ترامب في قمة السلام: لدينا سلام في الشرق الأوسط    "مدرب العراق": المنتخب السعودي سيلعب تحت ضغط كبير    ترمب من قمة شرم الشيخ يشيد بإنجازات ولي العهد السعودي    جامعة جازان تطلق معرض "التعافي" لتعزيز الصحة النفسية    فريق طبي بمستشفى أبو عريش العام ينقذ مريضًا عشرينيًا من مضاعفات فطريات الجيوب الأنفية    انطلاق أعمال ورشة العمل الثانية لأندية السلامة المرورية بجامعات وكليات المنطقة الشرقية    حصول 59 مدرسة تابعة لتعليم مكة المكرمة على التميز المدرسي    أمير المدينة يدشن مشروعات صناعية ولوجستية بقيمة تجاوزت 455 مليون ريال    انطلاق البرنامج التأهيلي "الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز" بمحافظة أحد المسارحة    نائب وزير الخارجية يستقبل نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية    مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ينظم برنامجًا علميًّا في أستراليا    أمير حائل يرعى توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التنمية ويطلع على مستجدات ملتقى "دراية 2"    الحربي: ثقة القيادة دافع لمسيرة جديدة ومشرقة في التايكوندو السعودي    ترمب يضيف سبب آخر لإرتفاعات الذهب    التخصصي" يرسّخ ريادته في العلاجات الجينية بإنتاج الخلايا التائية محليًا    رئيس جمعية حقوق الإنسان يستقبل وفد هيئة حقوق الإنسان    "التحالف الإسلامي" يعقد ندوة فكرية حول التطرف الفكري في البيئة التعليمية في المالديف    مؤسسة سلطان للتسويق تتبنى تدريب بناتنا الأيتام على مهارات التسويق    أمير الرياض يستقبل سفير الإمارات المعين حديثًا لدى المملكة    جمعية القلب السعودية تختتم مؤتمرها السنوي السادس والثلاثين    أنامل العطاء.. حكاية تبدأ بالإيمان وتنتهي بالأثر الجميل    ISSA تعتمد السعودية مركزا إقليميا لتأهيل وتدريب خبراء التأمينات الاجتماعية    افتتاح المركز الثقافي الصيني رسميا في الكويت    إسقاط 103 طائرات مسيرة أوكرانية خلال الليل    لبنان يقدم شكوى لمجلس الأمن ضد إسرائيل    اجتماع سوري- تركي رفيع لتعزيز التعاون الأمني    تأمين إسلامي للاستثمار والصادرات    متهم يدهس خصومه بسيارته عقب «المحاكمة»    د. عبدالله بن عمر بن محمد نصيف في ذمة الله    مثمناً دعم القيادة للتمكين الاقتصادي..الحقيل: 900 مليار ريال حجم التمويل العقاري في السعودية    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    القيادة تعزّي أمير قطر في ضحايا الحادث المروري بشرم الشيخ لمنتسبي الديوان الأميري    باستخدام أحدث التقنيات الجيو مكانية.. هيئة التراث: تسجيل 1516 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني    لقاء الخميسي تعود للدراما ب «روج أسود»    أم تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها للانتحار    العراق وقطر.. لا بديل عن الفوز.. التعادل يكفي الأخضر والأبيض لبلوغ المونديال    الأخضر يكثف تحضيراته لمواجهة العراق.. ورينارد يتحدث للإعلام    الإصابة تغيب حارس الاتحاد عن منتخب صربيا    30 تخصصاً بالتحكيم التجاري    إسرائيل: بدء إطلاق سراح المحتجزين.. اليوم    أكد أنها تهدد مصالح مصر والسودان.. السيسي يحذر من تصرفات إثيوبيا على النيل    القهوة السوداء «دواء طبيعي» يذيب دهون الكبد    "سيف" يضيء منزل المهندس عبدالرحيم بصيلي    وكيل إمارة الرياض يستعرض المستهدفات الزراعية    المنتخب وآخر خطوة    بيع ثلاثة صقور منغولية ب420 ألف ريال    منجزات «الدرعية الصحية» أمام فهد بن سعد    «تطوير محمية الملك سلمان» يوعّي بالطيور المهاجرة    «طبية مكة» تنجح في زراعة سماعة عظمية    تداول يبدأ الأسبوع بانخفاض 88 نقطة    مساعدات غذائية سعودية لأطفال غزة    وساطة سعودية تنهي العمليات العسكرية بين أفغانستان وباكستان    أمانة العاصمة المقدسة تكرم بالبيد    خطيب المسجد الحرام: اتركوا فضول الكلام في غير فنه وتخصصه    13 مليون قاصد للحرمين خلال أسبوع    محافظ الطائف يقدم التعازي لأسرة الزهراني    أمير منطقة جازان يستقبل وزير الصحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة في بحر - الرواية اليتيمة
نشر في الحياة يوم 15 - 02 - 1993


مروان طه المدوّر، كاتب الرواية اليتيمة.
