أرتيتا يعتقد أن عصر "الستة الكبار" في الدوري الإنجليزي انتهى    أنشيلوتي: برشلونة بطل الدوري الإسباني قدم كرة قدم جميلة    توطين الصناعة خارطة طريق اقتصادي واعد    هلال جدة يتوج بلقب الغربية في دوري الحواري    "المنافذ الجمركية" تسجّل 1165 حالة ضبط خلال أسبوع    وزير الصحة يكرم تجمع الرياض الصحي الأول نظير إنجازاته في الابتكار والجاهزية    رقم سلبي لياسين بونو مع الهلال    استمرار ارتفاع درجات الحرارة ونشاط الرياح المثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    استشهاد 13 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    القاسم يقدم ورشة بعنوان "بين فصول الثقافة والصحافة"    جمعية نماء تنفذ برنامجًا شبابيًا توعويًا في بيت الثقافة بجازان    إطلاق النسخة التجريبية لأكبر مشروع للذكاء الاصطناعي في المسجد النبوي    اتفاقية تعاون بين قدرة للصناعات الدفاعية وفيلر الدفاعية لتعزيز الصناعات العسكرية بالمملكة    الفريدي يحصل على الماجستير في الإعلام الرقمي    المملكة تحتل المركز الثاني عالميًا بعد الولايات المتحدة في جوائز "آيسف الكبرى"    محافظ الزلفي يدشن ملتقى الباب للتمكين التقني    تشلسي يفوز على مانشستر يونايتد في الجولة ال (37) من الدوري الإنجليزي    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح وسام الملك عبدالعزيز    النفط يتجه لثاني أسبوع من المكاسب    النصر يتعادل إيجابياً مع التعاون في دوري روشن للمحترفين    النصر يتعادل أمام التعاون ويفقد فرصة اللعب في دوري أبطال أسيا للنخبة    الRH هل يعيق الإنجاب؟    الرياض عاصمة القرار    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 23 جائزة في مسابقة آيسف 2025    سلام نجد وقمة تاريخيّة    سيرة الطموح وإقدام العزيمة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 53,119 شهيدًا    سمو الأمير سلطان بن سلمان يدشن "برنامج الشراكات العلمية العالمية مع أعلى 100 جامعة " مع جامعة كاوست    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقرّبوا إلى الله بالفرائض والنوافل.. ولا وسائط بين العبد وربه    الدوسري في خطبة الجمعة: الدعاء مفتاح الفرج والحج لا يتم إلا بالتصريح والالتزام    جمعية تعظيم لعمارة المساجد بمكة تشارك في معرض "نسك هدايا الحاج"    أمانة القصيم تطرح فرصة استثمارية لإنشاء وتشغيل وصيانة لوحات إعلانية على المركبات بمدينة بريدة    نائب رئيس جمعية الكشافة يشارك في احتفالية اليوبيل الذهبي للشراكة مع الكشافة الأمريكية في أورلاندو    أمانة القصيم تقيم حملة صحية لفحص النظر لمنسوبيها    أمين الطائف" يطلق مبادرةً الطائف ترحب بضيوف الرحمن    زمزم الصحية تشارك في فرضية الطوارئ والكوارث    46٪ لا يعلمون بإصابتهم.. ضغط الدم المرتفع يهدد حياة الملايين    مبادرة طريق مكة والتقدير الدولي        "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    عظيم الشرق الذي لا ينام    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدخيل أراد أن يعرب ... ف"أعجم"!
نشر في الحياة يوم 06 - 01 - 2011

في حمأة الانتفاضة على الغذامي، كتب خالد الدخيل مقال الناقد الموشوم ومعركة الليبرالية ناقداً لموقف الغذامي من الليبرالية، حاول فيه الانتصار لليبرالية، وبيان ما حققته من مكاسب في ال25 سنة الماضية، لكني لا أراه إلا كرس الوضع المأزوم الذي يعيشه"الليبراليون"لدينا، ومدى تمسكهم بالقشة رجاء النجاة. فهو يعدُّ مجردَ تعود الناس طرح السؤال عن الليبرالية تغيراً له دلالة واضحة، إذ قبل ربع قرن لم يكن من الممكن طرح مثل هذا السؤال. كما يظن أن جرأة البعض بعد أن دفع دفعاً! على إعلان أنه ليبرالي أيضاً انتصاراً. ونسي الكاتب أن التعود له دوره في التغير الاجتماعي، فالشواذ إلى وقت قريب في أميركا كان ينظر لهم حتى من بعض الليبراليين نظرة الريبة والازدراء وربما التقزز والآن صار يرحب بهم في الجيش وفي بعض الكنائس. فإلف الشيء يعطيه نوعاً من القبول الاجتماعي لكنه لا يعني الصواب من عدمه.
