بعد أكثر من ثلاثين عاماً من البحث العلمي الدؤوب في معهد "رون بولينك" الفرنسي المتخصص بعلم الصيدلة، توصل العلماء الى مركّب دوائي حديث لعلاج اكثر انواع السرطان انتشاراً، مثل سرطان القولون أو الرئة أو الثدي. استخرج العلماء المادة الفعالة للدواء الجديد من جذع شجرة تعرف باسم الطقسوس، وهي نوع من الأشجار الدائمة الخضرة وتنتمي الى الفصيلة الصنوبرية. وقد نجحت بالفعل التجارب السريرية التي اجراها الأطباء لعلاج حالات مختلفة من السرطان وذلك في عدد من المستشفيات في فرنسا والولايات المتحدة الاميركية. ويعد الدواء الجديد "تاكسوتير" بحق انجازاً تاريخياً في كفاح العلماء الذي بدأ قبل نصف قرن، لإيجاد علاج حاسم للسرطان. الا ان هذا الدواء ليس السبق الأول لمعهد رون بولينك الفرنسي، اذ كان قدم في العام 1964 أول دواء فعّال في مجال علاج السرطان وهو "دينوروبايسين" وهو مستخدم حالياً بنجاح لعلاج سرطان الدم. وكان العلماء بدأوا يركزون على اشجار الصنوبر لاستخراج مادة فعّالة لعلاج السرطان منذ العام 1981 حين وقّع معهد رون بولينك اتفاقاً مع مؤسسة فرنسية متخصصة بالكيماويات العضوية ICSN للتعاون في هذا الاتجاه، وذلك بعد ان أشارت نتائج بحث اجرته الدكتورة سوزان هوريتز من جامعة نيويورك في 1979 الى قدرة بعض المواد المستخرجة من جذوع الصنوبر على ايقاف الانقسام المرضي للخلايا السرطانية. وما كان من العلماء الا ان نزلوا الى حديقة المعهد حيث تنتشر انواع عديدة من شجر الصنوبر وبدأوا تجاربهم عليها. كما عمل فريق آخر على تحضير مواد كيماوية مصنّعة تعمل على تنشيط وتركيز مفعول المادة المستخرجة من اشجار الصنوبر، حتى يستطيع الدواء الجديد مجاراة السرعة الهائلة لانقسام الخلايا السرطانية. وظهرت بشائر النجاح الأولى في العام 1986، عندما توصل العلماء الى تركيبة نصف مصنّعة أثبتت قدرتها على وقف الانقسامات المرضية للخلايا، وذلك بمنع انقسام القنيات العضوية او "MICROTUBULS" وهي الخطوة الأولى في عملية انقسام النواة التي هي قلب الخلية وعقلها. وبهذا يمكن منع انتشار الورم السرطاني في بقية انحاء الجسم، وبالتالي يمكن محاصرته واستئصاله بسهولة، ودون خوف من معاودة الخلايا السرطانية للظهور مرة اخرى في الجسم السرطان الخبيث. وجدير بالذكر ان اشجار الصنوبر منتشرة بشكل واسع في الحدائق والمتنزهات الاوروبية، مما يشير الى سهولة الحصول على المادة الفعّالة للتاكسوتير، وما قد يؤدي الى امكانية انتاج الدواء الجديد بشكل اقتصادي، بحيث يكون في متناول أيدي المرضى من مختلف انحاء العالم بسعر معقول. ومع ذلك فان عملية استخراج المادة الفعّالة من شجرة الطقسوس الصنوبرية هي اكثر خطوات تحضير الدواء الجديد دقة وتعقيداً، اذ يضطر العلماء الى ادخال تعديل كيماوي على الطبيعة الجزيئية للمادة الفعّالة قبل فصلها، لكي تحتفظ بقدرتها على مقاومة الانقسام السرطاني للخلايا. وبعد ان اثبت تاكسوتير نجاحاً كبيراً في التجارب السريرية التي اجريت عليه في أوروبا والولايات المتحدة، انتقلت الأبحاث عليه الى اليابان بغرض توسيع استخدامه ليشمل انواعاً اخرى من السرطان مثل الجلد والمبيض والرحم. وعلى الرغم من ثقة العلماء المتزايدة في الاكتشاف الجديد إلا انهم لا يتوقعون ظهوره في الأسواق على مستوى العالم قبل 1995، اذ تختلف ظروف الانتاج في المختبرات عنها في مصانع الكيماويات الدوائية، وكذلك فان الدواء الجديد بحاجة لاختبار تأثيره على الخلايا السليمة في جسم الانسان على المدى الطويل للاستعمال. ان أحد أهم المشاكل التي تواجه المتخصصين في علاج السرطان هي ان بعض الادوية المستخدمة للقضاء على الخلايا السرطانية لا تستطيع التمييز بين الخلايا السليمة والمريضة، وبالتالي توقف الانقسام الصحي للخلايا السليمة ايضاً. ويقوم العلماء بحقن صبغة معينة في الأورام السرطانية، بحيث يتمكنون من ملاحظة تأثير الدواء عليها ومعرفة ما اذا كان الدواء يؤثر على الخلايا السليمة أيضاً. ولكن مثل هذه الاختبارات تحتاج الى وقت طويل، اذ لا يمكن التأكد فوراً من النتائج الأولى. وعلى أي حال فان تاكسوتير يبعث الأمل في نفوس الملايين من مرضى السرطان الذين يئس كثيرون منهم، أو كادوا، من وجود دواء حاسم ينهي آلامهم.