نائب وزير "البيئة" يطلق منصة "نبراس" لاستشراف البحث والابتكار ودعم اتخاذ القرار في قطاعات البيئة والمياه والزراعة    الفالح: 90 % من الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة غير نفطي    أساس التنمية    تعزيز العلاقات التركية - السعودية وسط الفرص والتحديات    المملكة وباكستان.. بناء شراكة مستدامة في مختلف المجالات    إسرائيل ترفض الجهود الأميركية للسلام    نائب وزير الداخلية المكلف يشهد حفل افتتاح بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ    يايسله يؤكد جاهزية جالينو    البليهي: أمامنا مواجهات صعبة    تبوك تستعد للأمطار بفرضيات لمخاطر السيول    مجلس الوزراء يشيد بإطلاق مبادرات صحية ب124 مليار ريال وينوه بمشروعات طاقة متجددة بتسعة مليارات    سعود بن بندر يطلع على أعمال "آفاق"    المناطيد تكشف أسرار العلا    "وثيقة تاريخية" تبرز اهتمام المملكة بالإرشاد التعليمي    افتتاح القرية التراثية بفيضة السر    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضخماً من البنكرياس ويعيد بناء الوريد البابي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُجري الفحوصات الطبية للملاكمين المشاركين بنزالات موسم الرياض    منتديات نوعية ترسم ملامح مستقبل الصحة العالمية    صحة المرأة بين الوعي والموروثات الثقافية    كأس الملك : الاتحاد يقصي النصر ويتأهل لربع النهائي    الهلال يكسب الأخدود ويبلغ ربع نهائي كأس الملك    قصيدة النثر بين الأمس واليوم    زيارة استثمارية لوفد من غرفة جازان    فترة الإنذار يالضمان الاجتماعي    فيصل المحمدي من بيت امتلأ بالصور إلى قلب يسكنه التصوير    انطلاق منافسات بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ بسباق تسلق البرج بالسلالم    تداول يكسب 54 نقطة    أجور الحدادين والرمل والأسمنت ترفع تكاليف البناء    ولادة توأم من بويضات متجمدة    العلماء يحذرون من الموز في العصائر    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على الأخدود    سمو ولي العهد يلتقي مع رئيس الاتحاد الدولي    54 مليون قاصد للحرمين خلال شهر    إسرائيل وحماس.. تصعيد وجدل وتعقيد الحلول    أمير منطقة جازان ونائبه يقدمان واجب العزاء للدكتور حسن الحازمي في وفاة نجله    الضربات الأوكرانية خفضت قدرة روسيا على تكرير النفط 20%    55 مشروعًا علميًا في ختام معرض «إبداع جازان 2026»    السعودية تدين الانتهاكات الإنسانية الجسيمة لقوات الدعم السريع في الفاشر    تعديل مواد في نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج    مفتي عام المملكة يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    أمير تبوك يستقبل مدير شرطة المنطقة    نائب أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء بالمنطقة    أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء في المنطقة    « البحر الأحمر»: عرض أفلام عالمية في دورة 2025    لماذا يعتمد طلاب الجامعات على السلايدات في المذاكرة؟    بالتعاون مع جامعة «NUS» الرائدة في الابتكار والبحث.. إطلاق المرحلة الثالثة من مسار «قادة الإعلام» في سنغافورة    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    قدم الشكر للقيادة على الدعم الإنساني.. مصطفى: السعودية خففت معاناة الشعب الفلسطيني    اقتحموا مقرات أممية بصنعاء.. الحوثيون يشنون حملة انتقامية في تعز    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. «مستقبل الاستثمار» يرسم ملامح النمو والتقدم للبشرية    الدفاع المدني.. قيادة تصنع الإنجاز وتلهم المستقبل    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود "انتماء وطني"    اليوسف يلتقي عددًا من المستفيدين ويستمع لمتطلباتهم    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روائيون من مصر ولبنان والعراق والبحرين يلتقون في ذكرى عبدالمحسن طه بدر . شهادات عن اللحظات الحميمة لكتابة الرواية
نشر في الحياة يوم 20 - 04 - 1992


كيف يكتب الروائي روايته؟
سؤال اجاب عنه ستة روائيين من مصر ولبنان والعراق والبحرين، في مناسبة احياء ذكرى الناقد المصري الراحل عبدالمحسن طه بدر الذي عرف بمتابعته النقدية للانجازات الروائية العربية.
