخديعة والمكر    فرسان تبتهج بالحريد    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تتسلق الهضبة المشرفة على أربعة بلدان . الجولان : مياه الحرب والسلام
نشر في الحياة يوم 07 - 02 - 1994

لا تزال هضبة الجولان، على رغم مرور اكثر من ربع قرن على احتلالها، ورغم القرار الاسرائيلي بضمها، تختصر النزاع بين سورية واسرائيل، خصوصا ان سكانها رفضوا الجنسية الاسرائيلية القسرية، وهم في كل مناسبة يؤكدون انتماءهم السوري. "الوسط" وصلت الى مشارف الجزء المحتل من الهضبة حيث حادثت مواطنين وعائلات شتتها الاحتلال، كما التفت في دمشق باحثين وخبراء في المياه.
احتاج الذهاب الى القنيطرة المحررة في حرب تشرين الأول اكتوبر 1973، الى موافقات أمنية تطلبتها اتفاقية الهدنة نبرزها لمراكز التفتيش السورية أو الاممية، التي تتزايد مع الاقتراب من الكيلومترات الاخيرة من ال 65 كلم التي تفصل دمشق عن أطراف الأراضي السورية المحتلة.
ومع الوصول الى القنيطرة، وما بقي من أحجارها وجدران بيوتها، يكون معنيا السلام والاحتلال واضحين في الأذهان بما يحملانه من عدم الانسجام والتنافر من جهة، والتلازم وضرورة التحقيق من جهة ثانية. فحين يعرف المرء أن اكثر من خمسين ألف شخص كان مفترضاً أن يكونوا تحت هذه الجدران والسقوف الممتدة في الأراضي، أصبحوا الآن "نازحين" في أطراف دمشق ودرعا جنوب البلاد، يدرك عندها حجم المعاناة المستمرة منذ ربع قرن حملها اكثر من 100 ألف شخص آخر يشكلون نازحي 312 قرية كانت قائمة قبل الاحتلال وأصبحوا كغيرهم من أهالي الجولان نازحين، ليصل عددهم الى نحو 450 ألف شخص نتيجة التكاثر السكاني، بعيداً عن مسقط الرأس، وكلهم ينتظرون تطورات نتائج مفاوضات واشنطن. قساوة المشهد تصبح أكثر شدة، كلما تنقلت الأنظار بين جانبي الأسلاك الشائكة أو الحدود الموقتة التي تمتد نحو 70 كلم من الشمال الى الجنوب تمثل طول الجبهة السورية - الاسرائيلية، و"حضارة" الاسرائيليين الواضحة وبراعتهم في تحويل الجانب المحتل الى سهول خضراء وكروم للحمضيات ومحميات للحيوانات البرية، مزروعة بأحدث الأسلحة، تسقطان الى الأدنى حين تكتشف أن القوات الاسرائيلية دكت منازل المدينة قبل أيام من انسحابها تحت ضغط الحرب السورية المصرية في العام 1973، ليقول أحد قادتها للسوريين "اذا أردتم القنيطرة فخذوها مدمرة"، وبالفعل أخذت مدمرة بمساجدها الثلاثة، وكنائسها الثلاث عدا اطلال واحدة، وبقايا صالة سينمائية كانت تزدحم بسكان المدينة عشية الاحتلال ونكسة حزيران، لتصل العواطف الاسرائيلية الى... مستشفى الجولان تاركة آثارها على جدرانه.
