يرى مراقبون أن مفهوم صراع الحضارات والأديان من المفاهيم المغلوطة المتداولة في الساحتين العربية والغربية، مرجعين حال الإثارة الدينية إلى حماسة مفرطة يتبناها أتباع الديانات السماوية والمذاهب الفكرية. وأشار المثقفون الذين تحدثوا إلى"الحياة"عن أمل جديد بوضع حد للتأزيم المتوشح بالدين، إلا أنهم اختلفوا في آلية ذلك، فبينما يرى أحدهم الحل في بعث وجه"الأديان"المتسامح، يرى آخر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إطاراً منظماً للعلاقة المثالية بين أتباع الأديان، فيما يطرح آخر إشكالية"الأتباع"من العامة، الذين قال إنهم"وقود الفتنة وماء السلام". وأوضح الكاتب غرم الله الصقاعي، أن مرجعية الأديان كلها إلى الله، وإن اختلفت الشرائع العملية فالبشرية تعود في فطرتها إلى أصل بشري واحد وتعيش عالماً إنسانياً متكاملاً، تتبادل فيه مصالح وتتقبل فكرة التأثير والتأثر، ولا تفاضل بينها إلا بمدى التزام الأتباع لتعاليم دينهم وتمثلها في سلوكياتهم، مضيفاً أن الترويج لفكرة إقصاء الآخر ونبذه وإشاعة ثقافة القتل باسم الدين ليست منهجاً إسلامياً مؤصلاً، باعتبار أن الأنبياء جميعهم جاؤوا من عند الله بمنهج يوثق الصلة به ويحقق سعادة الإنسان في الدنيا، وينمي بناءه وجدانياً وروحياً، مشيراً إلى أن السعودية تقدم من خلال دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أنموذجاً فريداً للتعايش بين الأديان. ونفى ما يردده البعض من ضرورة الصراع، إذ لا يمكن لمنهج رباني أن يكون مختلفاً عن سابقه أو متصارعاً مع لاحقه أو متضاداً في ما بينه وبين ما يوازيه، بهدف أن يتسيد أحدهما، وأردف:"لا أستطيع أن أتقبل فكرة الصراع إلا حين تغدو الديانات وسيلة في أيدي أناس بعينهم، لتحقيق مصالح ومآرب شخصية، ما شوه صورة الدين في أوساط بعض الشعوب، وزرع في آخرين مواقف مسبقة مبنية على رد فعل غير موضوعي، مرجعاً نظرة الآخر النافرة من الإسلام إلى استغلال ايديولوجيات وتيارات لابناء الإسلام أنفسهم وتطويعهم، ليقدموا النموذج الأسوأ عن الدين الإسلامي الحنيف". من جهته، كشف الباحث والكاتب السعودي سعود البلوي، أن الأديان بحد ذاتها لا تؤجج الصراعات، لأن الغايات المعلنة لجميع الأديان السماوية منها وغير السماوية، هي صون كرامة الإنسان وحريته والارتقاء به في شتى مناحي حياته، والدين هو أجزاء من الثقافة، لكنه حين يطغى الجزء على الكل تصبح الأجزاء الأخرى هامشية، وبالتالي يحدث الصراع. مضيفاً أن الذي يؤجج الصراع هو المعتقدات الأيديولوجية التي يتبناها أتباع الأديان في أذهانهم، فتؤثر في تصرفاتهم وسلوكهم أكثر من تأثير النزعات الإنسانية الأخرى في ثقافتهم، مشيراً إلى أن هؤلاء الأتباع يرون أن فهمهم وتفسيرهم للدين هو الدين نفسه، فيتمسكون بالنزعات العنيفة والعنصرية، باعتبار أنها تدعم مصالحهم وترعى حقوقهم وتحفظ ثقافتهم من تأثيرات الثقافات الأخرى. وأضاف البلوي أن تحديد آلية واحدة ومحددة للتوافق بين جميع الأديان أمر صعب، إلا أن هناك آليات أخرى يمكن بحثها من خلال العودة إلى"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، باعتباره مرجعية أساسية بل ووحيدة يمكن أن تسهم في إبعاد الإنسان عن محاور الصراعات، فالعقل البشري تحرر - عبر المنهجيات الفلسفية/ العقلانية - من أوهام الحقيقة المطلقة في المرجعيات الدينية. وعوّل على الميثاق العالمي في توفير خصوصية واحترام لكل دين، مع ضمان عدم التعدي عليه من الأديان الأخرى، فقضية الحرية الدينية واضحة جداً في الميثاق، وبناء عليه يمكن التحاور والتشاور والتعاون في الأمور الأخرى المشتركة بعيداً عن معيار أي الأديان أهم أو أيها أفضل. فيما عزا الكاتب عبدالله المطيري إلى الأديان تاريخياً تأجيج الصراع، إضافة إلى دعوتها إلى السلم أيضاً، وبذلك يتحدد الموقف بحسب القراءة السائدة للدين، مضيفاً أن القراءة المتعصبة والمتشددة تجد في الدين مبتغاها كما تفعل تلك المتسامحة والسلمية، مستشهداً بما نجده في الواقع من أمثلة لدعاة التعصب والقتال اليوم هم في الغالب من خلفيات دينية متفاوتة، خصوصاً أولئك المنتمين لبلدان ذات غالبية مسلمة، وهنا تحديداً تأتي أهمية نقد الأديان ومحاولة تعزيز مقولات السلام والحوار داخلها. ويرى المطيري أن الأتباع هدف أهم، باعتبار أنهم وقود النار وماء السلام في الوقت نفسه، معللاً الصراع بإشكالية يقع فيها غالبية أتباع الأديان متمثلة في أنهم لا يمتلكون رؤية نقدية تجاه أفكارهم وذواتهم، ولا يزالون يتحركون بحسب توجيهات القيادات الدينية، ويمارسون تعليماتهم مع حساب هامش الجمهور والعشوائية طبعاً، معوّلاً على مفهوم التوعية لأتباع الأديان، كونها مهمة أساسية للتربية المدنية التي لا تتبع بالضرورة تعاليم دينية محددة، ولكنها تؤسس لقيم الحرية والعدالة والتسامح والتعددية.