مندوب فلسطين يرحب بمبادرة البحرين بعقد مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير السجون بالمنطقة    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    "زين" تستثمر 1.6 مليار ريال لتوسيع انتشار ال"5G"    ارتفاع النفط واستقرار الذهب    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    من أعلام جازان .. الشيخ عيسى بن رديف بن منصور شماخي    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    "الحج" تختبر خطط التفويج بفرضية ثانية    "ميتا" تدعم سماعات أذن بالذكاء الاصطناعي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كريستوفر يقطف ثمار جنوب لبنان

توقفت الحرب في جنوب لبنان، بعد اتفاق شفهي على وقف النار قد لا يعدو كونه اعادة لتثبيت "قواعد اللعبة" في المنطقة. وتحركت الديبلوماسية الاميركية، عبر جولة وزير الخارجية وارن كريستوفر على مصر واسرائيل والاردن وسورية لاستثمار نتائج "اجتياح... التسوية" ومحاولة احراز تقدم في المسارين السوري - الاسرائيلي والفلسطيني - الاسرائيلي... فيما عاد الجنوبيون الذين نزحوا الى قراهم ومنازلهم المدمرة، وهالهم "الثمن" الباهظ الذي يدفعون في "حروب الآخرين" كما قال رئيس مجلس النواب رئيس حركة "أمل" السيد نبيه بري. وبدأ الجيش اللبناني يعزز انتشاره في المناطق المحاذية للشريط الامني المحتل، وسط اجواء تنذر بحرب اخرى في الجنوب، او بالاحرى تنذر باقتتال محلي.
كيف انتهى "الاجتياح" وأبرم وقف النار؟ وكيف بدأ توظيف النتائج سياسياً؟ مراسلو "الوسط" في العواصم المعنية يحاولون الاجابة عن السؤالين في هذا التحقيق.
اسرائيل : إعادة تثبيت قواعد اللعبة وتحريك ديبلوماسية مدريد لاحراز تقدم
في أوج الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 أفادت الانباء ان الرئيس رونالد ريغان وضع صورة لطفل لبناني على مكتبه في البيت الابيض. وقد لا يكون بيل كلينتون على هذه الدرجة من رقّة الشعور والعاطفة. ولكن من الواضح ان محاولة اسرائيل المتعمدة اغراق بيروت باللاجئين النازحين من هجومها على جنوب لبنان اخيراً، كانت احد العوامل الرئيسية التي اجبرت واشنطن على ترتيب وقف اطلاق النار الذي ادى الى انتهاء احدث محاولة تبذلها اسرائيل لفرض ارادتها على لبنان نهاية غامضة غير حاسمة.
ففي اللحظة التي استنتجت فيها الولايات المتحدة ان التفوق العسكري الاسرائيلي الساحق يكاد يجعل نشوب الحرب في المنطقة امراً شبه مستحيل، جاء كل من اسحق رابين والرئيس حافظ الاسد ليذكّرا الرئيس كلينتون بأن فشل مفاوضات السلام لا يعني ببساطة الوصول الى مرحلة من الجمود والاستعصاء بل يعني في واقع الامر الحرب.
ومن المشكوك فيه ان رابين كان يريد مثل هذه النتيجة عندما اصدر اوامره بمهاجمة مواقع "حزب الله" في كل انحاء لبنان. اذ ان الامور لم تسر اطلاقاً مثلما خطط لها خلال حملته العسكرية التي دامت سبعة أيام، باستثناء اللعبة النهائية. فمثلما كان الحال عام 1976، اثبتت اسرائيل وسورية قدرتهما من خلال الوساطة الاميركية على اقامة سلسلة من "الخطوط الحمراء" الواضحة التي تحكم سلوك الطرفين في لبنان وتضمن الطمأنينة لمدن اسرائيل الشمالية وللمواطنين اللبنانيين الذين يعيشون الى الشمال من المنطقة المحتلة. الا ان الخطوط الحمراء الجديدة التي يبدو انها تقصر العمليات العسكرية في المستقبل على المنطقة التي تحتلها اسرائيل لم تحقق هدف رابين المعلن ألا وهو "تدجين حزب الله". كما انها لا تضمن الامن للجيش الاسرائيلي او حلفائه اللبنانيين في جنوب لبنان المحتل. وهكذا فما حصل على ما يبدو هو ان احدث هجوم اسرائيلي لم ينجح سوى في اعادة تثبيت "قواعد اللعبة" وهي القواعد التي بدأت تتضح مع اغتيال اسرائيل السيد عباس الموسوي الأمين العام لپ"حزب الله" اوائل العام الماضي.
ففي الاسبوع الماضي كتب موشيه زاك احد اكثر الصحافيين الاسرائيليين شعبية "ان النتيجة النهائية للاشتباك في لبنان لا تزال لغزاً".
وطوال الحملة العسكرية الاخيرة لم يكن رابين يخوض معركة ضد "حزب الله" فحسب، بل وكان يخوض معركة ضد التركة الدموية التي خلّفها غزو لبنان عام 1982. فذلك الغزو الذي اطلقت عليه اسرائيل آنذاك اسم "عملية سلام الجليل" كان يهدف ايضاً الى وقف سقوط صواريخ "كاتيوشا" على شمال الارض المحتلة. ووعد رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن الاسرائيليين بأنه يمكن الحاق الهزيمة بالمنظمات الفلسطينية في عملية عسكرية محدودة لن تدوم اكثر من 48 ساعة ولن تتجاوز نهر الليطاني. لكن حياة بيغن السياسية تمزقت نتيجة اخفاق عملية "سلام الجليل" وتعلم الاسرائيليون الاحتراس من السياسيين الذين يعدون الحلول السهلة السريعة لمشكلات شمال الحدود.
