بعد انتهاء اجتماعات القمة الثالثة عشرة لدول مجلس التعاون الخليجي في ابو ظبي يوم 23 كانون الاول ديسمبر الماضي، أعرب السيد راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية دولة الامارات العربية المتحدة رئيس المجلس الوزاري لمجلس التعاون عن اعتقاده "بأنه لن تكون هناك خلافات خليجية في المستقبل" وقال: "لدينا الآن آلية جديدة لحل الخلافات". كلام الوزير النعيمي هذا نابع من تجربة التوصل الى اتفاق سعودي - قطري على حل الخلاف الحدودي بين البلدين تحت تأثير ضرورة انعقاد القمة الخليجية في مكانها وموعدها المحددين ونتيجة الدور البارز الذي قام به الرئيس حسني مبارك بين الرياضوالدوحة، مما يظهر التأثير المتبادل بين الدائرتين الخليجية والعربية. ويعتقد المراقبون ان النجاح في اسقاط هذا الخلاف الذي أمّن انعقاد القمة بكامل اعضائها وفّر مرة اخرى قاعدة قوية للتعامل مع القضايا السياسية الاساسية وهي الموقف من النظام العراقي والتزامه بقرارات مجلس الامن، والعلاقات مع ايران، وقضية السلام في الشرق الاوسط، واعلان دمشق. ويمكن المراقبون ان يسجلوا استمرار الموقف المتشدد والقوي لدول مجلس التعاون ازاء النظام العراقي وذلك لاستمرار نظام بغداد في مواقفه ومزاعمه من اراضي الكويت وتهديد أمنها وعدم التزامه بقرارات مجلس الامن الدولي وعدم اطلاق الاسرى الكويتيين. وشددت القمة على انه لا يمكن انهاء حال التوتر في المنطقة الا بامتثال النظام العراقي لكل قرارات مجلس الامن. وقد أكدت القمة تجاه هذه القضية دعمها للاجراءات التي اتخذها مجلس الامن الدولي واهاب بالمجتمع الدولي مواصلة الضغوط حتى يمتثل النظام العراقي وينفذ جميع قرارات مجلس الامن الدولي. ويبرز من خلال هذا الموقف المتشدد الواضح من نظام بغداد التعاطف مع شعب العراق، وقد اعرب وزير خارجية الامارات عن امله في ان يتمكن الشعب العراقي من فكّ أسره في المستقبل القريب ويعود الى المساهمة مع اشقائه العرب في مسيرة البناء والحضارة التي كان له فيها دور كبير في السابق. وفي هذا الاطار تبرز دعوة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات الى "التسامح" مع من قال انهم "اخطأوا بحق انفسهم". لكن من الواضح للمراقبين ان "التسامح" له شروطه. وقد ظهر من خلال بيان القمة الخليجية واعلان ابو ظبي ان هناك أسساً وقواعد لا بد من احترامها لكي تكون هناك علاقات طبيعية بين الدول. فقد جاء في البيان الختامي ان القمة ترحب "بنتائج الاجتماع السادس لوزراء خارجية دول اعلان دمشق المنعقد في الدوحة في ايلول سبتمبر 1992 والذي اكد ان الاعلان اطار للتوافق والتفاهم والحوار ونواة لنظام عربي جديد في اطار الجامعة العربية تشارك فيه الدول العربية التي تلتقي مع الدول الثماني في المنظور السياسي وفي قناعتها بضرورة دعم وتطوير العمل العربي المشترك عبر توفير ارضية الاطمئنان في العلاقات العربية بترسيخ التعايش والتعامل والتعاون القائم على احترام السيادة والاستقلال والمصالح المتبادلة، واحترام مبدأ سيادة كل دولة عربية على مواردها الطبيعية والاقتصادية". أما إعلان ابو ظبي فذكر "ان التعاون والتنسيق القائم بين دول المجلس يمثل رافداً من روافد العمل العربي المشترك الذي ينبغي ان يستند على منطلقات واسس جديدة تضمن احترام