كان من المقرر أن يكون الشيخ رابح كبير مع بقية قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ في سجن البليدة العسكري الذي يحمل اسماً يكاد يكون ساخراً ومستفزاً للاسلاميين هو "ادارة إعادة التربية والتأهيل". غير انه خرج من المعتقل العام الماضي "لاسباب إجرائية" بعدما اعتقل مع رفيقه في العمل الاسلامي عبدالقادر حشاني اثر الانقلاب الذي حرم الجبهة من انتصارها في اول انتخابات تعددية في الجزائر. وتوجه الى المانيا متخذاً منها منفى ومقراً لنشاطه ناطقاً رسمياً باسم الجبهة في الخارج، وتلقى ترحيباً من مسؤولين في الحزب الاشتراكي الاجتماعي المعارض في المانيا فسهلوا له اقامته وحصل على إذن اقامة كطالب لجوء سياسي، ونشط في تمثيل الجبهة والاتصال بكل الجبهات، غير انه ركز على العمل في داخل الجزائر وليس على صعيد التحرك الديبلوماسي والحصول على تأييد الماني علني لقضيته. وأكدت مصادر مقربة من الجبهة الاسلامية ان الالمان كانوا واضحين منذ البداية، وانهم لن يقدموا اكثر من حق اللجوء السياسي وغضّ الطرف عن نشاط رابح كبير. ولم يستقر كبير في مكان واحد لاسباب أمنية، اذ أكدت له مصادر غير المانية ان الحكومة الجزائرية تلاحقه، كما كان يرفض كشف مقر اقامته الا لعدد قليل من المحيطين وكانت كولون آخر المدن التي استقر فيها قبل انتقاله الى سكيرجن القريبة من العاصمة بون. وجاء توقيف السلطات الالمانية رابح كبير مفاجأة كبيرة لانصار الجبهة الاسلامية. صحيح ان توقيفه اجراء روتيني كونه مطلوباً في الجزائر، كما ان الانتربول يلاحقه... لكن الخارجية الالمانية تدرك البعد السياسي لقضيته وليس "الجنائي"، كما يتم التعامل مع القضية حالياً. حتى اذا خرج الشيخ كبير في الايام المقبلة، فان اعتقاله كان رسالة واضحة من المسؤولين الالمان انهم هم ايضاً لم يعودوا يرحبون بالقيادات الاسلامية المعارضة لبلدانها وسيكون على كبير البحث عن مكان آخر. وكانت عائلة الشيخ عباسي مدني لجأت هي ايضاً الى المانيا حيث تقيم زوجته وأربعة من ابنائه اعتقل احدهم، اسامة، فيما اختفى اثنان آخران هما سلمان واقبال اللذان تلاحقهما السلطات الجزائرية، وجميعهم خرجوا من الجزائر سراً وعاد احدهم، سلمان، سراً ايضاً الى الجزائر حيث امضى بضعة ايام زار خلالها والده في سجن البليدة قبل ان يخرج الى المانيا مجدداً. وبرز رابح كبير في الصف الاول من قادة الجبهة اثر اعتقال شيخيها عباسي مدني وعلي بلحاج بعد العصيان المدني صيف 1991 الذي اسقط حكومة مولود حمروش. وفي فترة الانتخابات الاشتراعية ظهر استاذ الفيزياء في ثانوية مدينة القل الساحلية مساعداً لعبدالقادر حشاني المهندس في شركة البترول الحكومية، وقاد الشابان الجبهة الى انتصارين مهمين صنعا تاريخ الجبهة وجزءاً من تاريخ الجزائر، الاول في باتنهالمدينة الجبلية التي احتضنت اجتماعات قادة ثوار الجزائر اثناء حرب التحرير واختارها قادة الانقاذ للمّ شملهم واختيار قيادة شرعية بعد اعتقال مدني وبلحاج في حزيران يونيو 1991 وثلاثة من اعضاء مجلس شورى الجبهة الذي يمثل قيادتها المركزية، وخرج آخرون من المجلس متحدّين سيطرة مدني وبلحاج، وبدت الجبهة كأنها انقسمت في فترة حرجة، وقبيل الانتخابات الاشتراعية الحاسمة ببضعة أشهر وفي باتنه نجح حشاني وكبير في إبراز قيادة شرعية موقتة عرفت بالمجلس الوطني التنفيذي الموقت الذي ترأسه