ولكي يبين المسؤولون مدى نجاح العملية الاخيرة راحوا يعقدون مؤتمرات صحافية عرضوا فيها اشرطة فيديو للضربات والغارات الجوية على "حزب الله" وكيف اصابت اهدافها بدقة. ونفى رابين الانباء التي تحدثت عن العزم على الاستمرار في الحملة لفترة طويلة، كما ان وزير الخارجية شمعون بيريز طمأن الى أن كل شيء يسير طبقاً للخطة المرسومة مع ان صواريخ "الكاتيوشا" التي يطلقها مقاتلو "حزب الله" الذين ازدادت اعدادهم وتدفقوا على منطقة القتال من انحاء البلاد الاخرى، استمرت في السقوط على شمال اسرائيل.
خطوات مرسومة سلفاً
وأصر بيريز في تصريحاته في السابع والعشرين من تموز يوليو على انه "لم تحدث اي خطوة حتى الآن لم نخطط لها سلفاً. كما ان اعضاء مجلس الوزراء يعرفون منذ البداية كيف ستتطور الاوضاع ولم نحد عما نريد ان نحققه او كيف نريد ان نتصرف".
وكانت مرحلة رابين التالية من الحرب جهداً مقصوداً ومتعمداً لاجبار سكان جنوب لبنان على النزوح وإثارة الاضطراب في بيروت نتيجة تفريغ الجنوب وتدفق الاعداد الهائلة من سكانه على العاصمة على امل اجبار حكومة السيد رفيق الحريري على نزع اسلحة "حزب الله". اذ قال احد ضباط الجيش الاسرائيلي في حديث مع صحيفة "جيروزاليم بوست": "نحن نطلق قذائفنا هذه الليلة لكي ندمّر القرى. فنحن نعتزم تحويل هذه القرى انقاضاً لئلا يتمكن الارهابيون من الاحتماء فيها بعد اليوم".
لكن بداية هذه المرحلة من الحملة العسكرية يوم الثلثاء اعاد الى اذهان الكثيرين ذكريات مريرة من غزو عام 1982. اذ قال جاك نيريا مستشار رابين للشؤون الديبلوماسية: "لا اظن ان الوقت مناسب الآن لكي نقول ما هي حدود العملية. اذ ان موقفنا الآن هو اننا نشن هذه العملية لكي نجبر الحكومة اللبنانية على التصرف وعلى وقف حزب الله عن اي تصرف... باختصار ليس هناك اطار زمني للعملية الآن".
الا انه كان هناك اطار زمني، وهو الاطار الذي فرضته التغطية التلفزيونية لمعاناة اللبنانيين والزيارة المحتومة التي كان سيبدؤها وزير الخارجية الاميركي في المنطقة. وسرعان ما بدأ الاجماع على تأييد الحرب داخل اسرائيل يتعرض للضغوط القوية حينما اتضحت الابعاد الحقيقية لطوفان اللاجئين ولاخفاق اسرائيل في وقف عمليات "حزب الله". وهكذا مع اواسط الاسبوع بدأ حوالي نصف اعضاء حكومة رابين يعربون عن تحفظاتهم عن الحرب. وأعلن احد الوزراء انه كان في حقيقة الامر يعارضها منذ اللحظة الأولى. وهكذا كان من الواضح ان استمرار رابين في الحرب كان ينطوي على المجازفة بتقويض قاعدة تأييده السياسي. من هنا بدأت نهاية الحرب تقترب بالنسبة الى رابين الذي نادراً ما خرج خلال العام الأول من توليه السلطة على الحد الادنى من الارضية السياسية المشتركة.
وحاول دعاة توسيع نطاق الحرب أي الذين ارادوا شن هجوم ارضي بالدبابات والمشاة الى الشمال من المنطقة التي تحتلها اسرائيل من دون جدوى ترجيح الميزان السياسي لمصلحتهم.
على سبيل المثال قال الجنرال يوسي بليد قائد الجبهة الشمالية ان اسرائيل "لا تستطيع تفادي الهجمات الارضية. ربما لا داعي الى الوصول الى اعماق لبنان، ولكن لا بد لنا من ان نشن عمليات فعّالة في تلك الاماكن التي يعيش فيها السكان وان نضرب اي شخص ينتمي الى منظمات التخريب". والواقع انه كان بهذا الرأي يعكس ما يريده الكثيرون من مستشاري رابين العسكريين الذين كانوا مصممين على استعادة "حرية اسرائيل في العمل داخل لبنان".
وكان في وسع المرء ان يرى الوحل وهو يرتفع حول المنادين بالغوص في مثل هذا المستنقع. اذ ان استطلاعات الرأي العام اثبتت ان غالبية الاسرائيليين تعارض توسيع نطاق الحرب.
نفاد صبر اميركا
وجاءت دعوة الرئيس كلينتون بعد أربعة ايام من القتال الى جميع الاطراف، اي اسرائيل وسورية و"حزب الله"، الى بذل جهودها لوقف القتال بمثابة اشارة الى نفاد صبر واشنطن حيال استراتيجية رابين الحربية. وفي اليوم السادس، اي يوم الجمعة، اوضح رابين الذي يعرف عنه قبل كل شيء تصميمه على تنسيق سياساته مع واشنطن، انه على استعداد لقبول وقف اطلاق النار بوساطة اميركية، وإثر ذلك سارع بيريز الى الاعلان ان اسرائيل "قررت بوضوح عدم شن هجوم ارضي" او توسيع نطاق المنطقة التي تحتلها من جنوب لبنان.