كانت القنيطرة
والتناقض بين الحال العسكرية في تلّي "أبي الندى" و"العرام" اللذين يطلان على سهول المنطقة، وما فيهما من أجهزة عسكرية والكترونية، وبين الامتداد السهلي للجانب السوري الخالي من الأسلحة، سوى من القوات الأمنية ورجال القبعات الزرق، هذا التناقض يكون اكثر الحاحاً وشدة حين تعلم أن الاسرائيليين دعموا أخيراً، في خضم الحديث عن السلام، منطقتهم المحتلة، بمولدات كهربائية تعمل على طاقة الريح مكرسة الواقع الاسرائيلي في الجولان، بينما يبقى الدمار الاسرائيلي حياً في شوارع ما كان يعرف بالقنيطرة، كما كان عليه الحال في العام 1973. لكن لماذا يبقى الدمار؟
يقول مصدر سوري ل "الوسط" ان السلطات السورية ارادت ذلك "لأن ربع مساحة المدينة لا يزال تحت الاحتلال، ولن تتردد اسرائيل في القيام بمغامرات تدميرية في القنيطرة ما يعني ان المنطقة ليست آمنة، اضافة الى انها شاهد على جريمة المحتلين، وأطلال للذين ولدوا هنا، حيث يأتون اسبوعياً للعيش في الذكريات، ورعاية بقايا منازلهم". ويشير المصدر الى ان هذه المسألة ستكون على جدول أعمال المفاوضات السلمية، وسيطلب الاسرائيليون اعادة اعمار المدينة "لتمحي اسرائيل آثار الجريمة، الا أن اعمار المنطقة يحتاج الى الكثير من المال ولا بد من مساهمات مالية عربية ودولية لذلك في حال احلال السلام". ويستدرك: "ما تراه أمامك في الجولان، يؤكد أن سعر السلام لسورية أكبر بكثير من ثمن السلام الذي تدفعه اسرائيل، ومع ذلك فالاسرائيليون ليسوا مصممين على السلام".
دروب القنيطرة موحشة وفارغة الا من الزائرين والمتفرجين، ومقصف صغير وثلاث عائلات لا تزال تعيش فيها. في هذه البقعة التي تشهد حفلات حزينة في 17 نيسان أبريل من كل عام عيد الاستقلال، حين يزورها آلاف السوريين، تعتقد ان معنى كلمة "احتلال" تتضح في هذه المدينة وأن الحاجة الى الكلمة البديلة السلام اصبحت ملحة، من دون ان تعلم أن ما ينتظرك في مكان آخر من الجولان، سيكون اكثر ايلاماً، عندما تصل الى عين التينة بعد انزلاقات على طرق ضيقة وملتوية بين القرى التي رسمت على ملامح أطفالها آثار الحرب وعدم التواصل مع الأهل والاقرباء.
الاتصال بالاشارات
في موقع عين التينة تكتشف لغة جديدة وأساليب فريدة في التخاطب والتعامل تعتقد انها ليست موجودة في القرن العشرين. انه اكتشاف لقوة انسانية تتحدى العزلة ومحاولات الفرض المستمرة وتجعل الرغبة في التحدي اكثر لذة، حيث تعلم ان الاصوات المنقولة عبر مكبرات الصوت والصور المثبوثة عبر المناظير هي الوسيلة الوحيدة بين الأب وابنه، والأخ واخيه والأم وابنها، بين ابناء الاسرة الواحدة، انها مستمرة بين سكان مجدل شمس احدى القرى الخمس المحتلة التي لم تتحول الى مستوطنات، وعين التينة التي يؤمها سكان الجزء المتبقي والمحرر من الجولان من سوريين وفلسطينيين يتواصلون فوق الأسلاك الشائكة والالغام التي تمثل الفاصل الوحيد في تلك المنطقة.
النداءات المتنقلة بين كل مجموعة وأخرى قد تكون رواية أو عملاً ابداعياً يجري كل اسبوع تحت قمة جبل الشيخ على ارتفاع 2814 متراً أهم موقع عسكري اسرائيلي يكشف معظم التحركات العسكرية لمسافات بعيدة في سورية، وشهد معارك ملحمية في حرب 1973.
في كل يوم جمعة، يكون أهالي المنطقتين على موعد لتحدي قوانين القوة العسكرية، حاملين معهم مكبرات الصوت والمناظير ورسائل في الذاكرة وقلق الأيام والرغبة في الاطمئنان وتلهف لسماع أخبار الأهل ولمباركة الأفراح ومواساة الأحزان. عائلات تتوزع الصخور، صغاراً وكباراً، يتحدثون منذ 25 سنة عن جيلين، أحدهما شهد الهزيمة وآخر يعيشها، ولا فارق بين هذين الجيلين في تلك اللحظات التي تختزل عواطف ناقليها كل اسبوع.
