قرأت ان الكتاب المفضل لدى الرئيس بيل كلينتون هو "تأملات" لماركوس اوريليوس، وتذكرت فوراً ان برلنتي عبدالحميد، في مذكراتها الأخيرة، قالت انها قرأت تولستوي ودستويفسكي وماركس وانغلز، الا أنني أبقى اليوم مع الرئيس الاميركي. ويلاحظ القارئ فوراً المصادفة في ان الرئيس هذا هو رئيس العالم لا الولاياتالمتحدة فقط، كما كان ماركوس أوريليوس 121 - 180م حاكم العالم المعروف في زمنه حول البحر الابيض المتوسط. ومصادفة اخرى ان "تأملات" ماركوس أوريليوس اعتمدت كثيراً على فلسفة المدرسة الايليوية وتفكير زينو او زينون الذي نبغ في سيتيوم، او لارنكا في قبرص اليوم، حوالى 300 ق.م، وعلّم فلسفته عند الأعمدة الملونة الأكاديمية أثينا فأطلق اسمها على مذهبه الفلسفي. اذا صح ان الرئيس كلينتون معجب بتعاليم ماركوس أوريليوس فلا سبب عند العرب للخوف من سياسته، لأن الامبراطور - الجنرال - الفيلسوف يرفض ظواهر الامور، كما رفض زينون الملاحظة الحسية باسم البرهان العقلي. ولن "أطفش" القارئ بدرس في الفلسفة، وإنما اكتفي بأسهل مادة متوفرة مثل: - لا تتسرع بالتصرف وفق الانطباع الأول التأملات، الكتاب الخامس، الفكرة 36 - انظر تحت السطح ولا تدع جوهر الأمور يفوتك الكتاب السادس، الفكرة الثالثة - واجه الامور مباشرة، واعرف حقيقتها لا ظاهرها الكتاب الثامن، الفكرة الخامسة. وبما اننا خفنا دائماً ان يكون الرئيس كلينتون من جيل شابّ، نسبياً، في السياسة الاميركية، تشبع بالدعاية الصهيونية اكثر من الجيل الذي سبقه، فاننا قد نطمئن الآن اذا علمنا ان أهم مؤثر فكري فيه هو "تأملات" ماركوس أوريليوس. وكان كلينتون قبل وصوله الى البيت الابيض أدلى بتصريحات من جانب واحد لتأثره بالفكر المؤيد لاسرائيل المحيط به، الا اننا نفترض انه سيتلقى في البيت الابيض معلومات من الطرفين، وسيتخذ بشأنها قرارات مناسبة مستعيناً بقول ماركوس أوريليوس "اذا جاءني انسان وأثبت انني مخطئ فسيسعدني ان أغير رأيي، لأنني أطلب الحقيقة وهي لم تؤذ أحداً، فما يؤذي هو الاصرار على خداع النفس والجهل" الكتاب السادس، الفكرة 21. هل يتصرف كلينتون بعدل واعتدال اذا تجمعت له الحقائق؟ معلمه ماركوس اوريليوس يقول "تصرف التصرف الصحيح بكرامة طبيعية، وبانسانية واستقلالية وعدل". الكتاب الثاني، الفكرة الخامسة وسيطمئن العرب كذلك اذا تذكروا ان الرئيس الجديد جعل حقوق الانسان حجر الزاوية في سياسته، أو هذا ما سمعنا منه. ولا بد ان ما دفعه الى هذا الموقف قراءته في "تأملات" ماركوس أوريليوس قوله "لن تستريح حتى تطيع الحق" الكتاب الحادي عشر، الفكرة 29، واذا زعمت لنفسك صفات الطيبة والتواضع والصدق وصفاء الذهن وطلب الحق فاحذر الا تتخلى عنها، وإذا حدث ان قصّرت، فاطلب هذه الصفات من جديد فوراً. الكتاب العاشر، الفكرة الثامنة. وقرأت ما بدا لي انه نصيحة قيمة من الامبراطور الروماني الى تلميذه الاميركي، فالرئيس كلينتون ربما قال انه ينفذ سياسة في الشرق الاوسط وضعها الرؤساء الاميركيون الذين تعاقبوا على الحكم قبله، غير ان ماركوس اوريليوس يحذر من ان الخطأ لا يبرر الخطأ ويقول "الانسان لا يخطئ بما يفعل، بل أيضاً بما لا يفعل". الكتاب التاسع، الفكرة الخامسة، و"اذا لم يكن العمل صحيحاً فلا تعمله، وإذا لم يكن القول صادقاً فلا تقله". الكتاب 12، الفكرة 17. بل ان ماركوس أوريليوس بدا وكأنه ينصح الرئيس الجديد الا يركز على القضايا المحلية، كما وعد، ويهمل الشؤون الخارجية، فهو قال في تأملاته "ان نظام العالم وحدة تقوم على التعددية" الكتاب السابع، الفكرة التاسعة، و"لا يهم ان يكون الانسان هنا او هناك، طالما انه ينظر الى العالم كمدينة والى نفسه كمواطن فيها". الكتاب العاشرة الفكرة 15. ويبدو ان ماركوس أوريليوس صاحب نظرة مستقبلية فهو قدر ان تلميذه الاميركي سيكون محاطاً بأنصار اسرائيل من كل جانب، لذلك حذره قائلاً "لا تنقل أفكار الآخرين او تدعهم يملون عليك رغباتهم، بل اطلب الحقيقة بنفسك" الكتاب الرابع، الفكرة الحادية عشرة. وحذر الامبراطور الروماني كل حاكم بعده من طلب التجديد او الشهرة على حساب الحق والحقيقة، فهو قال "عندما تبكي على المنصة طلباً للأصوات تذكر يا صديقي ما هي القيمة الحقيقية لها". الكتاب الخامس، الفكرة 36. و"ما هي الشهرة الأبدية؟ ألسنا نسعى الى شيء فارغ؟ ماذا نطلب اذاً؟ فقط الفكر العادل والعمل المجرد واللسان المنزه عن الزيف" الكتاب الرابع، الفكرة 33. وتوقفت أمام نصيحة تظل صالحة اليوم وغداً ورغم قدمها، فالامبراطور الروماني يحذر من تقديم المصلحة الفردية على مصلحة الشعب أو المجموع، ويقول "ان ما لا يصلح للنحلة لا يصلح لقفير النحل" الكتاب السادس، الفكرة 54. باختصار، فالرئيس كلينتون سيستفيد كثيراً اذا سمع كلام ماركوس أوريليوس وسنستفيد معه، الا انني لا أملك الا ان أعود الى ما بدأت به، فالرئيس كلينتون يقول انه قرأ "تأملات" الامبراطور الجنرال، وأريد ان أصدقه كما أريد ان أصدق ان برلنتي عبدالحميد قرأت كتاب "رأس المال" بنصه الاصلي الكامل.