كشف الروائيون عن الجوانب الحميمة لكتاباتهم متناولين اللغة والذاكرة والقراءات وكيفية اختيارهم للاسلوب والمناخ التخييلي.
وفي ما يلي الرحلة في الخصوصيات الابداعية للروائيين العرب الستة، كما وصفوا هم تفاصيلها.
ادوار الخراط: تكثيف العالم
"الرواية او القصة عمل متفرد ومتميز، أحب، بالطبع، ان تتوافر له كل مقومات العمل الفني التي طالما اختلف الكتاب والنقاد في توصيفها، وأرفض الاطار التقليدي السردي وأرفض قصة التسلية والطرافة، وأرفض قصة الشعار والهتاف مهما اتخذت لنفسها من اقنعة، وأرفض ايضا قصة الضياع في متاهات اللفظ لمجرد اللفظ، او التردي في حمأة المونولوج الداخلي الطرية الرخية دون صلابة. احب للرواية او للقصة ان تقف مع ذلك على ارض الواقع - وهو غير الواقع الفوتوغرافي الخارجي - وأحب لها ان تتقطر فيها كثافة عالم بأكمله، ان لم يكن العالم بأكمله. اما الصيغة التقنية فأريدها حرة الى مدى حدود الحرية، وليس للحرية حدود، اريدها ايضا صاحبة قانونها الخاص، لا افرض على الكاتب شيئاً الا مسؤولية كتابته، لكني اتطلب هذا السعي اللاعج الدائب الذي لا يتوقف ابدا نحو ما اسميه "الحقيقة" او على الارجح "حقيقة" ما بغير الف لام التعريف وهي حقيقة موضوعة دائماً موضع السؤال لا موضع اليقين المطلق.. ارتباطي وإيماني بما هو مقوم للإنسان: حريته التي لا يمكن ان تهدر، توقه الى العدالة والى الجمال، نشوته بالحس، وصوفيته بالمطلق، مأساته الكونية المحتومة كإنسان، وقدره المجيد في مجابهتها، تكافله الحميم مع رصفائه في المجتمع، وفي الحياة، وفي الكون.. كلها لبّ حقيقته غير المغلقة، وكلها موضوعات او تيمات العمل الفني ولا يمكن ان يفي بها الوفاء الحق الا العمل الفني، مخارج من الازمة الانسانية كأنها الابواب الضيقة في الاساطير القديمة لا بد من ولوجها الى جوهر الكنز المرصود المراوغ باستمرار.
احس دائماً انني اعيد كتابة كل ما كتبت، وربما كنت لا افعل شيئاً آخر، ربما كنت اناوش الخبرة نفسها مرة ثم مرة ثم مرة باستمرار، ربما كنت - في حقيقة الامر - لا اكتب الا شيئاً واحداً مرات عديدة، بلا نهاية.
لا اكتب القصة إلا بعد ان تعيش القصة معي، وتعيش بي فترات متطاولة من الزمن، يحدث فيها هذا النضج البطيء الطويل على نار تحتدم احياناً، وتهدأ، وإن كانت تظل متوقدة دائماً الى حد ان بعض القصص لم اكتبها بالفعل الا بعد فترة تترواح من نحو عشر سنوات الى نحو ثلاثين سنة او اكثر، من بداية انبثاقها في هذا العالم الداخلي المزدحم الذي تقطنه الشخصيات والأحداث والمواقف والأوضاع المتحققة في النهاية وفي النزر اليسير من الحالات، لكنها تظل في اغلبها في طور التخلق المستمر وهو ايضاً ما حدث خلال سنوات ثمان قطعتها في كتابة رواية واحدة هي "رامة والتنين".