ثم يحاول المؤلف - كعادة الليبراليين ? أن يجير غالبية الأصوات النسائية كلها لليبرالية! لكنه لما شعر أن هذا قد لا يقبله النساء أنفسهن، استدرك على نفسه قائلاً:"طبعاً لا يمكنني القول إن جميع هذه الأصوات تنتمي إلى التيار الليبرالي. لكن المنهج الذي تعتمده غالبهن في الكتابة، والقيم التي تنتصر لها، تنسجم على الأقل مع القيم الليبرالية وهذا بالضبط ما قاله الغذامي، فهو يرى أن ما يتوهم الليبراليون أنهم متفردون بطرحه مما يصح أن يدخل في القيم الليبرالية يشاركهم فيه غيرهم. فهم يصادرون حقوق الآخرين. فما تفردوا به ليس من قيم الليبرالية ولا من خصائصها الفارقة، وما كان من خصائصها الفارقة فغيرهم يشاركهم فيه وربما يفوقهم فيه إذا أخذنا في الاعتبار خصوصية المجتمع الذي نعيش فيه".
والحقيقة أن الشيء الذي تفرد به الليبراليون عندنا بامتياز هو: أولاً: علو الصوت لإحداث الضجيج، ثانياً: الإلغاء وليس فقط الإقصاء، ثالثاً: الانتهازية حتى فيما يقوض أسس الليبرالية! وكل هذه ظهرت جلية في تعاملهم مع المخالفين في مواطن كثيرة وفاضحة! وآخرها موقفهم من الغذامي. فهو نوع من"التأديب"الممنهج لمجرد التفكير في الفردية أو الحلم بالتفرد. فهل فعلاً الليبرالية السعودية تعبير عن الفردية؟ أم هي ترسيخ للتبعية والتنميط المضاد؟
ثم لماذا ترتبط الليبرالية دائماً بالمرأة؟! ولماذا - كما يوحي الكاتب - صار لها دور بارز في هذا التيار؟ مع أن الرجل أوسع تجربة في هذا المجال، وأقدم انفتاحاً على الآخرين، وفي مجتمع"ذكوري"له الأولوية والقيادة. هذا سؤال يجب أن يطرح على الليبراليين. ويجب أن يقدموا له إجابة مقنعة، لأن عدم الإجابة تفتح المجال للطرح المخالف بأن يطرح نظريته في التفسير.
ثم يشير الكاتب إلى الربط بين الفردية والتفرد و"الليبرالية"السعودية. والذي يراقب المشهد"الليبرالي"السعودي لا يملك إلا أن يضحك من هذا الاستنتاج، فالليبرالية السعودية أكثر هشاشة من أن تتحمل الفردية والتفرد، بل هي تكريس مباشر وغير مباشر للتبعية والتنميط. ونظرة واحدة على"إنتاج"الليبراليين السعوديين تكفي"لاكتشاف"هذا من حيث الشكل والموضوع. فقضاياهم محددة سلفاً، وطريقتهم في الطرح مستهلكة. فلم يستطع"الليبراليون"أن ينتجوا فكراً جديداً أو نظرية متماسكة، بل هي آراء تعبر عن أهواء في قضايا هامشية مع تعامٍ واضح عن القضايا الجوهرية في الرؤية الليبرالية الحقيقية، لأنها ببساطة لا تدخل في دائرة"هواهم"- ولا أقول اهتمامهم! - من جهة، ومن جهة أخرى لا تضمن لهم الحضور الإعلامي، ومن جهة ثالثة أهم! أنهم أكثر عجزاً من أن يتعاطوا معها!