هو كاتب سوري ينشر للمرة الاولى، على رغم تخطيه الخمسين من العمر. عاش بعيداً عن الوسط الادبي وكان يعمل مفتشاً في وزارة الاقتصاد.
أما كونه كاتب الرواية اليتيمة، فلذلك قصة:
أعلن رياض نجيب الريس في وقت سابق من العام الماضي عن "جائزة الناقد للرواية" فتلقى مكتبه عشرات الروايات لكتاب جدد من انحاء العالم العربي، وفي كانون الاول ديسمبر الماضي اعلنت نتائج الجائزة وورد فيها تنويه برواية مروان طه المدور "جنون البقر"، وبعثت دار رياض الريس برسالة الى مروان المدور تعلمه فيها رسمياً بالنتيجة وتطلب منه الحضور الى مقر الدار في بيروت لتوقيع عقد لطباعة روايته، وكانت المفاجأة ان وفداً من اهل مروان المدور حضر الى الدار ليتم اجراءات العقد ويفيد ان المؤلف مات قبل شهر من اعلان نتائج الجائزة.
هكذا جرى نشر رواية مروان طه المدور الوحيدة على انها "رواية يتيمة"، فكأنها، مع فارق ضئيل، اعادة معاصرة ل"القصيدة اليتيمة" المعروفة في التراث العربي كأشهر قصيدة غزل، ولها هي ايضا قصتها:
أصرت فتاة عربية على الزواج من صاحب افضل قصيدة تتغزل فيها، فأتاها الشعراء من انحاء جزيرة العرب ولم تحظ قصائدهم بر ضاها.
وفي الطريق الى قصر الفتاة التقى شاعران، فقرأ كل منهما للآخر قصيدته التي سيلقيها، وأعجب أحدهما بقصيدة الآخر فقتله بعدما حفظ القصيدة غيباً... ووصل الشاعر القاتل الى قصر الفتاة والقى قصيدة القتيل. وحين وصل الى البيت الاخير:
إن تُتهمي فتهامة وطني
أو ُتنجدي أن الهوى نجدُ.
... صرخت الفتاة بلوعة: اقبضوا عليه انه قاتل زوجي. وهي كانت حادة الذكاء حين لاحظت ان لهجته في الالقاء تختلف عن لهجة اهل تهامة حيث موطن المؤلف، فقدرت ان هذا الذي يلقي القصيدة ليس مؤلفها، وهو بالتأكيد قاتله. وسمّيت القصيدة "يتيمة" بسبب وفاة مؤلفها قبل القائها.