الالتزام بالمواثيق والمعاهدات القائمة بين الدول العربية في اطار جامعة الدول العربية. وعليه تؤكد دول المجلس التزامها بالمبادئ والاهداف التي تضمنها اعلان دمشق باعتباره يشكل صيغة جديدة لمفهوم العمل العربي المشترك والتضامن العربي الجاد". ويقول المراقبون المطلعون ان هذا التفسير الذي تبنته دول المجلس "لاعلان دمشق" يشكل رداً على القائلين بأن اعلان دمشق يترنح او انه "مات". فهو في نظر الدول الخليجية لم يمت، كما ان الاعلان لن يكون بديلاً لميثاق الجامعة العربية، بل كان "بديلاً مؤقتاً" لهذا الميثاق وذلك يوم تجاهلت بعض الدول العربية الميثاق، واتفاقية الدفاع العربي المشترك. وهذا ما عبر عنه الشيخ زايد حين قال: "ان اعلان دمشق جاء في وقت لم يعد فيه وجود لميثاق جامعة الدول العربية، لكننا اليوم عدنا للجامعة، وليس لنا بديل عنها". وتقول مصادر ديبلوماسية عربية ان الدور المصري في اتفاق المدينةالمنورة بين السعودية وقطر وجه "صفعة لايران" وعزز من خصوصية العلاقة المصرية مع دول مجلس التعاون الخليجي ومن مفهوم ان الامن في المنطقة عربي، خاصة وان السياسة الايرانية تثير الآن الكثير من الشكوك وتضع العلاقات بين دول مجلس التعاون وايران من جديد على المحك. وقد وضعت القمة الخليجية آلية لتنفيذ واطلاق برنامج الخليج للتنمية بشكل فعلي بعد ان التزمت السعودية والكويتوالامارات بمبلغ 6.5 مليار دولار من دون ان تصدر عن الدول الاخرى في المجلس وهي قطر وسلطنة عمان والبحرين اية اشارة الى مشاركتها في رأس مال البرنامج. واكدت القمة في هذا الصدد الالتزام بقرار قمة الدوحة الخاص بإنشاء برنامج مجلس التعاون لدول الخليج لدعم جهود التنمية الاقتصادية في الدول العربية، وقررت بدء تنفيذه وفقاً للمبادئ والاهداف التي تضمنها قرار انشائه الصادر في الدورة الحادية عشرة للمجلس الاعلى في الدوحة، واتفاقية انشائه التي اقرها المجلس الاعلى في دورته الثانية عشرة في الكويت. وتم تكليف الامانة العامة لدعوة لجنة البرنامج لتحدد في بداية كل عام التزامات البرنامج والانشطة التمويلية له خلال العام طبقاً لنظامه، على ان تحدد التزامات البرنامج لعام 1993 في شهر ايار مايو المقبل. وقد تبنت قمة ابو ظبي موقفاً متشدداً من ايران بشكل يتفق مع حجم التحدي الايراني في المنطقة الذي يستند الى زيادة القدرة العسكرية الايرانية، والتمسك باحتلال اراض تابعة لدولة عضو في مجلس التعاون والتوسع في هذا الاحتلال في جزيرة "ابو موسى". واعتبر سيف المسكري الامين العام المساعد للشؤون السياسية في مجلس التعاون ان مسألة التسلح الايراني واحتلال جزر الامارات "أبرز نقاط الاختلاف مع ايران" مع وجود نقاط التقاء منها "علاقات الجوار والتاريخ والجغرافيا والدين والمصالح المتبادلة". غير ان نقطتي الاختلاف تثيران جو "عدم الثقة" في المنطقة التي عملت دول مجلس التعاون على اقامتها. ويسود اتفاق بين دول مجلس التعاون ان عملية التسليح الايراني في حد ذاتها "لا تخيف ولا ترعب" دول المجلس لكن تصرف ايران في جزيرة "ابو موسى" يؤكد نيات طهران التوسعية ومحاولتها ممارسة سياسة الهيمنة في المنطقة. ولذلك جاء الرد قوياً من القمة تجاه التصرفات الايرانية واستنكرت القمة الاحتلال الايراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى والاجراءات التي اتخذتها ايران في جزيرة ابو موسى لما يمثله من انتهاك لسيادة ووحدة اراضي دولة الامارات وزعزعة الامن والاستقرار في المنطقة. وعبرت القمة عن اسفها الشديد وقلقها البالغ للاجراءات الايرانية غير المبررة واكدت ان تطوير العلاقات بين الجانبين مرتبط بتعزيز الثقة وبما تتخذه الجمهورية الاسلامية الايرانية من اجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ حسن الجوار واحترام السيادة ووحدة اراضي دول المنطقة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. كما اكدت القمة ان استمرار الاحتلال الايراني للجزر الثلاث والاجراءات التي اتخذتها طهران في جزيرة ابو موسى تمثل إخلالاً بتلك المبادئ وبالرغبة المعلنة في تطوير العلاقات بين الجانبين. وطالبت القمة ايران بالغاء وزالة كل الاجراءات التي اتخذتها في ابو موسى وانهاء احتلالها لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى واكدت تضامنها التام وتأييدها المطلق لموقف الامارات ودعم كل الاجراءات والوسائل السلمية التي تراها مناسبة لاستعادة سيادتها على جزرها الثلاث وذلك استناداً الى الشرعية الدولية وانطلاقاً من مبدأ الامن الجماعي. وقد أكد وزير خارجية الامارات راشد عبدالله النعيمي ان مطالبة الامارات بسيادتها الكاملة على جزرها الثلاث "لا تشكل شروطاً للعلاقات المستقبلية مع ايران لان المطالبة بالحق والالتزام بالقوانين والاتفاقيات لا تدخل في اطار الشروط". واشار الوزير الاماراتي الى ان بلاده تربطها بإيران مصالح اقتصادية واسعة وقال "اننا نسعى الى استعادة حقوقنا في الجزر من خلال الشرعية الدولية، ولا نريد أخذ أرض احد". واكد انه ليس هناك طرف اكثر حرصاً من دول مجلس التعاون على اقامة علاقات حسنة مع ايران لكن من الواضح، وفقاً لما ورد في بيان القمة، ان تطوير العلاقات بين الدول الخليجية وايران "مرتبط بتعزيز الثقة وبما تتخذه الجمهورية الاسلامية الايرانية من اجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ حسن الجوار واحترام سيادة ووحدة اراضي دول المنطقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية". كما أوضح اعلان ابو ظبي ان دول مجلس التعاون الخليجي تؤكد في تعاملها الاقليمي والدولي على احترام مبدأ حسن الجوار كقاعدة اساسية وشرعية والالتزام باحترام استقلال وسيادة الدول على اراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام سيادة كل دولة على مواردها". في الوقت نفسه اكد اعلان ابو ظبي "اعتماد مبدأ الحوار والتفاوض كوسيلة اساسية لتسوية النزاعات بين الدول بما يتمشى وينسجم مع ميثاق الاممالمتحدة والقوانين والاعراف الدولية ورفض مبدأ استخدام القوة او التهديد باستخدامها في العلاقات بين الدول وعدم جواز اكتساب الاراضي بالقوة". هذا الموقف الواضح والحازم أزعج القيادة الايرانية التي ردت عليه، متجاهلة الدعوة الى الحوار السلمي، باطلاق التهديدات اذ رفض الرئيس الايراني رفسنجاني دعوة قمة ابو ظبي الى الانسحاب من طنب الكبرى وطنب الصغرى والتراجع عن ضم ابو موسى واعتبر هذه الجزر "ايرانية" وقال انه لبلوغها "يجب عبور بحر من الدماء". هذا التوجه السلمي الذي اكدت عليه دول المجلس لحل الخلافات وتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة، لم