ثم يقول الكاتب:"وأترك الآن مؤشرات وجود الليبرالية".. وكأن الأمر بعد هذه المقدمة القصيرة أصبح مسلمة! وأنا لا أدري هل"الليبراليون"يتوهمون.. أم يكذبون على أنفسهم.. أم يكذبون على الآخرين! أم لا يشعرون بالموضوع برمته! فأولاً الغذامي لم ينكر أن هناك من يدّعي"الليبرالية"في السعودية! هو يجادل أن من يدعيها لا يمثلها، ولا يتبناها حقيقة، فبالتالي هو دعيّ
بالنسبة لها. والأخطر من ذلك من يدعي هذه الدعوى العريضة يخالف أصولها المتفق عليها عند أصحابها الأصلاء. هذا هو الإشكال الذي يواجه الليبراليين. فالدعوى لا يستطيع أحد الحجر على أحد أن يدعي ما يشاء. لكن المحك في تبني المبادئ والالتزام بها. فالسؤال ليس في وجود"ليبرالية"! السؤال/ الأسئلة هو: هل الليبرالية مفهومة من"الليبراليين"السعوديين؟ هل الليبرالية الحقة ممارسة عندهم؟ هل يمكن أن يكون الفرد ليبرالياً ومسلماً في الوقت نفسه؟ هل من يدعي الليبرالية يمتلك نظرية تغييرية تتوافق مع الرؤية الليبرالية؟ أم أنه يتمحور حول عدد من القضايا يجترها، والتي لا ترتبط ضرورة بالليبرالية أو تنبع منها بل جذبه لها هواه ومصلحته، بحيث يمكن أن يهجرها إذا تغيرت المصالح؟ هل هذه الرؤية يتفرد بها الليبراليون أم أنها حق مشاع يدعيه ويشترك فيه كل راغب في الإصلاح؟
ثم ينتقل الكاتب إلى التشريح التأديبي للدكتور الغذامي، ويبدأ بالتأكيد على عدم وجود الحياد، والتأكيد على أن الحياد غير الاستقلالية. وهو في رأيه هذا يخلط بين أمرين: التفريق بين الحياد كمبدأ والحياد كسلوك في قضية معينة، فالحياد كمبدأ مطلوب وهو من الأسس التي لا تقوم الليبرالية إلا عليها. فالتحيز يعني الأحكام المسبقة، وبالتالي يعني البدء من فرضية اللا مساواة. ويخلط الكاتب بين الحياد الصارم المطلق وهو ما لا يمكن تحققه غالباً والحياد الممكن الذي يضمن قدراً من الموضوعية، والذي تقوم عليه المنهجية العلمية، ويقبله أكثر الناس، ولا تستقيم أمور الناس العملية إلا به. وعدُّ الكاتب للاستقلالية موقفاً ونفي ذلك عن الحياد غير صحيح، والصواب أن كليهما موقف. وتفريق الكاتب بينهما صورة من صور لا حياديته الناتج من عدم استقلاليته، أراد به فيما يبدو تطبيق وصف الحيادية بأحمالها التي ذكرها على الغذامي! وهو موقف لا يتفتق عنه إلا ذهن"ليبرالي"سعودي.
والكاتب أيضاً يصور أن نقد الغذامي موجه لليبرالية وليس ل"الليبراليين"السعوديين. وفرق بين الأمرين. وتصوير أن النقد ل"الليبراليين"السعوديين نقد لليبرالية تضخيم للذات، ومخالفة للواقع تنبئ عن شبكة من الأوهام.
وهذا الخلط يصور التعمية خلط الأوراق التي يلجأ لها الليبراليون من جهة، ومن جهة يصور جانباً من الهشاشة النظرية التي يعانونها.
وفي صورة جلية للهزال الفكري الذي يعانيه"الليبراليون"السعوديون يشير الكاتب إلى الخلط بين"النموذج المثالي وبين الواقع. فهو يرى أن لكل مصطلح، ولكل حركة فكرية نموذجاً مثالياً. لكن هذا النموذج ليس إلا آلية منهجية للقياس فقط... هناك نموذج مثالي للإسلام، مثلاً، كما لليبرالية، والماركسية، والرأسمالية،... إلخ. وبما أن الغذامي يصف الليبرالية بأنها موشومة، لأنها لا تلتزم بنموذجها المثالي، فإنها وبالمنطق نفسه، صفة تنطبق على كل المفاهيم والحركات التي عرفتها البشرية. وهذا استنتاج يكشف حجم الخطل في تعريف الغذامي، ورؤيته، وما تنطوي عليه من بساطة منهجية مثيرة للدهشة".