هناك عندي نزوع خفي أحاربه حينا وأطاوعه احياناً نحو تفجير للغة، تماماً اظن انني احلم، احياناً بسديم غائم مضطرب من اللغة ليس فيه سياق، تسقط فيه العلاقات التقليدية تماماً، وما زلت اتمنى ان يحدث نوع من الزلزال او الانفجار او البركان، بحيث يمكن ان تكتب "الكلمات - الخبرات" فقط كما تأتي، من دون التحكم فيها او السعي نحو الانضباط الموسيقي والصرفي والنحوي وهكذا. وربما لاحظ بعض النقاد ان عندي نوعاً من "وحدة القاموس"، من الولع بمفردات بعينها في بعض قصصي رغم تنوع العوالم والشخوص. هذا واضح مثلاً في بعض قصصي "ساعات الكبرياء". هل هذا مرتبط برؤية داخلية وربما شعرية للعالم الخارجي؟".
جمال الغيطاني: ما جرى بالأمس
"عندما كتبت روايتي الاولى المنشورة سنة 1971 "الزيني بركات" اقول الاولى لأنني كتبت قبلها ثلاث روايات لم تنشر بدأت علاقتي بالزيني بركات بنص تراثي قرأته قبل سنة 1967، وهو تاريخ له مغزى، اذ تعرفت على "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس في اطار قراءتي لمصادر من التاريخ المصري، للمحاولة على الاجابة عن التساؤل داخلي حول الزمن، هذا الهم الذي ولد معي وأنا طفل، وهو ما زال همي الرئيسي حتى الآن، وربما يكون مفتاحا لشخصيتي نفسها... "ما جرى بالأمس" وجدت تشابها بين ما اعيشه في القاهرة وما اقرأه في المؤلفات التاريخية المصرية القديمة، توقفت عند ابن اياس لأسباب غامضة وقرأته ثلاث مرات، وبعد كل قراءة اكتب في نهاية الكتاب "انتهت المعايشة الاولى" ولا اقول "القراءة الاولى"، وأعددت للكتاب فهارس خاصة بي بالموضوعات وأسماء الاعلام، وغيرها، ولم تكن فهارس الكتاب طبعت. وجدت تشابها كبيرا بين الفترة التي عاشها ودوّنها وسجل ما جرى فيها ابن اياس وما عشته سنة 1967، ولأنني اؤمن داخليا بوحدة التجربة الانسانية، ومن تأملاتي في الزمن توصلت الى اننا نعيش في تاريخ مستمر. لا يوجد في نظري تاريخ قديم وآخر جديد، كل لحظة تتحول الى ماض. وجدت تشابهاً بين ابن اياس ومعيشتي في سنة 1967، وفي كتابه استوقفتني شخصية الزيني بركات بن موسى الذي اصبح محتسباً على القاهرة والحسبة وظيفة مهمة في الدولة المملوكية، وإلى آخر سطر من كتاب ابن اياس يستمر الزيني بركات في وظيفته، ولم اعرف مصيره الا منذ سنوات قريبة، حيث قرأت في كتاب آخر انه اغتيل بعد وفاة ابن اياس، كتبت كل ما قرأته وجمعته عن الزيني بركات في كشكول، هكذا افتح ملفاً عندما اشرع في كتابة رواية. قرأت ابن اياس وما يتعلق بالعصر كله: الوظائف، الطعام، المشروبات ولم يكن هناك شاي، اما القهوة فقد كان هناك جدل حولها وهل هي حرام ام حلال؟ وكذلك الطرق والاحياء وتجمعت لديّ خريطة للقاهرة، وقتها حضرت لمدة سنة لكي اكتب الرواية وكنت اقصد بها الكتابة عن شخصية انتهازية هي شخصية الزيني بركات وكانت تتشابه مع شخصية اخرى معاصرة كنت اراقبها، ولكل عصر انتهازيوه، وبعد التحضير بدأت كتابة الرواية مارا بمرحلة يسميها ادوار الخراط "التلاكيك" اي الهروب من الكتابة والتعلل بأي شيء من الرهبة. لا توجد رواية تاريخية. حتى الروايات التي تستعيد التاريخ تكتسب من لحظة الكتابة نفسها. ودائماً الروايات عندي تبدأ ارهاصات في قصصي القصيرة وكنت كتبت ثلاث قصص في الاطار نفسه مثل "ذكر ما جرى" بلغة تراثية، بدأت الرواية الزيني بركات وكتبت 50 صفحة ثم توقفت، وتوصلت الى كتابة الرواية بحالها الآن.. قسمتها سبعة سرادقات وبدأت الرواية من لحظة النهاية، لحظة الهزيمة التي تقابل 1967 ثم عدت للبداية بعد كتابتي الجزء الاول من خلال عين رحالة بندقي لا وجود لها، خفت من الاقتراب من الزيني بركات وبدأت - اثناء الكتابة - تنمو شخصية روائية حتى أحوم حولها، هو لا يظهر في الرواية الا في فصل واحد فقط، وبدلاً من ان تكون الرواية عن شخصية انتهازية، اصبحت رواية عن القهر الذي تمارسه الاجهزة الرسمية ضد الانسان، بدأ هذا الموضوع يفرض نفسه فأصبح زكريا هو البطل والفاعل من خلال صراعه مع الزيني وبقية الشخصيات، كنت افكك العصر المملوكي وأعيد ربطه، ووضعت من عندي "ديوان البصاصين" وهو ما لم يكن في العصر المملوكي، وكذلك وسائل القهر في الرواية متخيلة، وعندما ترجمت "الزيني بركات" للفرنسية كتب الطاهر بن جلون: ارجو الا يطلع البصاصون على الرواية وينقلوا الاساليب المتخيلة فيها. وابن اياس كأحد اشخاص الرواية.
وانتهى هذا الاسلوب مع هذه الرواية ولم اعد استخدمه".
سلوى بكر: الردّ على الخوف
"ولدت بعد وفاة والدي بعدة شهور، فنشأت في بيت لا يعرف الرجال الا اقرباء زائرين لنا في الاعياد وبعض المناسبات الاخرى، او قضاء حوائج لامي احياناً، عندما تضطر للتعامل مع الحكومة او الدولة.
وكانت كل مآسي حياتنا الكبيرة والصغيرة، ترجعها امي لعدم وجود رجل في البيت، ابتداء من اقل شجار ينشب بيننا كأخوة اطفال، وانتهاءً بعدم القدرة على شراء ملابس جديدة. وهكذا ظل الرجل الغائب عنا، حاضرا طوال الوقت في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا اليومية.
وخلال هذه المرحلة المبكرة من عمري، نشأ لدي تعريف بسيط للرجال: كائنات خطيرة، اسطورية، كلية القدرة، يعد لها طعام الفطور عند الصباح، وتذهب الى المقهى في المساء. وكان يعزز تعريفي هذا كل ما اراه حولي في بيوت الجيران من هيمنة الرجال عليها، وهي هيمنة كانت تمتد احياناً لتطالني، عندما كانت تستشير امي زوج جارتها، في امر مصيريّ بالنسبة لي، وتسأله: هل يصح ان تسمح لي بالذهاب في رحلة مدرسية الى حديقة الحيوان، ام لا؟
لقد عشت منذ طفولتي في زمن متغير، عاصف الاحداث، رحت انسج فيه حلمي بالتغيير وبمستقبل افضل منذ كانت امي تضفر شعري بشرائط ملونة بألوان علم التحرير، وكانت تخط فيه على اغلفة كراساتنا المدرسية عبارات من نوع "كلنا سيد في ظل الجمهورية".
وكانت سنوات الدراسة ما قبل الجامعة من اجمل فترات عمري، وشعوري بالانتماء للوطن، ووحدة المجتمع فرغم كل شيء، ورغم الفوارق الطبقية، فيكفي انني تعلمت في المدرسة التي تعلمت فيها هدى ومنى، ابنتا الزعيم عبدالناصر وهي مدرسة سراي القبة الاعدادية، وانني كنت اجلس على مقعد مدرسي واحد دون تمييز او فوارق، مع بنات وزراء مرموقين.