الكلمات والعبارات متشابهة الى حد بعيد ومتكررة لكنها ضرورية، وأصبحت اكثر اختلافاً الآن مع الحديث عن السلام "إن شاء الله سيلتمّ الشمل قريباً" حسب قول أحدهم، فيما يقول آخر "ادفع عمري كله وأشاهد أمي التي أسمع عنها وأكاد أحمل في الذاكرة صورة لها، وحين أسمع صوتها الممزوج بالحزن، لا أصدق انها لا تزال على قيد الحياة ... لكنني متفائل بأنني سأشاهدها قريباً".
امرأة تحمل طفلها الصغير، من مواليد بقعاتا لم تلتق اخوتها أبداً بل تسمع اخبارهم عبر ما تيسّر من رسائل الصليب الأحمر الدولي، حين علمت أن احدهم سيأتي للدراسة في سورية نحو 60 طالباً في الجامعات السورية من الجولان المحتل انتظرته عند الحاجز في القنيطرة "كنت لا أعرف صورة وجه رائف، وحين لمحت مجموعة من الشباب تتحرك نحوي، تحرك دمي تجاه أحدهم... وأصبح ينام عندي كل يوم ليحكي لي أخبار أهلي ومجدل شمس ومعاناتهم" تحت الاحتلال. وبلغت معاناة 12 ألف سوري يعيشون تحت الاحتلال ذروتها في العام 1981 عندما حاولت سلطات الاحتلال فرض الهوية الاسرائيلية التي لم يقبلها سوى 100 شخص، بعد اقرار الكنيست الاسرائيلي قرار ضم الجولان وتطبيق القوانين الاسرائيلية عليه، على رغم رفضه دولياً. ما ادى الى عصيان مدني واضراب شامل لمدة ثلاثة شهور. وكان مواطنو الجولان وقعوا وثيقة وطنية اكدوا فيها ان الجولان المحتل "جزء لا يتجزأ من الوطن الأم سورية، والجنسية السورية صفة ملازمة لنا ولا تزول وهي تنتقل من الآباء الى الأبناء، ولا نعترف بأي قرار تصدره اسرائيل من أجل ضمّنا الى اسرائيل ونرفض رفضاً قاطعاً قرارات حكومتها الهادفة سلبنا شخصيتنا العربية السورية".
ومع كل مجموعة منتشرة في البلدة تسمع قصة ومأساة جديدة تذكرك بالاحتلال الاسرائيلي، فأحد الشيوخ الدروز جاء الى سورية مع وجهاء الجولان في السنة الماضية وأجرى عملية جراحية لعينه، لكنه لم يستطع العودة الى ابنائه في مجدل شمس فاضطر للبقاء بعيداً عن عائلته، وها هو عائد من الاطمئنان على اخبارهم بعد ان بارك زواج ابن أخيه، وطلب من زوجته أن تنقل تعازيه الى جيرانه بوفاة ابنهم. وبالقرب منه وقف شاب وزوجته لابلاغ الأهل باسم مولوده الجديد، يطمئن الى أخبار والده المريض. يقول الشاب محسن: "جئت لدراسة الهندسة في دمشق، ولم تسمح لي اسرائيل بالعودة بعد تخرجي من الجامعة فوقعت في معضلة، هل أرجع الى أهلي، أم ابقى في بلدي؟ فتزوجت ابنة عمي التي كانت تعيش هنا في سورية، في الجزء غير المحتل من الجولان، وها أنا ابلغ ابي وأمي أخباري الجديدة".
الناصرة أو لا شيء
لم تكن تلك سورية فحسب اذ امتزجت باصوات فلسطينية جاء اصحابها من لاجئي 1948 يطمئنون عن اقرباء لا يعرفونهم ابداً. يقول أبو محمد انه اكتشف "هذه الطريقة قبل 16 سنة وأستفيد منها مرة أو مرتين في السنة، وأنا الآن اسلم على أخي الذي جاء من الناصرة". وهل تتوقع ان تشاهده قريباً؟ "لا أبداً، فنحن خارج اللعبة أبداً"، لكن زوجته تبدو اكثر تفاؤلاً وتقول: "في هذه السنة ان شاء الله سنسافر الى عندهم".
