مع قدوم كل صيف يتجدد الجدل حول جدوى المراكز الصيفية التي تنتشر بالمئات على امتداد الوطن، كل الوطن، مراكز صيفية تمارس فيها الأنشطة والفعاليات والبرامج التدريبية بمختلف أنواعها ومستوياتها، وتعتبر هذه المراكز أحد الأبناء الشرعيين النجباء لوزارة التربية والتعليم، وقد مضى أكثر من ثلاثة عقود على إنشائها، إذ مرت بمراحل وعقبات ومخاضات وانتكاسات ومحظورات عدة حتى أصبحت بالشكل الذي هي عليه الآن. بدأت فكرة هذه المراكز بهدف إبعاد الشباب من السفر للخارج، وحمايتهم من المخاطر التي قد يتعرضون لها هناك، إذ السلوكيات الاجتماعية المنفلتة التي لا تعرف الحدود مع غياب عن الرقيب، كما تهدف المراكز أيضاً لتوفير خيارات استغلال الإجازة الصيفية بشكل ايجابي ومفيد، خصوصاً أن الإجازة تمتد أحياناً لأكثر من ثلاثة أشهر، إضافة إلى رغبة الأسر السعودية والمقيمة لإكساب أبنائها بعض الخبرات والمهارات التي لا توفرها المدارس التي يقضي فيها الطالب 12 عاماً موزعة على مراحل التعليم العام الثلاث. وتحرص إدارة النشاط الطلابي بوزارة التربية والتعليم، وهي الجهة المشرفة على هذه المراكز، أن تكون وفق ضوابط ولوائح وأنظمة أقل ما يُقال عنها صارمة، بعد أن سُرقت هذه المراكز في فترة من الفترات من بعض المؤدلجين والمتشددين وأخذت عنوة إلى وجهات مشبوهة، ومارست أجندات خطرة لم يعتدها مجتمعنا السعودي المسالم. لقد عانى العباد والبلاد ويلات وويلات بسبب تفشي بعض الممارسات والأفكار والمعتقدات التي ما كان لها الظهور والبروز لولا وجود بعض الحاضنات التي تعج بشباب غض ومتحمس ينتظر الإشارة لعمل أي شيء، ولعل المراكز الصيفية إحدى أهم تلك المحاضن، أما مقرات هذه المراكز الصيفية التي تصل إلى المئات في مختلف المحافظات والمدن والقرى والهجر، فهي مدارس التعليم العام، وتستوعب بعضها - أي المراكز الصيفية ? آلافاً عدة من الطلبة في حين لا يوجد في بعضها الآخر أكثر من 100 طالب... تستهدف هذه المراكز في الغالب طلاب التعليم العام بمراحله الثلاث، ونادراً ما تجذب طلاب الجامعات، فضلاً عن الموظفين وأولياء الأمور وباقي الشرائح الأخرى. ولقد كانت هذه المراكز حكراً على الذكور، حتى شاء الله أن يسمح للفتاة السعودية بإقامة عدد قليل من المراكز الصيفية هنا وهناك، قناعة منا جميعاً بأن الفتاة السعودية لها الحق كل الحق في ممارسة بعض الهوايات والنشاطات واستغلال أوقات الفراغ في ما هو مفيد ونافع، لعل النماذج النسائية الرائعة التي تزخر بها مساحة الوطن تدل وبشكل قاطع وحاسم على أن الفتاة السعودية تستحق منا جميعاً الرعاية والاهتمام والحصول على الفرص المتكافئة، وأن تُمنح الثقة الكاملة. المراكز الصيفية التي تستمر عادة ستة أسابيع، لكنها قُلصت إلى خمسة أسابيع هذا العام، والعاملون في المراكز الصيفية هم المديرون والمعلمون والمستخدمون أنفسهم مع الطلاب أنفسهم تقريباً وفي المدارس نفسها، تماماً كما هي الحال قبل أسبوع، ولكن هذه المرة تحت مسميات مختلفة نوعاً ما، فبدلاً من مدرسة أصبحت مركزاً صيفياً من دون أدنى تغيير، وكذلك تحول مدير المدرسة إلى مدير للمركز الصيفي، والمعلمون أصبحوا مشرفي جماعات، أما الطلاب فهم كذلك سواء في المدرسة أو في المركز الصيفي... وتبدأ المراكز الصيفية عادة من الساعة الرابعة عصراً وحتى الثامنة أو التاسعة مساءًً، ويحصل كل مركز صيفي على مبلغ موحد هو 30 ألف ريال، سواء كان يضم بين جماعاته وقاعاته وساحاته مئات عدة أو لا يتجاوز عدد مشتركيه 100 طالب، ولكن يبدو أن كل شيء في ارتفاع كالحديد والاسمنت وتذاكر السفر والفنادق والبطاطس والرز والطماطم والأحذية والملابس، وجاء الدور الآن على المراكز الصيفية فقد تقرر أن يحصل كل مركز صيفي لهذا العام على مبلغ وقدره 88 ألف ريال، فالزيادة في كل الأسعار طالت كل شيء تقريباً إلا النزر اليسير، كالأسهم والرواتب والكتاب والشعر الفصيح وبعض العقول! [email protected]