كذا يقول، وهذا فيه مغالطة كبيرة. فأولاً الإسلام لم ينزل نموذجاً مثالياً. بل نشأ شيئاً فشيئاً من خلال قصور البشر وتعاليهم واقعهم. فهو نموذج لواقع البشر بخيره وشره، أي بإنسانيته: كل ابن آدم خطاء. ثانياً، قرن الإسلام بأيديولوجيات بشرية ومساواته بها في هذا السياق، ينبئ عن أمرين: الأول: المساواة بين هذه النماذج، ما يوحي أن الكاتب لا يرى فرقاً بين الإسلام وبين غيره من الاجتهادات البشرية. والثاني: الاعتراف بانفصال النموذج الليبرالي عن النموذج الإسلامي. وهذا يتعلق بسؤال مشكل سبق طرحه حول إمكانية الجمع بين صفة الليبرالي والإسلام. ثم الكاتب أيضاً لا يفرق بين نقد النموذج المثالي وبين نقد الممارسة، ولا يفرق بين تبني النموذج المثالي وبين تبني نموذج مزور. فالنموذج الليبرالي المثالي الحقيقي تعرض للنقد، وما زال يتعرض حتى من بعض أنصاره الفاهمين!. وهذا يحصل لكل النماذج الوضعية ولا أدري هل الكاتب يدخل النموذج المثالي للإسلام في هذا النقد! لكن هذه ليست مشكلة الغذامي مع الليبراليين السعوديين. مشكلة الغذامي - ومشكلتنا أيضاً - مع الليبراليين السعوديين أنهم يتبنون ليبرالية مزورة، ويوهمون الناس أنهم ليبراليون، بينما هم - منهجياً - مثلهم مثل غيرهم من أهل الأهواء، بمن فيهم التكفيريون! فهم بنوا النموذج الذي يهوونه ويحقق مصالحهم ورأوا أن أقرب شيء له هو النموذج الليبرالي لاعتبارات نفسية وسياسية واجتماعية، لكنهم لا يريدون الالتزام بالنموذج الأصل، إلا بقدر ما يخدمهم. فعملهم أشبه بغسيل الأفكار مقارنة بغسيل الأموال! فالكاتب يحاول أن يصور مشكلة الليبراليين السعوديين بأنها مشكلة نموذج مثالي وتطبيق، والحقيقة أن مشكلتهم التي لا يريد أن يعترف بها الكاتب هي مشكلة في الجانبين: المثال والتطبيق! وعدم قدرة"الليبراليين"السعوديين على الاعتراف بهذا يجعل أزمتهم مركبة. وهذا"يكشف حجم الخطل في طرح المؤلف، ورؤيته، وما تنطوي عليه من بساطة منهجية مثيرة للدهشة". بعبارة الكاتب.
ثم يعترف الكاتب أن الليبراليين"لا يقبلون النقد، ولا يعترفون لمخالفيهم بحرية التعبير التي يرفعون رايتها". ويضيف:"وهذه مثلبة لا شك في أنها، ومثالب أخرى، موجودة عند بعض من يتسمون بهذه التسمية". فالكاتب يوافق الغذامي من حيث المبدأ على وجود ذلك في الليبراليين، لكنه يضيف:"لكن السؤال: هل الليبراليون لا يقبلون النقد؟ أم أنهم يرفضون الإقصاء والتصفية"؟ فكيف يعترف بأن هذا رفض النقد موجود لدى بعض الليبراليين، ثم يستنكر نسبته لهم؟! الذي يؤكد عليه الغذامي ويؤيده الواقع أن الليبراليين لا يقبلون النقد، بل هم من يمارس الإقصاء
والتصفية. وأي شخص مر بخبرة التعامل مع النشر الصحفي والإعلام بشكل عام يرى هذا واضحاً. وحالة الغذامي هي الشاهد. هناك حملة شرسة عليه فقط، لأنه نقد الليبرالية السعودية! اشترك فيها كتاب أعمدة لا في العير ولا في النفير! يصرحون - في وسط هذه المعمعة! - بأن مصطلح الليبرالية تهمة اختلقها المتشددون للتنفير من الإصلاحيين! لا أدري أين يعيش هؤلاء!. فالكاتب يحاول أن يصور أن نفرة"الليبراليين"السعوديين إنما هي من الإقصاء والتصفية، وليس من النقد. ولا أظن أن أحداً مهْما بلغ تطرفه يقول عن نقد الغذامي إنه تصفية أو إقصاء لليبرالية. فلا أدري بأي منطق يتكلم الكاتب؟ وإلى من يظن أنه يكتب؟!