اثر ذلك كتب احد كبار المعلقين السياسيين الاسرائيليين يقول: "في ذروة العملية الاسرائيلية ليس لدى اسرائيل القوة لعصيان اوامر الرئيس الاميركي".
اما بين المتفائلين ودعاة ممارسة السياسة الواقعية فكان هناك امل في ان يؤدي القتال الاخير الى تحريك ديبلوماسية مدرىد نحو احراز تقدم حقيقي. وحتى رابين نفسه اشار فور التوصل الى وقف اطلاق النار الى ان "التفاهم الذي توصلنا اليه خلال اليومين الماضيين يوفر الفرصة للهدوء. واذا ما استمر هذا الهدوء فان من الممكن ان يؤدي هذا الى نشوء علاقة من الثقة في المثلث الاسرائيلي - الاميركي - السوري".
ولكن لا بد من القول ان ليس هناك احد من الزعماء الحاليين المشاركين في اطار عملية مدريد اظهر بعد النظر الضروري لتحويل مثل هذه المصيبة الى انجاز ديبلوماسي حقيقي!
لبنان: نزاع في الجنوب يهدد بمواجهة مع "حزب الله"
ما هي نتائج العدوان الاسرائيلي في لبنان؟
بلغ مجموع القتلى نحو 150 بينهم 125 من المدنيين، والجرحى 500، وفي الجانب الاسرائيلي لم يتجاوز عدد القتلى 3، والجرحى عشرة.
وتحدثت الارقام الاولية عن خسائر مادية بپ300 مليون دولار على اقل تقدير اضافة الى تشريد نحو 300 الف نزحوا الى المدن الساحلية ثم عادوا لكن بعضهم بقي بلا بيت.
ماذا على مستوى النتائج الاجتماعية والسياسية؟
فوجئ الصحافيون الذين زاروا قرى الجنوب اثر وقف اطلاق النار بأن بعض القرى المواجهة للشريط الحدودي واستهدفت بالقصف رفعت الاعلام البيض فوق عدد من المنازل. وهذه الاعلام في نظر المراقبين تكشف مشاعر سكان الجنوب حيال التجربة. فعلى رغم ان التهجير او النزوح لم تتجاوز مدته اسبوعاً الا ان التجربة كانت من اعنف التجارب. فقد هدفت اسرائيل الى اجتياح آخر مواقع المعاندة لدى الجنوبيين فحولتهم نازحين ولاجئين في وطنهم. وهذا ما يدل على خطورة ظاهرة رفع الاعلام البيض.
لقد تولت اذاعة الميليشيات الحدودية بث الذعر في نفوس الجنوبيين، اذ راحت تطلق الانذار الى القرى محددة الساعة والتوقيت لخروج سكانها ثم... يبدأ اطلاق النار. وهذا ما خلف لدى الاهالي اقتناعاً بأن ما تعلنه هذه الاذاعة صحيح. فبعد قصف يومين متتاليين لمدينة النبطية انذرت الاذاعة سكانها بوجوب اخلائها والا دكت بالمدفعية... وهذا ما حدث فعلاً.
ويعني هذا ان اسرائيل نجحت في السيطرة على نفسية الغالبية من سكان الجنوب وتحويلهم رهائن اذ يكفي في المستقبل ان تطلق اذاعة الميليشيات تحذيراً الى قرية من القرى حتى تخلو من السكان من دون الحاجة الى اطلاق النار. ما يعني في المحصلة السيطرة الفعلية لاسرائيل على غالبية القرى الجنوبية عبر ضرب روح المعاندة.
وحين عاد النازحون الى قراهم هالهم ما شاهدوا: لقد دمرت الاسلحة الاسرائيلية غالبية القرى، بل تعمدت ان تسحق نهائياً بعض الاحياء في كل قرية، وتحوله غير صالح للسكن.
نزاع جديد بدأ يظهر
على مستوى آخر، فان نزاعاً جديداً بدأ يظهر بوضوح في قرى الجنوب، وهو نزاع يهدد بالانفجار في مواجهة عناصر "حزب الله" اذ ان غالبية سكان القرى الذين عادوا وشاهدوا ما حصل لمنازلهم اخذوا يعلنون رفضهم وجود الحزب. ففي كل قرية نزاع دائم بين الاهالي والعناصر المسلحة، ويتمسك السكان بالجيش اللبناني الذي اخذ يشدد قبضته، اضافة الى التوتر الدائم والمتزايد بين عناصر الحزب وعناصر حركة "امل" التي اعلن رئيسها رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري ان ما شهده جنوب لبنان "هو اخر حروب الآخرين على ارضنا".
باختصار يبدو "حزب الله" الآن كأنه وضع في زاوية يقابله رفض السكان اي وجود مسلح وترحيب بالجيش لكي يمسك نهائياً بالامن.
سياسياً اشارت المصادر الديبلوماسية الى ما قاله الوزير كريستوفر اثناء جولته على دول المنطقة عندما لمح الى ان عرقلة المفاوضات هي التي ادت الى ما حصل في لبنان. ما يعني ان الاتصالات الديبلوماسية المكثفة التي سبقت وقف النار كانت تركز على آفاق مفاوضات السلام قبل اي شيء آخر. لقد استخدم الاميركيون والاسرائيليون في العدوان على الجنوب كل الوسائل لايصال رسائل واضحة الى كل الاطراف أن هذا العدوان قابل للتصعيد... لكن استجابة الشروط الاسرائيلية استعجلت وقف النار.