ويوضح أبو محمد انه حتى لو طلبوا منه العودة الى غزة او أريحا فلن يعود "ولن أرجع الا الى الناصرة، حتى لو سجنوني، أما الى الناصرة أو أبقى هنا في سورية".
وبالقرب من قبر اللواء نورالدين كبخ أبو صالح الذي توفي في الجزء السوري ولم تسمح القوات الاسرائيلية بدفنه في مسقط رأسه مجدل شمس، تختلط التحيات والكلمات "شو أخباركم" و"كيف الصحة" و"خليك هون شوي، أعرف انك متعب" و"روح يا عيني لان الجو أصبح بارداً".
سقوط الأمن الجغرافي
لكن لماذا طرد الاسرائيليون هذه العائلات وضموا هذه المنطقة؟ يقول المصدر السوري ان مرتفعات الجولان السورية تكتسب أهميتها من موقعها الجغرافي الفريد بين دول سورية الطبيعية. اذ ان القنيطرة تبعد 30 كلم عن مرج الزهور في جنوب لبنان، ومثلها عن بحيرة طبرية، و56 كلم من جنوب الاردن فيما لا يتجاوز بعدها عن العاصمة السورية اكثر من 65 كلم، وبالتالي فهي اقرب الى دمشق من تل أبيب. وهذا الموقع المرفق بارتفاع عن سطح البحر يصل الى 3 آلاف متر، وبشكل وسطي نحو ألف متر، جعلها تشكل موقعاً استراتيجياً من الناحيتين العسكرية والامنية، وتحمل في جوفها مخزوناً مائياً مهماً، وان كانت نظرية "الأمن الجغرافي" سقطت بعد حرب الخليج وتسقط مع امتلاك أسلحة الدمار الشامل". ويضيف ان الذرائع الامنية التي تذرعت بها اسرائيل للتمسك بالجولان لحماية مستوطناتها الشمالية "كاذبة لأنها عادت وبنت مستوطنات في الجولان على بعد نحو خمسة كيلومترات من المنطقة المنزوعة السلاح وهذا يعني، وفق المنطق الاسرائيلي الأمني، ضرورة قضم مناطق اخرى لحماية أمن هذه المستوطنات وهكذا..."، مشيراً الى ان هذا الموقع جلب أهمية اقتصادية وسياحية ومائية للجولان.
ان هذه العوامل المذكورة جعلت الجولان مفتاحاً للسلام تمسكه اسرائيل ويمكن المرور عبر ابوابه الى سلام، وقد يحمي خلف ابوابه سنوات من الاحتلال وآلام النازحين اذا لم يكن الحل كما يريده السوريون.
عقدة المستوطنات
ويبقى ملف المستوطنات والمياه الاكثر تعقيداً في وجه التوصل الى تسوية سلمية على المسار السوري - الاسرائيلي. ويقول الخبير السياسي السوري السيد عزالدين سكاس ل "الوسط"، انه على رغم الأهمية الاستراتيجية من الناحيتين الأمنية والعسكرية للجولان، فان المسألة في الجولان "ليست أمنية بل سياسية، وتمسك الاسرائيليين بذرائع أمنية عائد الى الرغبة في الحصول على تنازلات تتعلق بالترتيبات الأمنية، وتوظيف هذا الموقف لخدمة مسألة المستوطنات وعمق الانسحاب". ويضيف سكاس الذي يرأس مركز "الأرض للدراسات الفلسطينية" التابع لوزارة الدفاع السورية، انه من خلال متابعة آراء المسؤولين الاسرائيليين "يمكن ملاحظة اتجاهات عدة تتراوح ما بين الانسحاب التدريجي مع التمسك بالمستوطنات وتعديلات تجميلية على الحدود تتعلق بالترتيبات الأمنية" مشيراً الى ان الاسرائيليين لم يطرحوا حتى الآن مسألة تجريد الجانب الاسرائيلي من الأسلحة مع المطالبة بتجريد مناطق في الجانب السوري.