خلال فترة ما بعد حزيران يونيو 1967 بدأت الاحلام تتسرب من يدي، وكانت الطامة الكبرى اكتشافي ان ما راهنت عليه سياسياً لا يمكن ان يصمد لعظمة المتغيرات، لكن، اكتشفت ايضا ما هو اهم، وهو ان دور المرأة، ومسيرتها العامة عادة لا يلتفت اليه، وتضيع في متاهات التجهيل بينما لا ينقطع الكلام عن معاناة الرجال وازماتهم بسبب الاحداث والمتغيرات الصارمة.
ربما بدأت في الكتابة لهذا السبب خوفا من ان اضيع وان اجهل، او ربما اجن كما حدث للبعض، لأنه بقدر ما تتعاظم المراهنة على الاوهام، بقدر ما تكون فداحة الخسارة. وهكذا بدأت اكتب عني وعن النساء اللواتي لم يغبن يوماً عن الاحداث السياسية والاجتماعية الكبرى، فكتبت عن "لوكيميا"، فتاة المدرسة الثانوية التي تشارك في المظاهرات، و"أم شحتة" التي انفجرت بالغضب وقت ثورة الجوع في العام 1977، وقبلها "زينات" التي سارت في جنازة عبدالناصر فبكت وولولت ليقينها بسقوط الاحلام وضياعها.
الكتابة كانت وما زالت بلسماً لي من مرارات العمل وسط الرجال في الحياة السياسية والثقافية، حيث ازدواجية المواقف والكذب وعدم الوضوح، والتعامل النفعي مع المرأة، وباتت لدي قناعة الآن هي ان المحك الحقيقي لاختيار كل الافكار الكبرى، والادعاءات بالتحرر والتقدم، هو العلاقة بالمرأة.
وهناك هواجس كثيرة تنتابني كروائية، كلما تلمست اثار النظام العالمي الجديد على مجتمعنا، فحتى على صعيد حياتنا الثقافية اخشى ضياع الحقائق وتراجع الضمير، وتفريغ المسائل الكبرى من جواهرها الاساسية… ان زماننا يزخر بالتجربة الانسانية التي يجب حفظها في ذاكرة الرواية للأجيال المقبلة".
املي نصرالله: رواية الهجرة والحرب
"جئت الى بيروت من قرية في الجنوب. خرجت من القرية بمساعدة خال يعيش في الولايات المتحدة الاميركية، دفع لي قسط المدرسة في بيروت.
الخروج من قريتي كان الصدمة الاولى وهي ساعدتني على الكتابة عن الانسان الذي يبتعد عن حضنه الاول، اما الذي جعلني اكتب روايتي الاولى "طيور ايلول" فهو هجرة اخوتي الذين يصغرونني الى كندا. شعرت ان عليّ ان اسجل هذه المرحلة، هجرة الشباب من القرى التي لا تستوعبهم، مثل الطيور التي تهاجر من شمال لبنان، اسراباً، الى الاماكن الدافئة جنوباً، ولكنها تعود مهيضة الاجنحة، محطمة، وبعضها يعود بانتصارات. هذه التجربة الشخصية سجلتها من دون اعداد، كنت انتهي من فصل في "طيور ايلول" والدموع تنزل على اوراقي، كتبتها بكل ما في قلبي من زخم العاصفة والألم وليس بمعرفتي بالرواية. بعد عشرين سنة كتبت "الاقلاع عكس الزمن" عن الحرب، حين باتت الهجرة للشيوخ، اجداد ذهبوا الى كندا للتعرف على احفادهم، ولكن هؤلاء الاحفاد كانوا منقطعين انقطاع الجسد الذي يشهدهم للمستقبل، منقطعين عن لغتهم، عن جذورهم، فيعود الاجداد الى الارض الى حد الفناء. يعود الجد ليخطف ويقتل، وهو كان فرحاً لانه يموت على ارضه.