حشاني واصبح كبير نائباً له، ومن هناك انطلقا يخططان للانتخابات في ظل ظروف صعبة كاعتقال القادة التاريخيين للجبهة وحال الطوارئ ومضايقة السلطات. فأعلنا قبل الانتخابات ان الجبهة ستدخلها بقوة بعدما تركت انطباعاً انها لا تنوي المشاركة الا بعد تلبية شروطها التعجيزية ومنها اطلاق المعتقلين والانتخابات الرئاسية المبكرة... ويقول كبير ان ذلك كان "لإلهاء النظام والجيش ريثما نرتب اوضاعنا، اما القرار بدخول الانتخابات فكان لا رجعة فيه". ونجحت الجبهة نجاحاً كاسحاً في الانتخابات في الجولة الاولى في 27 كانون الاول ديسمبر 91، واصبح حصولها على الغالبية المطلقة في اول برلمان تعددي مجرد تحصيل حاصل لو ان الجولة الثانية عقدت في 27 من الشهر التالي، اي كانون الثاني يناير 92. وقبل الموعد المحدد بأربعة ايام حصل الانقلاب والغيت الانتخابات فصعّدت الجبهة حملتها ضد النظام الجديد واعتقل حشاني ثم كبير مع آلاف آخرين من انصار الجبهة الاسلامية. وكان القانون المدني لايزال سائداً وقتذاك في الجزائر قبل استخدام قانون الطوارئ ذي الصلاحيات الواسعة للسلطة، وخرج كبير من السجن لاسباب اجرائية ووضع تحت الرقابة الجبرية في مدينته الساحلية الهادئة "القل" البعيدة عن العاصمة اكثر من 300 كيلومتر. وهناك من يردد رواية اخرى ان للشيخ رابح اصدقاء في السلطة او انه اريد له أن يبقى ممثلا للاطراف المعتدلة خارج السجن اذ ربما احتاجت السلطة الجديدة الى ابرام اتفاق معه بعد كسر شوكة الجبهة، خصوصاً ان جميع قادتها وزعوا بين المعتقلات او الاضطرار الى التخفي والعمل السري، فكان كبير الوحيد بينهم يدلي بتصريحات صحافية بين حين وآخر، معلقاً فيها على الاحداث في بلاده. وفي ايلول سبتمبر الماضي خرج كبير مع عائلته من الجزائر سراً ولايزال يرفض شرح الطريق الذي اتبعه "لأن الاخوة لا يزالون يستخدمون الطريق ولا فائدة من ذكره الآن والأهم ان خروجي وخروج الآخرين وكذلك قدرتنا على دخول الجزائر ايضا أكدت مدى تجاوب الشعب معنا الذي فتح لنا بيوته وعرّض حياته وحريته للخطر"… كما قال لپ"الوسط"، قبل ايام من اعتقاله. واذا سلمت المانيا الشيخ رابح الى الجزائر فان ذلك سيؤدي الى اكثر من حرج للدولتين، فبلاده حكمت عليه بالاعدام اذ اتهمته بالتورط في حادثة تفجير المطار التي سقط فيها عشرات القتلى، وهي الحادثة التي تتهم الجبهة "الاجهزة السرية" القريبة من السلطة بتدبيرها. وسيكون اعدامه تصعيداً خطيراً في العلاقة المتدهورة بين السلطة والجبهة. غير ان من الثابت ان نشاط كبير داخل الجزائر وتنسيقه بين الجماعات المسلحة ومحاولته توحيدها وحضها على الاعتراف بشرعية الجبهة الاسلامية للانقاذ وقادتها أثار امتعاض السلطات الجزائرية ما دفعها الى الالحاح على المانيا لتسليمه مستخدمة بذلك اصدقاءها في فرنسا. ويذكر ان مذكرة القبض عليه صادرة عن الانتربول في مدينة ليون الفرنسية. وبينما يستبعد ان تسلمه المانيا لعدم وجود اتفاق على تبادل المطلوبين بينها وبين الجزائر، وخوفاً من الانتقاد الشعبي لتسليم معارض سياسي الى منصة الاعدام وما يمكن ان يؤدي اليه ذلك من الاساءة الى علاقتها بالتيارات الاسلامية داخل اراضيها وخارجها - المعروف ان للاسلاميين الاتراك وجوداً قوياً في المانيا فان المتوقع ان تبعده الى دولة اخرى او تفرض عليه قيوداً تمنعه من النشاط العام اذا منح حق اللجوء السياسي.