ويقول مدير "مؤسسة الأرض" التي تعتبر مرجعاً سياسياً لمفاوضات السلام، ان الاسرائيليين بنوا في فترة الاحتلال أربعين مستوطنة اسرائيلية تنتشر في ال 1176 كلم2 المحتل من محافظة القنيطرة من أصل 1860 كلم2 تشكل المساحة الاجمالية، ويعيش في المستوطنات نحو 16 ألف مستوطن اسرائيلي، وتشكل مستوطنة "كتسرين" القائمة على انقاض قرية قصرين أكبر هذه المستوطنات، وفي مقابل هذه المستوطنات تنتشر خمس قرى عربية هي مجدل شمس، العجز، عين قنيا، مسعدة، بقعاتا. وكشف ان الاسرائيليين يخططون لتوطين نحو 15 ألف مستوطن آخر في الجولان.
ويقول سكاس ان اسرائيل تركز جهودها على عدم الانسحاب الكامل من الجولان وكحد أدنى الانسحاب الى خطوط 4 حزيران يونيو 1967، مع تعديلات طفيفة على الحدود في المنطقة الجنوبية والشمالية، في منطقة بانياس في الجنوب لاسباب أمنية واقتصادية ومائية. ويشير الى الآثار التي رتبتها الحدود المرسومة من قبل فرنسا وبريطانيا المنتدبتين على سورية وفلسطين بعد الحرب العالمية الاولى، حيث انهما لم تأخذا في الاعتبار الأمور الجغرافية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية "وكان المنطق الوحيد هو الصراع على مصالح الجانبين وهذا ما انعكس على تنفيذ المفاوضات السلمية الآن". ويوضح سكاس أن الاسرائيليين "يرفضون الاعتبارات الجغرافية ويركزون على الجانب الأمني والمائي، مع العلم ان الاعتبار الأمني للجولان لا يحظى بأية أهمية خصوصاً اذا عرفنا أن عمق الجولان لا يتجاوز بشكل وسطي 15 كلم فقط". ويرتب اولويات أهمية الجولان حسب المنطق الاسرائيلي كالآتي: "أمن، مياه، اقتصاد، مستوطنات"، الا انه يؤكد ان الجولان أرض سورية "سواء كانت مهمة عسكرياً ام غير مهمة ويجب تنفيذ الانسحاب التام منه".
وعن موقع المستوطنات في مفاوضات السلام يقول سكاس انه يوجد تيار من المسؤولين الاسرائيليين يطالب بالاعتراف بالسيادة السورية على الجولان مع ابقاء المستوطنات او استئجار قسم منها لمدة معينة "لكن سورية ترفض بقاء المستوطنات وهذه الطروحات غير مقبولة سورياً" مشيراً الى أن قول نائب وزير الخارجية الاسرائيلي يوسي بيلين عن بقاء بعض المستوطنات تحت السيادة السورية "يحظى بالموقف ذاته الذي تتخذه سورية من الطروحات المشابهة".
ويعتقد سكاس ان المطالب السورية بتفكيك المستوطنات تستند الى أسس عملية السلام والحقوق السورية في أرض سورية، والى اسس عملية وانسانية حيث ان نحو 450 ألف نازح ينتظرون العودة الى منازلهم "وأتوقع ان الحكومة السورية ستسمح للجميع بالعودة من حيث المبدأ، ولكن ستترك الحرية لكل نازح في اتخاذ القرار حول العودة" مشيراً الى ان الدولة تحتاج الى موازنة "كبيرة لاعادة اعمار الجولان بعد السلام" وقد يكون شق طريق عريضة تربط دمشق بالجولان في هذا الاطار.
ولم يستبعد سكاس نشر قوات اميركية او دولية في الجولان بعد انسحاب القوات الاسرائيلية مع اتفاق الجانبين على ترتيبات أمنية تحفظ أمن دول المنطقة، وترعاه الولايات المتحدة الاميركية.
وعن رأيه في طرح الاسرائيليين اجراء استفتاء على مصير الجولان، يقول الباحث في مؤسسة الأرض، انها "مناورة للتهرب من استحقاق قمة جنيف بين الرئيسين حافظ الأسد وبيل كلينتون، والاحراج الذي وقعت فيه الحكومة الاسرائيلية"، ويضيف انه في حال رفض الاسرائيليون الانسحاب لا بد من ان تقدم حكومة اسحق رابين استقالتها، وبالتالي اجراء انتخابات تشريعية قبل موعدها في العام 1996 بحيث تكون فرصة عودة "حزب العمل" الى الحكم صعبة، ما يقوي آمال "الليكود" في الفوز. وتساءل سكاس عن مدى استعداد رابين لخسارة الحكومة بمثل هذه المغامرة.