كتبت "طيور ايلول" في الستينات وكان يشغلنا تحرر المرأة وقضاياها، في مجتمعي، في بيروت، ثم "شجرة الدفلى" عن فتاة لم تتح لها فرصة التعلم، و"الرهينة" فتاة مرتهنة في قيود الواقع. في هذه الروايات، القدر هو الرجل، الرجل والقمع الذي يلحق به، يسلطه على المرأة الاقرب اليه والاضعف. بين رواية واخرى تكون راحتي المتعبة، القصة القصيرة، وهي الاصعب لي، كنا في تلك المرحلة من التفكير والكتابة في مواضيع الاغتراب، الارض، المرأة وتحررها الى ان وقعت الحرب في لبنان، التي وضعتنا في واقع غريب، لسنا فاعليه، لبنان مفعول به في العالم العربي. كتبت عن الانسان، عن الاكثرية الصامتة التي ليست مصدر القرار، والمرأة ضمن هذه الاغلبية الصامتة، ذهب اولادها الى الحرب من دون ان تستشار. صدرت عن الحرب كتابات فيها كل الجدة، وعلى الكاتب اللبناني ان يشهد امام العالم، ان يكتب، كنا نعيش في عزلة، وصرختنا احتجاج على كل ما يحدث من العالم. الكتابة عن الحرب هي اليوم عندنا الكتابة - الظاهرة".
خليل نعيمي: اللغة موقف وسلوك
"الكتابة عندي ليس هدفها قول الحقيقة ولا مطابقة الواقع. في مشروعي الكتابي احاول ان ابتعد نهائياً عما اسميه "الكتابة المفهومية" التي تنتشر كثيرا في المجال الروائي العربي. هذه الكتابة التي تقوم على خلق نماذج من المجتمع تتصارع على مفاهيم معروفة هي اعادة كتابة لما هو موجود. احاول ان اكتب عن مواجهة الفرد او الانسان العربي لكتلة ضاغطة هي المجتمع العربي بما هو بنية سياسية، وهذا ما يعيدني الى النظر عميقا في مسألتين: المسألة الاولى كيفية انجاز هذه المواجهة، والثانية بأية لغة؟
المواجهة منذ روايتي الاولى "الرجل يأكل نفسه" ورواية "الشيء" ثم "الخلعاء" وتقوم على حذف الاجزاء التي يمكن ان تحذفها الرقابة، ومن هذه الزاوية فان المقروئية والانتشار بين اكبر عدد ممكن من الناس لا يشكل هدفاً اساسياً. يهمني ان اكتب ما يشغلني فعلاً، احاول تجسيده في شكل رواية، اما اللغة، بالنسبة لي، ليست هي الشكل او انجاز الرواية بقدر ما هي موقف وسلوك. اللغة ليست اداة فحسب وانما هي خطوة اساسية نحو تغيير ما نطمح الى تغييره. المشروع الروائي الذي اهدف اليه يقوم على انجاز كتابة تطمح الى كسر كثير من المحظورات والخوض في مسائل شائكة لحد الآن، وآسف لتقديمي لنفسي بهذا الشكل، لأنه كما اتصور قد اكون مقروءاً بين عدد قليل".
فوزية رشيد: أبعد من معاناة المرأة
"انا كاتبة من البحرين، من الخليج، منفية من ذاكرة العديد من المثقفين العرب.
بما اني اوجد في زاوية تبدو مهجورة الى هذا الحد، ولا يركز عليها الاعلام، فأنا كامرأة حاولت ان اخلق من نفسي نموذجاً لكاتبة لا تتوقف عند معاناة المرأة الخليجية، بل تحاول دخول العالم الادبي الذي بدا محصوراً على الرجل، كانت معركتي مع الانسان في هذا العالم، كنت اضيق هذه المسافة فالمخزون لدى المرأة الواعية والحساسة يفجر مسافات شاسعة بينها وبين الانسان، وعندي اسئلة من نوع: لماذا يحدث في العالم ما يحدث؟ لماذا يحدث في العالم العربي ما يحدث؟ سؤال يرهقني. وكتبت نصوصاً عن دائرية الزمن العربي، لماذا هو دائماً يكرر نفسه؟ ولغتي احاول ان تكون لغة غير عادية، واتفق مع ادوار الخراط في رؤيته للغة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.