يحجب عنها الرؤية نحو تعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة كل الاحتمالات المستقبلية خاصة وان المنطقة لا تزال تعيش حال عدم الاستقرار نتيجة سياسة النظام العراقي ومواقف ايران. ولذلك جاء البند الرابع من اعلان ابو ظبي ليؤكد حرص قادة دول مجلس التعاون على دعم الجهود والمساعي الرامية لتطوير القدرات الدفاعية والامنية والذاتية لدول المجلس بما يحقق الامن والاستقرار في المنطقة. كما اقرت القمة "توصيات وزراء دفاع مجلس التعاون وتوصيات المجلس الوزاري في مجالات التعاون العسكري التي تصب في الدفاع الجماعي" وعلى اساس قناعة "ان أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ". مسىرة السلام في الشرق الاوسط احتلت حيزاً مهماً في قمة ابو ظبي فأكد البيان الختامي الموقف الثابت لدول مجلس التعاون ضرورة ايجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية على اساس قراري مجلس الامن 242 و338 ومبدأ الارض مقابل السلام. كما اكد التزام دول المجلس بدعم جهود السلام المبذولة واشادتها بالدور البناء الذي يضطلع به راعيا المؤتمر، وتعبيرها عن تطلعها للتوصل الى حل سلمي عادل وشامل للنزاع العربي - الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، بما يضمن انسحاباً اسرائيلياً من كل الاراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشريف، ويؤمّن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في تقرير المصير، ووضع قواعد راسخة لتثبيت الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط. وأكدت مصادر خليجية ان القضايا العربية المركزية كانت وستبقى دائماً احدى الهموم الخليجية الرئيسية واشارت الى الموقف القومي الذي اكدته دول المجلس برفضها الحديث عن التعاون الاقتصادي الاقليمي وصندوق التنمية الاقليمي ما لم يحدث تطور مهم في المحادثات الثنائية لجهة استعادة الاراضي العربية المحتلة. ويذهب راشد عبدالله أبعد من ذلك ويؤكد ان محادثات السلام ستكون ضمن اولويات دول المجلس مستقبلاً وان رئاسة المجلس دولة الامارات والدول الاعضاء الاخرى ستجري اتصالات مع كل الاطراف المعنية بعملية السلام في الشرق الاوسط لدفع هذه العملية الى الامام والقيام بعمل حثيث لتحقيق السلام في المنطقة. واضافة الى ذلك كله لم تغفل القمة العمل الاقتصادي بل اتخذت قرارات مهمة لتعزز من مسيرة العمل الاقتصادي المشترك بما يؤدي الى انشاء السوق الخليجية المشتركة. ويؤكد رئيس المجلس الوزاري "اننا نعمل للوصول الى هذه السوق والاجراءات مستمرة لذلك". وكان من أبرز انجازات مجلس التعاون في هذه الدورة وضع تعرفة جمركية موحدة لما لها من تأثير في ابراز دول المجلس كقوة تفاوضية موحدة في العالم في المجالات الاقتصادية والتجارية. وقد عبرت القمة عن ارتياحها لتوصل لجنة التعاون المالي والاقتصادي الى تعرفة جمركية موحدة وتطبيقها بشكل تدريجي. وتم تكليف اللجنة بوضع نظام متكامل لذلك لعرضه على الدورة المقبلة للمجلس الاعلى لاقراره. كما أقرت القمة العمل بالقواعد الجديدة لممارسة تجارة التجزئة، ووافق قادة دول المجلس على نظام براءات الإختراع لدول مجلس التعاون والنظام الاساسي لمكتب براءات الاختراع الذي سيكون في مقر الامانة العامة.