وفي كل الحالات، سيكون التفاوض على تفكيك المستوطنات صعباً وهذا ما اكده ل "الوسط" الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد قائلاً: "كنت دائماً أقول ان المستوطنات ستشكل عقبة في وجه السلام".
مائي أم أمني؟
واذا كانت عقبة المستوطنات تحتاج لجهود ومفاوضات طويلة لازالتها، فان ملف المياه يحتاج لجهود اكثر تتدخل فيها قوى اقليمية ودولية، نظراً الى الحاجات المائية المتصاعدة لكلا الجانبين، الطرف السوري صاحب الحق، والاسرائيلي المسيطر على الماء، خصوصاً أن هضبة الجولان تعتبر خزاناً مائياً مهماً لاسرائيل في الوقت الحالي، اذ انها تأخذ منها ما يزيد على 470 مليون م3 من المياه لتسد نحو 30 في المئة من حاجاتها المائية. وفي مثل هذا الوضع هل تكون اسرائيل مستعدة للتضحية بهذه الكمية من المياه الواقعة تحت سيطرتها، مع العلم ان العجز المائي الاسرائيلي سيصل الى نحو 5،2 بليون متر مكعب سنوياً في نهاية القرن الحالي؟
يقول الخبير في مياه الشرق الأوسط الدكتور نبيل سمان لپ"الوسط" ان اسرائيل تستغل سنوياً 3،31 مليون متر مكعب من جنوب الجولان و6 ملايين من وسطها و7،8 مليون من شمالها، مؤكداً ان التمسك الاسرائيلي بالجولان هو "مائي وليس أمني لأن اسرائيل لم تتطرق الى أهمية الجولان الامنية والاقتصادية قبل العام 1967، بينما النزاع السوري - الاسرائيلي منذ قيام الدولة العبرية هو النزاع العسكري على المياه". كما ان الجانبين اصطدما عندما حاولت اسرائيل تحويل مياه نهر الاردن الى النقب في العام 1953، فردت سورية بمشروع اقامة سد الوحدة الذي حالت اسرائيل دون اقامته بين الاردن وسورية، عن طريق ضغوطها على البنك الدولي الذي كان مقرراً ان يمول السد بمبلغ 450 مليون دولار، وذلك خوفاً على 255 مليون م3 كان السد سيخزنها.
ويضيف ان اسرائيل خرقت اتفاقية الهدنة مع سورية للعام 1949 عندما بدأت بتجفيف بحيرة الحولة في المنطقة المنزوعة السلاح، اضافة الى ان الادراك الاسرائيلي لأهمية مياه الجولان سابق لتلك الفترة ويعود الى العام 1921 حين صدر كتاب "الصهيونية والسياسة العالمية" الذي اعتبر ان "مستقبل فلسطين بأكمله هو بأيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع الاردن، وهو ما يعني السيطرة على الجولان".
ويرى الدكتور سمان ان الانسحاب الاسرائيلي من الجولان "متعلق بالاتفاق على اقتسام المياه وتحديد حصص الانتفاع بها، خصوصاً ان اسباب الاحتلال هي مائية في احد جوانبها، حيث كان ما يقرب من 123 مليون م3 من مياه نهر بانياس و152 مليون متر مكعب من نهر الحاصباني تصب في بحيرة طبرية التي تعتبر خزان اسرائيل المائي".