وتسود بيروت اجواء ان ورقة سلاح "حزب الله" وانتشاره المسلح في الجنوب وضعت جدياً على الطاولة وبدأ البحث في انهاء هذا الملف.
ورأت المصادر الديبلوماسية المطلعة ان القرار بنشر الجيش في الجنوب والذي وصلت طلائعه الى القرى الامامية لاقليم التفاح للمرة الاولى جباع وعين بوسوار، اضافة الى القرار بانتشاره في منطقة عمليات قوات الطوارئ هو عبارة عن مرحلة جديدة بدأت في الجنوب.
من استطاع جمع الاوراق الرابحة بعد هذا العدوان؟
الأمين العام لپ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قال في مؤتمر صحافي اثر وقف النار ان اسرائيل هزمت وان اهداف العدوان فشلت... وان المعركة كشفت نقاط ضعف في الآلة العسكرية الاسرائيلية بدليل ان القوات الاسرائيلية لم تتقدم الى الامام في الجنوب!
لكن الواقع الواضح غير ذلك فاسرائيل حصدت معظم الاوراق من خلال هذه العملية لأن اطلاق اي صاروخ في اتجاه الأراضي المحتلة كاف لتشريد سكان الجنوب مجدداً. كما ان الرسالة الاسرائيلية التي تبلغتها الاطراف المعنية ان المعاندة لم تعد تنفع، بدليل ان الابتزاز انتقل الى يد الولايات المتحدة التي بدأت تستخدم ما تحقق على الأرض لتلوح عبر كلام كريستوفر لكل الاطراف العربية بمصير مشابه لمصير سكان الجنوب والبقاع الغربي.
وتقول مصادر حزبية ان انعكاسات ما جرى ستظهر عبر تغيرات داخلية تنظيمية في "حزب الله". لكن غالبية المصادر الديبلوماسية تدعو الى انتظار نتائج جولة كريستوفر على دول المنطقة باعتبارها الجولة التي ستهدف الى صوغ نتائج ما حدث عسكرياً وديبلوماسياً صياغة نهائية.
ايران: استثمار معارضة المفاوضات لتحقيق مكاسب في العلاقات الخارجية
في طهران اكدت مصادر مطلعة لپ"الوسط" ان وزير الخارجية الايراني علي اكبر ولايتي الذي قام بزيارة عاجلة لدمشق وافق من حيث المبدأ على بسط الحكومة اللبنانية سيطرتها العسكرية والامنية الكاملة على الجنوب ونزع سلاح "حزب الله" و"المقاومة الاسلامية" اذا أبرم اتفاق سلام بين اسرائيل ولبنان يتم بموجبه انسحاب القوات الاسرائيلية من الشريط الحدودي وفق قرار مجلس الامن الرقم 425.
وكان ولايتي اجتمع مع الرئيس حافظ الاسد ونقل اليه رسالة خطية من الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني وصفتها المصادر نفسها بأنها "كانت على قدر كبير من الاهمية وتناولت شرح الموقف الايراني من مفاوضات السلام في ضوء العدوان الاسرائيلي على لبنان".
وأضافت المصادر ان الوزير الايراني نقل الى الاسد ووزير خارجيته السيد فاروق الشرع والفاعليات الفلسطينية واللبنانية، خلاصة موقف طهران الذي "بدأ يتعزز لمصلحة المعارضة الايرانية لعملية السلام في المنطقة". وأوضحت ان هذا الموقف من انعكاسات العدوان الاسرائيلي على الامن الاقليمي وعلاقات طهران مع باقي الدول يظهر بالاتفاق الذي تم التوصل اليه في دمشق وينص على وقف المقاومة الاسلامية هجماتها بصواريخ "كاتيوشا" على المستوطنات شمال اسرائيل والسماح لها بمهاجمة الشريط اللبناني المحتل "لئلا تفقد المقاومة مبررات وجودها".
ويعتبر المراقبون ان هذا تطور لافت في تجاه مجمل رؤية ايران لعملية السلام والعلاقة بينها وبين المنظمات الفلسطينية واللبنانية الرافضة المفاوضات. وتبرز خصوصاً العلاقة بين طهران و"حزب الله" والتي ينوي الرئيس هاشمي رفسنجاني تحويل اتجاهاتها وتغيير مسارها. فالعارفون بطريقة تفكيره يستندون الى اسلوبه في حل ازمة الرهائن الغربيين في لبنان والتي ارادها مقدمة مباشرة لنقل "حزب الله" الى مواقع العمل السياسي من خلال دفعه الى المشاركة في السلام الذي يعيشه لبنان وفي اللعبة السياسية والبرلمانية.
رسالة واحدة بنسخ مختلفة
ولذلك ركز ولايتي في لقائه قادة "حزب الله" على شرح الموقف الايراني الذي سيبقى معارضاً لعملية السلام في المنطقة "لكن اساليب هذه المعارضة ستتغير اذا انسحبت اسرائيل من الأراضي اللبنانية". وأراد وهو يحول سفارة بلاده في دمشق غرفة عمليات "سياسية" ان يبلغ رسالة واحدة بنسخ مختلفة، واحدة منها الى "حزب الله" وتحمل مضموناً شرحه رفسنجاني في مناسبات مختلفة وهو يعلق "متأخراً" عن مرشد الثورة آية الله خامنئي على العدوان الاسرائيلي وانعكاساته. ومما قاله رفسنجاني بعد يوم من اعلان التوصل الى اتفاق لوقف الهجمات الاسرائيلية على لبنان "بذلت ايران الجهود لوقف العدوان الصهيوني على لبنان"، و"ان هذه الجهود أثمرت في النهاية".
