أثار "أطلس الأديان" تساؤلات عدة منذ طرحه، وجمع حوله مؤيدين ومعجبين وغاضبين ومنددين، إلا أن مؤلفه الباحث سامي عبدالله المغلوث، رأى فيه"علامة ثقافية، تُمهد لمعرفة الأديان السماوية والوضعية، وتهيئ لاكتشاف التقارب، والتعريف الحقيقي بالإسلام من دون رتوش أو تشويه". ويأتي هذا الكتاب الذي يحوي أكثر من 750 صفحة مكملاً لأطالس سابقة، عكف الكاتب على كتابتها، وهي:"أطلس تاريخ الأنبياء والرسل"، و"أطلس تاريخ الرسول"، و"سلسلة أطالس الخلفاء الراشدين"، والتي كان آخرها"أطلس الإمام علي بن أبي طالب"، الذي تُرجم أخيراً إلى لغات عدة وكان آخرها التركية. ويشمل"أطلس الأديان"تاريخ وعقائد الأديان وخرائط انتشارها. وينقسم إلى قسمين رئيسين، أولهما يحوي جميع الأديان السماوية، وهي الحنيفية واليهودية والصابئة والنصرانية والإسلام. فيما يشمل القسم الثاني جميع الأديان والمعتقدات الوضعية المنتشرة في العالم. ويكشف الباحث المغلوث في حوار مع"الحياة"، أسباب منع توزيع كتابه في بعض الدول، ومنها الكويت، ومطالبته بأن يصل"الأطلس"إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز... فإلى التفاصيل: في رأيك ما القاسم المشترك بين الأديان؟ - الدعوة إلى سمو الأخلاق وإلى احترام الهوية الإنسانية، وإن تباينت الأديان السماوية عن الوضعية في ذلك، واختص الإسلام بعالميته بين الرسالات"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". هل يمكن أن يأتي يوم ونلاحظ فيه تعايشاً حقيقياً بين مختلف الأديان؟ - عاش أهل الكتاب في عهد الدولة الإسلامية، جنباً إلى جنب مع المسلمين في حياة هادئة وعيش آمن. ونحن نقرأ في كتابنا الكريم"?لْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ?لطَّيبَاتُ وَطَعَامُ ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ"، يعني ذبائحهم وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون بتحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم تعالى وتقدس كما يقول العلماء ولعلك تتذكر كيف عامل المسلمون الفاتحون أهالي البلدان المفتوحة، حينما حققوا العدل ونشروا الأمن، فكان لهم القبول، ودخل الأهالي في الدين الجديد، كل ذلك بسبب التعايش السلمي بين أرباب الأديان وأتباع المذاهب. جاء كتابك"أطلس الأديان"في 750 صفحة من القطع الكبير، ويُعد من الكتب الضخمة في هذا المجال، كيف تلقته الأوساط الدينية؟ - اعتاد الباحثون في مجال الأديان على تناول الجانب النقدي لدى الفكر المخالف، وهذا أمر صائب ومحمود في مثل هذا العمل. أما في مجال الموسوعات المعرفية والأطالس التاريخية والجغرافية، فإن الأمر لا يعدو كونه عرضاً علمياً، يحتاج منك إلى عرض موضوعي، بعيداً عن إثارة كوامن الخلاف والشقاق، وهذا ما يجعل البعض لا يتقبل مثل هذا العرض، فإنه يعتقد أنك من خلال هذا العرض الموضوعي، تمجد عقيدة الآخر، أو تدعو لفكره الضال، وحاشا لله أن نكون كذلك، ونحن ممن يقف على منابر الجمعة في بلد التوحيد والسنة. فمن الأمور الغريبة أن بعض الكتّاب ذهب ينتقد طريقتي في تأليف وتصميم الكتاب، حينما أقوم بزيارة بعض دور عبادة من يخالف شرعنا. لكنني بصفتي مؤرخاً إسلامياً ومصمماً كارتوجرافياً، أوثق ذلك من خلال النص والخريطة والصورة، فهذا الإمام البقاعي من علماء التفسير، نقل نصوص أهل الكتاب بحرفيتها، كي يتعرف من يقرأ كتابه على طبيعة ما يؤمن به أهل الكتاب. ولقد شجعني الشيخ محمد ناصر العبودي رحالة الإسلام وداعية العصر عند بواكير العمل في مجال الأطالس التاريخية على الذهاب إلى هذه الأماكن، لتسجيل ما فيها بكل موضوعية وأمانة، وتوثيق ذلك بالصورة، وهذا ما سلكته في هذا الجانب. اعتبرت مكتبة العبيكان الدار الناشرة للأطالس انه"يحقق جزءاً من خريطة طريق ثقافي ونفسي"، لكن إلى أي مدى يحقق الكتاب هذه المقولة فعلاً؟ - كما قلت لك إن الأطالس التاريخية والموسوعات العلمية، مجال خصب للتعرف على الآخر، وبطرح علمي موضوعي يستطيع الإنسان من خلاله فهم الآخر، بطريقة تكفل إيجاد جو من التعايش السلمي القائم على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر. والاخوة في مكتبة العبيكان كان لهم أبلغ الأثر في إبرازي على المستوى الفكري، من خلال المشاركة في المعارض الدولية. هذا يدفعنا لنسأل هل كتبت الأطلس بقلم خطيب الجامع الملتزم، أم بفكر الباحث الناقد، لأن البعض قد يستشعر تحيزك لدينك الإسلام؟ - أفردت للإسلام باباً، وهو يستحق أكثر من ذلك، لأن رسالة الإسلام الخالدة لم تعرض بالصورة المطلوبة تقنياً، فمثلاً تجد في الكثير من الكتب الأجنبية حينما تتناول الإسلام، يتحدثون بأسلوب متشنج، ويتقصدون الأماكن غير المناسبة. وعلى سبيل المثال حينما تم التعريف بالإسلام في أحد الكتب، وهو موجود في مكتبتي، تم عرض صورة رجل يقوم بحلق شعر زميله خلال الحج، في مكان غير مهيأ للحلق، وتحيط به الأوساخ والقاذورات، وهو في واقع الأمر مكان غير الذي هيأته البلدية للقيام بهذه الشعيرة العظيمة، ليتم عرضها بطريقة تثير الكثير من التساؤلات. كيف وجدت الصدى الآخر بعد تأليف الأطالس؟ - هناك كثير من الصدى الإيجابي، فقد كرمني قبل عام على هذا الإصدار مفتي الجمهورية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون. وأخبرني بأنه أهداه للرئيس بشار الأسد، كعمل"غير مسبوق في مجال الأديان"، كما وصفه هو. وقبل ستة أشهر، هاتفني الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله عبدالمحسن التركي، مستفسراً عن مؤهلات مؤلف ومصمم أطلس الأديان. وطلب مقابلتي في فرع الرابطة في الرياض، فلبيت له ذلك. ثم طلب مني أن أقوم بإفراد الجزء الخاص عن الإسلام في كتاب مستقل. كيف ترى الأجواء العامة لمؤتمرات حوار الأديان، هل تحقق شيئاً؟ ولماذا؟ - من خلال متابعتي المستمرة للمؤتمرات التي عقدت أخيراً، فإنها تحتاج لآلية واضحة لطرح القضايا الرئيسية، للخروج بحلول ناجعة، لأن طبيعة الحوار تحتاج إلى جهد مضاعف، لتذليل الصعوبات وإزالة العقبات، ويحتاج الأمر أيضاً إلى دعم إعلامي واضح. هل نحتاج في هذا التوقيت إلى توافق مشترك في قبول دين الآخر ومعتقداته؟ أم ماذا؟ - لقد ذكرت في كتابي"أطلس الأديان"أنني لست مع التقارب في فهم الآخر، لأن هذه ثوابت لا يمكن المساس بها، والحديث فيها. ولكنني مع التعايش السلمي، ومن دعاته، وهذا ما أوضحته من خلال الأطلس، وكما دعا إليه ديننا الإسلامي الحنيف. ما الذي يريد أن يوصله المؤرخ المغلوث من أطلسه؟ - ببساطة لا شيء سوى التعريف بالأديان السماوية والوضعية، بقالب تقني معاصر، يستند على النص والخريطة والصورة، ليتسنى للقارئ الحصيف تمييز الأديان السماوية عن غيرها، وإبراز الإسلام على صورته الحقيقية كدين عالمي، يدعو إلى وحدانية الذات الإلهية، فهو دين المحبة والسلام، ويحارب الغلو وينبذ التطرف، وليس كما تصوره وسائل الإعلام الغربي على أنه دين تطرف وإرهاب. في رأيك كيف يمكن أن نحقق التوافق والتلاحم الإنساني في العالم من خلال حوارات الأديان؟ - كما قلت سابقاً إيجاد آلية واضحة وشفافة، كي يتم اختيار المشاركين الفاعلين، من أصحاب التخصصات الدقيقة، ليعم النفع مع مخرجات كل حوار، وتعزيز الدور الإعلامي في هذا الصدد. مُنع كتابك من التوزيع في دول عدة، ما السبب؟ - لا تزال هناك حساسية في عدم تقبل الأمور بشفافية. فمنع في الكويت وسورية وتونس، وفي الطبعات المقبلة، سيتم تفادي بعض الأمور التي وردت إليّ ملاحظات بخصوصها، لتوزع في هذه الدول، لكن كتبي مترجمة وموزعة في دول عدة، ومنها أطلس الإمام علي بن أبي طالب، الذي تُرجم إلى اللغة التركية مؤخراً إيماناً منهم بأهمية الكتاب.