***
وبعيداً عن ُيتم الرواية المعاصرة والقصيدة القديمة، نعتقد ان "جنون البقر" ستحتل موقعاً بارزاً في الروايات العربية التي اتخذت من حرب لبنان اطاراً لها او موضوعاً. وهنا نذكر ان العرب غير اللبنانيين كتبوا روايات عدة عن حرب لبنان، لان بيروت كانت تعنيهم كعاصمة ثقافية ولان عدداً منهم كان يناصر المقاومة الفلسطينية التي كان وجودها في لبنان واحداً من عناصر حربه، فالفلسطينيون كتبوا روايات عن شخصيتهم الوطنية حين تتبلور وتواجه هجمات الاعداء والخصوم، والسوريون كتبوا كأدباء افراد عن محنة بيروت، فكان منهم ياسين رفاعية في "الممر" التي اعقبها بروايتين ليتمم ثلاثية عن حرب لبنان، والروايتان هما "دماء بالالوان" و"رأس بيروت". وهجست غادة السمان السورية اللبنانية مبكراً بالحرب في روايتها "بيروت 75" ومن بعدها كتبت رواية "كوابيس بيروت"، لتظهر ملامحُ الانهيار اللبناني في عدد من أعمالها اللاحقة، خصوصاً روايتها "ليلة المليار". ولا ننسى من السوريين قمر كيلاني التي كتبت عن حرب لبنان "بستان الكرز"، وفي معرض الاستعراض نتذكر رواية الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل المبكرة "الشياح" ورواية المصري صنع الله ابراهيم "بيروت بيروت".
* * *
"جنون البقر" لمروان طه المدور أحدث رواية سورية عن حرب لبنان، وربما، بسبب برودة هذه الحرب في ايامنا، يتقدم بناء الرواية الفني محيلاً الى الخلفية الملمح التراجيدي للحرب.
وهذا المؤلف الذي مات قبل ان يرى روايته مطبوعة استطاع الجمع بين مجالي البناء الفني لرواية تتخذ من الحرب اطاراً لها والشحن التراجيدي الذي يصل احياناً الى الهذيان لكنه لا يفلت خيطاً درامياً يضبط الشهادة الواقعية على انهيار وطن.
يختار مروان طه المدور لروايته بطلاً هو الجثة أليست الجثة هي البطل الحقيقي لحرب اخذت اسرارها الكبيرة والصغيرة معها الى المدفن الجماعي؟، ومن خلال استنطاق الجثة نشهد النموذج اللبناني التاجر الذي يفتقر الى تقاليد ويرتفع كيفما كان ارتفاعه من دون النظر الى النتائج واكلافها على الجماعة: ولد قوي يحمي ولداً طائشاً لقاء المال، و"يترقى" الى التهريب المحلي والاقليمي والدولي، ثم يحتل مكانة في نادي تجار السلاح وتجار الشعارات السياسية. وفي رحلة الرجل من "القاعدة" الى "القمة" تتقطع الأواصر الضعيفة التي تربطه بعائلته وتربط ما بين افراد هذه العائلة.
لا يعتني مروان طه المدور بالتوثيق الحرفي، ففي "تاريخ" بطله قفزات فوق "التاريخ" الواقعي للحرب، لكنه يقدم نموذجاً لبنانياً للشخصية البريختية، فلا يرسم لبطله صورة فوتوغرافية كاملة الملامح لان البطل لوحة يتداخل فيها المكان مع الشخص مع حركة الاحداث التي تسوق المكان والشخص الى مصير سيئ.
* * *
مذكرات جثة؟ ربما هذا ما كتب مروان طه المدور، لكنها ليست فقط جثة البطل، بل ايضا جثة وطن مزروع على قارعة القوى الكبرى ومحكوم بعقائد ابنائه التي تغلب عليها ذهنية تاجر يتعامل بالسلعة: والسلعة هنا مكان وأبنية وذكريات وأفكار وأغذية، وقد تكون ايضا اعمالا خيرية تمول بفائض ربح الذخائر الحربية نفسها.
مروان طه المدور يلعب بالرعب، ينسجه كوابيس، ويحكي حكاية حرب لبنان على طريقته: تفكك العائلة وانهيار القيم وسيادة نموذج المغامر بكل شيء حتى بأهله وولده، الى ان يظهر المغامر في صورة جثة تتذكر وتشهد مقتلتها مرات عدة قبل ان تدخل في ظلمة التراب.
* * *
"جنون البقر" رواية مروان طه المدور الوحيدة. نعتقد ان حضورها سيستمر بين الاعمال الروائية عن حرب لبنان، ولن يضير مؤلفها الذي مات قبل رؤيتها مطبوعة ان يكون له عمل واحد، فكثير من الاعلام استمرت شهرتهم من خلال عمل واحد فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.