ويضيف:"يعرف الغذامي أن أبرز وأهم خصوم التيار الليبرالي هم المتطرفون، وأصحاب الخطاب الديني الإقصائي". والكاتب لم يبين بالضبط من هم المتطرفون وأصحاب الخطاب الإقصائي. وهذه استراتيجية يستخدمها كتاب الليبرالية ويتقصدون أن تكون مبهمة ومطاطة، حتى تعطيهم حرية أكبر في استخدامها في المَواطن التي يريدونها. فمعيار التطرف والخطاب الإقصائي هو مدى التوافق مع طرحهم. فمن يخالفهم فهو متطرف إقصائي، ولو كان في جوانب أخرى متسامح ومتساهل. والمتتبع لكتابات كثير من الليبراليين يدرك أنهم يدخلون في هذه المصطلحات بشيء من المواربة والحذر كل من يطرح الطرح السلفي الأثري كائناً من كان.
ويضيف:"ماذا تنتظر من أي إنسان يواجه تهمة الكفر والإلحاد لمجرد أنه يقول برأي مختلف؟ هناك من اتهم الليبراليين بأنهم عملاء يذهبون إلى السفارات الأجنبية ليقبضوا مقابل عمالتهم؟ وهذا غيض من فيض، لكنه لا يهم الغذامي في كثير أو قليل".
فأولاً: يجب أن نلاحظ أن الليبراليين السعوديين لم يطرحوا نظرية للتوفيق بين الإسلام والليبرالية ويحلوا الإشكالات في ذلك. وأؤكد أنهم لا من الضحالة الفكرية سواء في ما يتعلق بالليبرالية أم بالشريعة بحيث لا يستطيعون ذلك. وثانياً: يجب ألا ننسى أن الكاتب ساق عدداً من النماذج الفكرية، وذكر منها الإسلام والليبرالية على أنهما نموذجان مختلفان. وثالثاً: الإسلام والليبرالية فعلاً - لمن فهمهما! - نموذجان مختلفان ولا يتفقان في المبدأ وإن ظهر للبعض إمكان ذلك على مستوى بعض الممارسات. رابعاً، إذا كان الليبراليون السعوديون مقتنعين من صحة الليبرالية على مستوى المثال على الأقل ويعلنون هذا فما المانع أن يلتزموا لوازم ذلك ويتحملوا نتائجه. ومرة أخرى يلبس الكاتب بقوله:"ماذا تنتظر من أي إنسان يواجه تهمة الكفر والإلحاد لمجرد أنه يقول برأي مختلف"؟
فعلى افتراض أن هناك من قال بكفر وإلحاد من تبنى الليبرالية فقوله مبني على تبني عقائد محددة، تخالف عقائد الإسلام، وليس فقط لأنه قال برأي مختلف كما هي عبارة الكاتب. وكلام الكاتب إما أن فيه إيهاماً وإما أنه لا يدرك الفرق بين رأي اجتهادي بسيط واعتقاد في أصل من أصول الدين. أما اتهام الليبراليين أو بعضهم ليكون الكلام دقيقاً، بدلاً من التهويش! بقبض الأموال من السفارات.. فكما أننا لا نستطيع إثباته فليس باستطاعة الكاتب نفيه! لكن الأكيد أن هناك تقارير تؤكد هذا من حيث المبدأ في كثير من دول العالم. ومجتمعنا على رأي الليبراليين ليست له خصوصية.. ونحن مثل غيرنا! فما الذي يمنع من وجود مثل ذلك، وما الخطيئة التي يرتكبها من يفترض بناء على استنتاجات أو مؤشرات وجود ذلك؟! مع أن الخلاف يجب ألا يكون على الدوافع. الخلاف على الأفكار التي تطرح والممارسات العلنية.
ويبلغ مني العجب مداه عندما يوغل الكاتب في مناقشة الغذامي فيقول إن الهجوم على الليبراليين"لا يهم الغذامي في كثير أو قليل. ليس لأنه يتفق مع التكفيريين، وإنما لأن قضية الحرية لم تكن يوماً من اهتماماته، أو شاغلاً من شواغله الفكرية والسياسية". وليس عيباً ألا تكون قضية معينة ولو كانت بحجم الحرية من اهتمامات مفكرٍ ما، مع أني أشك أن هذا يمكن أن يقع. فالمفكر بمجرد كونه مفكراً أو له شواغل فكرية وسياسية - بل بمجرد كونه إنساناً! - لا بد من أن تكون الحرية هاجسه. والكاتب نفسه يسوق ما يؤيد أن الغذامي موغل في قضية الحرية ربما بدرجة متفردة، وربما تكون هي سبب نقمته على"الليبراليين"السعوديين! فالكاتب نفسه يقرر أن"ما يعتبره الغذامي نقداً ثقافياً، هو موقف سياسي واضح.