ويشير بعض الاوساط المراقبة لاتجاهات الرأي في ايران الى ان رفسنجاني تعمد التأخر في ادانة الاعتداءات الاسرائيلية، وكان متأخراً "اكثر مما ينبغي" عن مرشد الثورة المعروف بصلاته الشخصية مع زعماء "حزب الله" ولا سيما منهم امينه العام السيد حسن نصرالله الذي يكن له "احتراماً شخصياً ويعتبره من علية العلماء المجاهدين ليس في لبنان فحسب بل على صعيد المؤسسة الشيعية المؤيدة لايران".
ويحمل تعليق رفسنجاني الذي جاء اثناء لقاء للرئيس مع مجموعة من طلاب الدكتوراه من الايرانيين الدارسين في الداخل والخارج، دلالات عدة الى طبيعة النهج السياسي الذي يرسمه لمرحلة اعادة البناء وتطبيق برنامجه الاصلاحي، اذ تحدث عن "جهود سياسية" لوقف الهجمات الاسرائيلية على لبنان، وعرج من خلالها على التأكيد مجدداً انه ماض في برنامجه الاصلاحي وهو راض تماماً عن النتائج التي اثمرتها الخطة الخمسية الأولى.
ولم تتحدث طهران علناً عن اتفاق مع اسرائيل لكنها عبر تصريحات كبار المسؤولين فيها شددت على ان اتفاقاً لوقف النار ووقف الهجمات الاسرائيلية قد تم بالفعل بسبب الجهود السياسية. وقال ولايتي "ان التنسيق الذي تم بين ايران وسورية ولبنان وحركة المقاومة احبط المخطط الصهيوني". وأكد في طهران انه نتيجة هذا التنسيق "افلحت المقاومة اللبنانية من دون تراجع عن مواقفها في اقرار الهدوء النسبي في المنطقة" كأنه كان يشير بذلك مداورة الى موقف معارض داخل قيادة "حزب الله" لأي اتفاق مع اسرائيل على وقف قصف المستوطنات الشمالية.
ولكي تخلط طهران الاوراق "ريثما تتضح الصورة" على حد ما تقول المصادر المطلعة، فقد وجهت بطرق مختلفة قبل وقف العدوان، تحذيرات مباشرة الى اسرائيل والولايات المتحدة من ان تلجأ المنظمات الفلسطينية المعارضة لعملية السلام و"حزب الله" الى وسائل خاصة وصفتها الاذاعة الايرانية بأنها ستكون خارج دائرة القرارات الصادرة عن مجلس الامن، لوقف العدوان. وأصدرت حركة "الجهاد الاسلامي" في فلسطين بياناً هددت فيه بضرب المصالح الاميركية في العالم، فيما قال زعماء "حزب الله" انهم سيلجأون الى اساليبهم الخاصة لوقف الهجمات الاسرائيلية اذا استمر العدوان، وذلك بعد بضع ساعات من خروج السيد حسن نصرالله وباقي قيادات الحزب من مبنى السفارة الايرانية في دمشق.
"حزب الله" وخلط الاوراق
ويبدو ان "حزب الله" يرغب هو الآخر في مسايرة حليفه الاستراتيجي في ايران لعبة خلط الاوراق او انه - وفق بعض الاوساط - لم يكن مرتاحاً جداً الى الحل السياسي الذي ايده وزير الخارجية الايراني لوقف العدوان. وأياً يكن الامر فان رسالة رفسنجاني الى الاسد ونسخها التي "طبعت" في السفارة الايرانية في دمشق كانت تؤشر الى الموقف السياسي الجديد الذي تحبذه طهران لمعارضة عملية السلام في المنطقة، وينطلق من اسس واعتبارات تحاول الجمهورية الاسلامية استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية على صعيد علاقاتها الاقليمية والدولية.
فايران التي قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع مصر بعد توقيع اتفاقي كامب ديفيد، وظلت تبرر - سياسياً على الاقل - تلك القطيعة اثناء "الخضات" التي يمر بها مشروع اعادة تطبيع العلاقات الايرانية - المصرية خصوصاً لملاءمة المزاج الشعبي الداخلي الذي لن يقبل بسهولة التحول في السياسات، لا تريد ان تفقد حليفتها الاستراتيجية سورية التي خاضت الجولات العشر من المفاوضات مع اسرائيل وهي مستعدة - على حد الرؤية الايرانية - للاستمرار في حضور المزيد منها. كما انها تعلم جيداً ان سورية ستوقع على اتفاق سلام مع اسرائيل اذا نفذت الدولة العبرية القرارات الدولية ومنها القراران 242 و338.
ولذلك فان استمرار القطيعة مع مصر مثلاً لا يصبح مبرراً الى ما لا نهاية الا اذا ارادت ايران العودة الى ما قبل الشروع ببرنامج الاصلاح الذي اكد رفسنجاني انه سيستمر.
ويرى محللون ايرانيون، ويشاطرهم الرأي خبراء في الشؤون الايرانية ان الموقف السياسي الايراني الرافض عملية السلام سيتعزز بعد العدوان، ولكن في اتجاه تطبيق بنود برنامج الاصلاح الذي يتكىء على الانفتاح في العلاقات الدولية وجلب رؤوس الاموال والحصول على التكنولوجيا المتقدمة.