ويستبعد الدكتور سمان المتخصص في ملف المياه الشرق اوسطية ان تتنازل اسرائيل عن المياه، "وهذا الملف الخطير الذي قد يؤدي الى نزاعات عربية - عربية". ويقول ان اسرائيل "لن تتنازل عن مياه الجولان، وهي قبلت بمبدأ الارض مقابل السلام، وليس المياه مقابل السلام، وان الاسرائيليين يتبعون مبدأ الهيمنة العسكرية لحل النزاعات، والسلام يفرض بمنطق القوة، وليس السلام من منطق الحق، وبالتالي فان السلام يكون عادلاً من منطقهم، وضمن مشاركة في المياه العربية". ويضيف ان الانسحاب من الأراضي العربية يعني خسارة مائية قدرها نحو ثلاثة بلايين دولار اميركي وهي كلفة تحلية المياه التي ستعيدها الى العرب منها نحو 850 مليون متر مكعب تستغلها سنوياً من الجولان.
نزاع عربي - عربي؟
ويعتبر سمان ان اسرائيل تريد تحويل الصراع العربي - الاسرائيلي الى نزاع عربي - عربي "من خلال الاصطياد بالمياه العكرة في المفاوضات المتعددة الاطراف بين الدول العربية، وترى في مؤتمرات المياه التي تقاطعها سورية فرصة لخلق ازمات مائية عربية وهي تطالب العرب الذين يريدون حقوقهم المائية بالعودة الى جيرانهم العرب وليس الى اسرائيل، والجهود الاسرائيلية تنصب على تحويل المشكلة الى اقليمية اكثر منها اسرائيلية، عبر طرح مشاريع مثل انابيب السلام التركية".
ويضيف ان اسرائيل التي طمحت للحصول على 630 مليون م3 بدلاً من 394 مليون م3 التي ضمنها "مشروع جونسون" في العام 1953 "قد تطرح في مفاوضاتها مع الجانب السوري تشكيل حاجز مائي على طول الجولان من الشمال الى الجنوب لتحول دون التقدم السوري المحتمل".
ويرى الباحث في مؤسسة الارض ابراهيم عبدالكريم، ان سورية تحتاج الى المياه اكثر من اسرائيل، وقال لپ"الوسط" ان "منطقة حوران جنوب سورية كانت منطقة عسكرية وستصبح مدينة بعد حلول السلام، ما يطرح مسألة تنمية تلك المنطقة واستثمار ملايين الدولارات واعادة الاعمار، ما سيزيد الحاجة الى المياه في تلك المنطقة".
الجولان
المساحة الاجمالية للقنيطرة 1860 كلم2
المساحة المحتلة منها بما فيها المناطق المنزوعة من السلاح في العام 1949 1176 كلم2
عمق الجولان الوسطي 15 كلم2
مساحة المراعي 300 كلم2
أراضي موضوعة تحت سلطة حماية الطبيعة الاسرائيلية 100 كلم2
زراعة المستوطنين 90 كلم2
مواطن العرب 9 كلم2
مناورات عسكرية 55 كلم2
المساحة المتبقية وعرة وجبال
سكان الجولان
- المستوطنات 40 مستوطنة
- اكبرها كتسرين 5 آلاف مستوطن
- القرى العربية 5 قرى
- اكبرها مجدل شمس 50 ألف مواطن
- المستوطنون 16 ألف مستوطن
- العرب 12 ألف مواطن
- يحملون الجنسية الاسرائيلية 100 شخص
المستوطنون
جنود في الجيش العامل 30 في المئة
عاملون في الصناعة 15 في المئة
عاملون في قطاع الخدمات 15 في المئة
مياه الجولان
بملايين الامتار المكعبة سنوياً
- نهر اليرموك 500
- نهر الحاصباني 170
- نهر بانياس 160
- نهر القاضي 250
- نهر بريفيث 5
- نهر الفدان 100
- نهر الرقاد 147
المصادر المائية في سورية
بالمتر المكعب
اسم الحوض معدل المصادر الاحتياجات الشرب الفائض والنقص
المائية المائية للري والصناعة 1990 2005
1990 2005
العاصي 2715 1716 2850 " 1012 - 200
الساحل 2335 417 1213 " 1910 " 1197
برى والاعوج 850 990 1690 - 143 166
اليرموك 450 205 350 " 241 " 72
البادية 355 50 113 " 317 " 197
حلب 650 693 912 - 16 - 287
دجلة والخابور 2390 1370 2113 " 100 " 261
الفرات - 3082 8670 - -
دجلة - - 1300 - -
الوحدة: مليون متر مكعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.