لكنه لا يجرؤ على إعلانه". وأيضاً ليس عيباً ألا يجرؤ المفكر على إعلان كل مواقفه! فكثير من المواقف تحتاج إلى وقت لتنضج، وبعض المواقف يكون من الحكمة والمصلحة عدم إظهاره. والكاتب نفسه يقول عن الليبراليين في مقاله هذا:"أصبح من الممكن أن يعلن أحدهم، أو إحداهن، على الملأ، ما لم يكن يجرؤ على إعلانه، وهو أنها، أو هو ليبرالي". فما الذي يبيح ذلك لليبرالي ويحرمه على الغذامي. هذا على فرض صحة ما يقوله الكاتب، مع أني أرى أنه غير صحيح. وأما ادعاء الكاتب بأن الغذامي لم ينتقد يوماً الخطاب الديني على مدى مسيرته الفكرية، فإن كان الكاتب يقصد بالانتقاد الهجوم الصحفي والإعلامي - الاسترزاقي - الذي يمارسه كثير من"الليبراليين"فربما، لكن المنصف يرى أن جل طرح الغذامي مخالف للتوجه الديني وناقد له، وأنا لا أعرف من المفكرين من نال هجوماً من الإسلاميين فكرياً بل وحسياً! حقيقة لا ادعاء مثل الغذامي! فمحاولة الخروج من المأزق أو التشويه بالإيهام بإيجاد مهادنة بين التوجّهين قفز على الحقائق.
وفي تمويه آخر يقلب الكاتب السؤال على الغذامي عندما يقول:"وبما أنه يأخذ على الليبراليين رفضهم النقد، هل يتسم هو بأريحية قبول النقد؟ هو قال عن نفسه... بأنه فشل في السيطرة على شيء واحد في شخصيته، وهو الغضب... ومن يعرف الغذامي عن قرب يدرك هذا جيداً".
وإضافة إلى ما في هذا الطرح من شخصانية ومحاولة للتشويه، ففيه تعسّف في الربط بين الغضب وبين رفض النقد. فمن حق أي شخص أن يغضب ممن ينتقده، خصوصاً إذا كان النقد متجنياً، أو كان الناقد لا يفهم القضية التي يتكلم فيها. لكن الغضب لا يعني بالضرورة عدم قبول النقد، فليس من شروط قبول النقد أو تقبله الرضا به. المهم هو الاعتراف بحق الآخر في النقد وأن لا أحد فوق النقد، أما الرضا والغضب فهذه صفات نفسية شخصية. وأما قول الكاتب بأن تجاهل الغذامي الرد على منتقديه نوع من التجاهل وانه صيغة من صيغ التعبير عن الغضب. فهذا من أعجب التفسيرات ومن أعجب النقد! فقد أتجاهل الناقد لقبولي لما قال، أو لمجرد تقبلي له واعتباري أن له رأياً خاصاً به، أو لغير ذلك، غير الغضب! فليس كل منقود ملزماً بالرد على ناقده. والتجاهل وإن كان قد يستخدم للتعبير عن الغضب، إلا أنه في كثير من الأحيان يكون تعبيراً عن الحلم. وليس من حق الليبراليين إلزام الناس بالتعبير عن مشاعرهم بطريقة معيّنة!
إن سر الحملة على الغذامي، فيما يظهر لي، هو أنه تجرأ على الكأس المقدسة! وكان صادقاً وواضحاً.. فقط. هو لم يأتِ بجديد. وشعر بفرديته.. وربما تفرده، فلم تتحمل ذلك قوالب الليبرالية السعودية الهشة. فهبّ سدنتها حمية لها، لكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم، لوجدوا أنهم يدافعون عن شيء لا يتفقون عليه ولا يعرف أكثرهم حقيقته، وينفيه عن نفسه بعضهم!
* أكاديمي بجامعة الملك سعود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.