وستفيد ايران من الاجواء الجديدة التي اوجدها عدوان اسرائيل على الساحتين الاقليمية والدولية لتقوية برنامج الانفتاح السياسي على الدول حيث تجد الدعوات الاميركية الى عزل ايران نفسها تقف على شفا هاوية وستنطلق ايران في توسيع علاقات ايجابية مع جميع الدول، ولا سيما منها العربية، مستفيدة من الاشارات التي بعث بها ولايتي اثناء وجوده في دمشق، والتي تزامنت مع الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول الجامعة العربية اذ قال ولايتي ان لهذا الاجتماع اثر كبير في وقف اسرائيل هجماتها على لبنان.
هكذا اذن باختصار الرؤية الايرانية وهي تعكس رغبتها في تحسين الامن الاقليمي وعلاقاتها مع الدول، ويذكر ان المحادثات التي اجراها في طهران المبعوث الشخصي للرئيس الروسي بوريس يلتسن والتي كانت اساساً مقررة للبحث في تطورات الازمة في طاجيكستان وأفغانستان، اذ ان يفغيني بريماكوف بحث مع الايرانيين في موضوع السلام في الشرق الاوسط، فعقدوا معه صفقة تساعد طهران بموجبها موسكو لتجنب الوقوع في المستنقع الطاجيكي في مقابل سعي روسيا الى تحسين علاقات ايران مع بعض الدول الغربية.
دمشق: أهداف اسرائيلية لم تتحقق ودعم المقاومة... سيستمر
ورأت دمشق منذ البداية ان العدوان استهدف اساساً الموقف التفاوضي السوري واللبناني بالتركيز على اسقاط المقاومة من اليد العربية، وضرب جملة الانجازات التي تحققت على صعيد السلام الداخلي اللبناني اخيراً بدعم سوري.
ويضيف المراقبون هدفاً اسرائيلياً آخر توافق عليه واشنطن، اضافة الى ضرب المقاومة، هو ازالة النفوذ الايراني في لبنان كجزء من استراتيجية اميركية لاحتواء ايران، وعلى المدى البعيد البعيد ضرب العلاقة السورية - الايرانية.
هل حققت اسرائيل هذه الاهداف؟
تصريحات المسؤولين السوريين بمن فيهم الرئيس حافظ الاسد اكدت ان الدعم السوري للمقاومة مستمر على اساس حق هذه المقاومة في العمل ما دام الاحتلال مستمراً. وقال بعض المراقبين، اذا كانت اسرائيل دخلت لبنان لضرب حزب الله وباقي الفصائل عسكرياً فان القدرة العسكرية لحزب الله نجحت في الصمود والبقاء. اما اذا كان الهجوم لمنع وقوع الكاتيوشا على شمال اسرائيل فان الكاتيوشا لم تكن ابداً سياسة المقاومة ولا سياسة سورية في دعم المقاومة. واذا كان ثمن وقف العدوان هو وقف الكاتيوشا فان اسرائيل لم تحقق شيئاً سوى الدمار والخراب. اما اذا كان الهدف هو ضبط المقاومة ضد الاحتلال سياسياً من خلال موقف لبناني على غرار ما اشار اليه الوزير فارس بويز من ضرورة تناغم المقاومة مع مصالح الدولة اللبنانية فان الاتجاه العام للمقاومة قبل العدوان الاخير كان ذلك تحديداً. وما اندماج حزب الله في مؤسسات الدولة اللبنانية الا خطوة كبيرة على هذا الطريق.
فالحزب وان كان يعارض العملية السلمية، فهو يعارض ايضاً سياسة الكاتيوشا التي يمكن ان تهدد العملية السلمية. ويتمسك بمقاومة الاحتلال وهو ما يعزز موقف المفاوض اللبناني. واذا كانت الاحداث اظهرت ضرورة المزيد من التنسيق والتناغم فانها لم تلغ هذه القاعدة الاساسية. وينطبق هذا المبدأ على العلاقة السورية - الايرانية التي بقيت استراتيجية على رغم مشاركة سورية في العملية السلمية واعتراض ايران عليها.
وأضاف المراقبون في دمشق، اذا كان احد اهداف العدوان ابعاد ايران عن الساحة اللبنانية فان مشاركة الوزير ولايتي في المشاورات التي سبقت اعلان وقف النار واعلان المصادر الايرانية دعم طهران تقوية الجيش اللبناني يؤكدان ان السياسة الايرانية، على رغم موقفها المعارض للعملية السلمية، تأخذ في الاعتبار المواقف السورية واللبنانية التفاوضية واستمرار الدور الايراني في المنطقة.
وأكد هؤلاء ان تقوية الجيش اللبناني هو احد مفاتيح تسوية الوضع في الجنوب اللبناني خصوصاً عندما يتم ذلك في اطار تنفيذ القرار 425. فعندما يستطيع الجيش القيام بدوره في الانسحاب الاسرائيلي، فان مبررات المقاومة ستزول تلقائياً. اما اذا استمرت اسرائيل في رفض الانسحاب فلا الجيش اللبناني ولا الجيش السوري سيحميان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب".
