أعود مجدداً للكتابة عن المراكز الصيفية، إذ سبق لي أن خصصت مقالاً عنها قبل عام تقريباً، والحديث عن المراكز الصيفية في هذا الوطن - وتحديداً في مثل هذه الوقت من كل عام - ذو شجون، ويحتاج إلى وقفات شفافة وصادقة، لكي يمكننا استغلال هذه الفترة الممتدة طوال الأشهر الثلاثة - أي العطلة الصيفية - أفضل استغلال، لإكساب أبنائنا وبناتنا العديد من العلوم والمعارف والخبرات والمهارات، لا أن تصبح هذه المراكز مجرد استراحات أو مجمعات للترفيه وشغل أوقات الفراغ. لقد رصدت وزارة التربية والتعليم أكثر من 16 مليون ريال لإقامة 333 مركزاً صيفياً، تتوزع على كل مناطق ومحافظات الوطن، وأقرت ضوابط وقوانين صارمة لعمل تلك المراكز، بهدف تحقيق الفائدة القصوى للمشتركين في هذه المراكز الصيفية، وقد سبق لي العمل سنوات في أكثر من مركز صيفي، ولمست عن قرب أهمية أن يجد الطفل أو الشاب مكاناً مناسباً يقضي فيه أسابيع عدة ممتعة ومفيدة، بعيداً عن التسكع في الأزقة والشوارع، واكتساب عادات سيئة قد تكون بداية النهاية له... لا أحد يقول - وأنا أولهم - بأن هذه المراكز الصيفية ترضي طموح المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، أو المهتمين بهذه المناشط والفعاليات، أو الآباء والأمهات، ولكن"الجود بالموجود"كما يقولون، وعاماً بعد عام ألحظ، كما يلحظ غيري، مدى التطور والتقدم اللذين تشهدهما تلك المراكز. لن نقول بأن مراكزنا الصيفية كمثيلاتها في أوروبا وأميركا ودول العالم الأول أو الثاني، فنحن نعي من نكون ولا داعي للمكابرة، ولكن بقليل من المحاسبة والمراجعة والشفافية والتقويم لهذه المراكز، بواسطة استبيانات واقعية ومنطقية، نستشف من خلال تحليلها - أي تلك الاستبيانات - جدوى مثل هذه المراكز، وما سلبياتها؟، ومدى الاستفادة منها، وكيف ينظر لها العاملون وكذلك المستهدفون؟ 333 مركزاً صيفياً يشرف عليها أكثر من 4 آلاف مشرف، وتستقبل يومياً - لمدة ستة أسابيع هي عمر المراكز الصيفية - عشرات الآلاف من أبنائنا الأعزاء. هذه أرقام كبيرة وخطرة، كبيرة في عددها وخطرة في مدلولاتها، انها - أي تلك الأرقام - تمثل توجه وتفكير وتطلع أهم شريحتين في مجتمعنا، هما المعلمون والطلاب، وهذه المراكز في حاجة إلى المزيد من الرعاية والاهتمام والبذل بسخاء على كل فعالياتها وأنشطتها. لتكن مراكزنا الصيفية حاضنة سليمة وآمنة لأبنائنا، بعد أن كانت - يوماً ما - غير ذلك. حسين الصيرفي 40 عاماً مدير أحد المركز الصيفية في محافظة القطيف لمدة ثماني سنوات متتالية، ويلقب بالعمدة نظراً إلى سنواته الطويلة وخبرته الواسعة في المراكز الصيفية، كما انه يُعد من الأوائل الذين أسندت إليهم مهام الإشراف على المراكز الصيفية... يتحدث العمدة الصيرفي كعادته دائماً بنبرة هادئة ملؤها ثقة وتفاؤل، عن مركزه الصيفي الذي يُقام في المدرسة التي يُديرها منذ سنوات عدة، فهي - أي المدرسة - وهو - أي المركز الصيفي - المكانان المحببان والمفضل أن لديه، إذ يقضي فيهما معظم وقته، سواء في الموسم الدراسي أو في العطلة الصيفية. يؤكد الصيرفي ان المراكز الصيفية شهدت تطوراً كبيراً، وأصبحت تلامس حقيقة الأهداف التي من أجلها أقيمت، لم تعد المراكز - كما يشير الصيرفي - كما كانت سابقاً مجرد ملاعب واستراحات وتجمعات يمارس فيها المشتركون كرة القدم وشد الحبل ولعبة الكراسي، أو بعض المسابقات الترفيهية، ولكنها أصبحت حافلة بمختلف البرامج والأنشطة والخدمات والخبرات والمهارات، التي تُسهم بشكل ممتع ومحبب في بناء الشخصية المتكاملة والسليمة لأبنائنا، وتبعدهم عن كل الانحرافات الأخلاقية و السلوكية والفكرية. ف [email protected]