اما بالنسبة الى المواقف التفاوضية السورية واللبنانية فان مؤشرات نتائج الغزو يمكن ان تظهر اثناء زيارة الوزير كريستوفر للمنطقة وفي الجولة المقبلة من المفاوضات. لكن مصادر مطلعة في دمشق تشدد على "ان هذا العدوان لن يؤدي الى اي تغيير في تمسك سورية بالانسحاب الاسرائيلي التام من الجولان وبالحل الشامل وبالتنسيق السوري - اللبناني، او برفض سورية ولبنان البحث في الترتيبات الامنية قبل اعلان اسرائيل الواضح والصريح الانسحاب التام. كما ان العدوان لن يدفع سورية الى القبول بما يرفضه الجانب الفلسطيني من طروحات تتجاهل القدس والولاية الجغرافية وحق تقرير المصير. اضافة الى الاجماع العربي على سياسة دمشق التفاوضية والذي ظهر في الاجتماع الوزاري العربي".
لكن للعدوان نتائج سلبية جداً على نظرة سورية الى مجلس الامن ودوره، اذ تعتبر دمشق "ان المجلس فقد صدقيته تماماً" وهو ما سيكون له تأثير في مواقفها من سياساته في المستقبل.
ويمكن القول ان وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه يعطي فرصة جديدة للعملية السلمية من خلال جولة كريستوفر وجولة المفاوضات المقبلة لأن سورية ترى "ان الهدف الاسرائيلي الاساسي من هذه الغزوة هو منع استحقاقات العملية السلمية في ما يتعلق بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وخلال هذه الفترة تأخذ المقاومة دروس الحرب الاخيرة وتعيد تنظيم عملها بأسلوب يؤلم اسرائيل ولا يعطيها ذرائع للهروب الى الامام من العملية السلمية".
اميركا : استثمار العملية لدفع مفاوضات السلام
التصريح الذي اطلقه وزير الخارجية الاميركي وارين كريستوفر لدى وصوله الاسكندرية، في بداية جولته التي قادته الى اسرائيل والاردن وسورية، ومطالبته بالافادة من الوضع المأسوي في لبنان، دلتا بوضوح الى رغبة اميركية في استغلال العملية من اجل محاولة دفع مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية.
على الصعيد العسكري، رحبت الادارة الاميركية بقرار الحكومة اللبنانية نشر قوات من الجيش اللبناني في منطقة انتشار القوات الدولية في الجنوب، وأعلنت تأييدها اعادة بناء الجيش بموجب اتفاق الطائف لتمكينه من المساهمة في مسيرة انعاش لبنان. الا انها، في المقابل، اعتبرت تزويده اسلحة اميركية امراً سابقاً لأوانه.
وعلى الصعيد الاقتصادي - المدني قررت لجان تابعة لوزارة الخارجية الاميركية، اثر اجتماعات عقدتها للبحث في حجم المساعدات التي يمكن الولايات المتحدة تقدميها الى لبنان درس امكان تخصيص مبلغ يتراوح بين 6 - 7 ملايين دولار فقط، بحجة العجز وضغوط تعاني منها الموازنة الاميركية.
وغني عن القول ان الموقف الاميركي يهدف الى توجيه رسالة الى الحكومة اللبنانية مفادها ان الولايات المتحدة ستكون على استعداد لمد لبنان بالمزيد من المساعدات، ولكن بصورة تدريجية، وبشروط معينة منها العمل على تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل او فرض السيادة اللبنانية على الأراضي بالطبع من دون منطقة الشريط الحدودي المحتل.
وما من شك في ان الشرط الاهم يقضي بضرورة تجاوب لبنان مع الطروحات الاسرائيلية لمجالات التوصل الى حل في شأن منطقة الشريط الحدودي، نظراً الى ان المواقف التي طرحها كريستوفر خلال جولته لا تزال تميل الى تأييد النظرة الاسرائيلية لماهية الحلول التي يمكن التوصل اليها بين اسرائيل وجاراتها العربية.
كريستوفر في القاهرة
وقبيل ساعات من وصول وزير الخارجية الاميركي الى القاهرة الاثنين 2 آب/ اغسطس الجاري التقى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى والمستشار السياسي للرئيس المصري الدكتور اسامة الباز. وطلب الزعيم الفلسطيني نقل وجهة النظر الفلسطينية الى كريستوفر لانعدام الاتصال المباشر بين الادارة الاميركية ومنظمة التحرير.
ولعب الرئيس مبارك في المحادثات التي اجراها منفصلة مع كريستوفر وعرفات في قصر رأس التين في مدينة الاسكندرية دور الوسيط الايجابي لتقريب وجهات النظر في المسارين الفلسطيني- الاسرائيلي والسوري - الاسرائيلي، لاعطاء الجولة المقبلة من المفاوضات دفعة تمكنها من الدخول الى جوهر المواضيع والاتفاق على اعلان للمبادئ في كل المسارات.
وبدا من تصريحات السفير الفلسطيني في القاهرة السيد سعيد كمال الخوف من فصل المسارات بعضها عن بعض، وهو ما أكده بقوله ان التنسيق مستمر بين الدول العربية المعنية بعملية السلام، وان احراز تقدم في احد المسارات مرتبط باحراز تقدم في المسارات الاخرى، وان وزراء خارجية دول الطوق متفقون تماما على وجوب الحل الشامل.
وأكدت مصادر فلسطينية في القاهرة لپ"الوسط" ان الجانب الفلسطيني لم يقدم اي مقترحات جديدة خلال زيارة كريستوفر للقاهرة في انتظار ما سيحمله من اقتراحات وصيغ لاستئناف المفاوضات.
واعلن الرئيس المصري اثر محادثاته مع كريستوفر "ان المفاوضات الثنائية ستبدأ قريباً". وقال: "لا اعتقد بأن ايا من الاطراف يعارض بدء التفاوض حتى بعد الذي حدث في لبنان"، وهو ما فسر انه اقتناع الادارة المصرية بالمشروعين اللذين طرحهما كريستوفر امام مبارك بالنسبة الى المسارين السوري والفلسطيني. ورفض الجانبان المصري والاميركي الافصاح عن تفاصيل المشروعين الى ان توافق عليهما سورية والوفد الفلسطيني الى المفاوضات والمسؤولون الاسرائيليون.
وقال مصدر اميركي في القاهرة لپ"الوسط" ان الافكار التي حملها كريستوفر لدفع المفاوضات هدفها انهاء الجمود "ولا نستطيع الحديث فيها الا بعد موافقة الاطراف عليها".
واضاف ان الوزير الاميركي ابلغ القاهرة انه يحمل ضمانات الى كل من سورية ولبنان لعدم تكرار اسرائيل القيام بعمليات عسكرية ضد اللبنانيين، وان الادارة الاميركية تسعى حاليا الى دفع التفاوض للوصول الى تسوية مرضية لجميع الاطراف من خلال الدخول في مرحلة اتخاذ القرارات.
ولم يتطرق مبارك وكريستوفر مباشرة في مؤتمرهما الصحافي الى القضية الرئيسية موضوع الخلاف في المسار الفلسطيني، وهي القدس ومسألة الولاية الجغرافية الكاملة للفلسطينيين على الاراضي المحتلة خلال المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي. واكتفى الدكتور اسامة الباز بالقول ان الفلسطينيين سيعيدون بلورة مواقفهم من المشروع الاميركي للحكم الذاتي على ان يحمل موقفهم النهائي الوفد الفلسطيني، وان كريستوفر سيطلع على وجهة النظر الاسرائيلية ليعيد الجانب الاميركي درس المسودة التي قدمها في ضوء اقتراحات الجانبين ثم يعاود الاتصال بالوفدين الفلسطيني والاسرائيلي في وقت لاحق.
وتناولت محادثات كريستوفر في القاهرة قضية البوسنة - الهرسك والازمة الليبية - الغربية وقضية الشيخ عمر عبدالرحمن زعيم "الجماعة الاسلامية" المصرية.
واطلع الرئيس المصري من جانبه الرئيس الفلسطيني على نتائج محادثاته مع وزير الخارجية الاميركي، مشيرا الى ضرورة استئناف محادثات السلام في واشنطن باعتبارها طريقا لتحقيق تسوية عادلة في المنطقة.
واللافت ان وزير الخارجية الاميركي تحدث اثر محادثاته مع الرئيس مبارك عن ضرورة التقدم لانجاز جدول الاعمال على المسارين السوري - الأسرائيلي والفلسطيني - الاسرائيلي. وأغفل عمدا الحديث عن جدول الاعمال الاردني - الاسرائيلي الئي ربما اعتبره ناجزا او شبه ناجز على الاقل.
وفي رد على سؤال من "الوسط" هل يبحث كريستوفر مع سورية ولبنان واسرائيل في امكان اسناد دور الى قوات اميركية في ما يسمى الحزام الامني في جنوب لبنان قال مصدر في الخارجية الاميركية: "لا اظن اننا نود البحث في ذلك علناً الآن. وهذا لا يعني في الضرورة ان المسألة ستناقش.
دمشق وزحلة والقدس وعمان
وانتقل كريستوفر الى القدس المحتلة حيث عقد اجتماعات مع مسؤولين اسرائيليين وفلسطينيين، ومنها الى دمشق فزحلة في البقاع اللبناني، وعاد الى القدس المحتلة ومنها الى عمان.
وصرح رئيس الوزراء الاسرائيلي بأن الوزير الاميركي حمل الى اسرائيل انباء سارة عن مفاوضات السلام بعد زيارته سورية ولبنان.
وأضاف في ختام لقائه كريستوفر: "انها البداية فقط وأمامنا طريق طويل".
وقال كريستوفر: "من الصواب القول ان عملية السلام أنقذت وعادت الى مسارها وقد اعجبت كثيراً بالمواقف الجدية لجميع الاطراف". وكان صرح انه يحمل رسالة "مهمة" من سورية ورفض الافصاح عن اية تفاصيل.
ولم تكن زيارة الوزير الاميركي للبنان مدرجة في جدول أعماله
المعلن على الاقل. وكان عنوان محادثاته في زحلة مع المسؤولين اللبنانيين، العدوان الاسرائيلي على الجنوب، وقال كريستوفر ان الجهود التي بذلها هي التي ساهمت في ردع العدوان بدليل ان اسرائيل سمحت بعودة النازحين بعدما كانت ترفض ذلك كما انها كانت تستعد لتوسيع العدوان بعدما استقدمت تعزيزات آلية الى الشريط الحدودي.
وأشار الوزير الاميركي في حديثه الى ان اطلاق "حزب الله" صواريخ "كاتيوشا" هو الذي دفع الاوضاع الى هذه الحافة من التدهور ملمحا الى انه لا يمكن الاستمرار في هذه الطريقة.
واستفسر عن القرار بنشر الجيش اللبناني في منطقة الطوارىء، وبعدما استمع الى شرح المسؤولين اللبنانيين عن اهمية وابعاد الموضوع اثنى عليه مؤكداً دعم واشنطن هذا الانتشار.
وحذر الجانب اللبناني من ان تكرار العدوان قد يطيح عملية السلام ومشاركة لبنان في المفاوضات. وأكد أن المقاومة حق مشروع ما دام الاحتلال قائماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.